"طريق الحرية أفضل طريق للتقدم".. جون كنيدي لن نتخلص من الاستبداد وهناك من يبذل الأعذار للأنظمة العربية الفاشية. يجب احتقار المستبدين دون تفرقة، وإلا فإننا نواصل السقوط الأخلاقي. يمكننا أن ننحاز للحرية ولن نندم أبداً على هذا الاختيار. مشكلتنا الأساسية أننا انتقائيون بدرجة مخيفة، فالثورة السورية التي تخوض حرب تحرير حقيقية ضد نظام مليء بالقسوة والتعالي هي من وجهة نظر البعض الذي يمثل تيارات قومية واشتراكية عملية تخريبية يقودها عملاء للسعودية وقطر وأمريكا وإسرائيل هدفها ضرب محور الممانعة، هكذا يتم وصم نضالات السوريين التواقين للحرية بالمقامرة الرخيصة. في المقلب الآخر، يبدي المحسوبون على التيار الإسلامي حماسة منقطعة النظير في التأكيد على أن ما حصل ويحصل في البحرين ليس سوى مؤامرة إيرانية شيعية طائفية لاختراق العالم السني. صحيح أن الوضع في سوريا والبحرين على وجه الخصوص معقد بدرجة كبيرة، ومن غير الممكن إغفال العامل الخارجي في التطورات الجارية في كلا البلدين، لكن هذا الأمر لا يجب أن يجعلنا نتخلى عن دورنا في مساندة حق الشعوب في الحرية، نخطئ كثيراً إذا لم نفهم أن الحرية أهم كثيراً من الشعارات البراقة التي تحكمت بنا عقودا طويلة ولم تجلب لنا سوى الهزائم والاستبداد ومشاريع التوريث. قبل عدة سنوات نادى الشيخ يوسف القرضاوي بأن تكون الحرية مقدمة على الشريعة، لقد ألقى هذا الاجتهاد حينها حجرا كبيرة في مياه راكدة، وهو ما أغضب كثيرا من الأنظمة العربية التي سرعان ما استخدمت ما تملكه من رجال الدين لشن حملة تكفيرية واسعة ضد القرضاوي، كيف يقول ذلك؟ كيف يمكن أن يكون الشذوذ مقدم على الصلاة؟ لقد أُعطيت الحرية تعريفات غير صحيحة بقصد الإبقاء على سلطة الأمر الواقع، فقد كان الجزء الأهم من إستراتيجية الأنظمة العربية الفاشية يقوم على تقديم الحرية بوصفها أمر يخالف الإسلام والعادات والتقاليد. في أحيان كثيرة كانت هذه الأنظمة تنجح في هذه المهمة، لكن ثورات الربيع العربي أسقطت هذه الإستراتيجية الشريرة، وجعلت من شعار الحرية الشعار الأكثر بريقاً وقداسة. اليوم، هذا الاختراق الذي يحسب لثورات الربيع العربي مهدد بالضياع، ففي خضم الصراعات المتصاعدة بين شركاء الثورات من إسلاميين وقوميين واشتراكيين، تحولت الحرية إلى شيء يجب أن نخافه، ودائماً ما يكون الخوف من الحرية الباب الملكي لعودة الاستبداد. في الحقيقة، لا تكمن أهمية وعبقرية الحرية في أنها تمنع عودة الاستبداد وحسب، إنها تجعل الإنسان أكثر ثقة بنفسه وبوطنه وبالعالم بأسره، وهذا الأهم، لأنه ببساطة لا يمكن تصور الحياة أو الانجاز أو أي شيء جميل دون حرية. لنتمسك بما قاله الأديب الفرنسي فيكتور هوغو ذات يوم: "حرروا الحرية، والحرية تقوم بالباقي".