لم تتأخر واشنطن كثيرا عن تنفيذ هجمات جوية ضد مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية في العراق ساعات بعد إجازة الرئيس الأميركي باراك أوباما لمثل هذا الهجوم لحماية عشرات الآلاف المسيحيين والإيزيديين. وغذى التدخل الأميركي أمالا عريضة لدى قيادة الجيش العراقي بإمكانية تدارك الهزائم المدويّة ضد التنظيم المتشدد واستعادة زمام المبادرة في الحرب المستعرة ضده في مناطق شاسعة في شمال العراق. وقال متحدث باسم وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) إن طائرتين عسكريتين أميركيتين شنتا غارة جوية الجمعة على مواقع مدفعية يستخدمها تنظيم الدولة الاسلامية في الهجوم على القوات الكردية التي تدافع عن مدينة اربيل قرب موقع تمركز عسكريين أميركيين. هجوم يستهدف المدفعية وقال إن مسلحي الدولة الاسلامية يستخدمون المدفعية في قصف القوات الكردية التي تتولى الدفاع عن اربيل حيث يتمركز عسكريون أميركيون. وأضاف "اتخذ قائد القيادة المركزية قرار الضربة الجوية بموجب تصريح من قائد الأركان". وقال كيربي إن توقيت الضربة الجوية كان الساعة 6:45 صباحا بتوقيت شرق الولاياتالمتحدة أو 1:45 ظهرا بتوقيت أربيل (1045 بتوقيت غرينتش). واوضح الاميرال كيربي أن قاذفتين من طراز اف/آي 18 القيتا قنابل تزن الواحدة منها 250 كيلوغراما موجهة بالليزر على مربض مدفعي متحرك قرب اربيل. وكان هذا المربض المدفعي يستخدم لقصف القوات الكردية في اربيل بكردستان العراق، وكان يهدد موظفين اميركيين في المدينة، كما قال هذا المتحدث باسم وزارة الدفاع الاميركية الاميرال جون كيربي. واضاف ان "قرار القصف اتخذه مركز القيادة الاميركية بموافقة القائد الاعلى" باراك اوباما. وأجاز الرئيس الأميركي الخميس توجيه ضربات جوية أميركية محدودة على العراق لحماية المسيحيين والحيلولة دون وقوع "إبادة جماعية" ضد عشرات الآلاف من طائفة اليزيدية ممن يحتمون بقمة جبل خوفا من مقاتلي الدولة الاسلامية. واتهم اوباما الدولة الاسلامية بأنها تريد "القضاء المنهجي على كامل الايزديين، مما يعتبر ابادة". وحذرهم من ان غارات جوية ستستهدفهم اذا ما حاولوا الزحف نحو اربيل. واعلن الرئيس الاميركي "سنكون يقظين ونتخذ تدابير اذا ما هددوا منشآتنا في اي مكان من العراق خصوصا القنصلية الاميركية في اربيل والسفارة في بغداد". واكتسح مقاتلون سنة من الدولة الاسلامية -يسعون لإقامة خلافة إسلامية والقضاء على "الكفرة"- شمال العراق في يونيو/حزيران. وبدأت الولاياتالمتحدة أيضا إسقاط معونات إغاثة للاجئين. وقال وزير الخارجية الأميركي جون كيري الجمعة إن تقدم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق ينذر بإبادة جماعية وإن المخاطر بشأن مستقبل البلاد لا يمكن أن تكون أكثر وضوحا مما هو حاصل الآن. وأضاف في إشارة إلى مقاتلي الدولة الإسلامية "حملة ارهاب تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام على الأبرياء ومن بينهم الأقلية المسيحية وأعمال العنف الفظيعة تحمل كل نذر الإبادة الجماعية". والهجمات هي الاولى من نوعها للجيش الأميركي منذ انسحابه من العراق عام 2011 بعد الإطاحة بصدام حسين قبل ذلك بثماني سنوات وإعلان أوباما تمسكه بعدم ارسال قوات برية الى العراق. وتوقع رئيس اركان الجيش العراقي بابكر زيباري الجمعة ان تشهد بلاده "تغيرات كبيرة خلال الساعات القادمة" بعد تدخل القوات الاميركية وضربها مربض مدفعية لتنظيم الدولة الاسلامية في شمال البلاد. وقال زيباري "الساعات القادمة ستشهد تغيرات كبيرة. الطائرات الاميركية بدأت بضرب تنظيم داعش في جنوب مخمور واطراف سنجار" وكلاهما شمال العراق. واشار الى ان "العملية ستشمل مدنا عراقية تخضع لسيطرة تنظيم داعش"، وهي التسمية المختصرة للاسم السابق للتنظيم الذي كان يطلق على نفسه اسم "الدولة الاسلامية في العراق والشام". واشار زيباري الى "تشكيل غرفة عمليات تجمع ضباطا من الجيش العراقي والبشمركة (الكردية) وخبراء من القوات الاميركية، لتحديد الاهداف وتطهير المناطق بمشاركة (مروحيات) طيران الجيش" العراقي. المالكي لا تعنيه نتائج الهجوم وجاءت هذه التطورات الميدانية المثيرة في وقت تزداد فيه الضغوطات على رئيس الوزراء نوري المالكي من اقرب حلفائه الشيعة لدفعة الى التراجع عن تقديم ترشحه لرئاسة الوزراء لولاية ثالثة. وحث المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني في خطبة الجمعة - التي يتلوها أحد مساعديه نيابة عنه- في مدينة كربلاء الساسة العراقيين على اختيار رئيس وزراء قادر على انهاء الأزمة الأمنية التي يفرضها تنظيم الدولة الاسلامية. وقال السيستاني ملمحا الى المالكي إن الساسة الذين يتشبثون بمناصبهم يرتكبون خطأ جسيما. وتمثل تصريحات السيستاني تصعيدا للضغوط على رئيس الوزراء ليتخلى عن مسعاه للبقاء فترة ثالثة في المنصب. ودعا السيستاني العراقيين إلى التوحد في مواجهة "الخطر الكبير" الذي يمثله مسلحو تنظيم الدولة الإسلامية الذين أثار تقدمهم في شمال البلاد قلق حكومة بغداد وحليفتها الولاياتالمتحدة. وسيطر مقاتلو الدولة الاسلامية الخميس على قره قوش، اكبر مدينة مسيحية في العراق، وعلى سد الموصل، اكبر سد في البلاد. والجمعة تأكدت سيطرة مسلحي تنظيم الدولة الاسلامية على سد الموصل، احد اهم سدود البلاد ويضم محطة لتوليد الطاقة الكهربائية، والذي يقع شمال المدينة التي تحمل اسمه. وقال هلكورت حكمت المتحدث باسم وزارة البشمركة (الدفاع) لاقليم كردستان، ان "المسلحين يسيطرون منذ مساء الخميس على سد الموصل". واكد بشار كيكي رئيس مجلس محافظة نينوى كبرى مدنها الموصل (350 كلم شمال بغداد) سيطرة المسلحين على السد، في هذه المحافظة التي يسيطر عليها التنظيم منذ بداية حزيران/يونيو. وقال كيكي ان "مسلحي تنظيم داعش سيطروا على سد الموصل بشكل كامل". ويعد سد الموصل على نهر دجلة عند بحيرة الموصل التي تقع على بعد حوالى خمسين كيلومترا شمال الموصل، المصدر الرئيسي للمياه في محافظة نينوى والمناطق المحيطة بها. وتمثل محطة الطاقة الكهربائية، احد المحطات الرئيسية في البلاد، المصدر الرئيسي للطاقة لمحافظة نينوى ومناطق اخرى في شمال العراق. وحذر السفير الاميركي في العراق عام 2007، ريان كروكر وقائد القوات الاميركية انذاك في العراق الجنرال ديفيد بترايوس من خطورة تعرض السد للانهيار. وكتب في رسالة وجهها الى رئيس الوزراء نوري المالكي ان اي "فشل (انهيار) كارثي في سد الموصل يؤدي فيضانات على امتداد نهر دجلة حتى بغداد". وأضاف انه عند حدوث "اكثر الأمور سوءا، قد يحدث انهيار لسد الموصل في طاقته الخزنية القصوى ما يولد موجة (ارتفاعها) عشرين مترا على مدينة الموصل تؤدي الى وقوع خسائر في الأرواح وأضرارا جسمية". وتستغل الدولة الاسلامية السدود التي تسيطر عليها كأسلحة عبر إغراق مناطق واسعة كما فعلت مطلع العام 2014، عندما أغرقت مناطق واسعة قرب مدينة الفلوجة، غرب بغداد. لكن الموصل تعتبر احد اهم واكبر مواقع تواجد تنظيم الدولة الاسلامية، ويعد سد الموصل مهما لاقتصاد الدولة الاسلامية التي تعتبرها مركزا "لدولة الخلافة" التي اعلنتها حزيران/يونيو. ويرى جون دريك الخبير في مجموعة "ايه كي اي" الأمنية انه "طبيعي ان تطرح مخاطر قيام المسلحين بفتح المياه وإغراق المناطق المنخفضة، لكن الامر في الموصل سيكون كانك تطلق النار على قدمك" في اشارة لأهمية المنطقة للمسلحين.