يشكل اغتيال النائب المرحوم عبدالكريم جدبان نقطة مفصلية في حوادث الاغتيالات التي طالت عشرات الشخصيات في السنوات الأخيرة، ليس لأن دماء من سبقوه، ولحقوه إلى الآن أقل طهارة أو مكانة في قلوب محبيهم، إنما للتوصيف الذي اتخذته حادثة جدبان، وشبه الاتفاق على الطبيعة السياسية والطائفية لاغتياله. بطبيعة الحال، تبقى محاولة توصيف الحادثة ومعرفة دوافعها، تخمينات وتكهنات طالما مازال الجناة فارين من قبضة الدولة، ومع ذلك من الصعوبة القول بإمكانية الدافع الجنائي الصرف، باعتبار الفقيد نظيف اليد من أي ثارات أو تدخلات قبلية، ومسالم لدرجة أنه لم يرُ –على الأقل في البرلمان- يحمل بندقية أو مسدساً أو حتى جنبية، ولم يحدث أن صحبه حتى سائق لسيارته، ناهيك عن مرافقين مدججين بالسلاح ككثير من زملائه النواب. كل ما كان يمتلكه جدبان عقلاً متنوراً، ولساناً محاججاً، وطموحاً جعله على المستوى الشخصي يعافر دراسته حتى نال شهادة الماجستير ثم الدكتوراه قبل وفاته بحوالي شهر، وعلى المستوى العام كان يريد حضوراً ما، هو حقه وحق أي مواطن طالما التزم مشروعية الهدف والوسيلة في إطار القوانين، بدأ ذلك الحضور بتأسيس منتديات الشباب المؤمن مع رفيقه محمد عزان، قبل أن يختلف مع المرحوم حسين الحوثي الذي تحول قسم من ذلك الشباب بقيادته إلى الحركة الحوثية، ليعود جدبان في السنوات الأخيرة إلى الوفاق مع عبدالملك الحوثي، وصار صوت الحوثية في البرلمان. وللإنصاف، لم يطرأ تغير كبير في نشاط جدبان ورؤاه –المعلنة على الأدنى- بعد تبنيه للمقولات السياسية للحوثيين، فقد كان الرجل برلمانياً نشيطاً في محاربة الفساد، والامتعاض من التدخلات الأمريكية في اليمن. وخلال الخمس السنوات الماضية كان جدبان أحد أبرز النواب الذين ساءلوا الحكومات، حيث توجه بخمسة وعشرين سؤالاً، واستجواباً واحداً لوزراء ركزت في أغلبها على الفساد في القطاع النفطي، والتدخلات الأمريكية، وفي العام الجاري توجه بسؤالين واستجواب ركزت على الفساد في قطاع الكهرباء. عضوية جدبان في البرلمان، ونشاطه وآراؤه تحت القبة النيابية، أحد أخطر المنابر السياسية، وعضوتيه في مؤتمر الحوار الوطني عن الحركة الحوثية، تعطي استهدافه صبغة سياسية ورداءً طائفياً بامتياز. ولهذا، ربما يكون الصواب قد جانب اللجنة البرلمانية التي كلفها النواب ببلورة موقف تجاه اغتيال جدبان بسبب توصياتها العامة وحديثها عن الاختلالات الأمنية، والوضع الاقتصادي والفساد المالي والإداري. فهذه الهموم هي الشغل الشاغل للبلد منذ عقود وليس في السنوات الأخيرة فحسب، ولن تكون جلسة برلمانية لنقاشها إلا مساهمة –غير مقصودة- في تقييد قضية اغتيال جدبان ضد مجهول. رغم الصبغة السياسية التي تفصل اغتيال جدبان عن اغتيالات سابقة، إلا أنه من الصعوبة بمكان أن تكون أحزاب سياسية متمرسة كالمؤتمر والإصلاح متورطة في العملية، لأن السياسيين يدركون كارثية قص شريط الاغتيالات السياسية عليهم قبل البلد. ربما تكون المسحة الطائفية واردة لكن ليس من الحركة السلفية التي كان لجدبان موقف سلبي منها، خصوصاً موقفه من الصراع المسلح في دماج بين السلفيين والحوثيين، أولاً لما عرفت به السلفية في اليمن –على اختلاف فصائلها- من سلمية النهج منذ التواجد الرسمي لها قبل 35 سنة، ولقلة خبرة الحركة بالعمليات العنفية بما فيها الاغتيالات. قد يكون للقاعدة ضلع في اغتيال جدبان تنفيذاً لتهديد سابق لها بتأديب الحوثيين، ولخبرتها في التعارك الاستخباراتي والمسلح مع خصومها، أقول ربما. قد يكون المهم في قضية اغتيال جدبان شيئين، الأول، عدم زيادة الخدش الطائفي في نسيج المجتمع اليمني والانجرار وراء وكلاء مربع الدفع الطائفي –استهدافاً للهوية العربية- الإسرائيلي الأمريكي الإيراني السعودي. والثاني ألا يضيع دم جدبان في مزاد الأحزاب السياسية ما دامت أيديها بريئة من دمه، كما يبدو. *صحيفة الناس