قبل إجباره على القتال كان أحمد، الذي بلغ عمره الآن 17 عاماً، يعيش حياة طبيعية مع أُسرته.. "عشت كأي طفل أخر. اعتدت على الاستيقاظ والاستعداد للذهاب إلى المدرسة. بعد المدرسة كنت أذهب للصلاة وألعب مع الأصدقاء". قضى أحمد عام كامل وهو يقوم بالعديد من المهام الخطرة جداً بالنسبة لأي طفل، كالمشاركة في المعارك والمناوبة في نقاط التفتيش طوال الليل أحياناً ونقل التغذية أحياناً أخرى لزملائه المرابطين في المواقع. "لم يكن لدي وقت لاستمتع بطفولتي. ففي الأوقات التي أكون فيها بعيداً عن الصفوف الأمامية كان عليَ القيام بمهام أُخرى. في الأول والأخير أنت رهن إشارة القائد وعليك تنفيذ ما يطلبه منك": يقول أحمد، بينما يشبك أصابع يديه ببعضهما ويتذكر اللحظات المظلمة التي بالكاد نجا فيها من الموت. مع اكتمال عامين على الحرب في اليمن، يواصل الأطفال دفع الثمن الأغلى، في حين وصلت سبل التحمل التي تنتهجها الأسر إلى منتهاها. وفي جميع أنحاء البلد، تلجأ الأسر بشكل متزايد إلى بدائل سلبية للبقاء على قيد الحياة. فيتم تجنيد المزيد من الأطفال للقتال في سن أصغر من أي وقت مضى. بالنسبة ل"أحمد" فقد تغير كل شيء في غضون يوم واحد.. لقد مارس أصدقاؤه الذين يكبرونه سناً وسبق لهم الانضمام لجبهات القتال ضغوطاً شديدة عليه للحاق بهم وفي نهاية المطاف استسلم للأمر.. "كانوا يقولون لي أنني لست رجلاً لأنني رفضت القتال. لم أحتمل سماع ومقاومة ذلك": يحكي أحمد لمنظمة يونيسف. مستقبل عالق بالمنتصف تسرق طفولة الأطفال فيما هم عرضة للانتهاكات، ومستقبلهم عالق في المنتصف، غير قادرين على التعلم أو تحقيق إمكاناتهم. فهناك ما يقرب من 10 ملايين طفل بحاجة إلى المساعدات الإنسانية، بحسب تقارير دولية. فالآثار الجسدية والعاطفية التي يتعرض لها المنخرطون في القتال كفيلة بتحطيم عالمهم الطفولي. وخلال السنتين الماضيتين، تحققت الأممالمتحدة من أن ما لا يقل عن 1,572 صبيا تم تجنيدهم واستخدامهم في النزاع، في حين كان العدد850 طفل العام الماضي. يضيف أحمد مطأطأً رأسه: "دفعني أصدقائي للمشاركة في القتال. استلمت سلاحاً وذهبت للمعركة. قُتل معظم أصدقائي بعضهم في المعارك التي كنا نقاتل فيها جنباً إلى جنب". ويردف: "بعد مقتل صديقي مرضت ومُنحت إجازة للذهاب وتلقي العلاج. قضيت شهراً كاملاً تحت العلاج". أثناء فترة العلاج، التقى أحمد بأحد موظفي منظمة حماية الأطفال والشباب وهي منظمة غير حكومية تدعمها اليونيسف وتسعى إلى تمكين المراهقين/ المراهقات ومساعدتهم للحصول على الخدمات الأساسية وبدعم من استشاريين مدربين. تم مساعدة أحمد للتعامل مع الصدمة التي تعرض لها ونسيان ماضيه العسكري والأهوال التي عاشها. التحق أحمد في وقت لاحق بدورة لتعلم اللغة الإنجليزية، ويحذوه الأمل بأن يعم الأمن والسلام في اليمن من جديد. يقول: "أريد أن أتعلم وأن يكون لي مستقبل مشرق.. أتمنى كذلك أن أرى هذه الحرب وقد انتهت. كفى حرب...كفى حرب". أزمة اليمن المنسية مع دخول حرب اليمن عامها الثالث يبقى الأطفال أكثر الضحايا تضررا، حسب تقرير جديد أصدرته منظمة يونيسف الدولية الاثنين 27 آذار/ مارس. وتكشف منظمة يونيسف، في أحدث تقرير لها، خطورة الظروف التي يعيشها أطفال اليمن. ويتحدث التقرير المعنون ب"أطفال اليمن: السقوط في دائرة النسيان"، أن 9.6 ملايين طفل يمني بحاجة إلى مساعدات إنسانية، مشيرا إلى ارتفاع عدد الأطفال الذين قتلوا أو أصيبوا جراء الصراع المسلح إلى نسبة 70 في المائة، في حين تضاعف عدد الذين تم تجنيدهم مقارنة بالفترة الواقعة بين آذار/ مارس 2015 إلى الشهر ذاته في 2016. وفي تصريح ل"راديو سوا"، قال المتحدث باسم يونيسف في اليمن محمد الأسعدي: "يونيسف وهي تطلق هذا التقرير تذكر العالم بأن اليمن أزمة منسية. هناك أزمات أخرى تلقى اهتماما أكبر"، مضيفا "لا بد أن يلتفت العالم لليمن قبل أن تحل كارثة وقبل أن نفقد جيلا كاملا من الأطفال". نذر مجاعة كارثية ويشير التقرير- حصلت "أخبار اليوم" على نسخة منه- إلى أن العنف المسلح في البلاد قلص سبل العيش والتكيف بشكل حاد، ما جعل اليمن إحدى أكثر الدول تضررا بأزمة الأمن الغذائي وسوء التغذية على مستوى العالم. وباتت الأسر تتناول طعاما أقل، وتلجأ إلى طعام ذي قيمة غذائية أدنى، ويعاني قرابة نصف مليون طفل من سوء تغذية حاد، وهي زيادة بنسبة 200 في المائة منذ 2014 الأمر الذي ينذر، حسب التقرير، بخطر وقوع مجاعة عامة في البلاد. ومع تراجع مصادر دخل الأسرة، واعتماد العائلات على أقل من دولارين في اليوم الواحد، يوضح التقرير أنه يتم تجنيد المزيد من الأطفال والدفع بالفتيات الصغيرات إلى الزواج المبكر. فقد ارتفعت نسبة تزويج الفتيات قبل بلوغهن ال 18 عاما إلى الثلثين مقابل 50 في المائة في مرحلة ما قبل تفاقم الصراع المسلح. وبشكل لافت، يزداد أعداد الذين يعانون من الفقر المدقع والضعف. فقرابة 80 في المائة من الأسر مثقلة بالديون، ونصف سكان البلاد يعيشون على أقل من دولارين في اليوم، بحسب التقرير. كما أن توقف برنامج الرعاية الاجتماعية الرئيسي، وهو برنامج المعونات النقدية التابع لصندوق الرعاية الاجتماعية، ترك ما يقرب من 8 ملايين شخص دون إمكانية لشراء الأغذية والأدوية واللوازم الأساسية الأخرى للبقاء على قيد الحياة. انهيار الصحة والتعليم وعن النظام الصحي، يقول التقرير إنه على حافة الانهيار، ما يترك قرابة 15 مليون يمني من الرجال والنساء من دون رعاية صحية. في حين لا يزال وباء الكوليرا والإسهالات المائية الحادة، الذي انتشر في أكتوبر 2016، مستمر في الانتشار، وقد نجم عنه 106 حالة وفاة وأكثر من 22,500 حالة اشتباه بالإصابة. وعن التعليم يفيد التقرير أن أكثر من 1,600 مدرسة لم تعد صالحة للاستخدام كونها تضررت كلياً أو جزئياً أو تستخدم كمأوى للأسر النازحة أو محتلة من قبل أطراف الصراع. ونتيجة لذلك، فحوالي 350,000 طفل أصبحوا غير قادرين على مواصلة التعليم، مما رفع عدد الأطفال خارج المدارس إلى مليوني طفل. ومع مرور عامين على الحرب، الأسر اليمنية تضطر لاتخاذ أشد التدابير من أجل البقاء ورعاية أطفالهم، تضاعف عدد الضحايا من الأطفال قتلى ومصابين ومجندين خلال عام. تحطيم الأجساد والنفوس بحسب تقرير اليونيسف الصادر مؤخراً، فقد قلص العنف سبل التكيف بشكل حاد، مما جعل اليمن أحد أكثر الدول تضرراً بأزمة الأمن الغذائي وسوء التغذية على مستوى العالم. تقول ممثلة يونيسف في اليمن الدكتورة ميريتشل ريلانيو "إن الحرب في اليمن تأتي على حياة الأطفال ومستقبلهم. إن القتال والدمار المستمرين بلا هوادة يحدثان تشوهات ترافق الأطفال مدى الحياة، وغدت الأسر معدمة وتكافح للتكيف على الوضع." وبحسب التقرير، ففي العام الماضي ارتفع عدد الأطفال الذين قتلوا وأصيبوا جراء الصراع بنسبة 70 في المائة، بينما تضاعف عدد الأطفال المجندين، مقارنة بالفترة مارس 2015 و2016. ملايين الأطفال في اليمن، قتلى أو نازحون أو خارج المدرسة، وآلاف المدارس خارج الخدمة. وهناك قرابة 80 بالمائة من الأسر في اليمن باتت غارقة في الديون أو تقترض المال من أجل إطعام أطفالها بعد أن أنهكت الحرب الجميع ولا تزال تدفع بالمزيد من الأسر والأطفال تحت خط الفقر في بلد هو الأفقر في المنطقة.. سنتان من الحرب في اليمن كانت كفيلة ليس فقط بتحطيم الأجساد والنفوس بل أتت أيضاً على اقتصاد البلد ودمرت نسيجه الاجتماعي.. والأطفال يدفعون أغلى ثمن لهذه الحرب ويقعون ضحايا فيتعرضون للقتل والإصابة والتشويه والحرمان من الحقوق الأساسية في التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية. بالأرقام مستنداً على البيانات الموثقة الصادرة عن الأممالمتحدة، يورد التقرير المعنون ب "أطفال اليمن: السقوط في دائرة النسيان"، أنه خلال العام 2016م المنصرم فقط: - ارتفع عدد القتلى من الأطفال من 900 إلى أكثر من 1,500. - تضاعف عدد المصابين الأطفال من 1300 إلى 2450 بينهم 1801 صبي و 649 فتاة. - وصل عدد الأطفال المجندين في القتال إلى 1,580 بينما كان 850. - ارتفعت الاعتداءات على المدارس بأكثر من أربع مرات من 50 العام الماضي إلى 212. - وصل عدد الأطفال خارج المدرسة إلى 2 مليون، وحوالي 350 ألف طفل أصبحوا غير قادرين على مواصلة التعليم - ارتفعت الاعتداءات على المستشفيات والمرافق الصحية بالثلث من 63 إلى 95. - اختطاف واعتقال 235 صبيا بشكل عشوائي. - بلغ عدد الأطفال النازحين 1,6 مليون طفل من إجمالي 3 مليون شخص نازح. - وصل عدد الأطفال المصابين بسوء التغذية العام 2,2 مليون طفل. - هناك 246 ألف طفل مصابون بسوء التغذية الحاد الوخيم. - من ضمنهم الأطفال هناك 14,8 مليون شخص تقطعت بهم السبل ومحرومون من الرعاية الصحية. - 14,5 مليون شخص، من بينهم أطفال لا يستطيعون الوصول إلى مياه شرب آمنة وخدمات إصحاح بيئي ملائمة.