المسئول في رمضان وفي غيره لا هم لديه سوى متابعة أرصدته وتنمية أمواله وتجارته، وإذا تأزم الوضع فهو لا يتأثر (يا جبل ما يهزك ريح) بل غالباً لا يدري أن هنالك أزمة وإن عرف فهي "عالمية وليست من اختصاصه" (إن كان يدرى فتلك مصيبة وإن كان لا يدري فالمصيبة أعظم). أما المواطن فهو كل يوم في هم وكرب وغم وضيق وفي رمضان تزداد عليه الهموم وتتضاعف عليه التكاليف. وإذا كان الله قد فتح في رمضان أبواب الجنة وأغلق أبواب النار وصفد الشياطين، فحكومتنا العتيقة قد فتحت للمواطنين أبواب الجحيم وأغلقت فيه أبواب العيش الكريم وعملت فيه على تصفيد كل من يريد خيراً لهذا الوطن. والمسئول في رمضان كل ما حوله رهن إشارته، ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين من طيبات الأطعمة والأشربة تأتيه رغداً وبدون أن يكلف نفسه عد الأوراق النقدية فالشيكات قد سهلت الأمور. بقايا موائده حتى ستكفي لسد جوع آلاف الأسر خلال الشهر الكريم. أما المواطن في رمضان فتفتقر مائدته إلى حبة الزبادي والقليل من كسر الخبز اليابسة، ولولا أن سخر الله أهل الخير في رمضان لأن ينفقوا فحتماً كنا سنشهد قصصاً مروعة وأحداثاً مؤلمة. أما عن السمرات والسهرات وساعات "الخذة والكيف في هذا الشهر فلا ريب أنها تنبئك عن عجائب وغرائب". فالقات ممتاز وجيد يأتي بطلب خاص وله جنود مجهولون فمن البايع الخاص إلى المشترى الحاذق إلى السائق البارع الذي يوصله ومنه إلى من يحافظ على طراوته ويعمل على تقطيفه وتنظيفه وهكذا سلسلة من العمال والثقات حتى يحصل "سعادته" على تخزينه محترمة دسمة تجعله يخطط ويبرمج لأهدافه المستقبلية والتي أقلها تسجيل المؤسسة الحكومية التي يديرها باسمه ومن بعده لولده. ألستم معي أن تخزينه مسئول يفوق ثمنها ما تدفعه الحكومة لمئات المواطنين مما تسميه "راتب ضمان اجتماعي" (عيب يا قوم وقمة المهزلة أن يكون "عود قات" أغلى من "مواطن يمني" تتشدق الدولة صباحاً ومساءً بإعطائها "الفين ريال" وهنا قد يقول قائل "أنت أيها الكاتب حسود حقود قلبك أسود تلبس نظارة سوداء"! فأجيب بدوري عليه "والله إذا كانت هذه الأموال التي يبعثرها هنا وهناك قد اكتسبها من تجارة حرة بدون لف أو دوران، أو كانت جزءاً من ميراث أبيه أو جده، فأنا هنا حسود حقود قد تدخلت فيما لا يعنيني وأستحق ما يردعني حتى ولو كان بتر الأصابع، أما إذا كان هذا المسئول حين جاء إلى الوظيفة "مخلوساً" "حتيف نتيف" "جاوع ضامئ " "جلد على عظم" "ذو عينين غائرتين ووجه كالح" ثائر الشعر لا يحسن حتى الوقوف على قدميه من شدة الهزال وعمره ما تعامل مع الشيكات والبنوك وما تلعلعت أمامه الأقراص الذهبية.. واليوم أصبح وقد طلع له ريش وانتفخ له كرش وتمدد له شارب وتورم له خد، وشمخت له أنف وبرزت له عينان، وقد أضحى اليوم يضاجع الملايين والمليارات ويلعب بها "بطة" ويتعامل مع مئات الملايين كما يتعامل (ولدي خليفة ذو السنة والسبعة الأشهر) مع العشرين الريال الورقية لا يعيرها اهتماما ولربما مزقها وتسلى. المهم من حقي الآن أتساءل "من أين له كل هذا" وكيف برر لنفسه السطو على ممتلكات شعب بأكمله، ولن أكون طبعاً حاسداً أو حاقداً أو عدواً للوطن والثورة والوحدة والسلم الاجتماعي والأمن والاستقرار بل وطني ووحدوي وجمهوري حتى النخاع. ورمضان كريم لكل قراء الناس الأعزاء.. مقال قديم للكاتب/ محمود طاهر أبو خليفة.