على مدى سنوات طويلة وربما عقود من الزمن، ورأس المال الحضرمي يشكل قوة لا يستهان بها، بيد أن الظروف التي عاشتها محافظة حضرموت ومواطنيها في الفترة الماضية ألقت بظلالها على هذا الجزء من المشهد فبدا غائبا أو مغيبا بفعل ممارسات دفعت به للإقامة خارج البلد، وتحيّن الفرص المواتية للعودة. بين محاولات الاستمالة ودواعي الخوف استمرت محاولات استمالة المال الحضرمي ورجاله منذ الوحدة، وأثمرت بعضها بشكل محدود، من خلال عودة بعض التجار ورجال المال والأعمال الحضارم ومشاركتهم في مشاريع عامة وخاصة، كما بدا بعضهم يظهر –بين فترة وأخرى- على انسجام مع النظام الحاكم لكن لم يترجم هذا الانسجام لواقع جديد على الأرض، كما أن الغالبية ظلت خارج دائرة الاستمالة. وإذا كانت فترة التشطير شكلت مرحلة طاردة للمال الحضرمي بفعل التوجهات المعلنة لنظام الحكم في الجنوب حينها، إلا أن فترة ما بعد الوحدة لم تشكل انفراجة مأمولة لهذا المال المطارد وذويه الذين لم يجدوا ضالتهم في المرحلة الجديدة، فآثروا البقاء بعيدا حتى إشعار آخر. أبرز ما أثار مخاوف رجال المال والأعمال في فترة ما بعد الوحدة عدم تهيئة الأرضية المناسبة والأجواء الملائمة للاستثمار، وأبرزها استتباب الأمن واستقلالية القضاء، ناهيك عن تفشي الفساد المالي والإداري وشيوع الرشوة والمحسوبية ونهب المال العام والعبث بالإمكانات والموارد المتاحة، حتى غدت هذه الممارسات سمة ملازمة لنظام حكم علي صالح، وسلطته التي لم تتورع التقارير الدولية عن وصفها ب"سلطة لصوص". من هنا كان يحرص النظام السابق على تطعيم حكوماته المتعاقبة بشخصيات حضرمية موالية له، بعد ما ثبت فشله في استيعاب الكفاءات والقدرات الحضرمية المستقلة، لكن تلك الشخصيات رفضت الاستمرار في ظل الفوضى والتخبط والتسيب، كما فعل الراحلان رئيس الوزراء الأسبق الدكتور فرج بن غانم، والمهندس فيصل بن شملان –رحمهما الله-. لقد كان منصب رئيس الوزراء من نصيب حضرموت في عهد صالح، وتم تعيين الدكتور عبدالقادر باجمال، في المنصب بعد استقالة بن غانم. وظلت محاولات الاستمالة على أشدها -من قبل صالح ومعاونيه- لرأس المال الحضرمي المهاجر عبر أشكالا متعددة وأساليب متنوعة، وحين نجحت هذه المحاولات في إقناع بعض التجار العاديين وبعض المثقفين إلا أنها باءت بالفشل مع الدوائر الأكثر استهدافا. بن محفوظ.. تجربة غير مشجعة منذ بدء العمل على تأهيل ميناء عدن بعد الوحدة سارعت شركة "يمن فست" المملوكة لرجال الأعمال المعروف بن محفوظ لإدارة هذه الأعمال، وبعد سنوات من العمل المتواصل صار الميناء جاهزا، وإثر ذلك شرعت مجموعة بن محفوظ في العمل على إنشاء بعض المشاريع الاقتصادية، لكنها اصطدمت بعقبات ومعوقات وعراقيل ليست جديدة لكنها بدت أكبر حجما وبما يتوازى مع ما تمثله المجموعة في عالم الاستثمار. حين كان بن محفوظ في بداية مشواره كانت المعوقات في انتظاره، ما أدى لإيقاف هذه المشاريع، وفيما واجهه من معوقات تجلت الرسالة واضحة له ولغيره إن الوقت لم يحن بعد. مع الحراك الجنوبي.. الصمت مستمر مثلما حاول صالح استمالة المال الحضرمي فإن الحراك الجنوبي منذ انطلاقته لم يكف عن استعطاف الحضارم لدعمه في أنشطته وفعالياته شبه اليومية، لكن ردة الفعل لم تكن متوافقة مع رغبة قيادات ونشطاء الحراك ولو كان بعضهم ينتمي لمحافظة حضرموت، ولذلك أسبابا عديدة، حيث يرى البعض أن نسبة كبيرة من التجار الحضارم يقيمون في الخارج منذ سنوات طويلة سبقت الوحدة وحرب 1994 التي يعدها الحراك قاعدة للتجييش ضد الخصوم. لا يزال المال الحضرمي متوجسا من كل مشروع سياسي، ناهيك عندما يكون المشروع مرتبطاً بشخصيات لها ماض مثير للقلق والخوف تجاه الحضارم. كان بعض المتحمسين من أنصار الحراك الجنوبي يعتقد أنه فور إعلان علي سالم البيض، الخروج عن صمته ومؤازرة الحراك في الشارع فإن رأس المال الحضرمي يمكن أن يجد طريقا سهلا لرفد الحراك، لكن شيئا من ذلك لم يحدث لأن موجهات ردة الفعل السابقة لم تتغير حتى مع انضمام البيض لمطالب الحراك، إذ ظلت قواعد التعامل ثابتة وراسخة لدى مالكي رأس المال الذين آثروا أن لا يغادروا مملكة العمل التجاري التي ولجوا إليها منذ سنوات طويلة، وقرروا أن يقطعوا الصلة بكل ما عداها. المال الحضرمي والحضور الإعلامي يجزم بعض المتابعين من أبناء حضرموت أن بمقدور رأس المال الحضرمي -لو أراد- أن يشكل قوة فاعلة ومؤثرة ليس على مستوى اليمن فحسب ولكن على مستوى الإقليم، لكن التزام رأس المال ورواده بقاعدة "السكوت من ذهب"، يحول دون ذلك. ويقول رأي من حضرموت إن الرأس مال الحضرمي ليس له أي حضور سياسي حتى على مستوى حضرموت فضلا عن المستويات الأخرى. وبالتوازي مع غياب رأس المال الحضرمي عن المشهد السياسي فأنه كذلك بالنسبة للنشاط الإعلامي، إذ يأخذ أبناء المحافظة على رجال المال في حضرموت عدم امتلاك قناة فضائية أو أية وسيلة إعلامية أخرى. ويرى مختصون أنه مقابل المستوى الذي وصلت إليه رؤوس الأموال الحضرمية فإنها لا تمتلك النفوذ الذي يتناسب مع مستوى حضورها، سواء في اليمن أو في الدول التي يشكل رأس المال الحضرمي ركيزة أساسية فيها، كما وأن كل منها يعمل منفردا وبعيدا عن إنشاء وتشكيل تكتلات كبرى من شأنها تعزيز الدور الذي يمكنها أن تقوم به سياسيا واقتصاديا. ويلاحظ البعض أن رؤوس الأموال الحضرمية تتسم علاقتها بالنخب السياسية والفكرية والإعلامية بشيء من القطيعة والبرود، التزاما منها بقواعد السلامة. بقشان.. استثناء يكسر القاعدة برز رجل الأعمال المعروف: المهندس عبدالله بقشان، في السنوات الأخيرة، وتصاعدت وتيرة ظهوره على الساحة ليس على مستوى حضرموت فقط، ولكن على مستوى اليمن. وعلاوة على كونه من رجال الأعمال الناجحين والبارزين في المملكة العربية السعودية حيث يحتفظ هناك بألقاب اقتصادية كثيرة، فقد غدا أحد الشخصيات الحاضرة بقوة في اليمن من خلال عدد من المشاريع الكبرى في حضرموتوعدن، وكذلك دعمه المتواصل لعدد من الطلاب والجامعات والأندية الشبابية والرياضية والمساكن الطلابية سواء في الداخل أو في الخارج، كل ذلك جعله يقف على رأس مجلس الأمناء في أكثر من جامعة، ومنها جامعة العلوم والتكنولوجيا بحضرموت (سابقا) وجامعة عدن (حاليا)، كما يحتل الآن موقع الرئيس الفخري لغرفة صناعة تجارة حضرموت، والرئيس الفخري لأندية رياضية وثقافية عديدة، ورئيس مجلس إدارة شركة دار الاختراع الدولية، ومدير عام كوماتسو السعودية للمعدات الثقيلة، بالإضافة لذلك فهو يشغل نائب رئيس المجلس الأعمال السعودي اليمني. وقد استطاع المهندس بقشان -صاحب أول كرسي علمي على مستوى الجامعات السعودية في مجال الطاقة الكهربائية- بفترة وجيزة أن يتقاسم مع شركة موانئ دبي العالمية إدارة ميناء عدن من خلال مؤسسته (موانئ عدن)، على الرغم مما صاحب الصراع على هذا المركز من صعوبات ومعوقات وتحديات لا يزال بعضها قائما حتى اليوم.