أيام كان المزاج الجنوبي وحدويا خالصا خلال الأربع السنوات الأولى من التسعينات، كان الهم الوحيد ل"أولئك الصحفيين والإعلاميين" إدانة الإصلاح بأنه انفصالي، وأنه كان رافضا للوحدة. وبعد أن بدأ تحول المزاج الشعبي من الوحدة لدى بعض الجنوبيين، أو معظمهم، أو فلنقل كلهم، تحول "أولئك الصحفيون والإعلاميون" لإدانة الإصلاح بأنه هو وحده الطرف الوحدوي الذي يريد أن يفرض الوحدة على الجنوبيين!! موقف الإصلاح في الأصل أنه مع حكم محلي واسع الصلاحيات، بل وكثير من قياداته والمنتسبين إليه يعتبرونها فريضة شرعية، وكان يرى أن المشكلة هي نظام صالح الذي دمر كل شيء، وظل الكثيرون يهاجمونه بسبب موقفه المتشدد في صف الوحدة، ثم تنازل عن هذه الرؤية لصالح الأقاليم حتى لا يشذ عن مؤتمر الحوار وحتى لا يكون سببا في إشكاليات مع الفرقاء والشركاء قد تتبع هذه الرؤية، معتبرا أن فكرة الأقاليم قد تكون هي الحل المتاح المرضي للجميع، وإذا بأولئك أنفسهم يهاجمون الإصلاح باعتباره تخلى عن الوحدة!! المشكلة أن هناك من لا يهمه الوحدة، ولا الوطن، ولا المستقبل، وإنما هناك شيء معشش في رأسه اسمه الإصلاح، وشغله الشاغل هو كيف يجد في موقف الإصلاح من أي قضية ما يمكنّه أن يستخدمه إعلاميا لتشويه الإصلاح!! لا يمكن أن ينسوا أبدا أن الإصلاح شارك في حكومة ائتلافية في التسعينات من خلال إدارته لوزارة التربية ووزارة الصحة، ويعتبرون بهذا أن الإصلاح كان حليفا وشريكا في الحكم للمؤتمر الشعبي العام، ولا يزالون يرددون هذا باستمرار، لكنهم لا يكفون اليوم عن الترويج والتصوير للرأي العام بأن الإصلاح هو الحاكم اليوم، ولا ينظرون أبدا إلى أن المؤتمر الشعبي يملك نصف الحكومة، فضلا عن غيرها. عندما تتطابق رؤية الإصلاح والاشتراكي فالإصلاح يقود الحزب الاشتراكي ويستحوذ على قرار اللقاء المشترك، وعندما تتقارب رؤيته مع رئيس الجمهورية ف"الإصلاح يختطف الرئيس"، وعندما تتقارب رؤاه من المؤتمر الشعبي فهو تحالف جديد لحلف 94م !! علي صالح وعبدربه منصور هادي وطارق الفضلي والمعلم ورأس المال الحضرمي ومئات الآلاف من الجنوبيين ممن هم اليوم في الحراك أو خارجه ومعظم الأحزاب والنقابات اليمنية والتجمع اليمني للإصلاح كانوا حلفاء في 94م ضد الانفصال، ولا أحد منهم ينكر هذا، والغريب أن من يريد اليوم تحويل هذه النقطة إلى إدانة للإصلاح وحده ويصفونه بأنه هو وصالح حلفاء 94.. الغريب أن هؤلاء هم حلفاء صالح في 2011، ولا يزال تحالفهم قائما ومستمرا. يحرص هؤلاء على أن يقولوا إن الإصلاح كان على علاقة جيدة في يوم من الأيام مع علي صالح، وعلي صالح ومن اصطف معه هم من يتبنون هذا الخطاب: الإصلاح كان شريكنا، كثير من قيادة الإصلاح كانوا موظفين في الحكومة مع علي عبدالله صالح، باسندوة الذي يحسبونه على الإصلاح كان من رجالات صالح، اللواء علي محسن الذي يحسبونه على الإصلاح كان ذراع علي صالح. وما المعنى من كل هذا المضمون الإعلامي الذي لا يتوقف؟ المعنى باختصار: إنهم مثلنا، فارفضوهم كما ترفضونا، اكرهوهم كما تكرهونا، الفظوهم كما لفظتمونا. وإذن، يزعم صالح من خلال إعلامه التابع والحليف أن شعبيته عادت ترتفع، وأن الناس عادوا يحبونه من جديد، بل وأنه كان محبوبا أصلا، وهاهو ذا يؤكد من خلال هذا المنطق أن الشعب اليمني كان يكرهه وما يزال، وكان يرفضه وما يزال، وكل ما يطمح إليه هو أن يقنع الناس أن يكرهوا الإصلاح كما يكرهونه هو، ويرفضوا الإصلاح كما يرفضونه هو، (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم)!! في حراك ما قبل الثورة اندفع صالح يحرّف مسار الحراك ويرفع أمامه راية الانفصال ويغريه بها ليفصل عنه المشترك والأحزاب ويفقده عدالة القضية والتعاطف الداخلي والإقليمي والدولي، وبعد الثورة –وتحديدا منذ توقيع المبادرة فالانتخابات الرئاسية- وهو يرمي بكل ثقله داعما للانفصال، وعندما وجد نفسه في زاوية ضيقة بمؤتمر الحوار ورأى أن كل خططه فشلت في إعاقته انبرى متبنيا الوحدة ومتمترسا خلفها كقضية وطنية قادرة على إخفاء ما في نفسه، وهو ما أشار إليه جمال بن عمر بقوله ذلك اليوم إن مواقف الذين يتعنتون من أجل تفاصيل تتعلق بالقضية الجنوبية جميعها لا ليس لها علاقة بالقضية الجنوبية. وأخيرا، لم يعد صالح يراهن لإعاقة الحوار إلا على دفع ممثلي الحراك والشارع الجنوبي إلى رفع سقف مطالبهم والتشدد دونها حتى يحقق بهم ما لم يتمكن من تحقيقه هو وحلفائه في مؤتمر الحوار، فتعرض منزل ياسين مكاوي بعد عودته لمؤتمر الحوار لإطلاق نار، وتعرض الدكتور ياسين لمحاولة اغتيال، ثم كان هناك عملية أخرى قيل إن وزير الداخلية كشف مخططها للدكتور ياسين وتولى إحباط مخططها. ثم خرج صالح في حوار تلفزيوني يكيل السباب والشتائم للدكتور ياسين وحزبه الاشتراكي الذي يصر على فكرة الإقليمين، ويكيل الشتائم لكل من دعا أو يدعو للانفصال أو الإقليمين، وراح يمجد الوحدة في ذلك الحوار الذي استبق الهبة الشعبية الحضرمية بيومين أو ثلاثة.. ما الذي كان يريده بذلك التمجيد للوحدة في ذلك التوقيت؟ لقد كان –وهو يزعم أنه ما يزال صاحب شعبية وأن المستقبل له ولابنه- يعلم علم اليقين أن أبناء المحافظات الجنوبية لا يكتفون بالاشمئزاز من خطابه، بل يجدونه يستفزهم ويستثيرهم للخروج والمطالبة بعكس ما يدعوهم إليه. تلك صورة صالح التي يعرف جيدا أنها مرسومة ومحفورة في أذهان الشعب اليمني. والحمد لله أننا لا نعرف عنه إلا ما يعرفه عن نفسه وتعرفه عنه مكونات حلفه السياسي والإعلامي (تحالف 2011)!!