السيد القائد يحذر من أي تواجد إسرائيلي في ارض الصومال    العليمي يشن الحروب على الجنوب لحماية سرقاته لنفط شبوة وحضرموت    حضرموت.. قنابل ضوئية على محيط مطار سيئون واتهامات متبادلة بشأن اشتباكات الشحر وحدتها تتصاعد    هنأ الشعب بمناسبة جمعة رجب.. قائد الثورة: لابد أن نكون في حالة يقظة مستمرة وروحية جهادية عالية    هل حان الوقت لتجريم الاستعمار    المكلا حضرموت ينفرد بصدارة المجموعة الثالثة بدوري الدرجة الثانية لكرة القدم    قوات النجدة بأمانة العاصمة تستعيد 3 دراجات نارية مسروقة    وكيل وزارة الخارجية يشيد بدورالصليب الأحمر في ملف الأسرى    فلسطين الوطن البشارة    الشؤون الخارجية بالانتقالي تبحث التعاون مع المفوضية السامية وتؤكد احترام المجلس لحقوق الإنسان    العرادة يدشن حزمة مشاريع خدمية وتنموية لتعزيز البنية التحتية في مأرب    اغتيال جار الله عمر.. اللحظة التي دخل فيها ملف الإرهاب في اليمن دائرة التوظيف السياسي    تشييع جثمان الشهيد المقدم توفيق العسيقي في التعزية    الأرصاد: سحب منخفضة كثيفة على سقطرى والسواحل والمرتفعات المحاذية    سياسي جنوبي يثمّن شراكة التحالف مع الجنوب ويؤكد: النصر في 2015 صُنع بوضوح الموقف لا بالمساومات    جوائز غلوب سوكر: باريس والبرتغال ويامال الأفضل    مدارس أمانة العاصمة تحتفي بعيد جمعة رجب    مركز البحر الأحمر للدراسات يصدر كتابين جديدين حول الهجرة الأفريقية غير الشرعية إلى اليمن والقضية الفلسطينية    منذ أكثر من شهر.. مليشيا الحوثي تمنع دخول عشرات الشاحنات المحملة بمادة الأخشاب    الشتاء يتحول إلى كارثة إنسانية: 20 وفاة وآلاف النازحين بالعراء في غزة    عاجل: أهم نقاط البيان.. سيئون تجدد العهد لاستعادة دولة الجنوب وتفوض الانتقالي خيارًا نهائيًا بلا تراجع أو مساومة    ورشة حول الصحة والسلامة المهنية بصنعاء    ميلان يقسو على فيرونا بثلاثية ويعتلي صدارة "الكالتشيو" مؤقتاً    أمين العاصمة يتفقد أعمال صيانة شارع سبأ بمشاركة مجتمعية    خفر السواحل تحذر من السباحة قبالة سواحل عدن وأبين وشبوة    المحرّمي يطّلع على سير العمل في المؤسسة العامة للاتصالات وخططها المستقبلية    تحت شعار الهوية والانتماء.. جامعة صنعاء تُحيي ذكرى "جمعة رجب"    صنعاء.. صدور حكم استئنافي في قضية الصحفي محمد المياحي    صنعاء: المكاتب التنفيذية تُحيي ذكرى "جمعة رجب"    الصين: تأسيس أكثر من مليون شركة جديدة في 11 شهرا    هل بات قادة اوروبا يخشون "سلام ترامب" في أوكرانيا؟!    صحيفة فرنسية: غارات جوية وأزمة إنسانية.. لماذا تصاعدت التوترات فجأة في اليمن ؟!    نيجيريا تسقط تونس في مباراة مثيرة وتبلغ ثمن نهائي كأس أمم إفريقيا    الاعتراف الإسرائيلي بالصومال خطر يهدد الجنوب العربي وخليج عدن    وفاة المخرج المصري الكبير داوود عبد السيد    هروب    رشاد العليمي يسهل لنجله عبدالحافظ سرقة نفط حضرموت    محمد صلاح يواصل تحطيم الأرقام القياسية في «كأس أمم إفريقيا»    في صنعاء.. هل ابتلعنا "الثقب الأسود" جميعًا؟    الصحفي المهتم بقضايا الناس وانشطة الصحافة الثقافية عبدالعزيز الويز    قراءة تحليلية لنص «صدمة استقبلتها بقهقهة» ل"أحمد سيف حاشد"    دوري روشن السعودي: اتحاد جدة يهزم الشباب بثنائية نظيفة    اكتشاف آثار حضارة متطورة في باكستان    ضربة بداية منافسات بطولة كأس العالم للشطرنج السريع والخاطف قطر 2025    القوات المسلحة الجنوبية تضبط مصفاة غير قانونية لنهب النفط داخل مزرعة متنفذ شمالي في الخشعة    اتحاد حضرموت بحافظ على صدارة المجموعة الثانية بدوري الدرجة الثانية    مأرب تحتفي بتخريج 1301 حافظًا وحافظة في مهرجان العطاء القرآني    القيادة التنفيذية العُليا تناقش الجهود المبذولة لتأمين الخدمات للمواطنين ومراقبة أسعار الصرف    ما علاقة ضوء الشمس بداء السكري.. نصيحة للمصابين    العطاس: نخب اليمن واللطميات المبالغ فيها بشأن حضرموت"    الكشف عن عدد باصات النساء في صنعاء    الكتابُ.. ذلكَ المجهول    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التحايل على الزكاة
نشر في الأهالي نت يوم 03 - 08 - 2013


د . خالد بن إبراهيم الدعيجي
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد : لقد ثبت عن عثمان - رضي الله عنه - أنه قال في شهر رمضان : « هذا شهر زكاتكم ؛ فمن كان عليه دين فليؤدِّه حتى تخرجوا زكاة أموالكم » [1] .
ومما تعارف عليه كثير من المسلمين أنهم كانوا يخرجون زكاتهم في هذا الشهر المبارك ، ولهذا دأب العلماء وطلبة العلم والخطباء على تخصيص هذا الشهر ببيان أحكام ومسائل الزكاة .
ومن الموضوعات التي ينبغي التنبيه عليها موضوع « التحايل على الزكاة » .
والتحايل إما أن يكون إسقاطاً لوجوبها أو أخذاً لها . وسوف نبيِّن في هذه المقالة بعض الأحكام المتعلقة بهذا الموضوع من خلال مسائل .
* المسألة الأولى : التهرب من دفع الزكاة : رتب الشارع على التهرب من دفع الزكاة عقوبات دنيوية وأخروية ، وهي تختلف باختلاف قصد المتهرب من دفع الزكاة .
أولاً : إذا كان التهرب عن اعتقاد سيئ ، يتمثل في جحود فرضية الزكاة ، عوقب المتهرب من الزكاة في الدنيا بعقوبة الردة ؛ وهي : القتل إذا أصر على ذلك ، ولم يرجع عن اعتقاده السيء في هذه الفريضة ، كما فعل أبو بكر الصديق مع المنكرين لفريضة الزكاة ، وقد قال : « والله لأقاتلن مَنْ فرّق بين الصلاة والزكاة » [2] . وأما العقوبة الأخروية التي تلحق جاحد الزكاة فهي البعد عن الجنة والخلود في النار ؛ لأنه أنكر معلوماً من الدين بالضرورة .
ثانياً : إذا كان التهرب عن أداء الزكاة راجعاً إلى البخل والشح دون الجحود والنكران ؛ فإن المتهرب مِِن دفعِ الزكاة يعاقب بعقوبة أخروية ، تتمثل في العذاب الأليم الذي يلحقه في الآخرة ، والذي ورد في قوله تعالى : { وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } (آل عمران : (180 ، وقال تعالى : { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمبِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَاكُنتُمْ تَكْنِزُونَ } (التوبة : 34-35) .
وقد فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك بقوله : « ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا أحمي عليه في نار جهنم ؛ فيجعل صفائح ؛ فتكوى به جنباه وجبهته ، حتى يحكم الله بين عباده ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار » [3] .
وأما العقوبات الدنيوية التي رتبها الشارع على التهرب من دفع الزكاة بخلاً فهي :
أولاً : دفع الزكاة قسراً : إذا امتنع المزكي عن أداء الزكاة بخلاً أخذت منه جبراً عنه ، ولو بحد السيف .
قال - صلى الله عليه وسلم - : « أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ؛ فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم إلا بحق الإسلام ، وحسابهم على الله » [4] .
ثانياً : فرض عقوبات مالية وبدنية : ومن العقوبات التي يمكن فرضها على مانع الزكاة بخلاً العقوبة المالية ، أخذاً من قوله - صلى الله عليه وسلم - : « ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله ، عزمة من عزمات ربنا » [5] .
وأما العقوبة البدنية فقد دل عليها قوله - صلى الله عليه وسلم - : « مَطْلُ الغني ظُلْم » [6] ، وفي رواية « ليُّ الواجد ظلم يُحِلّ عرضه وعقوبته » [7] .
* المسألة الثانية : الاحتيال لإسقاط الزكاة قبل وجوبها : تكاد تتفق كلمة العلماء في ذم المتحايلين لإسقاط الزكاة قبل وجوبها ، وما روي عن بعضهم في جواز ذلك فلعل مرادهم أن الحيلة تنفذ قضاءً لا ديانة .
ولهذا ذهب المالكية و الحنابلة و محمد بن الحسن من الحنفية إلى تحريم التحايل لإسقاط الزكاة قبل وجوبها [8] ، وأنها واجبة في ذمته مع الحيلة ، بدليل قوله تعالى : { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلاَيَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ * فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ } (القلم : 17-21) .
فعاقبهم الله تعالى بذلك لفراراهم من الصدقة ؛ لأنهم لما قصدوا قصداً فاسداً اقتضت الحكمة معاقبتهم بنقيض قصدهم [9].
قال ابن القيم - رحمه الله - : « وقد استقرت سنة الله في خلقه شرعاً وقدراً على معاقبة العبد بنقيض قصده ، كما حُرِمَ القاتلُ الميراث ، وورَّثَ المُطلَّقة في مرض الموت ، وكذلك الفار من الزكاة لا يُسقِطها عنه فرارُه ، ولا يُعان على قصده الباطل فيتمُ مقصُودُه ويسقطُ مقصودُ الرب تعالى ، وكذلك عامة الحيل إنما يُساعِدُ فيها المُتحيلُ على بلوغ غرضه ويبطل غرض الشارع » ا.ه [10] .
وقال السعدي - رحمه الله - في مسألة استبدال النصاب بغير جنسه : « إذا كان قاصداً بذلك التحيل على إسقاط الزكاة فهذا لا ينفعه ؛ لأن كل حيلة تُسقِط الواجبَ فهي لاغية » [11] .
والاحتيال لإسقاط الزكاة له صور عديدة ، منها على سبيل المثال : الصورة الأولى : التصرف في المال الزكوي قبل تمام الحول : والتصرف هنا قد يكون بيعاً ، أو استبدالاً بغير جنس النصاب ، أو هبة ، أو إتلافاً ، أو غير ذلك من التصرفات ، والقصد من كل هذه التصرفات الفرار من الزكاة .
أمثلة :
1 - أن يكون في رصيده البنكي مليون ريال مثلاً ؛ وقبل تمام الحول يشتري به أرضاً عقارية ، أو داراً سكنية .
2 - أن يكون للمرأة حلي معد للاستعمال ؛ وقبل تمام الحول تهَبه لابنتها مثلاً ، ثم تسترجع الحلي بعد ذلك لتستأنف به حولاً .
3 - أن يكون لديه نصاب ماشية فيبيعها قبل تمام الحول .
4 - أن يُتلِف جزءاً من النصاب الزكوي قصداً ؛ لكي ينقص النصاب قبل تمام الحول .
5 - ما تفعله بعض الشركات المساهمة ؛ إذ تستبدل المال الاستثماري المباح بمال حرام كالسندات مثلاً قبل تمام الحول ؛ لأنه لا تؤخذ عليها الزكاة من قبل الدولة ؛ ولأن بعض الفقهاء لم يوجبوا فيها الزكاة لأنها مال حرام ، فتخلف فيها شرط الملك .
الصورة الثانية : تغيير النية في النصاب الزكوي قبل تمام الحول : والفرق بين هذه الصورة والتي قبلها : أن النصاب لم يتغير لكن التغير في النية فقط . والقصد من تغيير النية : الفرار من الزكاة .
أمثلة :
1 - أن يكون لديه نصاب ماشية ينوي بها التجارة ، وقبل تمام الحول ينوي بها القنية .
2 - ما يحدث في الأسهم ؛ حيث يكون قصده في الأسهم المضاربة وقبل تمام الحول ينوي الاستثمار .
3 - أن يكون لديه أرض ينوي بها التجارة ، وقبل تمام الحول ينوي بها البناء والسكن .
* المسألة الثالثة : الاحتيال لإسقاط الزكاة بعد وجوبها : ونقصد بهذه الفقرة أن المُزكي قد ثبتت في ذمته الزكاة وهو مقِر بها ، ولكنه يحرص أن لا يدفعها من خلال بعض التصرفات .
ولهذه التصرفات صور ، منها : الصورة الأولى : إسقاط الديون عن المعسرين واحتسابها من الزكاة :
أمثلة :
1 - أن يسقط دينه عن معسر قائلاً : الدينُ الذي لي عليك هو لك ، ويحسبه من الزكاة . وقد سئل ابن عثيمين - رحمه الله - عن هذه المسألة فأجاب بقوله : « هذا لا يجوز ؛ لأن الله تعالى قال : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ } (التوبة : (103 . والأخذ لا بد أن يكون ببذل من المأخوذ منه ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « أعلِمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتُرد » [12] فقال : « تؤخذ من أغنيائهم فترد » ، فلا بد من أخذٍ وَرَدٍّ ؛ والإسقاط لا يوجد فيه ذلك ؛ ولأن الإنسان إذا أسقط الدين عن زكاة العين التي في يده ، فكأنما أخرج الرديئ عن الطيب ؛ لأن قيمة الدين في النفس ليست كقيمة العين ؛ فإن العين ملكه وفي يده ، والدين في ذمة الآخرين قد يأتي وقد لا يأتي ، فصار الدين دون العين ؛ وإذا كان دونها فلا يصح أن يُخرج زكاةً عنها لنقصه ، وقد قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَاكَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّحَمِيدٌ } )البقرة ( 267: [13] .
2 - أن يكون له على رجُلٍ مال ، وقد أفلس غريمه وأَيِس من أخذ ماله منه ، وأراد أن يحسبه من الزكاة ؛ فيعطيه من الزكاة بقدر ما عليه ، ومن ثم يطالبه بالوفاء ؛ فإذا أوفاه برئ وسقطت الزكاة عن الدافع . قال ابن القيم : « وهذه حيلة باطلة ، سواء شرط عليه الوفاء ، أو منعه من التصرف فيما دفعه إليه ، أو ملّكه إياه بنية أن يستوفيه من دينه ؛ فكل هذا لا يسقط عنه الزكاة ، ولا يعد مخرجاً لها شرعاً ولا عرفاً » [14] .
3 - أن يكون له على رجُلٍ مال ، وهذا الرجل معسر ؛ فيأمره الدائن أن يقترض ويسدد دينه الأول ، ومن ثم يعطيه الدائن الأول من الزكاة ليسدد دينه الثاني .
وقد قال الإمام أحمد عن هذه المسألة : « إذا أراد بهذا إحياء ماله فلا يجوز » [15] .
4 - هذا المثال ليس في الزكاة ، وإنما في الأموال التي يجب التخلص منها كأموال الفوائد الربوية ؛ فيتخلص منها لمدينه المعسر ، ويطالبه بسداد دينه الصورة الثانية : الإنفاق وقضاء الواجبات واحتسابها من الزكاة :
أمثلة :
1 - أن يعطي مَنْ تلزمه نفقتُه مالاً ويحسبه من الزكاة .
2 - أن يكون على مَنْ تلزمه نفقته دين بسبب التقصير في النفقة ؛ فيقضي دينه ، ويحسبه من زكاته .
أما إذا كان الدَّيْن لسبب غير النفقة فإنه يجوز قضاء الدين واحتسابه من الزكاة [16] .
3 - الاكتفاء بدفع الضريبة عن الزكاة .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية عن هذه المسألة فأجابت : « فرْضُ الحكومة الضرائب على شعبها لا يسقط الزكاة عمّن ملكوا نصاب الزكاة وحَالَ عليه الحول ؛ فيجب عليهم إخراج الزكاة وتوزيعها في مصارفها الشرعية التي ذكرها الله في قوله : { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ... } (التوبة (60: [17] .
وجاء في توصيات الندوة الرابعة لقضايا الزكاة المعاصرة بخصوص هذه المسألة : « إن أداء الضريبة المفروضة من الدولة لا يجزئ عن إيتاء الزكاة ؛ نظراً لاختلافهما من حيث مصدر التكليف والغاية منه ، فضلاً عن الوعاء والقدر الواجب والمصارف ، ولا تُحسم مبالغ الضريبة من مقدار الزكاة الواجبة » [18] .
* المسألة الرابعة : الاحتيال لإنقاص وعاء الزكاة : وما سأذكره في هذه المسألة هو غالب ما تفعله الشركات المساهمة لأجل إنقاص وعاء الزكاة .
ومن المعلوم أن احتساب الزكاة محاسبياً يكون بالمعادلة الآتية :حقوق الملكية - عروض القنية وما في حكمها × 2.5 %وحقوق الملكية تشمل : ( رأس المال ، الاحتياطات ، الأرباح السنوية ، الأرباح المُرحلة ، القروض ... إلخ ) .
وعروض القنية وما في حكمها تشمل : ( الأصول الثابتة ، مصاريف التأسيس ، تقويم اسم الشهرة ، الخسائر ، الاستثمارات في شركات أخرى تدفع الزكاة للدولة ، السندات طويلة الأجل ) .
ومن خلال هذه المعادلة تقوم الشركات بصورتين تستطيع من خلالهما تخفيض الوعاء الزكوي ، هما :
الصورة الأولى : تخفيض حقوق الملكية :
أمثلة :
1 - تخفيض المبيعات من أجل تخفيض الأرباح ؛ فتقدم أوراقاً مزورة لأجل تخفيض الوعاء الزكوي .
2 - إنقاص قيمة القروض التي للشركة ، فيقل طرف حقوق الملكية ؛ ومن ثم ينقص الوعاء الزكوي .
الصورة الثانية : تضخيم عروض القنية وما في حكمها :
أمثلة :
1 - تضخيم الأصول ؛ فتقدم أوراقاً مزورة تظهر أسعاراً مرتفعة للأصول الثابتة في الشركة .
2 - زيادة قيمة المصروفات .
3 - زيادة خسائر الشركة .
4 - المبالغة في اسم الشهرة .
وهذه الصور إن كان القصد منها التحايل على النظام ، وكان النظام يتبع الشرع في صرف الزكاة ؛ فلا يجوز هذا التحايل ، ولا تبرأ ذمة أصحاب الشركة في إخراج الزكاة ، ولهذا يلزمهم إخراج الزكاة المتبقية والثابتة في ذمتهم .
وهنا مسألة ينبغي التنبيه عليها ؛ وهو أن كثيراً من المتاجرين في الأسهم يقصدون الاستثمار . ومن المعلوم أن المستثمر لا يخرج الزكاة ؛ اكتفاءً بأن الشركة تزكي . ولهذا يجب على الشركات أن تتقي الله في المستثمرين ، وتبين لهم حقيقة الأمر ، وما هو الواجب في أموالهم من الزكاة ؛ كي يخرجوها إذا كانت أنقصت الوعاء الزكوي قصداً .
وعلى المساهم أن يتحرى في ذلك ؛ فإذا غلب على ظنه أن ما أخرجته الشركة أقل من الزكاة المفروضة ؛ فإنه يجب عليه إخراج الزيادة .
* المسألة الخامسة : الاحتيال لأخذ الزكاة : ذكر الله عز وجل أصناف أهل الزكاة الثمانية في كتابه بقوله عز وجل :{ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةًمِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } (التوبة : (60 ، فلا يصح دفع الزكاة لغير هؤلاء الثمانية . لكنَّ بعض ضعاف النفوس استغل معرفته ببعض الأحكام الشرعية ، فاحتال بطرق ملتوية ؛ فأخذ الزكاة وهو غير أهل لها .
ولهذا التحايل صور ، منها :
الصورة الأولى : شغل الذمة بالديون لأعمال خيرية [19] :
أمثلة :
1 - أن يستدين الرجل لشراء سيارات لمؤسسة دعوية ، أو مواد بناء لمسجد ، فيكون مستحقاً للزكاة ظاهراً ؛ لأنه مدين .
2 - ومنها : أن يشتري رب الأسرة بيتاً ، وتشتغل ذمته بالديون ؛ فيطلب من الزكاة لسداد دينه .
الصورة الثانية : التواطؤ مع مستحق الزكاة في صرفها لأعمال خيرية :
مثال :
أن يعطي زكاته فقيراً ويتفق معه أن يدفعها في بناء مسجد ونحوه .
فهذه الصورة إذا كان القصد الاحتيالَ على أخذ الزكاة ؛ فلا تجوز ولا تبرأ ذمة دافعها .
والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم .
(1) رواه ابن مالك و البيهقي و ابن أبي شيبة وصححه الألباني في الإرواء 3/260 .
(2) رواه البخاري 1399 و مسلم 124 .
(3) رواه مسلم 987 .
(4) رواه مسلم 126 .
(5) رواه أحمد 5/2 ، و أبو داود 1575 ، و النسائي 5/17 ، وصححه ابن خزيمة 2266 ، و الحاكم 1/397 .
(6) رواه البخاري 2400 ، ومسلم 3978 .
(7) رواه أحمد 4/388 ، وأبو داود 1357 ،قال الحافظ ابن حجر في الفتح 5/62 : إسناده حسن .
(8) المغني 4/135 .
(9) المغني 4/137 .
(10) إعلام الموقعين 3/193 .
(11) الفتاوى السعدية 204 .
(12) رواه البخاري 1395 ، ومسلم 121 .
(13) مجموع فتاوى ابن عثيمين 18/378 .
(14) إعلام الموقعين 3/240 .
(15) إعلام الموقعين 3/240 .
(16) الشرح الممتع لابن عثيمين 6/260 .
(17) فتاوى اللجنة الدائمة 9/423 .
(18) أبحاث فقهيه في قضايا الزكاة المعاصرة 2/891 .
(19) وهذه الصورة بناء على الفتوى المشهورة عن شيخنا ابن عثيمين - رحمه الله - بأنه لا يجوز دفع الزكاة في أعمال الدعوة ، وبناء المساجد ، وغيرهما من أعمال البر ، انظر : الشرح الممتع 6/241 .
نقلا عن موقع مجلة البيان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.