إن التعايش بين الشعوب أمر يرتضيه الشرع والعقل، فضلاً على أنه ضرورة حياتية، حتى يقبل كل بالآخر، ويعيش كل الناس متسامحين ومتحابين، على اختلاف انتماءاتهم وأيديولوجياتهم لأن هناك قواسم مشتركة تكاد تكون هدفا لكل الفئات الاجتماعية. إن الإسلام يبني ويجسد العلاقات الإنسانية، سواء كانت بين الأفراد أو الجماعات، على التسامح، والتواد، انطلاقا من قول الله تعالى: «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ»، بل إن الإسلام منذ ظهوره قد تبنى الدعوة إلى الحوار بين الأديان، والتعايش السلمي بين البشر، ووضع دستورا حاكما لهذه العلاقة، ليحافظ على استمرارها إلى الأبد، فقد تحاور النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أهل الأديان الأخرى، ونادت تعاليم الإسلام بالتعارف والتآلف والتعاون المشترك بين الناس أجمعين على مختلف أجناسهم وألوانهم وعقائدهم. إن التعايش بين الأديان كان سهلا في الماضي، ولا شك أن ثورة المعلومات الحديثة التي تمثلت في استخدام الملايين لشبكة الإنترنت، جعلت العالم أشبه بالقرية الصغيرة، وسهَّلت التواصل والتعارف بين البشر من شتى الجنسيات والأديان، واختصرت السنين بثوانٍ معدودة، والاستزادة بالمعلومة، بضغطة زر واحدة. ولعل كل هذا يزيد من سهولة التفاهم والتعايش السلمي بين الاتجاهات المختلفة والمتعارضة. فمصطلح التعايش السلمي، يعرف على أنه قيام تعاون بين دول العالم، على أساس من التفاهم وتبادل المصالح الاقتصادية، والتجارية، حيث ظهر هذا المصطلح بعد الحرب العالمية الثانية وانقسام العالم إلى معسكرين متقاتلين. فالإسلام يقر التعايش مع كل الأديان في ظل أمان وسلام الاسلام، وفي التاريخ الإسلامي الدليل الواضح على ذلك؛ فقد عقد رسول الله -صلى الله عليه وسلم - العهود والمواثيق مع اليهود، التي تضع أسس العيش المشترك، مع الاحتفاظ بدينهم وبشريعتهم التوراتية. وتعامل الصحابة والخلفاء مع المسيحيين. وقبل هذا وذاك، فإن الإسلام أوجب الإيمان بجميع الرسل، وعدم التفرقة بينهم، قال الله: «آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله». من الصعوبة أن يعيش الإنسان مع نفسه، دون أن يختلط بالمجتمعات الأخرى التي تؤمن بغير دينه، أو أن يلج في عملية تَبادلِية مع الطرف الاخر، تقوم على التوافق حول مصالح، أو أهداف، أو ضرورات مشتركة. إن الأمل ما زال معقودا في أن يتعايش أبناء المجتمع بكل فئاته المختلفة مع بعضهم البعض، دون التأثر بالأبواق التي لا تريد الخير للبشرية. أما كيف يتم التعايش بين اليمنيين بمختلف شرائحهم، وأحزابهم ومذاهبهم، فإنه ينبغي أن ينطلق هذا التعايش ابتداء من الثقة والاحترام المتبادلين، ومن الرغبة في التعاون لخير الإنسانية، في المجالات ذات الاهتمام المشترك، وفيما يمس حياة الإنسان من قريب، وليس فيما لا نفع فيه، ولا طائل من ورائه. ففي الهند، هنالك الكثير من الطوائف، والمذاهب، والأديان، بيد أن الحياة منسجمة انسجاما كليا يعجز التعبير عن وصفه، واليراع عن توصيفه، فالجميع يحترم ديانة، ومقدسات، وطقوس الآخر، فتجد الكنيسة بجانب المسجد، والمعبد بجانب الكنيسة، بل أعجب من ذلك- وذاك ما رأيته بأم عيني- أن تجد مسجدا، وكنيسة، ومعبدا، في مكان واحد، غير أني لم أجد يوما ما أحدا يؤذي الآخر أو ينغص حياته، ويطعن في معتقده، فالكل يمارس طقوسه، وديانته، بكل حريه، وكرامة، دون فرض أي جماعه، أو طائفه رأيها على الآخر بقوة السلاح، أو النفوذ. وأعجب العجب، أن تراهم منسجمين، متفاهمين، متألفين، كأنهم جاءوا من مشكاة واحدة، رغم التباين، والاختلاف، في الرؤى، والأفكار، التي أشرت اليها في سابق الأخبار. كم أتمنى- كيمنين- أن نعيش كهؤلاء، مصدرين التسامح للعالم كقيمة حضارية، وضرورة حياتية، وسمة اسلامية، وصفنا بها رب خير البرية. ولا غرابة فيما ذكرت سلفا، إذ أن الدولة قد رسخت هذا المبدأ العظيم، فانعكس ايجابا على المجتمع، فالدولة تنبري كمؤسسة، لا كشركة خاصة يعبث بها فئة من الناس. فالدولة تهتم بأمر الجميع، تشجع كل محسن، وتعاقب كل مسيء، والكل أمام القانون سواء، بل لسان حال رئيسهم (لو أن لاكشمي بنت غاندي سرقت لقطعت يدها). في الختام. أصرخ متسائلا: مالي أرى في بلدي عنصرية مقيتة، إذ أن هناك بعض الجماعات ما زالت تحلم بنشر فكرها بقوة السلاح، لا بقوة الفكر والمنهج، وتلك مصيبة وأي مصيبة، لماذا تزهق الأرواح البريئة؟ ومن أجل ماذا تراق الدماء الطاهرة على هذه الجماعات أن تؤمن بالتسامح والتعايش وتقبل بالآخر، وتعلم يقينا أنها لن تهنأ بالعيش طالما أنها لا زالت تحمل الحقد والكراهية والبغضاء للآخرين. لذا أتمنى من كل الأحزاب والجماعات، والطوائف، أن يحذوا حذوا المجتمع الهندي، متجهين لبنا الوطن، بدلا من الاقتتال الداخلي، باذلين الجهود الجبارة، لتعليم الشباب، وتسليحهم بالعلم والإيمان، لا بالرصاص والألغام. عليهم أن يتخلصوا من تركة النظام السابق الذي زرع هذه الكراهية بين أبناء المجتمع الواحد، وفرق الناس شيعا وأحزابا، من أجل كرسي لا بارك الله فيها. هذه رسالة محب، ونصيحة مشفق. • طالب ماجستير صحافه واعلام جامعة ميسور _الهند