في الذكرى ال23 لحزب الإصلاح كتبت كثيرا، كثيرا بما يكفي، ثم قررت أن لا أنشر شيئا. سأتوقف عند هذه الملحوظات السريعة: على الإصلاح أن يلتفت كثيراً إلى نفسه من الداخل فميدان الإصلاح فيه ليس أقل منه في خارجه، فالجسد الكبير حين لا يتدرب جيدا تترهل عضلاته ويصبح عائقا أكثر منه مصدر قوة. على الإصلاح أن يتحرر من فكرة الوصاية الدينية التي يمارسها الكثير من أعضائه. تحولت الشريعة في ذهن الكثيرين إلى وثيقة حزبية يبغض الناس المتدينون أولا، ثم يبغضون بعدها الدين! في ميدان السياسة، يدفع الإصلاح ثمنا باهظا، ثمن ارتباطه بجماعة الإخوان في مصر، الجماعة التي فشلت في صناعة الأحلاف، جميعهم كانوا أبا ذر، ولكنه مات وحيدا. من غير المعقول التفاهم في السياسة عبر آية "ولن ترضى عنك"، ليس لأن الآية تخطئ، بل لأن الواقع يخطئ، في الغرب لم يعد الشارع يضع الدين حاكما على رأيه. على الإصلاح أن يؤمن بالديمقراطية وحق الإنسان في الحرية على نحو أعمق، أعني أن يربي أنصاره عليها كخيار عقلي وناضج لحسم الخلافات مهما كانت نتائجها مريرة. هناك من أعضاء الإصلاح من يتعامل مع الديمقراطية كطريقة سهلة للتمكين، كي يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. داخل الحزب أولا، يجب أن يكون الحزب أكثر ديمقراطية، أقل أبوية، أوسع أفقا، أكثر ثقة بأنصاره، أكثر أمانا لشركائه، أكثر وضوحا وأقل غموضا، أشرف في الخصومة وأصدق عند العهد. الآن. يكتب الصديق هشام المسوري "بعد 23 عاما من تأسيس الإصلاح، هل تأسست إعلامية الإصلاح؟". والسؤال الذي يجب على شباب الإصلاح أن يسألوه "ما الذي تأسس فعلا"؟.. الفن والثقافة، السياسة والإعلام، الرياضة، الخارطة النظرية للمشروع الوطني؟ ما هي وثيقة الإصلاح التي يدعو الناس إليها على سواء؟.. أين يقع الإصلاح من الإنسان؟.. من الوطن الباحث عن سفينة إنقاذ؟ على الإصلاح أن يحشد الناس جميعا في معركة الوطن الكبرى، الفقر والجوع والمرض والخوف والموت.. أن لا يساهم في ضرب السلم الاجتماعي وتقسيم الناس بين إسلامي وغير إسلامي، لأن الاستنساخات الغبية للواقع المصري لن تضر الإصلاح فحسب، بل سيدفع المواطنون الأبرياء من جوعهم ثمن حماقات لا يجب أن تكون. فأن يكون الناس بين محب بإفراط، أو مبغض بشطط، تلك هي القنابل التي تغتال السلم وتمزق المجتمع. لقد خرج الناس في الثورة مشدودين إلى الوطن وقضاياه، يحدوهم الأمل بوطن أكثر قدرة على الحماية، رقصنا وغنينا ومتنا على الأرصفة ونحن نقاوم، الوطن أولا والبقية مجرد تفاصيل. الآن أين غابت تلك الروح، ومن المسئول عن إطفاء وقيدها؟ وحدها تلك الروح من تبنى الوطن، وعلى الإصلاح المسئولية الكبرى في صناعة هذه الروح، أيا كان الثمن الذي يدفعه. قد يكون باهظا، وظالما، لكنه الوطن، وهل كانت الأحزاب أصلا إلا تجيب نداء الوطن وتموت في الطريق إليه. أخيرا.. سيكون على الإصلاح أن يسأل نفسه هذا السؤال الكبير "لماذا يكرهنا الكثيرون"؟ وسيكون عليهم أن يقولوا هذه المرة "قل هو من عند أنفسكم"، ثم يبدأون بالثورة على أنفسهم.