سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
التاريخ قد يعيد نفسه: تم تمديد المرحلة الانتقالية عقب الوحدة من 6 أشهر إلى عامين ونصف ومن ثم إلى 3 سنوات انتهت بنشوب الحرب وإعلان الانفصال.. أثمان التمديد
بات في حكم المؤكد اتفاق الأطراف السياسية ورعاة المبادرة الخليجية، على منح الرئيس هادي فترة رئاسية توافقية أخرى لمرحلة انتقالية (تأسيسية) جديدة، سيتم تمريرها- كالعادة- عبر انتخابات رئاسية شكلية، ستختلف هذه المرة عن سابقتها في فتح باب الترشح لمنافسة هادي، شريطة حصول المرشحين على النسبة المطلوبة من تزكية أعضاء مجلس النواب. لكن هل ستنجح الفترة الانتقالية الجديدة في إخراج البلد من محنته والدفع به نحو الاستقرار المنشود بما يضمن الحفاظ على وحدته!؟ من نافلة القول التذكير بأن المبادرة الخليجية أكدت على جملة من الأسس والمبادئ أهمها: أن يؤدي الحل الذي سيفضي عن هذا الاتفاق إلى الحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره. وأن يلبي الاتفاق طموحات الشعب اليمني في التغيير والإصلاح. وبشأن الحوار الوطني الذي نصّت عليه الآلية التنفيذية للمبادرة فقد جاء ما يلي: يقف الحوار أمام القضية الجنوبية بما يفضي إلى حل وطني عادل لها يحفظ لليمن وحدته واستقراره وأمنه. فهل نحن سائرون في هذا الاتجاه، وهل سيحقق التمديد أو ما يسمى بالفترة التأسيسية (الانتقالية) الجديدة طموحات اليمنيين في التغيير السلمي الذي يحفظ لهم وحدتهم.. وهل سينخرط الجميع في عملية الانتقال السياسي والتحول الديمقراطي، أم أن قوى الثورة المضادة، الشريكة في الحكم، ستواصل مخطط تقويض الانتقال السلمي للسلطة والانقلاب على مشروع التغيير الثوري واحتوائه؟ التمديد بين الأمس واليوم عقب الإعلان عن الوحدة، كان المقترح ستة أشهر فقط لمرحلة انتقالية جرى تمديدها في ما بعد إلى عامين ونصف، لتصبح فترة التمديد ثلاث سنوات (22 مايو 1990- 27 أبريل 1993) ظلت تعصف بها الخلافات والأزمات السياسية والأمنية. وعلى غير المؤمل، فإن الانتخابات البرلمانية التي جرت في 27 أبريل 93م، التي حل فيها الحزب الاشتراكي في المركز الثالث، لم تنه الأزمة السياسية بقدر ما فاقمتها، ما أدى تالياً إلى نشوب الحرب وإعلان الانفصال الذي تم إخماده، لكن الأزمة بقيت تحت الرماد وصولاً إلى ما بات يعرف اليوم بالقضية الجنوبية. كانت الأزمة نتيجة حتمية لسياسة التقاسم والمحاصصة التي أتبعها الحزبان الحاكمان آنذاك كثمن للوحدة التي أنجزاها، وسعى الطرفان لجعلها حقاً حصرياً لهما. لم يبادر الحزبان الحاكمان وقتئذ إلى تكريس قيم الوحدة كانجاز وطني يمكن لهما التباهي به، وعوضاً عن ذلك، ذهبا لتكريس سلطاتهما وتقاسم الدولة الوليدة، التي نظر إليها كلاهما على أنها ثمرة جهوده التي يتعين مكافأته بها، دون أي اعتبار للممارسة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، وهو المسلك الذي قاد في نهاية المطاف إلى الحرب التي عبّرت حينها بصدق عن حقيقة الصراع الدائر على السلطة ومغانمها. ومنذ ذلك الحين، لم يولِ المنتصر في الحرب أية أهمية لمسألة بناء الدولة وترميم جراحات الوطن رغم تفرده بالقرار، وعوضاً عن ذلك، مضى في تكريس سلطة الفرد والعائلة، متخذاً الوحدة ذاتها مطية له وذريعة لقهر مناوئيه وإقصائهم. وكانت جولات الحوار التي أجراها مع المعارضة أشبه بملهاة أرادها فقط لإنهاك خصومه وتتويههم واستنزاف جهودهم في ما لا طائل منه. وتشكلت العديد من لجان الحوار، وخاض الطرفان جولات شاقة من الحوار الذي لم يفضِ في النهاية إلى شيء، عدا خلق قناعات لدى الحاكم الفرد بالمضي نحو التمديد وقلع العداد. وقبل أن ينتهي الحوار على ذلك النحو كانت لجان الحوار المشكلة من الجانبين قد أخذت في التقلص من لجنة المائتين إلى لجنة الثلاثين ثم الستة عشر وصولاً إلى لجنة الأربعة، التي توصلت بالفعل إلى صيغة توافقية بين المشترك والمؤتمر رفضها علي صالح ليعلن على الفور انتهاء أية حوارات بينه ومعارضيه، ليتأزم الموقف السياسي مع المشترك الذي قرر اللجوء إلى الشارع، إلى أن تفجر الوضع برمته في ثورة 11 فبراير 2011، لتدخل البلاد في مرحلة جديدة من الحوار لم يكن أصلاً ضمن بنود المبادرة الخليجية، وأراده صالح كحقل ألغام يتعين على الثورة المرور عبره لتصل إلى أهدافها. وهكذا وجدنا أنفسنا مجدداً في حلبة الحوار التي كنا خرجنا منها خاسرين إبان حكم علي صالح، فهذا الأخير حين وجد المبادرة ستقذف به خارج السلطة سريعاً، احتال لنفسه ولجأ لفكرة آلية المبادرة ليستدرك ما فوتته المبادرة التي تناولت قضية واحدة فقط هي نقل السلطة ولا شيء غيرها، ووضعت في سياقها الآلية التفصيلية لنقلها، وهروباً من ذلك، ادعى صالح عدم وضوح المبادرة، وضرورة وجود آلية تنفيذها شارحة ومفصله لها، فجاءت الآلية التنفيذية الملحقة بالمبادرة على هواه، ومدته بالحياة وأطالت من عمر نظامه بل وجعلته شريكاً بالتساوي في حكومة الثورة. فخ صالح كانت الآلية التنفيذية للمبادرة بمثابة الشرك الذي نصبه علي صالح والفخ الذي أوقع فيه قوى الثورة، التي تماهت بدون وعي مع مخططه، وانشغلت عن قضيتها الأساسية وجوهر المبادرة المتمثل في عملية نقل السلطة من صالح وإخراجه من المشهد السياسي، لتصرف جهودها نحو قضايا أخرى كان بالإمكان إرجاؤها لما بعد إتمام تلك المهمة، لكنها نحت صوب حوار واسع وشائك خطط له صالح وحشد فيه كل المشكلات التي راكمها طوال فترة حكمه لتكون بمثابة ألغام متفجرة في وجه الثورة لتعطيل عملية الانتقال السياسي وتقويض جهود بناء الدولة. فكان الحوار الوطني الشامل الذي أمسى صالح وحزبه جزءا أساسا منه، وصار بمقدورهما ابتزاز الرئيس وقوى الثورة من خلاله، والضغط لتحقيق مكاسب سياسية. وكما في تجربة الحوار التي سبقت الثورة، فقد تقلصت مجموعة الحوار الوطني الشامل من (565) عضواً إلى 16 عضواً أطلق عليها مجموعة (8+8)، لتختزل فيها كل مخرجات الحوار وتقرر طريقة حل القضية الجنوبية وفق ما يأتيها من خلف الكواليس. الجنوب محور الصراع الأزمة السياسية التي نشبت في 93، وقادت بدورها إلى تفجر حرب صيف 94م، وما تلاها من اجتياح واسع للجنوب في أكبر عملية نهب طالته، حملت بذور أزمة جنوبية نمت وترعرعت إلى أن أخذت شكلها الآن المعروف بالقضية الجنوبية. واليوم وبعد23 عاماً على الوحدة، وأكثر من عامين ونصف على الثورة الشبابية، وبعد حوالي عامين على خروج صالح من السلطة ومجيء رئيس جديد، وبعد مضي ستة أشهر من مؤتمر الحوار الوطني، ما تزال المشكلة هي ذاتها، وما برحت القوى السياسية في السلطة والمعارضة منغمسة فيها، غير قادرة على استيعابها ومعالجتها ووضع الحلول الناجعة لها بما يحفظ مصالح الجميع ويحافظ على ديمومة الوحدة الوطنية كخيار استراتيجي من السذاجة بمكان التخلي عنه لحسابات أشخاص أو قوى سياسية. وطبقاً لكل القراءات، فإن مخرجات الحوار الوطني ستدفع باتجاه جولات جديدة من الحوار بشأن القضية الجنوبية التي ستبقى محور نقاشات المرحلة الانتقالية القادمة التي سيقودها الرئيس هادي لثلاث أو خمس سنوات قادمة، هي في الواقع جزء من ضريبة الانحراف عن مشروع الوحدة الذي صاحبها منذ اليوم الأول لإعلانها، إذ سيتم التمديد لهادي بوصفه خيار الضرورة لكن عبر إطار ديمقراطي انتخابي سيفسح المجال لمنافسته من باب تأكيد قدرته على الفوز وهروباً من الصبغة التوافقية وخروجاً من عباءة التمديد. كان التمديد للحزبين الحاكمين (المؤتمر والاشتراكي) عقب إعلان الوحدة لثلاث سنوات ضرورة وطنية كما قيل وقتئذ، تماماً كما قيل بأن التقاسم والمحاصصة ضرورة هي الأخرى للحفاظ على الوحدة، وانتهى المشهد بتفجر الأوضاع عسكرياً وحدوث تصدعات كبيرة في جدار الوحدة. وبالمثل يذهب كثيرون اليوم إلى أن التمديد للرئيس هادي- عبر انتخابات تنافسية مسيطر عليها من قبل أطراف المبادرة- هو أيضاً ضرورة وطنية لاعتبارات كثيرة لا يتسع المقام لسردها ليس أقلها الحفاظ على الوحدة، في ظل وضع متأزم لم تفلح جهود مؤتمر الحوار الوطني في تفكيكه إلى الحد الذي يُطمّئن اليمنيين على مستقبل وطنهم ووحدة بلدهم. إدماج الحوثي وبقاء المؤتمر القوى الدولية تدفع باتجاه التمديد عبر وسائلها الخاصة، وكثير من القوى السياسية بما فيها الحوثيون أنفسهم الذين لطالما وصفوا هادي وحكومته بالعمالة للأمريكان هم أيضاً مع التمديد كونهم سيحصلون على حصتهم من كعكة السلطة. وهنا إشكال قانوني بالنسبة للحوثيين يتحاشى الجميع الاقتراب منه من أجل إنجاح الحوار والمرحلة التأسيسية الجديدة، فالوضع القانوني للجماعة من حيث كونها ليست حزباً سياسياً معترف به بل جماعة متمردة فاقدة للشرعية لا يؤهلها لأية مشاركة سياسية وبخاصة في إدارة شؤون الدولة المتمردة عليها التي ترفض الاعتراف بسلطتها في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، ومع ذلك سيكونون جزء من أي حكومة وفاق قادمة نظير تأييدهم للتمديد، فالإدماج مقابل التمديد. بمعنى دمج الحوثيين في مؤسسات الدولة وإشراكهم في السلطة كثمن سيتقاضونه لعدم الاعتراض على التمديد، والشيء نفسه ينطبق على بقية القوى السياسية. بالنسبة لأبناء المحافظات الجنوبية، المسرحين من وظائفهم، فسوف يتقاضون (250) مليار ريال من صندوق التعويضات وجبر الضرر ليتقبلوا الأمر. في حين حصل المؤتمر الشعبي على بعض التنازلات في وثيقة مخرجات لجنة ال16 لحل القضية الجنوبية، وهي الوثيقة التي كان اعترض عليها من قبل ولوح بعدم الموافقة على التمديد لهادي ما لم يتم تعديلها وقد حصل على مبتغاة، في حين سيظل شريك في أي حكومة مقبلة وبنسبة 50% طبقاً للمبادرة الخليجية، إلى أن يتم انتخاب برلمان جديد وتشكيل حكومة جديدة. أما شباب الثورة فقد أسس لهم هادي صندوق خاص لرعاية أسر شهداء وجرحى ثورة 11 فبراير. مكاسب الخارج بالنسبة لرعاة المبادرة، تحقق الولاياتالمتحدة تقدماً مطرداً في مجال التعاون الأمني، أشاد به السفير الأمريكي وعدّه أفضل مما كان في السابق، فيما المتوقع أن يحصل الفرنسيون على قطاعين نفطيين جديدين، وكانوا قد حصلوا في عهد صالح على امتيازات نفطية وغازية ضخمة نظير مواقفهم المؤيدة له في مجلس الأمن وبالأخص إبان الأزمة السياسية وحرب صيف 94م. وسيحظى الروس بحصتهم أيضاً في مجال النفط. الكويت من جانبها تطالب بحصتها من كعكة النفط اليمني الواعد، وربما تكون فرصة سانحة لهادي كي يعيد بناء علاقات طيبة معها، وهي مرشحة كذلك لإدارة موانئ عدن، وكانت قدمت في السابق عروض سخية للفوز بالصفقة، لكن صفقة فساد كبيرة جعلت الميناء من نصيب موانئ دبي العالمية التي عملت على تحطيمه. وفي كل الأحوال، ففي منطق السياسة ليس ثمة ما يمنع من تقديم التنازلات أو ما يسمى عادة بالامتيازات والتسهيلات لأطراف هنا وهناك للحصول على مكاسب وتحقيق مصالح في المستقبل، طالما وتلك التنازلات لا تضر بمصلحة البلد ولا تنتقص من سيادته، فالسياسة في نهاية المطاف هي فن الممكن وتحصيل المصالح. التأسيسية والتغيير مهما يكن الأمر، وحتى وإن كان التمديد ضرورة وطنية تمليها اعتبارات داخلية وخارجية، فهل ثمة ضمانات حقيقية بأن الفترة الانتقالية القادمة (3-5 سنوات) ستكون أحسن حالاً من سابقتها؟ إذ في ظل المؤشرات الحالية يراهن الكثيرون على فشل حكومة الوفاق القادمة، لجهة كثرة أطرافها الذين سيزيدون عن السابق بدخول الحوثي والحراك الجنوبي وربما أيضاً السلفيين، في إطار سياسة المراضاة وتوسيع دائرة الشراكة لتعزيز التوافق، وهو ما سيجعل الحكومة مرشحة لمزيد من الانقسامات والخلافات، ما سيؤثر بالتالي على أدائها الهزيل أساساً. ومن ناحية ثانية، لا توجد أية مؤشرات إيجابية، ولا أي احتمال ولو بنسبة 1% أن يبادر الحوثي، عقب مشاركته في الحكومة، لإعادة صعدة إلى حضن الدولة وتمكينها من بسط ظلها على مناطق نفوذه وسيطرته، كبادرة حسن نية على تعاونه معها وجنوحه للسلم وتحوله إلى حزب سياسي، أما تخليه عن أسلحته الثقيلة فذلك ضرب من المستحيل، مهما كانت الإغراءات التي سيقدمها هادي وحكومته، بدليل توسع دائرة حروب الجماعة التي تخوضها مع أبناء الشعب شمالاً وجنوباً، وبالتالي فسوف تمثل لها الفترة الانتقالية (التأسيسية) الجديدة فرصة ذهبية لتوسيع نفوذه وتعزيز موقفه السياسي والعسكري على حساب أطراف أخرى بما فيها الدولة ذاتها، لجهة الفراغ الأمني والعسكري الذي سيصاحب الفترة الانتقالية الجديدة، وانتفاء القرار السياسي بعودة مناطق الصراع إلى حضن الدولة. في حين ستظل قوى الثورة المضادة الأخرى شريكا رئيسا في السلطة وإن بمقاعد أقل، لكن أحداً لن يثنيها عن مناهضة هادي وشركائه وتقويض جهودهما في بناء الدولة، بدليل أنها ما فتأت تعمل بوتيرة عالية في هذا السياق، وهو ما يفسر ضراوة الهجمات التخريبية ضد شبكات الكهرباء والنفط، وعودة الهجمات الشرسة لتنظيم القاعدة، علاوة على بروز أوراق جديدة يجري اللعب بها زيادة في إرباك المشهد السياسي، من قبيل ما يسمى بإقليم الجند وإقليم سبأ وإقليم المناطق الوسطى وغيرها من المسميات. وعلى فرض أن تلك المسميات لا علاقة لها بمخططات قوى الثورة المضادة، إلاّ أنها في نهاية المطاف تصبّ في خدمة مشروعها. في السياق نفسه، ستبقى القضية الجنوبية تراوح مكانها ضمن الحلول الترقيعية التي سيرفضها الحراكيون، فهم سيوافقون، تحت وطأة الضغوط الدولية والإقليمية، على فكرة الأقاليم التي تكاد تجمع عليها بقية القوى السياسية، لكنهم سيحاولون انتزاع موقفا سياسيا من الأطراف الموقعة والراعية للمبادرة يجيز لهم الذهاب إلى استفتاء شعبي لتقرير حق المصير سواء بعد خمس سنوات أو حتى عشر أو عشرين سنة من الآن، وستكون تلك معركتهم القادمة، فهل سينجح هادي وحكومة الوفاق المقبلة في كبح جموح الحراكيين وإلجام نزواتهم ووضعهم على جادة طريق الدولة الاتحادية الفيدرالية التي تحفظ لليمنيين وحدتهم؟ هذا هو التحدي الأهم والمحك الحقيقي لأولئك الذين يسيرون بخطى حثيثة صوب عملية انتقالية جديدة تفتقر لملامح واضحة ومحددة. *الصورة ارشيفية