صرح تعليمي وحقل تربوي عريق، زخر بالعديد من الكوادر العلمية المتميزة، بل اقترن بالتألق والإبداع، وظل صفة تلازم أغلب الخريجين منه.. تلك هي مدرسة أبو بكر الصديق في حبيل حنش مديرية المسيمير التابعة لمحافظة لحج، التي يعود مرحلة تأسيسها إلى السبعينات. كتعليم نظامي تم تأسيسه في 1975، ليكون حينها مهوى لأفئدة الدارسين ومنارة يتجه إليه الباحثين عن العلم والسالكين في طريقة.. لكن ثمة مشكلات عصفت بالبلاد ليتأثر ذلك الصرح وكعادة كل المرافق الحكومية والخدمية، ليتحول ذلك الماضي العريق إلى حاضر غريق. في جولة ميدانية للمدرسة قامت بها صحيفة "أخبار اليوم" لتسلط بدورها الضوء على واقع المدرسة والمشكلات التي تعانيها، ووضع مقارنة بين الزمنين، وخرجت بالتقرير التالي.. لاشك أن العمق التاريخي واحدة من الأسباب المهمة والبارزة في تاريخ هذا الحقل والحضن التربوي الشامخ والموقع الهام لهذه المدرسة. فهي تقع في منطقة حبيل حنش التابعة لمديرية المسيمير والحدودية مع مأوية التابعة لتعز، مما جعلها قبلة يتجه إليها كل الدارسين والباحثين عن التعليم لهذه المدرسة. المرحلة الذهبية فترة زمنية برزت فيها مدرسة الصديق كواحدة من المدارس النموذجية بالمحافظة التي تركت أثرا إيجابيا في أوساط المجتمع، مازال صداه يتردد على مسامع الكثير. الأستاذ قائد علي صالح الفتاحي تحدث عن هذه المرحلة قائلا: تلك المرحلة يمكن أن نسميها مرحلة التميُّز الإداري والتعليمي والسلوكي أيضاً. حيث بلغ النشاط والإبداع أوجهما، وبلغ الجهد مبلغه وغايته، فما زلنا نجني تلك الثمار إلى يومنا هذا في شتى المجالات". ويضيف:" طلاب تلك المرحلة رحبت بهم الجامعات وسعدت بهم المجتمعات، ولا يعني هذا أننا ننتقص من جهد الإدارات المتلاحقة، فكل قد بذل جهده، وأدى دوره المناط به، لكن هناك حقيقة يجب أن تقال أن مرحلة التميز بلغت ذروتها في النجاح والإبداع في هذه المرحلة". ويتابع: وللإدارة المدرسية ممثلة بالرائد الذي لا ولم يكذب أهله الشهيد أحمد عبده محمد، دور كبير في إنجاح العملية التربوية والتعليمية، وكذا طاقم التدريس الذي مثل التجانس والتكامل بينهما وإدارة التربية آنذاك رافداً أساسياً للنجاح. مشكلات وعواصف رغم المرحلة الذهبية التي مر بها هذا الصرح العلمي الشامخ وتفرده في الحصول على المراتب النموذجية تعليمياً في المحافظة، إلا أن هذا التميز لم يعد له مكان فيه. فقد برزت ثمة مشكلات عاصفة به كواحد من المرافق التعليمية الحكومية، إضافة إلى مشكلات أخرى كانت سبب في الوصول به إلى ماهو علية من وضع، صانعة من الماضي العريق حاضرا غريق. الأستاذ ياسين عبده محمد- المدير السابق لمدرسة أبو بكر الصديق معلقا عن المرحلة التي تمر بها المدرسة حاليا يؤكد أن التردي الحاصل في مستوى التحصيل العلمي أو الانضباط الوظيفي في المدرسة، لا يمكن أن نحمله شخص بعينه أو جهة بعينها، لاسيما والوضع في البلد قد وصل إلى حالة يرثى لها من الفلتان العام. ويقول:" لا يعني هذا أن نخلي المسؤولية عن أصحابها، فالكل يتحمل حسب ما أملي عليه من الواجبات، وبقدر ما تقاعس في الأداء، فالجهات المسؤولة العليا تتحمل جانب من ذلك ويناط بها توفير احتياجات المدارس من المعلمين المتخصصين ومن المناهج الدراسية، وغيرها من الاحتياجات، وكذلك الإدارات المدرسية تتحمل جانب كبير من تلك المسؤولية، كون مسؤوليتها مباشرة وبإمكانها تسيير الأمور وفق الإمكانيات المتاحة". ويضيف:" أيضا الكادر الوظيفي يتحمل جانب منها، المجتمع المحيط بهذا الصرح أيضاً يتحملون جانب من المسؤولية، لأن الضحية أولاً وأخير هم أبناؤنا وأبناؤهم". ويشدد أنه لا بد من تضافر الجهود للنهوض بالعملية التعليمية لأبنائها وتعليمهم، وأنه لا نجاح في ذلك إلا بتضافر جهود الجميع التعليمية والتربوية، ولانتشالها من هذا التردي فلا نهوض للأمم إلا بتربية أبنائها. تدهور وصعوبات أما الأستاذ عبده سعيد المقرعي- مدير مدرسة الصديق حاليا فيرجع حالة التدهور الحاصل في مدرسة الصديق إلى العديد من الصعوبات، منها التهدم الحاصل في أسطح المدرسة وعدم وجود الأثاث المدرسية الخاصة بالمعلم والطالب. ويشير إلى أن الكثير من طلاب المدرسة يفترشون الأرض نتيجة لعدم وجود الكراسي المدرسية، ناهيك عن عملية غياب الكتاب المدرسي والذي يعتبر أساس العملية التعليمية، خصوصا أن المدرسة تشهد إقبال كثيف من قبل الطلاب الوافدين إليها. مؤكداً أن كل هذه الصعوبات أثرت على العملية التعليمية بالمدرسة. ويضيف:" وهكذا تنعكس عملية الصراع الدائر في البلاد على المرافق الحكومية فتحدث شلل فيها ويظل المرفق التعليمي المتمثل بمدرسة الصديق واحد من تلك المرافق التي أصبها الشلل". ويستدرك:" لكن ذلك لم يعد العامل الوحيد للتدهور الحاصل اليوم للعملية التعليمية في هذه المدرسة، فهناك الكثير من العوامل المساعدة والتي ساهمت في وصول المدرسة لهذا الحال". نظام البدائل مشكلة الانضباط الوظيفي واحدة من الظواهر التي برزت مؤخرا في هذه المدرسة، فهناك الكثير من المدرسين منشغلين بأعمالهم الخاصة على حساب المهمة الموكلة أليهم والأمانة التي تعهدوا بتأديتها وهي أمانة التدريس وتأدية الرسالة العلمية. غير أن البعض منهم ومن منطلق تبرئة الذمة ذهب نحو مسار خطير وهو مسار البحث عن البدائل، فتجد ذلك المعلم صاحب الخبرة الكبيرة في التدريس يستبدل بخريج لهذا العام أو طالب لم يتخرج بعد، ليس انتقاصا من قدرات الخرجين.. فهناك الكثير من الخرجين يمتلكون قدرات عالية، لكن تظل الخبرة التعليمية للمعلم الذي يزحف نحو العشرين عام من التدريس هي الأقوى في عملية توصيل المعلومة للطلاب الدارسين.