صور الثورات وحركات الاحتجاج في الشوارع ليست كل ما في المشهد العربي. مشهد لم تمنع الخصوصيات في كل بلد من رؤية الخط الواحد للهموم والاهتمامات الشعبية الممتدة من المحيط والمتوسط الى الخليج والمخضبة بالدم. وشتاء الغضب ليس موسماً عابراً بل اعلان الدخول عربياً في القرن الحادي والعشرين، ولو في بداية عقده الثاني. ولا يبدل في الأمر كون ما يطلبه الثوار هو ما حققته شعوب كثيرة في القرن العشرين. صحيح ان البارز في المشهد هو صورتان للتغيير وراء كل منهما أسئلة تبحث عن أجوبة. الأولى هي نضج (حال ثورية) وسط قليل من الفكر الثوري ومن فاعلية المنظمات الثورية. والثانية هي المطالبة بالديمقراطية في غياب التجارب الديمقراطية في العالم العربي. لكن الصحيح أيضاً أن أهم ما في هذه الثورات والاحتجاجات هو أنها ليست بصوت واحد ولا أسيرة ايديولوجية واحدة بل تتحدث بأصوات متعددة لمختلف الشرائح الاجتماعية، وخصوصاً شريحة الشباب. فضلاً عن أن الديمقراطية مسار طويل تستطيع فيه الشعوب خلق البديل الذي غيبته الأنظمة، وصنع النموذج الديمقراطي برغم الادعاءات الكثيرة بأن العالم العربي هو (الاستثناء الديمقراطي) من القاعدة في العالم.ذلك أن غياب السوابق ليس حاجزاً أمام التحولات حين تدق ساعتها. فلا المتغيرات، وإن بدت كأنها من المفاجآت، فاجأت سوى الذين تصوروا أن الأنظمة السلطوية التي عاشت طويلاً صارت من الثوابت. ولا ما فعلته الثورة في تونس ومصر وما تفعله ثورة ليبيا والاحتجاجات في اليمن والأردن والبحرين وسلطنة عمان والجزائر والمغرب وايران تتوقف مفاعيله على ما يحدث في أسابيع أو أشهر. والمعادلة باتت واضحة: الأنظمة التي تمارس حداً من الانفتاح قادرة على التكيف والحوار مع المعارضة للوصول الى تسويات اصلاحية. والانظمة المغلقة كلياً تقاتل بكل الوسائل للبقاء، لكنها تواجه السقوط الكامل في النهاية. والسؤال اليوم، وسط الشعارات المرفوعة في دول عدة، هو: هل اقترب العالم العربي من نهاية (الجمهوريات الملكية) في بلدان وبداية (الملكية الدستورية) في أخرى? ما حدث في تونس ومصر أنهى مرحلة الرئاسات مدى الحياة وفتح الباب أمام شعوب أخرى، إن لم تكن على طريق الخروج من الأنظمة الرئاسية وسلطتها المطلقة الى الأنظمة الديمقراطية البرلمانية حيث التعددية والمراقبة والمحاسبة. وما يطالب به المتظاهرون أو أصحاب العرائض في الممالك، هو الانتقال الى (ملكية دستورية) على الطريقة البريطانية يبدو الوصول اليه صعباً أقله في المدى المنظور. لكن الاصلاحات السياسية المتدرجة ممكنة وضرورية. والمهم أن الشعوب كسرت حاجز الخوف من الأنظمة المخيفة التي صارت خائفة من الشعوب.