الرئيس الزُبيدي يطالب بخطط لتطوير قطاع الاتصالات    عاجل: حماس تعلن موافقتها على اقتراح مصر وقطر لوقف إطلاق النار في غزة    السلطة المحلية تعرقل إجراءات المحاكمة.. جريمة اغتيال الشيخ "الباني".. عدالة منقوصة    البرلمان العربي يحذر من اجتياح رفح جنوب قطاع غزة    أبطال أوروبا: باريس سان جيرمان يستضيف بوروسيا دورتموند والريال يواجه بايرن في إياب الدور قبل النهائي    الذهب يصعد متأثراً بآمال خفض اسعار الفائدة الأميركية    فتيات مأرب تدرب نساء قياديات على مفاهيم السلام في مخيمات النزوح    فارس الصلابة يترجل    صورة.. الهلال يسخر من أهلي جدة قبل الكلاسيكو السعودي    عودة نجم بايرن للتدريبات.. وحسم موقفه من صدام الريال    مبابي يوافق على تحدي يوسين بولت    منظمات إغاثية تطلق نداءً عاجلاً لتأمين احتياجات اليمن الإنسانية مميز    مسيره لطلاب جامعات ومدارس تعز نصرة لغزة ودعما لطلاب الجامعات في العالم    أمين عام الاشتراكي يعزي برحيل المناضل احمد مساعد حسين مميز    تعاون حوثي مع فرع تنظيم القاعدة المخيف في تهديد جديد لليمن مميز    مليشيا الحوثي تقتحم قرية بالحديدة وتهجّر سكانها وتختطف آخرين وتعتدي على النساء والأطفال    ضجة بعد نشر فيديو لفنانة عربية شهيرة مع جنرال بارز في الجيش .. شاهد    رشاد العليمي وعصابته المتحكمة في نفط حضرموت تمنع تزويد كهرباء عدن    ضعوا القمامة أمام منازل المسئولين الكبار .. ولكم العبرة من وزير بريطاني    «كلاسيكو» الأهلي والهلال.. صراع بين المجد والمركز الآسيوي    جريمة مروعة في حضرموت.. قطاع طرق يقتلون بائع قات من عمران بهدف نهب حمولته    سلطات الشرعية التي لا ترد على اتهامات الفساد تفقد كل سند أخلاقي وقانوني    صنعاء.. اعتقال خبير في المواصفات والمقاييس بعد ساعات من متابعته بلاغ في هيئة مكافحة الفساد    القاعدي: مراكز الحوثي الصيفية "محاضن إرهاب" تحوّل الأطفال إلى أداة قتل وقنابل موقوتة    ميسي وإنفانتينو ينعيان المدرب الأسطوري    تغاريد حرة.. رشفة حرية تخثر الدم    رغم تدخل الرياض وأبوظبي.. موقف صارم لمحافظ البنك المركزي في عدن    بسبب منعه عكس الخط .. شاهد بالفيديو قيادي حوثي يدهس متعمدا مدير المرور بصنعاء    عقب تهديدات حوثية بضرب المنشآت.. خروج محطة مارب الغازية عن الخدمة ومصادر تكشف السبب    العثور على جثة مواطن معلقة في شجرة جنوب غربي اليمن    الحوثيون يطوقون أحد المركز الصيفية في صنعاء بعناصرهم وسط تعالي صراح وبكاء الطلاب    البشائر العشر لمن واظب على صلاة الفجر    الشيخ علي جمعة: القرآن الكريم نزَل في الحجاز وقُرِأ في مصر    هل يستطيع وزير المالية اصدار كشف بمرتبات رئيس الوزراء وكبار المسئولين    البدعة و الترفيه    "ثورة شعبية ضد الحوثيين"...قيادية مؤتمرية تدعو اليمنيين لهبة رجل واحد    فيديو مؤثر.. فنان العرب الفنان محمد عبده يكشف لجماهيره عن نوع السرطان الذي أصيب به    حقيقة وفاة محافظ لحج التركي    رباعية هالاند تحسم لقب هداف الدوري.. وتسكت المنتقدين    فاجعةٌ تهزّ زنجبار: قتيلٌ مجهول يُثيرُ الرعبَ في قلوبِ الأهالي(صورة)    استهداف السامعي محاولة لتعطيل الاداء الرقابي على السلطة التنفيذية    وفاة مريض بسبب نقص الاكسجين في لحج ...اليك الحقيقة    الليغا: اشبيلية يزيد متاعب غرناطة والميريا يفاجىء فاليكانو    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    بخط النبي محمد وبصمة يده .. وثيقة تثير ضجة بعد العثور عليها في كنيسة سيناء (صور)    أمريكا تغدر بالامارات بعدم الرد أو الشجب على هجمات الحوثي    الحكومة تجدد دعمها لجهود ومساعي تحقيق السلام المبني على المرجعيات    ثعلب يمني ذكي خدع الإمام الشافعي وكبار العلماء بطريقة ماكرة    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



26 سبتمبر.. الثورة التي مازالت تقارع الكهنوت
نشر في أخبار اليوم يوم 26 - 09 - 2017

عشية السادس والعشرين من سبتمبر/ أيلول كان اليمنيون على موعد مع لحظة فاصلة من تاريخ بلدهم الحديث، غيرت مجرى الواقع، حين أذَن ضابط شاب اسمه "علي عبد المغني"- بقذيفة مدفعية دكت قصر البشائر بصنعاء- للجمهورية، وإعلان مبتدأ خلاص الشعب من ثالوث الكهنوت الإمامي ( الجوع، الجهل، المرض)..
كان ذلك في العام 1962م، تاريخ ميلاد اليمن الجمهوري، ومن حينه واليمنيون يمضون بإرادة جمعية في انجاز أهداف ثورتهم الستة.. نصف قرن ونصف عقد من عمر الثورة اليمنية الأم ومازال أحرار اليمن يقارعون كهنوت الإمامة المتربص بمكاسب ثورة أيلول، بينما يبحثون عما تحقق من أهداف.
مارد الثورة في وجه مزاعم الحق الإلهي
عشية السادس والعشرين من أيلول 2017م أحيا اليمنيون عيد ثورتهم الخامس والخمسون رغم الظروف الصعبة التي يمرون بها الناجمة عن الحرب التي تسبب بها الحوثيون بانقلابهم قبل ثلاثة أعوام على السلطة الشرعية.
ووسط ظروف سيئة وأوضاع اقتصادية صعبة للغاية احتفى أحرار اليمن هذا العام بعيد أيلول السبتمبري، وبطريقة شعبية أكثر من رائعة، كدليل رافض لعودة الكهنوت، وتعبيراً عن إصرارهم في الانتصار لأهداف ثورتهم، التي حاول الإماميون سرقتها ومصادرتها بغية إعادة عقارب الزمن إلى الوراء، والالتفاف على مكاسب سبتمبر.
وتأتي الذكرى الخامسة والخمسين للثورة والشعب اليمني يخوض بمختلف شرائحه العسكرية والمدنية مقاومة للانقلابيين، ويواصل أحراره الشرفاء التصدي لفلول الكهنوت الإمامي الذي ظل يحارب اليمنيين بأعمال تخريبية في محاولة بائسة منه ليستعيد ما يزعم أنه الحق الإلهي المقدس في الحكم.
وبدأت الأوساط الشعبية والحكومية استعدادات مكثفة للاحتفال بالذكرى 55 لثورة ال26 من سبتمبر المجيدة التي انتصرت فيها إرادة اليمنيين ضد أعتى حكم كهنوتي طاغوتي تربص باليمن لأكثر من ألف عام.
ومن خلال الاحتفاء بالثورة السبتمبرية المجيدة يعتقد اليمنيين والناشطين الشباب أن نضالهم منذ 2011 إلى الآن هو امتداد لتحقيق أهداف الثورة، وإرساء العدالة ومنع احتكار الحكم باسم الدين والاعتقاد بالحق الإلهي بحكم الشعب، بالإضافة إلى الوقوف ضد التوريث واستغلال السلطة للثراء والقمع.
وانتشرت التصاميم المختلفة الملصقة بصور الناشطين والصحفيين والسياسيين على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تعبر عن تمسك اليمنيين بثورتهم المجيدة ورفضهم كل محاولات إعادتهم إلى الماضي المظلم.
وتأتي احتفاءات الشعب اليمني بعيدهم السبتمبري تأكيداً على تمسك الأجيال جيلا بعد جيل بالثورة المجيدة ومبادئها العظيمة وأهدافها السامية والدفاع عنها والمضي قدما حتى تحقيق كافة تطلعات الشعب اليمني.
وهو ما أشار إليه رئيس الجمهورية، في كلمته بهذه المناسبة بأن "ما شهده هذا العام من احتفاء شعبي وزخم وتفاعل غير مسبوق بين كل فئات الشعب الذين يحتفلون بذكرى الثورة المجيدة بطريقتهم منذ أكثر من شهر، هو رسالة صريحة واضحة للإماميين الجدد ولأذنابهم من المغفلين الذين سلموا لهم البلاد وباعوا أسوارها حقدا وانتقاما لأن مصالحهم الشخصية وأحلامهم المريضة تقاطعت مع خيارات شعبنا الثائر الباسل".
مؤكداً أن الإمامة تقف اليوم في مواجهة مباشرة مع كل اليمنيين شمالا وجنوبا، بل لم يسبق أن اصطف اليمنيون ضد الإمامة بهذا الزخم الهادر الذي يتجلى اليوم في تلاحم الشعب المجيد ليستعيد أمجاد وأجواء الثورات المجيدة وليعيش الثورة من جديد ويخوض النضال مرة أخرى.
وتأتي ذكرى سبتمبر هذا العام وعدد من المحافظات لازالت تقاوم انقلاب ميلشيات الحوثي وصالح على الدولة والذي حدث في العام 2014، ويعد مشروع الحوثيين امتداد للكهنوت الإمامي الذي ثار عليه الأجداد في العام 1962.
فبعد ثلاثة أعوام من انقلاب جماعة الحوثي على الحكومة الشرعية تبدل حال مئات آلاف اليمنيين من فسحة العيش إلى حياة البؤس، بعد أن ضاقت بهم حياتهم إثر توقف رواتبهم، وتزايد معاناتهم اليومية مع المؤجرين، وأصحاب البقالات، ناهيك عن توقف الخدمات العامة في المدن اليمنية كالكهرباء، والمياه، والصحة، والتعليم.
فيما تتفاخر جماعة الحوثي أنها دفعت نصف مرتب لجميع الموظفين في محافظات الجمهورية من خلال لافتات كبيرة نصبت على مداخل صنعاء والمدن التي تقع تحت سيطرتهم.
وتناست الجماعة أنها كانت سببا في انقطاع المرتبات على الموظفين الحكوميين، وكانت سببا أيضا في هذا الدمار لحياة اليمنيين عامة.
وتذهب جماعة الحوثي بعيدا عندما تعقد الندوات أو تنشر الافتات التي تؤكد من خلالها إنجازات الجماعة في مجالات شتى.
وتثير اللافتات المنصوبة على مداخل المدن الخاضعة لسيطرة الحوثي التي كتب عليها إنجازات الجماعة غير الملموسة، والندوات التي تعقدها في الجامعات الحكومية موجة من سخرية اليمنيين على وسائل التواصل الاجتماعي، واصفين ذلك في تغريداتهم بالهراء والألاعيب المكشوفة، بعد أن ذاق اليمنيين مرارة الحياة بعد ثلاثة أعوام من الانقلاب.
ولم تكتفي جماعة الحوثي بسرقة ومصادرة مكتسبات الثورة السبتمبرية، بل عمدت إلى منع الاحتفال بالعيد ال55 لثورة السادس والعشرين من سبتمبر في أكثر من محافظة يسيطرون عليها، ورغم محاولة الحوثيين منع الاحتفال، إلا أن المواطنين احتفلوا بعيد ثورتهم في أكثر من مدينة..
ففي إب منع الحوثيون إيقاد شعلة سبتمبر في خليج الحرية، لكن أبناء المحافظة احتفوا بعيدهم السبتمبري وأشعلوا التنصيرات من على أسقف المنازل وفي الشوارع.
وفي العاصمة صنعاء تزينت أسطح المنازل أيضاً بتنصيرات أيلول، كما أوقد أفراد الجيش الوطني شعلة الثورة في أعالي جبال نهم.
أما تعز فقد كان لها خصوصية وميزة فريدة للاحتفال بعيد أيلول ال55، وأضاءت سماء المدينة الألعاب النارية، كما أضاءت قمم الجبال وأسطح المنازل شعل الثورة.
حرب أخرى تواجه اليمنيين
وسط ظروف غاية في التعقيد وأوضاع اقتصادية صعبة تسبب بها الانقلابيون الحوثيون وحليفهم المخلوع علي عبد الله صالح، يرابط الحاج صالح القفري طوال اليوم على عربته المتجولة في محاولة لتأمين ما يكفيه وأفراد أسرته من شراء مصاريف الغذاء الأساسي لشهر، ويخشى في الوقت ذاته من موجة ارتفاع مفاجئة لأسعار القمح والمواد الغذائية.
يقول: "إن الوضع صار أكثر صعوبة، خصوصاً بعد توقف دفع الرواتب لموظفي الدولة جراء تسلط ميلشيا الحوثي وصالح الانقلابية على مؤسسات الدولة ونهبها مواردها التي هي المصدر الوحيد لغالبية المواطنين".
ويضيف: "وهذا ما أضعف دخلنا وأثقل علينا الهموم إلى جانب ما نعانيه من مضايقات مستمرة من المسلحين الحوثيين وإجبارنا على دفع ضرائب البيع".
ويبيع الحاج صالح على متن عربته المتجولة مجموعة من اللبان البلدي والزبيب والحلويات المغلفة، فهو الرجل الخمسيني الذي لا يكل من دفع عربته كل ما تذكر أن هناك من ينتظره في المنزل، حد قوله.
وحل اليمن في المركز السادس عالمياً على قائمة دول العالم فيما يخص مؤشّر الجوع العالمي للعام الجاري. خلال الأشهر السبعة الأخيرة من العام الماضي فقط، قفز عدد اليمنيين من الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بمقدار ثلاثة ملايين شخص.
وهو الأمر الذي رفع إجماليّ عدد الذين يواجهون صعوبات في الحصول على غذائهم ويتناولون وجبات غير كافية، إلى 17 مليون شخص يمثلون ثلثَي عدد السكان، وفقاً لمسح ميداني أعدّته ثلاث منظمات إنسانية تابعة للأمم المتحدة.
وكانت تحذيرات سابقة أطلقتها منظمات دولية من حدوث مجاعة تضرب المدنيين في اليمن، بسبب نقص الغذاء والدواء، بعد تسجيل وفيات في المناطق الساحلية الغربية.
وكان المجلس النرويجي للاجئين قد تطرق في تقريره إلى ارتفاع أعداد النازحين في اليمن، قائلاً: إن نحو 4.5 ملايين يمني باتوا الآن بحاجة إلى مأوى. وأوضح التقرير أنه مع نهاية عام 2016م لا يزال أعداد النازحين في مختلف أنحاء البلاد في حدود 2.2 مليون شخص، مع تسجيل 19% منهم نزحوا من مناطق سكنهم خلال الأشهر العشرة الأخيرة فقط.
وكشف المجلس أن كثيراً من اليمنيين الذين نزحوا من مناطق سكنهم يقيمون الآن في مخيمات مؤقتة، كثير منها لا يتوفر على المرافق الأساسية مثل المراحيض ودورات المياه. محذراً من الانهيار الاقتصادي في اليمن الذي بات وشيكاً إذا لم يتم فعل شيء لدعم النظام المصرفي المتعثر في البلاد، وهذا يعني استمرار أزمة توقف رواتب الموظفين، وتوقف وصول المواد المدعمة مثل الأرز والقمح.
ومنذ بداية الأزمة وإلى اليوم، ما تزال الحرب التي تسبب بها الانقلاب الحوثي على السلطة الشرعية تصنع أثارها على جدران المدن، وتطال اليمنيين، بكافة وسائلها، ومن لم يموت برصاصات الحرب، يموت برصاصات الجوع، والفقر.
ووصف الصحفي والناشط المدني صدام أبو عاصم الوضع المعيشي المتردي في اليمن بأنه حرب أخرى تواجه اليمنيين. مبيناً أن تردي الوضع الاقتصادي يعد أحد أوجه المآسي غير المباشرة للحرب المشتعلة في اليمن منذ حوالي ثلاثة أعوام.
وقال أبو عاصم في ندوة عقدت نهاية الأسبوع الماضي بمجلس حقوق الإنسان في مدينة جنيف السويسرية أن اليمنيين لا تقتلهم آلة الحرب وحدها بل هناك مآسي اقتصادية وإنسانية خلفتها الحرب وتقتل من تبقى منهم. وأشار إلى أن هناك نماذج لقصص مأساوية حدثت في الفترة السابقة إذ أزهقت عشرات الأرواح انتحارا ومرضا وقتلا بسبب العوز والفقر في ظل توقف الرواتب وانعدام مصادر الدخل.
واستعرض أبو عاصم في ورقة بعنوان "الوضع الاقتصادي في ظل الحرب" عدد من القصص الإنسانية التي خلفتها الأوضاع المعيشية المتردية، منها قصة أم أربعينية في محافظة إب جرعت ابنتيها السم ولحقت بهن مطلع يونيو الماضي في حادثة أدمت قلوب الكثيرين، والسبب كما قال مقربون للطفلتين هو الفقر والعوز بعد توقف راتب معيلهن الوحيد والدهن الذي هو أصلاُ منفصل عن والدتهن.
مشيراً إلى أن هناك إحصائيات خاصة تؤكد تزايد حالات الانتحار بسبب الضغوط النفسية والأسرية المتأتية من تدهور الوضع المعيشي. واعتبر أبو عاصم في الندوة التي نظمها "تحالف رصد انتهاكات حقوق الإنسان" أن "الاقتصاد اليمني هو الخاسر الأكبر من الحرب، ولا يزال البنك المركزي معطلا والرواتب متوقفة والريال يتهاوى باستمرار".
ولم ينس أبو عاصم الإشارة إلى أن الاقتصاد اليمني تعرض لعبث الحوثيين، إذ لم تكن حرب جماعة الحوثيين المتمردة في اليمن للسيطرة على مؤسسات الدولة مسلحة فحسب، وإنما كانت هناك حرب أخرى ضد الاقتصاد الرسمي بهدف تدميره وخلق كيانات موازية تصبح مصدراً للأموال والإمدادات لفترات أطول.
وقد أدى استنزاف الحوثيين موارد البلاد وتسخيرها للمجهود الحربي، إلى تهاوي احتياطي النقد الأجنبي إلى 987 مليون دولار (شاملة ودائع البنوك) في سبتمبر الماضي مقابل 4.7 مليارات دولار في ديسمبر 2014.
لدى الحوثيين مصادرهم المالية الخاصة ويستمرون في الإنفاق على أنشطتهم الحربية وعناصرهم، رغم سحب البنك المركزي من تحت سيطرتهم، حيث يدير الحوثيون تجارة مزدهرة تتمثل في السوق السوداء للوقود، والتي تتم بإشرافهم وتدر عليهم أرباحاً طائلة.
وطبقاُ ل"أبو عاصم"، "تعمل جماعة الحوثيين على تمويل حروبها من خلال الجبايات والإتاوات وابتزاز التجار، من خلال طلب تبرعات مباشرة للمجهود الحربي باعتباره "واجباً وطنياً" أو من خلال عرقلة أعمالهم كما يحدث لتجار الوقود من خارج الجماعة، حيث يتم احتجاز سفنهم، ولا يتم الإفراج عنها إلا بمقابل مادي كبير يصل إلى ملايين الريالات، وفقا تجار ومستثمرين".
أزمات متفاقمة من صنع الإماميون الجدد
منذ انقلاب جماعة الحوثي على الحكومة الشرعية قبل ثلاثة أعوام وأزمات الاقتصاد تتفاقم يوما بعد آخر، لأسباب تتعلق بعبث الحوثيين وفشل الحكومة وخذلان التحالف العربي لدعم الشرعية بقيادة السعودية، بحسب خبراء اقتصاد.
ويقول خبراء في الاقتصاد إن الحوثيين عملوا على تكوين إمبراطورية مالية وكيان اقتصادي موازٍ، بعد تدمير القطاع الخاص النظامي لصالح قطاع آخر طفيلي كوّن ثرواته بموارد الدولة وعائدات السوق السوداء.
ويشهد اليمن أزمة إنسانية حادة، فنحو 18.8 مليون شخص في حاجة إلى مساعدة إنسانية عاجلة، بحسب تقارير منظمات الأمم المتحدة.
وانعكس تردي الاقتصاد على الأوضاع الاجتماعية والإنسانية الهشة، التي تزداد سوءاً كل يوم،
وتواجه المالية العامة عجزاً في تغطية مرتبات موظفي الدولة المقدر عددهم بنحو 1.25 مليون موظف، فيما تقدر المتطلبات الشهرية للمرتبات وفوائد الدين المحلي بحوالي 115 مليار ريال (460 مليون دولار)، بينما تغطي الإيرادات العامة الشهرية حوالي 30% فقط من تلك المتطلبات.
وطبقاً لتقارير اقتصادية فإن من أبرز الصعوبات التي واجهها الاقتصاد اليمني، خلال العام الماضي، تمثلت في أزمة السيولة والعجز عن دفع الأجور، وتوقف التحويلات المصرفية إلى الخارج وظهور مؤشرات المجاعة وانعدام الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين كالكهرباء والمياه والتعليم والصحة، بالإضافة إلى تراجع حركة الملاحة.
وبدأت بوادر المجاعة تظهر في إقليم تهامة غرب اليمن، بسبب عدم قدرة السكان على توفير المأكل والمشرب لأطفالهم، الذين يعانون سوء التغذية، ودفع هذا الوضع الحكومة اليمنية لإعلان محافظة الحديدة "منطقة منكوبة"، لانتشار المجاعة وانعدام الأمن الغذائي فيها.
وفي العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة المتمردين الحوثيين، يعاني سكان المدينة تدهوراً مستمراً في معيشتهم وبات أغلبهم تحت خط الفقر ولا يجدون الطعام.
وما زال نحو مليون موظف يتركزون في صنعاء وبقية المناطق الخاضعة للحوثيين، بدون رواتب للشهر الثامن على التوالي، ويعيشون ظروفا صعبة ويصارعون الجوع.
وأكد تقرير لمركز الإعلام الاقتصادي صدر مؤخراً أن الوضع الاقتصادي في اليمن لم يشهد أي تحسن خلال النصف الأول من العام الحالي.
الموت يلتهم الشرائح الأشد فقرا
"في اليمن لم يعد احتساب معدّلات الفقر يحتاج إلى عمليات حسابية كبيرة ودراسات إحصائية، بعد أن بات بإمكاننا رؤية الكثير من حالات الفقر بالعين المجرّدة في الشوارع العامة والطرقات"، هكذا يتحدث ناشطون وصحفيون في تقاريرهم.
العديد من الأسر التي تحوّلت إلى حالات فقر، هي في الأساس لم تكن كذلك قبل الحرب؛ أي أن الأزمة التي تمر بها اليمن، نتيجة الظروف التي تعرضت لها العديد من الأسر من حالات تهجير وفقدان للأعمال والممتلكات، جعلت هؤلاء يصبحون في عداد الفقراء، وهذا شمل الكثير من المحافظات اليمنية، ما أوصل إلى أن يصبح 21مليون يمني في عداد الفقراء، ويحتاجون للمساعدات الإنسانية، بحسب آخر إحصائيات للمنظمات الدولية والأمم المتحدة.
الشرائح الأكثر فقرا، تعيش اليوم حالة موت سريري من الجوع إن لم يكن موت محقق. خصوصا منذ توقف صندوق الرعاية الاجتماعية الحكومي عن صرف الإعانات المالية الدورية (معاشات الضمان الاجتماعي) لمليون ونصف مليون أسرة من ‏أفقر الفئات في اليمن، منذ منتصف العام 2015، وذلك جراء تعليق التمويل الدولي للصندوق احتجاجاً على الانقلاب على ‏الرئيس الشرعي في البلاد.
وانعكس توقّف الإعانات سلباً على أوضاع الأسر اليمنية المعدمة التي كانت تستفيد منها. ويقدّر اليمنيون الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية ب 21 مليوناً من أصل 26 مليون نسمة (عدد سكان البلاد).
وفي ظل تزايد الحصار القائم على المدنيين من قبل مليشيا الحوثي وصالح الانقلابية ومصادرتها للمساعدات الإنسانية والإغاثية ومنحها لمواليها والذين يقاتلون في صفوفها ضد القوات الحكومية الشرعية، دعا مجلس الأمن في شهر أغسطس إلى ضرورة سماح وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين المحاصرين.
وفي وقت سابق، كانت الأمم المتحدة قد أعلنت عن حاجة 19 مليون شخص من أصل 26 مليوناً هم إجماليّ سكان اليمن، إلى دعم إغاثي. ويُعدّ 10 ملايين من هؤلاء في حاجة إلى مساعدات فورية لإنقاذ حياتهم، من جرّاء الحرب القائمة في البلاد، والتي دخلت عامها الثالث في أواخر مارس الماضي.
أهداف الثورة.. جاري البحث
يحتفي اليمنيون بالعيد ال55 لثورة 26 سبتمبر 1962م، وما يزال الشعب اليمني يتساءل، ما الذي تحقق خلال نصف قرن ونصف العقد على قيام الثورة السبتمبرية؟!
55 عاماً من عمر الثورة هي خلاصة اليمن الجمهوري الحديث وامتداداً إلى الجيل الحاضر الذي يقاوم الإماميين الجدد الأكثر قبحاً وحقداً على الحداثة ودولة النظام والقانون..
ثورة شكلت البداية الأولى لوعي الناس بالظلم والقهر والعبودية وعيشتهم القاسية، ما جعل الجميع يقرّون في الداخل والخارج بحتمية المهمة التاريخية تجاه الثورة ووضعها واجباً وطنياً لا مناص منه.
الجديد اليوم، كما يشير باحثون، هو أن يُعاد الحديث، بعد أكثر من خمسين عاماً، عن الأهداف الستة التي لم يتحقق منها شيء، في نظر البعض، وتحوّلت إلى أشبه بحبر على ورق، بحسب الشاعر عبدالله البردوني، والتي صاغها بطل الثورة السبتمبرية، علي عبد المغني، وقد لخص سبب عدم تحققها شاعر اليمن الكبير في كتابه «الثقافة والثورة في اليمن»، وتحدّث عن أن عدم تحققها لا يرجع إلى عدم أهميتها، بقدر ما يرجع إلى طول أمد الحرب دفاعاً عن الثورة، وخيانة الذين غدروا بالثورة من الداخل.
ويرى مراقبون أن الأخطر اليوم، بالنسبة للثورة الأعظم في تاريخ اليمن، حجم الانتكاسة التي وصل إليها اليمن، والتي لم تكتف بعدم تحقق أهداف ثورة 26 سبتمبر، وإنما بالانقلاب على هذه الثورة، وعودة نظام الكهنوت الإمامي الذي قامت ضده الثورة، بكل منظوماته وأيديولوجياته المتخلفة، على الرغم من الفارق الكبير والمهول في مقدار التحولات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والثقافية التي كانت، وما هو كائن اليوم بعد نصف قرن من الثورة الأم.
بعد 55 عاماً من قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م حين ثار اليمنيون الأحرار ضد استبداد الأئمة الجاثمين على البلاد طوال قرون متعاقبة، لا يرى اليمنيون أن شيئاً من آمال ثورتهم قد استوى على سوقه، فأهداف ثورتهم التي خرجوا لانتزاعها من يد الديكتاتور، لم تنضج بعد.
منذ قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م مر ما يزيد عن نصف قرن، وأهدافها الستة في أطوار البحث الشاق عن جمهورية استحوذ عليها إمام جديد، وإن كان من خامة أخرى. حيث كان ثالث هدف من أهدافها ينص حرفياً على "ﺭﻓﻊ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﺸﻌﺐ اﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺎ ﻭاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺎ ﻭﺳﻴﺎﺳﻴﺎً ﻭﺛﻘﺎﻓﻴﺎً".
فيما يقول اليمنيون: إنهم طوال 55 عاماً من إعلان النظام الجمهوري لم يلمسوا أثراً للجمهورية عدا سنتين وبضعة أشهر، هي فترة حكم الرئيس الحمدي لليمن الشمالي قبل اغتياله، ثم اغتيال الجمهورية من بعده.
كانت آمال اليمنيين تتطلع أن يشهد اقتصاد بلادهم تحولات مرحلية بعد قيام الجمهورية، خصوصاً في ظل وجود الثروة البشرية إلى جانب الموارد الطبيعية وقلة الأعباء على الحكومة من تراكم الديون الأجنبية، إضافة إلى فرص الاستثمار في ظل التنافس المحموم بين الشركات النفطية السوفيتية والأمريكية.
ورغم الجهود التي بذلها الرئيس إبراهيم الحمدي لرفع الاقتصاد المحلي دون توريط الدولة في شرك الديون الأجنبية، علماً أن معظم الموارد الطبيعية في حينها لم يكن قد جرى التنقيب عليها واستخراجها وتسويقها، مقارنة بالفترة التي تولى فيها علي عبد الله صالح مقاليد الحكم في البلاد.
خلال خمسة عقود كانت ثورة سبتمبر قد توارت خلف حجاب من السياسات الخاطئة التي ارتكبتها الأنظمة الجمهورية المتعاقبة، وكانت المرحلة الأكثر تأثيراً على تغييب الوعي بسبتمبر هي فترة حكم الرئيس المخلوع، الذي كان يمضي بالبلد في اتجاه معاكس لثورة سبتمبر وأهدافها.
وحسب دراسة دولية أصبحت اليمن في السنوات الأخيرة لحكم صالح ثالث دولة في العالم من حيث الفساد والرشوة بعد دولتي "سيراليون" و "ليبيريا" الأفريقيتين.
كما شهدت اليمن خلال حكم صالح انحداراً فظيعاً، أوصل المستوى الاقتصادي للبلاد إلى أحطِّ الدركات، خصوصاً بعد أزمة الخليج في عام 1990م (إبان الحرب العراقية الكويتية) التي أفرزت على اليمن تبعات كارثية، لعل أبرزها هو سحب دول الخليج للامتيازات التي كان يتمتع بها اليمنيون العاملين فيها، بجريرة وقوف صالح في المكان الغلط، أدخل معه اليمن إلى جحر الضبّ، كأحد معالم الإخفاق الشديد في السياسية الخارجية التي اتسم بها نظامه.
حيث كانت نسبة ما يتدفق إلى اليمن عن طريق العمالة اليمنية في السعودية وحدها، أواخر الثمانينيات، حوالي ملياري دولار، في حين كانت عائدات اليمن من تصدير النفط في 2007م لم تتجاوز مليار ونصف دولار.
أما بعد دخول الحوثيين صنعاء، نهب الحوثيون ما تبقى من اقتصاد البلاد وأفرغوا خزينة الدولة من ميزانيتها، عشرات المليارات التي ثبت أن الانقلابيين على الجمهورية نهبوها من البنك المركزي اليمني خلال الأشهر الأولى لعاصفة الحزم، ولا توجد حتى الآن إحصائية دقيقة لإجمالي الأموال التي نهبها الحوثيون من خزينة الدولة، لعدم وجود سلطة رقابية تستطيع معرفة التفاصيل حول ما تعرضت مؤسسات الدولة وإيراداتها وخزينتها العامة من عبث ونهب.
إضافة إلى ذلك لا يمكن إغفال التداعيات الأخرى التي صاحبت انقلاب الحوثي وصالح على الجمهورية، التي جعلت زهاء 24 مليون يمني على بعد خطوة من المجاعة، حسب توصيف الأمم المتحدة، وتسريح الآلاف من موظفي الدولة من أعمالهم، ثم قطع مرتبات مليون ونصف المليون يمني في القطاع العام منذ عام كامل.
ناهيك عن نزوح مليوني يمني من منازلهم وقراهم جراء الحرب الدموية التي أشعلها الانقلابيون في البلاد، وخلفت أكثر المآسي الإنسانية إيلاماً للضمير الإنساني، وفقاً لتقارير منظمات إنسانية عربية ودولية.
وطيلة 55 عاماً من عمر الجمهورية مازال البحث جارياً عن أهداف الثورة الستة التي أراد الاستحواذ عليها إمام جديد باسم الولاية، حد تعبير الصحفي عمار زعبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.