هذا أسبوع الرئيس محمد مرسي بامتياز، إذ تُوّج فيه زعيماً، وإذا كان خصومه قد أعلنوا في حملة الهجوم عليه على مدى عام كامل، بأن كرسي الرئاسة المصرية كبير عليه، فإذا بنا نقف على أن الأمر ليس كما ادعوا، ومن الخصوم من أصابهم ما أصاب إخوة يوسف، إذ كيف يكون له الملك، وهو "الرجل الطيب" بكل ما تحمله هذه العبارة من معان سلبية في الوجدان المصري!. لم يبدأ هذا الأسبوع إلا بعد تسريبات الفريق أول عبد الفتاح السيسي، التي أكدت على أن مرسي هو صاحب قرار إقالة المشير طنطاوي والفريق عنان، ولم يكد ينتصف حتى شاهدنا صموده وثباته أمام المحكمة التي قُدم لها، فكان وهو المقيدة حريته أقوى من سجانيه، بل إنهم أبدوا ضعفاً لا تخطئ العين دلالته وعجزوا عن بث المحاكمة على الهواء مباشرة!. في فترة الدعاية الانتخابية، بينت رفضي للدكتور محمد مرسي، بأنه رجل فيه ضعف، وكتبت أن القوة هي من شروط الولاية، لكني أعترف بأنه فاجأني بقرار إقالة عنان وطنطاوي، وهو مطلب الثورة المصرية التي هتفت بإسقاط حكم العسكر، وبمناسبة المئة يوم على توليه الحكم جاء مقالي بجريدة "الأحرار": "نصف نجاح ونصف فشل .. ولو لم يكن له سوى إنهاء حكم العسكر لكفاه". كان قلبي مطمئنا بأن الرئيس هو من اتخذ هذا القرار الشجاع، وقد بنيت قناعاتي، على اتصال هاتفي جاءنا من "بلدياتي" بصعيد مصر من الإخوان، الذين جيء بهم إلى القاهرة، وقد أخبروني أن الرئيس سيتخذ قراراً مهماً اليوم وأنهم جاءوا لحماية القرار، ولم يكونوا يعلمون ماهيته؟!. وأذكر أنني كتبت يوما على صفحتي على "الفيس بوك" أن الرئيس سيتخذ قراراً مهماً اليوم، وقد أشبعني المعلقون سخرية، ممن كانوا يسيئون الظن بالدكتور مرسي، من فعل الدعاية السوداء التي قدمته للناس باعتباره ضعيفاً، وأنه مجرد ظل للحاكم الحقيقي المهندس خيرت الشاطر!. ثم كان القرار المفاجأة الذي لم يتوقعه أنصار الرجل قبل خصومه، في يومه ارتفعت بسببه شعبية الدكتور محمد مرسي لتكون في السماء، وعنت له وجوه المرجفين في المدينة، فلم تكن تسمع إلا همساً، وكانت هذه خطوة مهمة لأن يظهر قوته، ليخضع له من يلعبون على ثنائية الحكم، وينحازون للمجلس العسكري ويتقربون إليه بالهجوم على الرئيس، ولو استمر في هذا الطريق ما شاهدنا "كلاب السكك" يتطاولون عليه، حتى جعلوه مُهاناً، من خلال إعلامهم الموجه، والمدفوع له من دوائر داخلية وإقليمية. لغير المصريين فإن اصطلاح "كلاب السكك" يعني كلاب الطرق، وهي الكلاب الضالة التي ليس لها صاحب، وإن كان من أعنيهم يعملون في معية من ينفق عليهم، وقد ذكرت من قبل واقعة هذا المتعالي في حضور الرئيس، في اللقاء الوحيد الذي دعيت إليه عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية، والذي دعا إليه رؤساء تحرير الصحف المصرية، ثم توقف القوم عن دعوتي لأنني كنت عنيفاً في نقدي للرئيس، ولاختياراته، وكان المدعون دائماً هم أولئك الذين يتكيفون مع كل الحكومات!. هذا الذي وقف متجاوزاً لحدود اللياقة وهو يخاطب رئيس الدولة، لم يكن هذا بفعل شجاعته الشخصية، ولكنه كان يعلم أن المجلس العسكري لا يزال "في الصورة" وعندما أقصاه مرسي من الحكم، تغيّر الخطاب، وفي الدعوة اليتيمة أيضاً من قبل وزير الإعلام زميلنا صلاح عبد المقصود على الإفطار وكنا في شهر رمضان، اعترضت على قرار صدر من هيئة الاستثمار بوقف بث قناة "الفراعين"، وأبديت للوزير الزميل اعتراضي، على استخدام القرارات الإدارية في إغلاق القنوات. كنت أتحدث بهدوء يحتمه وجودي بين زملائي، وفي لقاء بدا احتفالياً بمناسبة تولي زميل، كان طوال تاريخه النقابي كعضو في مجلس نقابة الصحفيين ووكيل للنقابة مهذباً مع الجميع، ويُنزل الناس منازلهم، ومع هذا انبعث هذا المتجاوز في حضرة الرئيس سابقاً مزايداً عليّ، وأعلن أنه يهمه نجاح صلاح عبد المقصود، حتى ظننتُ أنني قلتُ ما يُفهم منه أنني أتمنى فشله، وارتفع صوته قبل أن يتهدج نحن يا "معالي" الوزير عن يمينك وعن شمالك، ونحن حيث تريد، وسوف ندعمك ونقف معك. وعندما تهدج قال: نحن زملاؤك ونعرف من أنت، ونعرف أنك في النقابة لم يكن عطاؤك يتوقف على أحد دون أحد، ولم تكن تميز بين زملائك!. ولأني مستغن، وليس لديّ طلبات عند الوزير، فقد سكتّ، لكنني كنت مندهشاً لهذه المزايدة التي ليس لها محل من الإعراب، ولم يكن في كلامي الذي قلته ما يستدعي ذلك. أخذت أستدعي بيني وبين نفسي ما قلته، فلم أجده عدائياً يستلزم استدعاء قيم القبيلة للوقوف بجانب ابن القبيلة الذي تصدر المشهد الإعلامي، في مواجهة ابنها المتمرد الذي هو أنا.. فهل كنت فعلاً متمرداً؟.. الإجابة: لا، بكل تأكيد، فانشغلت بالمقارنة بين الموقفين لنفس الشخص، الأول مثل تعاليا في مواجهة رئيس الدولة، والثاني كان خضوعاً في حضرة وزير، وكان رأيي أن الموقف الأول جاء وهناك ثنائية الحكم، والثاني كان بعد أن أنهى الرئيس مرسي على حكم العسكر!. بعد مرحلة الرعب من الحكم الإخواني الذي أنهى 60 عاماً من الحكم العسكري العضوض، طل مرسي على المشهد بوجهه الطيب المتسامح، فأغرى به سفهاء القوم وصبيانهم!. و"بلع الخائف ريقه"، ولأن إسقاط حكم العسكري كان سبباً في ارتفاع شعبية الرئيس، في دوائر الثوار، فقد قام خصومه بدعاية مضادة، حسداً من عند أنفسهم، قامت على النفي الكامل لأن يكون الرئيس مرسي هو من أصدر قرار إقالة طنطاوي وعنان، وتحدثوا كثيرا عن كواليس اللقاء وكيف أنهما من طلبا إعفاءهما، وأن المشير طنطاوي هو من رشح تلميذه عبد الفتاح السيسي لخلافته، ولم يكن أمام مرسي إلا أن يقول سمعاً وطاعة يا مولاي!. كان رأيي القائم على التحليل أن مرسي هو من أقالهما، فلم يكونا عازفين عن السلطة، أو متطلعين لراحة، والدليل أنهما عندما تم حل مجلس الشعب وكان الرأي مستقراً على مغادرة المجلس العسكري السلطة بعد انتخاب الرئيس، إلا أنهما قالا إن المجلس العسكري سيستمر في ممارسة مهامه، بعد استحواذه على سلطة التشريع!. وكنت قد وقفت على تفاصيل اللقاء الذي تم في قصر الاتحادية بين الرئيس وطنطاوي وعنان، واستقر في وجداني أنه أطاح بهما، وجمع الرئيس بين السلطتين: التنفيذية والتشريعية، لكن حجم الدعاية المضادة كان كثيفاً ونجح في أن يحول الأمر إلى بديهية، فطنطاوي وعنان طالبا بالتنحي، ربما لأنهما لا يريدان في نهاية العمر أن يعملا تحت رئاسة محمد مرسي، باعتبارهما عملا مع "العملاق" حسني مبارك!. وعلى الرغم من أنني التقيت بأحد أعضاء المجلس العسكري بالمصادفة قبيل الانقلاب ورويَ لي أن الأمر كان إطاحة، إلا أن حجم الدعاية غطى على كل شيء حتى كاد يزعزع يقيني، وكانت أزمة الإخوان في أنهم تعاملوا مع الموقف بلا مبالاة، وبتواضع العلماء الذي لا قيمة له في حسابات إدارة الدول، فلم يقوموا حتى بما يعرف بالتسريبات لما جرى، إن وجدوا حرجاً في علاقتهم بقيادة الجيش تحول دون الإعلان رسميا لتفاصيل ما حدث!. في الحوار المنشور للسيسي بجريدة "المصري اليوم" مؤخراً، ذكر كيف أنه عندما صدر قرار تنصيبه وزيراً للدفاع ذهب إلي المشير طنطاوي ليعلن أمامه استعداده للاستقالة إن أراد هو ذلك، وهي ترضية كاشفة عن أن تعيينه لم يكن بناءً على طلب طنطاوي وأن إقالة طنطاوي وصحبه لم تكن تنفيذاً لرغبتيهما!. بدا لي أن أحداً لم ينتبه لهذه العبارة، ثم جاءت التسريبات كاشفة وقاطعة لقول كل خطيب فها هو السيسي يعترف بأن مرسي هو من أطاح بالحكم العسكري وبطنطاوي وعنان. إنه أسبوع إنصاف الدكتور محمد مرسي ورد الاعتبار له، لاسيما بعد صموده وثباته أمام المحكمة على نحو كان سبباً في ألا تتم إذاعتها على الهواء مباشرة. تحية للرئيس في محبسه. كاتب وصحفي مصري [email protected]