شرطة تعز تعلن ضبط 3 من المشتبهين في اغتيال افتهان المشهري    السعودية تعلن تقديم دعم مالي للحكومة اليمنية ب مليار و380 مليون ريال سعودي    وفاة طالب متأثراً بإصابته أثناء اغتيال مدير صندوق النظافة بتعز    في ظل ضغوط مجتمعية وتحركات شعبية.. متهم باغتيال المشهري يعلن تسليم نفسه والشرطة توضح    شباب المعافر يُسقط اتحاد إب ويبلغ نهائي بطولة بيسان    لقاء أمريكي قطري وسط أنباء عن مقترح أميركي حول غزة    تعز.. الاعلان عن ضبط متهمين باغتيال المشهري دون الكشف عن اسماؤهم بالتزامن مع دعوات لتظاهرة حاشدة    منتخب اليمن للناشئين يفتتح مشواره الخليجي أمام قطر في الدوحة    المنتصر يبارك تتويج شعب حضرموت بكأس الجمهورية لكرة السلة    عطوان يصف تهديدات كاتس بالهذيان! ويتحدا ارسال دبابة واحدة الى صنعاء؟    صنعاء.. البنك المركزي يعيد التعامل مع شبكة تحويل أموال وكيانين مصرفيين    السعودية تعلن عن دعم اقتصادي تنموي لليمن    شرطة تعز تعلن القبض على ثلاثة متورطين في جريمة اغتيال أفتهان المشهري    مساء الغد.. المنتخب الوطني للناشئين يواجه قطر في كأس الخليج    صلاح يتقدم على سلم ترتيب أفضل صانعي الأهداف في تاريخ البريميرليغ    شباب المعافر سطروا تاريخهم بقلم من ذهب..    مستشفى الثورة في الحديدة يدشن مخيماً طبياً مجانياً للأطفال    توزيع 25 ألف وجبة غذائية للفقراء في مديرية الوحدة    تعز بين الدم والقمامة.. غضب شعبي يتصاعد ضد "العليمي"    انتقالي العاصمة عدن ينظم ورشة عمل عن مهارات الخدمة الاجتماعية والصحية بالمدارس    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    ضرورة مناصفة الانتقالي في اللجنة القانونية: لتأمين حقوق الجنوب    رئيس الإصلاح: لمسنا في تهاني ذكرى التأسيس دفء العلاقة مع القوى الوطنية    عرض كشفي مهيب في صنعاء بثورة 21 سبتمبر    "العفو الدولية": "الفيتو" الأمريكي السادس ضد غزة ضوء أخضر لاستمرار الإبادة    فعالية لأمن محافظة ذمار بالعيد أل11 لثورة 21 من سبتمبر    تعز.. خسائر فادحة يتسبب بها حريق الحوبان    الشيخ عبدالملك داوود.. سيرة حب ومسيرة عطاء    بمشاركة 46 دار للنشر ومكتبة.. انطلاق فعاليات معرض شبوة للكتاب 2025    الأرصاد يتوقع هطول أمطار رعدية على أجزاء من 6 محافظات    وزير الخدمة يرأس اجتماعا للجان دمج وتحديث الهياكل التنظيمية لوحدات الخدمة العامة    هولوكست القرن 21    وفاة 4 من أسرة واحدة في حادث مروع بالجوف    0محمد اليدومي والإصلاح.. الوجه اليمني لانتهازية الإخوان    بورصة مسقط تستأنف صعودها    البنك المركزي يوجه بتجميد حسابات منظمات المجتمع المدني وإيقاف فتح حسابات جديدة    إب.. وفاة طفلين وإصابة 8 آخرين اختناقا جراء استنشاقهم أول أكسيد الكربون    بسبب الفوضى: تهريب نفط حضرموت إلى المهرة    البرازيل تنضم لدعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام العدل الدولية    الرشيد يصل نهائي بيسان ، بعد الفوز على الاهلي بهدف نظيف، وسط زخم جماهيري وحضور شعبي الاول من نوعة منذ انطلاق البطولة    بن حبريش: نصف أمّي يحصل على بكلاريوس شريعة وقانون    المركز الثقافي بالقاهرة يشهد توقيع " التعايش الإنساني ..الواقع والمأمون"    أين ذهبت السيولة إذا لم تصل الى الشعب    الربيزي يُعزي في وفاة المناضل أديب العيسي    الكوليرا تفتك ب2500 شخصًا في السودان    الصمت شراكة في إثم الدم    الفرار من الحرية الى الحرية    ثورة 26 سبتمبر: ملاذٌ للهوية وهُويةٌ للملاذ..!!    الهيئة العامة للآثار تنشر القائمة (28) بالآثار اليمنية المنهوبة    نائب وزير الإعلام يطّلع على أنشطة مكتبي السياحة والثقافة بالعاصمة عدن    موت يا حمار    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    خواطر سرية..( الحبر الأحمر )    اكتشاف نقطة ضعف جديدة في الخلايا السرطانية    في محراب النفس المترعة..    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أطلالٌ على نافذةِ ثورةٍ مقعدة:
نشر في الأهالي نت يوم 18 - 05 - 2014

يصلُ الإنسان في لحظاتٍ حاسمة يشعر فيها أن لا مجال للاستمرار على نفس الحال ولا يمكن العدو نحو أشواقٍ وأمنياتٍ بكل هذا ذلك الثِقَل ، التَخفُف من أثقالِ الزمن وترميم عوامل تعريته أصبح ضرورة للانطلاق والاحتراق كفراشة .
عالمُ الحواسيب المهندس آلان كاي يقول " أفضل طريقة لتوقع المستقبل هي أن تقوم باختراعه " هذه الطريقة كانت خياري وخيار مجموعة من الشابات والشبان ، تعثروا وكنت معهن \هم من المتعثرين فكان المستقبل ينتظرنا جميعاً لم يقبلنا فرادا ولا مكان لأحدنا على حساب الأخر اما أن نكون جميعاً أو لا نكون .
بعد ذلك التعثر كان لابد من المحاولة مجددا وحيدةً عَلَّ المستقبل هذه المرة يقبلني منفردة . السفر الى برلين كان هو القرار للحظة الهروب من كل شيء من عفراء ، الثورة ، القراءة ، الكتابة ، الملامة ، صور الشهداء ، الجرحى ، عتابات الاصدقاء ، سخط الناس في الشارع ، الشعور بالذنب ، العبث ، الغبن .... وكل ماله علاقة بأربعةِ أعوامٍ من الجدال والصراع . كانت الدراسة المبرر الوحيد المقنع لهذا الهروب ، أنجزت جميع المعاملات ودَعتُ أسرتي ، صديقاتي ، أصدقائي ، تجاعيد مدينتي ، ياجور صنعاء ، قطتي ، كلبتي وانطلقت مع والدي الى المطار على صوت بالفقيه وهو يدندن
((وامُغرِّد بوادي الدور من فوق الاغصان**وامهيج صبابتي بترديد الالحان
مابدا لك تهيج شجو قلبي والاشجان**لا انت عاشق ولا مثلي مفارق للأوطان
بلبل الوادي الأخضر تعال أين دمعك **تتدعي لوعة العشاق وما العشق طبعك
فاسترح واشغل البال بحفظك ورفعك **واترك الحب لأهل الحب يا بلبل البان
أحبتي بعدكم والله جفاني هجوعي **وجرح مقلتي يا أحباب جاري دموعي
آه يا حسرتي منكم وآه يا ولوعي **كل ذا من جفاكم ليت يا ليت لا كان
يا احبة ربى صنعاء سقى الله #صنعاء **حي ذاك الربى لا زال للغيد مرعى
لو يقع لي لآسعى على الراس لاسعى **لقي روحي بروحي من بلابل وغزلان
ليت شعري متى شالقي عصاةالمسافر**واي حين شاءيطيب لي عيش قد كان نافر
وأي حين شاتخطر بين تلك المناظر**هو قريب ذا على الله أن يقل له يكن كان))
.....
في صالة المغادرة ودعت والدي وحملتُ حقيبتاي ، أحداهما سافرتْ معي والأخرى وضعتها على أخرِ سلمة بالطائرة .
كان مقعدي في مؤخرةِ الطائرةِ جوار النافذة وعلى يميني طالب ألماني أجبرته أوضاع البلد الأمنية على مغادرة مدرسته داخل صنعاء القديمة والعودة الى المانيا ... في الحقيقة لم أكن مُهيئة لسماعه وأنا من جمعت كل أدوات وعوامل الاكتئاب ووضعتها في حقيبة سلم الطائرة.
ربطنا الأحزمة ؛ بدأت الطائرة بالإقلاع وبدأت ملامح مدينتي بالاختفاء شيئا فشيئا ... أبتلع فم الظلام جغرافيا بلدي .. واختفت اليمن من الخريطة وظهرت كامتدادٍ للبحر الأحمر .
...
كانت صديقتي الصحفية الألمانية " إيفا " من قاسمتني غرفتي ذات زمن بانتظاري بلهفةٍ في مطار برلين . احتضنتني بفرحةٍ غامرةٍ
_ (( أُختيييي أفراااااء )) I miss u
_ me 2 .
أعتقدني أبتسمت ... كانت مشاعري حينها في إجازة أو ربما وضعتها بالغلط بشنطة سلم الطائرة و ربما سقطت مني في صالة المغادرة وأنا أودع والدي .
أخذنا سيارة أجرة إلى السكن ، في الطريق تحدثت "إيفا" كثيراً سألتني كثيراً ، لا أعلم ما إذا كنت اجبتها أم لا كل ما كان يدور في ذهني هو " لازم أزور بسام " . ما أن وصلت الغرفة حتى أخرجت كمبيوتري المحمول ، فتحت الفيسبوك وارسلت للدوك
_نهارك سعيد دوك ، كيفك ... أنا في برلين وحابة أوزر بسام ... ممكن تشرح لي عنوان المشفى ومواعيد الزيارة
_ اهلييين عفراء .. الحمدلله ع السلامة متى وصلتي ، ليش ما كلمتيناش نستقبلك ؟ .. على العموم بسام الآن في مستشفى الحوادث UKB الزيارة من بعد ساعتين .. انتِ فين ساكنة
_ ساكنة في Kreuzberg تحديدا ب Naunynstrasse 80
_ كويس مش بعيد كثير نص ساعة بالحافلة وتوصلي ممكن تركبي الحافلة وتنزلي بمحطة المشفى .أنا باكون بانتظارك هناك ، ونزوره سوى وبالمرة نشوفك .
_ اوكي ... متفقين أنا ساعة وأخرج للمحطة... الى اللقاء
_ الى اللقاء .
---------------
فتحت الحقيبة بحثت عن أكثر الملابس المريحةِ أناقة بروزت عيناي بكحل أسودٍ ووضعتُ عطريَ المفضلَ على معصمي والاشارب وخرجت .
.
_ عند باب الشقة يستوقني نداء " إيفا " .. أين ستذهبين وحدك وانتِ مرهقة من السفر ؟
_ سأذهب لزيارة بسام .. لست وحدي سينتظرني صديقي عند محطة الباص ... لا تقلقي شرح لي الطريق
_ بذهول : أفراااااء .. بسام الآن ؟ أرتاحي اليوم وسنذهب لزيارته غداً سوياً
_ أنا ذاهبة الآن لأرتاح ... باي .
.
أغلقتُ بابَ الشقةِ برفقٍ ، نزلتُ مسرعة من الدرج و ركبت الباص ، أخرجت طلاء أظافري _ اللحمي _ فالنصف الساعة كانت كافية لوضعه وانتظاره ليجف . كنت وحدي في الحافلة على ما أعتقد .. لا أتذكر أني رأيت أحدا
المهم
وصلت المحطة نزلت من الحافلة وكانت المرة الأولى التي بدأت عيناي تؤديان مهمتهما بشكل طبيعي بعد مغادرة صنعاء .. كنت أتلفت يميناً وشمالاً بكل تركيز أبحث عن الدوك .. فأنا لا أعرفه إلا من صورته في موقع التواصل الاجتماعي
.
تقدم مني شابٌ مرتبٌ وأنيق تبدو عليه ملامح الثقة
_ أنتِ عفراء ؟
_ بابتسامة عريضة : ايوه ^__^ أكيد انتَ الدوك
_ مضبوط ... الحمدلله ع السلامة ، نورتي برلين . كنتي حترتاحي اليوم وبكرة تزويه
_ مش مشكلة أنا كذا مرتاحة
_ جاية المانيا دراسة ولا سياحة ؟
_ جاية أحضِّر دراسات عليا في العِمارة .. قول لي في محل ورد قريب ناخذ منه بوكيه ؟
_ أيوه .. من هِنا .
.
• في الطريق ..
_ كيف الأوضاع هذه الأيام في اليمن ؟
_ انت متابع للأحداث واكيد تعرف الأوضاع أكثر مني .
* ظل يحدثي كم هي بلدنا قليلة الحظ وكم نحن قليلو الحيلة , كل شيء فيها جميل إلا نخبتها التي تعيش فيها كالأرضة تأكل كل شي من الداخل لتتركها جوفاء دون أي اكتراث ونحن نُثرثِر فقط دون أي انجاز ...
_ المشكلة الحقيقية والكارثة الكبرى يا دوك لو احنا كمان نبطل نتكلم .. حتى الحرب تبدا بكلمة . شوف _ وأنا أشير بيدي لمحل بيع الورود _ .. لما الناس يحبوا الورود ويروحوا للمحلات يشتروه بنفس العدد والاهتمام الذي الناس فيه بالمحل الذي قدامنا باتتطور البلاد .
.
• في محل الورود
_ هذا الورد مناسب يا عفراء واللون الأبيض هو اللون الشائع لبوكيهات زيارة المرضى .
_ امممم صحيح .. بس أنا حاخذ هذا اللون . أحب الورود البرتقالية .
.
*بَدَتْ علامات الاستغراب والدهشة على ملامح الدوك وكأنه كان يقول لي : (أنتِ باتاخذي الورد لِك ولا لبسام ؟ لما يكون لِك خذي حتى ورد أسود .. بس هذه زيارة مريض )
.
لم أهتم كثيراً فاللون كان كدمٍ سقط من قدمِ جوادٍ يركض فوق الشمس
.
وصلنا المشفى اقتربنا من الغرفة ، الدوك يشرح لي الاجراءات والمعاناة التي عانوها شباب المبادرة في المانيا لنقل بسام لهذا المشفى لاستكمال العلاج ... كنت صامتة طوال الطريق أهز رأسي فقط وأفكر ، ما الذي سأقوله لبسام ؟ تمنيت حينها لو أنَّه قد نساني ويعتقد أني فتاةُ يمنيةٌ سمعت بوجود عميد جرحى الثورة اليمنية في برلين وأتت لزيارته .
.
_عند باب الغرفة يخاطبني الدوك بحماس : ادخلي
_ لا ادخل انت الأول أنا حاسة برهبة
_ باستغراب شديد يرد : طيب ...
* يفتح الدوك الباب يلقي التحية على بسام ويقابله بابتسامةٍ عريضةٍ ووجهٍ بشوشٍ ليقول بعدها
_معي لك مفاجأة ، في شخص جاء من اليمن مخصوص يزورك
_بفرحة غامرة يرد بسام : مَن .. أمي ؟
.
* بخطواتٍ ثقيلةٍ كنبضِ قلبٍ يقاوم التوقف عن الحياة دخلت الغرفة ، بوجهٍ شاحبٍ وابتسامة تتصارع مع عبوسٍ قادمٍ من وقعِ اللحظة ، ووردٍ كالجمر ، ورأس مطأطئ يحاول إحداث ثقب ما لتسريب الذكريات المتزاحمة القادمة من خلف البحار من داخل تلك الحقيبة التي تركتها في أخر سلمة باللوفتهانزا
.
- سلااااام ... كيف أنت يا بطل ؟
- أهلااااا يا رفيقة ، أيش المفاجأة الحلوة ؟ ... أنا تماااام تماااام كل شي تمام انتو كيف انتو
- والله انا الان احسن .. كل الشباب يسلموا عليك وأمي تبعث لك سلام خاص وتقول لك شد حيلك يا بطل منتظرينك ترجع توقف معانا من جديد
- والله يا عفراء انا سعيد جدا بزيارتك كأني شفت اليمن .. بس كيف لوما أجيتي ؟
- جيت أدرس . المهم ... أيش أخبارك انت مرتاح ...شكل الجلسة هانا اعجبتك ؟
- هُمْ اللي اعجبتهم جلستي ؛ والله العلاج هنا احسن بكثير من اليمن .... طول الفترة السابقة والاطباء هنا يعالجوا الأخطاء الطبية اللي سووها باليمن ويعالجوا التقرحات والجروح بسبب الجلسة ... لكن محد يرتاح خارج بلده ، نفسي ارجع اليمن وقدهي أحسن . أحنا ما خرجناش عشان يأخذوها السرق ويكون هذا حالنا.
- أقاطعة .. أنت الآن لا تفكرش بشي خذ بالك من علاجك فقط
- يعني بعد ما كنت أحلم كيف بانوَقِفْ اليمن على رجوله من جديد ، أصبحت أنا أحلم أجلس على كرسي متحرك
.
*انتابتني حينها نوبة بكاء شديدة ، وقفت كبيتِ عنكبوتٍ تحت المطر . تذكرت الجريح وهيب الذي كان يلفظ انفاسه الاخيرة أمام عيني بسبب إهمال مستشفى الثورة له وصورة والده وهو يقبل قدم أحد أطباء مستشقى العلوم ويبكي (( أنا فدالك يا دكتور عالج ابني )) وقتها صرخت (( ابنك بطل .. انت أبو واحد من أبطال الثورة ، ليش تبكي وتبوس رجل الدكتور .. أوقف )) رد عليّ : مَلِه أنا أشتيه يعالج ابني .. ابني عيموت يا بنتي .
مات وهيب بعد يومين
.
تذكرت الجريح عبدالإله الذي اهتراء تقريره وهو يطوف معي من جهة إلى جهة .. عبد الإله ظل يتوجع مايقارب عامين ويصرخ داخل المستشفى الميداني بساحة صنعاء حتى مَلَّ منه الصراخ . كان يعاني من أصابة بطلق ناري بالعمود الفقري أتلف أعصاب رجليه إلا أن أحد الأعصاب ظل حياً يؤلمه بشكل لا يطاق كانت حالته صعبة جدا وتتطلب السفر الى الصين فالعمليات التي كان يحتاجها لاتجريها الى الصين ... مات عبدالإله بعد عامين من المعاناة القاتلة بعد أن أكتسب جسمه مناعة من الحُقن المهدئة و بعد أن تعفنت جراحه وأكل الدود أجزاء من جسمه . كانت ميزانية سَفَرْ كَمْ وزير لا فائده منهم ولا من سفرياتِهم كافية لتغطية تكاليف علاجه.
.
عاد طلب الجريح الكمالي الى ذهني وهو يقول لي من داخل غرفة علاجة بمستشفى الثورة الحكومي :
_ أنا طول عمري أشتي يوقع معي بنات بس مابوش معي كلهم عيال... تقبلي تكوني بنتي
_ طبعاً أقبل .
.
توفي بعدها بثلاثة أيام
...
والعديد العديد ممن أعرفهم وممن أجهلهم ... وقتها لم أجد نفسي إلا وأنا أغادر الغرفة وأقول وأنا أردد : (( حيجي لهم يوم ، حيجي لهم يوم..))
.
*أدرك الدوك أن المكوث أكثر مع بسام أصبح مرهق جدا بالنسبة لي .
وَدَعَ بسام .. لا أذكر ماذا قال
سبقني بخطواتٍ ، ليفتح لي الباب .. خرجت وأنا أحمل وردي بيدي . أَغلقَ باب الغرفة وتحاشى النظر أو الحديث إلي . وقفت على نافذة باب الغرفة أراقب بسام وهو يمسح كبرياء دموعه
.
- دوك ... شوف الثورة ، شابة قوية طموحة مشرقة خرجت بكل جرأة تسابق الواقع أصيبت في بداية البدايات وعادت جريحة مُقعدة كل ما يمكنها القيام به الحديث ، البكاء ، والابتسام بغصة .
في 26 _10_2010 أحمد علي اشترى بيتنا وجاب لنا مهملة ثلاثة أشهر نفرغ بها البيت ، هَدِه للأرض عشان يعمل مكانه موقف سيارات لجمعية الصالح اللي بناها في حوش منزلنا الخلفي .. طبعا بعد ما بعنا الارضية بوقت سابق ، كان أقدم وأجمل بيت في حدة . الشبابيك ايطالية ، الأبواب من شجرة الجوز من تركيا، صمم المنزل مهندس معماري مصري درس وعاش في المانيا حتى أن بودرة الجرانيت المرشوشة بين الطوب الأحمر جابها بابا من ألمانيا ببراميل
.
* كان الدوك يسمعني مستغرباً من جدوى هذا الحديث الآن وما سبب إثارته . لم أكترث وتابعت الحديث بحرقة وعيناي تمتلئان بماء القهر
.
_ كان في مجنون بالحارة اسمه " محسن " كل يوم كان يطلع فوق سطح جمعية الصالح ويصيح .. (( الله عيزيل عرشهم من عنده ... عيهووده !! الله عيهد ملكهم . ما دامتش لحد والله ما تدوم لهم )) ويجلس يلقي العديد من الأيات القرآنية اللي تتكلم على فرعون وزوال الحكم .. محد كان مهتم له ولا لصياحه ... مجنون
في بداية يناير دخل بيتنا وأنا واقفة في الصالون أراقب العمال وهم يفكوا الستائر
_قال لي : غاثية
_ بتململٍ شديد : أيوه
_ لا تغثيش ولا شي ، ابسري هذي الستائر الله عيديلكم بدلها حرير حرير انتي عتبسري .. وهذه الحدايد عيوقع لكم بدلها حدايد ذهب ...
.
كان يكلمني وهو يلبس " روب نسائي " مش عارفة من أي جارة سرقه و يتنقل من نافذة الى أخرى ويقفز محاولا لمس حدائد الستائر .. لم أرد ولم اهتم كنت فقط ألعن الأقدار التي جعلت من مجنون يدخل بيتنا ليسرح ويمرح ويتقفز كيفما يشاء
.
بعد حوالي نص شهر في منتصف يناير كنت في الشارع مع مجموعة من الشابات والشبان نهد عرش من هد منزلنا . طبعاً ما كانش هذا هو السبب الرئيسي لخروجي لكن كان الأمر مثل تحقيق نبؤة المجنون محسن
(( الله عيهد من هد بيتكم وعيجي لهم يوم ))
حاجة تشبة تحقق المثل الشَّعبي: "السّرُّ المكنون تحت رأس الطِّفل والمجنون"
.
*أستمر بالتحديق من نافذة باب غرفة بسام فتسقط أول دمعة من عيني وأنا أقول للدوك :
_ كنا مثل مجموعة من الأطفال خرجوا في صباح رمضان يلعبوا زراقيف . آباؤهم راقدين وأمهاتهم فوق السجادات يفكرين كيف بايقسمين الطماطة الباقية على السلطة والسحاوق ويبقى منها شويه للطبيخ ؟ ..
جمعنا كل الزراقيف على شكل حلقة دائرية متجانسة وضرب كل واحد مننا ضربته ..
ضربنا ..
فرقنا الزراقيف ..
فكننا الكتلة ..
وبس .
مثل ما قال البردوني :
والأباة الذين بالأمس ثاروا ***أيقظوا حولنا الذئاب وناموا
حين قلنا قاموا بثورة شعب *** قعدوا قبل أن يروا كيف قاموا
ربما أحسنوا البدايات لكن... ***هل يحسون كيف ساء الختام؟
.
*أُدير وجهي أخيرا للدوك وهو يقف بجانبي كمسمارٍ دُق على الأرض .. تسقط الدمعة الثانية واغرق في عينيه وأواصل حديثي :
_ كانت أمي دائما تحكيلي عن عمها القاضي " محمد أحمد صبرة " الذي ناضل ضد الإمام يحيى وأسس حركة " الدستوريين " طبعا الإمام سجنه وأَمَر بقتله وأرسل له مجموعة من الجنود أخرجوه من بيته وهو لابس " الزَنَة " بعد ما قيدوه .. اتخيل الناس وقفت على جانبي الشارع تلاعنه _ يا دستوري ، يا كافر ، يا فاجر ، يا عميل _
ويهتفوا " أقتلوه هذا كافر يشتي يزوج القرآن على الدستور " ... بصقوا وتبول البعض بكل إيمان .
.
وأنا أمشي في الايام الأخيرة بصنعاء وأسمع شتم الناس وسخطهم شعرت بما شعر به صبرة .. مات صبرة دستوري كافر بنظر أهل زمانة وعاش بطل ومناضل بنظرنا ونظر التاريخ .
هذولا اللي جالسين يشتمونا بسبب حال البلد الآن سيكبر أحفادهم و يلوموهم ويقولوا لهم على الأقل هذولاك حاولوا يعملوا شي كويس للبلد . انتو ايش عملتوا جلستوا تلعنوهم وتتفرجوا عليهم وهم يتلقوا الضربات من كل الاطراف . حيستشهدوا بمواقفنا وينسخوا منشوراتنا ... وهم حيجي لهم يوم صح ؟
.
- يمسح الدوك عيناه ويرد : صح .
- أُنقذُ عينايَ من الغرقِ ، أصرفهما عن عيناه إلى نهاية الممر: خلاص أنا أشتي أروح وصِّلني لمحطة الباص .أنا جالسة أهرب من نفسي لنفسي . أنا حقيبة سلم الطائرة ..
- حقيبة أيش ؟
- ولا شي
.
واصلنا المشي حتى المحطة وكلانا يحدق بالأرض دون أي كلمة . عند الحافلة أعطيته وردة وقلت له وأنا مبتسمه
_ شكلي كنت عارفة لما أشريت الورد إنه لي .. كلنا جرحى يادوك بطريقة أو بأخرى
أَبتسمَ الدوك .
أدَرتُ أنا ظهري .
صعدتُ الحافلة .
عدتُ لغرفتي .
حجزتُ على أولِ رحلةٍ وعدتُ الى اليمن .
.
17_5_2014


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.