في بيان صادم للشرعية: قطر تدعم التهدئة في اليمن وتتجاهل وحدة البلاد وسلامة أراضيه    عاجل : بيان مهم صادر عن المجلس الانتقالي الجنوبي    خلال يومين.. جمعية الصرافين بصنعاء تعمم بإعادة ووقف التعامل مع ثلاثة كيانات مصرفية    سوريا.. قتلى وجرحى في تفجير داخل مسجد في حمص    وقفات شعبية حاشدة لأبناء أمانة العاصمة احتفاء بعيد جمعة رجب    مقتل مهاجر يمني داخل سجن في ليبيا    ريال مدريد يدرس طلب تعويضات ضخمة من برشلونة    الرئيس المشاط يعزي عضو مجلس النواب علي الزنم في وفاة عمه    السيد القائد يهنئ الشعب اليمني ب"جمعة رجب" .. ويحذر من حرب رهيبة !    إعلام الانتقالي: طيران حربي سعودي يقصف هضبة حضرموت وقوات النخبة تسيطر على المنطقة    احياء مناسبة جمعة رجب في مسجد الإمام الهادي بصعدة    ريال مدريد يعير مهاجمه البرازيلي إندريك إلى ليون الفرنسي    الأرصاد: صقيع متوقع على أجزاء من المرتفعات ونصائح للمزارعين ومربي الماشية والنحل والدواجن    مفتاح: جمعة رجب محطة إيمانية تجسد هوية الأنصار وجاهزية اليمن للجولات القادمة    الصحفية والمذيعة الإعلامية القديرة زهور ناصر    صرخة في وجه الطغيان: "آل قطران" ليسوا أرقاماً في سرداب النسيان!    طيران العدوان السعودي يستهدف "أدواته" في حضرموت وسقوط قتلى وجرحى    اليمن يتوعد الكيان المؤقت بما هو أشدّ وأنكى    ترامب يعلن تنفيذ ضربات "فتاكة" ضد تنظيم القاعدة بنيجيريا    كاتب حضرمي يطالب بحسم الفوضى وترسيخ النظام ومعاقبة المتمردين    ما بعد تحرير حضرموت ليس كما قبله    كتاب جديد لعلوان الجيلاني يوثق سيرة أحد أعلام التصوف في اليمن    الكويت تؤكد أهمية تضافر الجهود الإقليمية والدولية لحفظ وحدة وسيادة اليمن    صنعاء.. تشييع جثامين خمسة ضباط برتب عليا قضوا في عمليات «إسناد غزة»    البنك المركزي بصنعاء يحذر من شركة وكيانات وهمية تمارس أنشطة احتيالية    وطن الحزن.. حين يصير الألم هوية    صنعاء توجه بتخصيص باصات للنساء وسط انتقادات ورفض ناشطين    فقيد الوطن و الساحة الفنية الدكتور علوي عبدالله طاهر    حضرموت تكسر ظهر اقتصاد الإعاشة: يصرخ لصوص الوحدة حين يقترب الجنوب من نفطه    القائم بأعمال وزير الاقتصاد يزور عددا من المصانع العاملة والمتعثرة    البنك المركزي اليمني يحذّر من التعامل مع "كيو نت" والكيانات الوهمية الأخرى    الرشيد تعز يعتلي صدارة المجموعة الرابعة بعد فوزه على السد مأرب في دوري الدرجة الثانية    هيئة التأمينات تعلن صرف نصف معاش للمتقاعدين المدنيين    مدرسة الإمام علي تحرز المركز الأول في مسابقة القرآن الكريم لطلاب الصف الأول الأساسي    لحج.. تخرج الدفعة الأولى من معلمي المعهد العالي للمعلمين بلبعوس.    المحرّمي يؤكد أهمية الشراكة مع القطاع الخاص لتعزيز الاقتصاد وضمان استقرار الأسواق    3923 خريجاً يؤدون امتحان مزاولة المهنة بصنعاء للعام 2025    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    ميسي يتربّع على قمة رياضيي القرن ال21    استثمار سعودي - أوروبي لتطوير حلول طويلة الأمد لتخزين الطاقة    الأميّة المرورية.. خطر صامت يفتك بالطرق وأرواح الناس    أرسنال يهزم كريستال بالاس بعد 16 ركلة ترجيح ويتأهل إلى نصف نهائي كأس الرابطة    تركيا تدق ناقوس الخطر.. 15 مليون مدمن    الصحفي المتخصص بالإعلام الاقتصادي نجيب إسماعيل نجيب العدوفي ..    المدير التنفيذي للجمعية اليمنية للإعلام الرياضي بشير سنان يكرم الزملاء المصوّرين الصحفيين الذين شاركوا في تغطية بطولات كبرى أُقيمت في دولة قطر عام 2025    تعود لاكثر من 300 عام : اكتشاف قبور اثرية وتحديد هويتها في ذمار    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل في مشروع سد حسان بمحافظة أبين    "أهازيج البراعم".. إصدار شعري جديد للأطفال يصدر في صنعاء    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    تضامن حضرموت يواجه مساء اليوم النهضة العماني في كأس الخليج للأندية    الفواكه المجففة تمنح الطاقة والدفء في الشتاء    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    تحذيرات طبية من خطورة تجمعات مياه المجاري في عدد من الأحياء بمدينة إب    مرض الفشل الكلوي (33)    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    تحرير حضرموت: اللطمة التي أفقدت قوى الاحتلال صوابها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أطلالٌ على نافذةِ ثورةٍ مقعدة:
نشر في الأهالي نت يوم 18 - 05 - 2014

يصلُ الإنسان في لحظاتٍ حاسمة يشعر فيها أن لا مجال للاستمرار على نفس الحال ولا يمكن العدو نحو أشواقٍ وأمنياتٍ بكل هذا ذلك الثِقَل ، التَخفُف من أثقالِ الزمن وترميم عوامل تعريته أصبح ضرورة للانطلاق والاحتراق كفراشة .
عالمُ الحواسيب المهندس آلان كاي يقول " أفضل طريقة لتوقع المستقبل هي أن تقوم باختراعه " هذه الطريقة كانت خياري وخيار مجموعة من الشابات والشبان ، تعثروا وكنت معهن \هم من المتعثرين فكان المستقبل ينتظرنا جميعاً لم يقبلنا فرادا ولا مكان لأحدنا على حساب الأخر اما أن نكون جميعاً أو لا نكون .
بعد ذلك التعثر كان لابد من المحاولة مجددا وحيدةً عَلَّ المستقبل هذه المرة يقبلني منفردة . السفر الى برلين كان هو القرار للحظة الهروب من كل شيء من عفراء ، الثورة ، القراءة ، الكتابة ، الملامة ، صور الشهداء ، الجرحى ، عتابات الاصدقاء ، سخط الناس في الشارع ، الشعور بالذنب ، العبث ، الغبن .... وكل ماله علاقة بأربعةِ أعوامٍ من الجدال والصراع . كانت الدراسة المبرر الوحيد المقنع لهذا الهروب ، أنجزت جميع المعاملات ودَعتُ أسرتي ، صديقاتي ، أصدقائي ، تجاعيد مدينتي ، ياجور صنعاء ، قطتي ، كلبتي وانطلقت مع والدي الى المطار على صوت بالفقيه وهو يدندن
((وامُغرِّد بوادي الدور من فوق الاغصان**وامهيج صبابتي بترديد الالحان
مابدا لك تهيج شجو قلبي والاشجان**لا انت عاشق ولا مثلي مفارق للأوطان
بلبل الوادي الأخضر تعال أين دمعك **تتدعي لوعة العشاق وما العشق طبعك
فاسترح واشغل البال بحفظك ورفعك **واترك الحب لأهل الحب يا بلبل البان
أحبتي بعدكم والله جفاني هجوعي **وجرح مقلتي يا أحباب جاري دموعي
آه يا حسرتي منكم وآه يا ولوعي **كل ذا من جفاكم ليت يا ليت لا كان
يا احبة ربى صنعاء سقى الله #صنعاء **حي ذاك الربى لا زال للغيد مرعى
لو يقع لي لآسعى على الراس لاسعى **لقي روحي بروحي من بلابل وغزلان
ليت شعري متى شالقي عصاةالمسافر**واي حين شاءيطيب لي عيش قد كان نافر
وأي حين شاتخطر بين تلك المناظر**هو قريب ذا على الله أن يقل له يكن كان))
.....
في صالة المغادرة ودعت والدي وحملتُ حقيبتاي ، أحداهما سافرتْ معي والأخرى وضعتها على أخرِ سلمة بالطائرة .
كان مقعدي في مؤخرةِ الطائرةِ جوار النافذة وعلى يميني طالب ألماني أجبرته أوضاع البلد الأمنية على مغادرة مدرسته داخل صنعاء القديمة والعودة الى المانيا ... في الحقيقة لم أكن مُهيئة لسماعه وأنا من جمعت كل أدوات وعوامل الاكتئاب ووضعتها في حقيبة سلم الطائرة.
ربطنا الأحزمة ؛ بدأت الطائرة بالإقلاع وبدأت ملامح مدينتي بالاختفاء شيئا فشيئا ... أبتلع فم الظلام جغرافيا بلدي .. واختفت اليمن من الخريطة وظهرت كامتدادٍ للبحر الأحمر .
...
كانت صديقتي الصحفية الألمانية " إيفا " من قاسمتني غرفتي ذات زمن بانتظاري بلهفةٍ في مطار برلين . احتضنتني بفرحةٍ غامرةٍ
_ (( أُختيييي أفراااااء )) I miss u
_ me 2 .
أعتقدني أبتسمت ... كانت مشاعري حينها في إجازة أو ربما وضعتها بالغلط بشنطة سلم الطائرة و ربما سقطت مني في صالة المغادرة وأنا أودع والدي .
أخذنا سيارة أجرة إلى السكن ، في الطريق تحدثت "إيفا" كثيراً سألتني كثيراً ، لا أعلم ما إذا كنت اجبتها أم لا كل ما كان يدور في ذهني هو " لازم أزور بسام " . ما أن وصلت الغرفة حتى أخرجت كمبيوتري المحمول ، فتحت الفيسبوك وارسلت للدوك
_نهارك سعيد دوك ، كيفك ... أنا في برلين وحابة أوزر بسام ... ممكن تشرح لي عنوان المشفى ومواعيد الزيارة
_ اهلييين عفراء .. الحمدلله ع السلامة متى وصلتي ، ليش ما كلمتيناش نستقبلك ؟ .. على العموم بسام الآن في مستشفى الحوادث UKB الزيارة من بعد ساعتين .. انتِ فين ساكنة
_ ساكنة في Kreuzberg تحديدا ب Naunynstrasse 80
_ كويس مش بعيد كثير نص ساعة بالحافلة وتوصلي ممكن تركبي الحافلة وتنزلي بمحطة المشفى .أنا باكون بانتظارك هناك ، ونزوره سوى وبالمرة نشوفك .
_ اوكي ... متفقين أنا ساعة وأخرج للمحطة... الى اللقاء
_ الى اللقاء .
---------------
فتحت الحقيبة بحثت عن أكثر الملابس المريحةِ أناقة بروزت عيناي بكحل أسودٍ ووضعتُ عطريَ المفضلَ على معصمي والاشارب وخرجت .
.
_ عند باب الشقة يستوقني نداء " إيفا " .. أين ستذهبين وحدك وانتِ مرهقة من السفر ؟
_ سأذهب لزيارة بسام .. لست وحدي سينتظرني صديقي عند محطة الباص ... لا تقلقي شرح لي الطريق
_ بذهول : أفراااااء .. بسام الآن ؟ أرتاحي اليوم وسنذهب لزيارته غداً سوياً
_ أنا ذاهبة الآن لأرتاح ... باي .
.
أغلقتُ بابَ الشقةِ برفقٍ ، نزلتُ مسرعة من الدرج و ركبت الباص ، أخرجت طلاء أظافري _ اللحمي _ فالنصف الساعة كانت كافية لوضعه وانتظاره ليجف . كنت وحدي في الحافلة على ما أعتقد .. لا أتذكر أني رأيت أحدا
المهم
وصلت المحطة نزلت من الحافلة وكانت المرة الأولى التي بدأت عيناي تؤديان مهمتهما بشكل طبيعي بعد مغادرة صنعاء .. كنت أتلفت يميناً وشمالاً بكل تركيز أبحث عن الدوك .. فأنا لا أعرفه إلا من صورته في موقع التواصل الاجتماعي
.
تقدم مني شابٌ مرتبٌ وأنيق تبدو عليه ملامح الثقة
_ أنتِ عفراء ؟
_ بابتسامة عريضة : ايوه ^__^ أكيد انتَ الدوك
_ مضبوط ... الحمدلله ع السلامة ، نورتي برلين . كنتي حترتاحي اليوم وبكرة تزويه
_ مش مشكلة أنا كذا مرتاحة
_ جاية المانيا دراسة ولا سياحة ؟
_ جاية أحضِّر دراسات عليا في العِمارة .. قول لي في محل ورد قريب ناخذ منه بوكيه ؟
_ أيوه .. من هِنا .
.
• في الطريق ..
_ كيف الأوضاع هذه الأيام في اليمن ؟
_ انت متابع للأحداث واكيد تعرف الأوضاع أكثر مني .
* ظل يحدثي كم هي بلدنا قليلة الحظ وكم نحن قليلو الحيلة , كل شيء فيها جميل إلا نخبتها التي تعيش فيها كالأرضة تأكل كل شي من الداخل لتتركها جوفاء دون أي اكتراث ونحن نُثرثِر فقط دون أي انجاز ...
_ المشكلة الحقيقية والكارثة الكبرى يا دوك لو احنا كمان نبطل نتكلم .. حتى الحرب تبدا بكلمة . شوف _ وأنا أشير بيدي لمحل بيع الورود _ .. لما الناس يحبوا الورود ويروحوا للمحلات يشتروه بنفس العدد والاهتمام الذي الناس فيه بالمحل الذي قدامنا باتتطور البلاد .
.
• في محل الورود
_ هذا الورد مناسب يا عفراء واللون الأبيض هو اللون الشائع لبوكيهات زيارة المرضى .
_ امممم صحيح .. بس أنا حاخذ هذا اللون . أحب الورود البرتقالية .
.
*بَدَتْ علامات الاستغراب والدهشة على ملامح الدوك وكأنه كان يقول لي : (أنتِ باتاخذي الورد لِك ولا لبسام ؟ لما يكون لِك خذي حتى ورد أسود .. بس هذه زيارة مريض )
.
لم أهتم كثيراً فاللون كان كدمٍ سقط من قدمِ جوادٍ يركض فوق الشمس
.
وصلنا المشفى اقتربنا من الغرفة ، الدوك يشرح لي الاجراءات والمعاناة التي عانوها شباب المبادرة في المانيا لنقل بسام لهذا المشفى لاستكمال العلاج ... كنت صامتة طوال الطريق أهز رأسي فقط وأفكر ، ما الذي سأقوله لبسام ؟ تمنيت حينها لو أنَّه قد نساني ويعتقد أني فتاةُ يمنيةٌ سمعت بوجود عميد جرحى الثورة اليمنية في برلين وأتت لزيارته .
.
_عند باب الغرفة يخاطبني الدوك بحماس : ادخلي
_ لا ادخل انت الأول أنا حاسة برهبة
_ باستغراب شديد يرد : طيب ...
* يفتح الدوك الباب يلقي التحية على بسام ويقابله بابتسامةٍ عريضةٍ ووجهٍ بشوشٍ ليقول بعدها
_معي لك مفاجأة ، في شخص جاء من اليمن مخصوص يزورك
_بفرحة غامرة يرد بسام : مَن .. أمي ؟
.
* بخطواتٍ ثقيلةٍ كنبضِ قلبٍ يقاوم التوقف عن الحياة دخلت الغرفة ، بوجهٍ شاحبٍ وابتسامة تتصارع مع عبوسٍ قادمٍ من وقعِ اللحظة ، ووردٍ كالجمر ، ورأس مطأطئ يحاول إحداث ثقب ما لتسريب الذكريات المتزاحمة القادمة من خلف البحار من داخل تلك الحقيبة التي تركتها في أخر سلمة باللوفتهانزا
.
- سلااااام ... كيف أنت يا بطل ؟
- أهلااااا يا رفيقة ، أيش المفاجأة الحلوة ؟ ... أنا تماااام تماااام كل شي تمام انتو كيف انتو
- والله انا الان احسن .. كل الشباب يسلموا عليك وأمي تبعث لك سلام خاص وتقول لك شد حيلك يا بطل منتظرينك ترجع توقف معانا من جديد
- والله يا عفراء انا سعيد جدا بزيارتك كأني شفت اليمن .. بس كيف لوما أجيتي ؟
- جيت أدرس . المهم ... أيش أخبارك انت مرتاح ...شكل الجلسة هانا اعجبتك ؟
- هُمْ اللي اعجبتهم جلستي ؛ والله العلاج هنا احسن بكثير من اليمن .... طول الفترة السابقة والاطباء هنا يعالجوا الأخطاء الطبية اللي سووها باليمن ويعالجوا التقرحات والجروح بسبب الجلسة ... لكن محد يرتاح خارج بلده ، نفسي ارجع اليمن وقدهي أحسن . أحنا ما خرجناش عشان يأخذوها السرق ويكون هذا حالنا.
- أقاطعة .. أنت الآن لا تفكرش بشي خذ بالك من علاجك فقط
- يعني بعد ما كنت أحلم كيف بانوَقِفْ اليمن على رجوله من جديد ، أصبحت أنا أحلم أجلس على كرسي متحرك
.
*انتابتني حينها نوبة بكاء شديدة ، وقفت كبيتِ عنكبوتٍ تحت المطر . تذكرت الجريح وهيب الذي كان يلفظ انفاسه الاخيرة أمام عيني بسبب إهمال مستشفى الثورة له وصورة والده وهو يقبل قدم أحد أطباء مستشقى العلوم ويبكي (( أنا فدالك يا دكتور عالج ابني )) وقتها صرخت (( ابنك بطل .. انت أبو واحد من أبطال الثورة ، ليش تبكي وتبوس رجل الدكتور .. أوقف )) رد عليّ : مَلِه أنا أشتيه يعالج ابني .. ابني عيموت يا بنتي .
مات وهيب بعد يومين
.
تذكرت الجريح عبدالإله الذي اهتراء تقريره وهو يطوف معي من جهة إلى جهة .. عبد الإله ظل يتوجع مايقارب عامين ويصرخ داخل المستشفى الميداني بساحة صنعاء حتى مَلَّ منه الصراخ . كان يعاني من أصابة بطلق ناري بالعمود الفقري أتلف أعصاب رجليه إلا أن أحد الأعصاب ظل حياً يؤلمه بشكل لا يطاق كانت حالته صعبة جدا وتتطلب السفر الى الصين فالعمليات التي كان يحتاجها لاتجريها الى الصين ... مات عبدالإله بعد عامين من المعاناة القاتلة بعد أن أكتسب جسمه مناعة من الحُقن المهدئة و بعد أن تعفنت جراحه وأكل الدود أجزاء من جسمه . كانت ميزانية سَفَرْ كَمْ وزير لا فائده منهم ولا من سفرياتِهم كافية لتغطية تكاليف علاجه.
.
عاد طلب الجريح الكمالي الى ذهني وهو يقول لي من داخل غرفة علاجة بمستشفى الثورة الحكومي :
_ أنا طول عمري أشتي يوقع معي بنات بس مابوش معي كلهم عيال... تقبلي تكوني بنتي
_ طبعاً أقبل .
.
توفي بعدها بثلاثة أيام
...
والعديد العديد ممن أعرفهم وممن أجهلهم ... وقتها لم أجد نفسي إلا وأنا أغادر الغرفة وأقول وأنا أردد : (( حيجي لهم يوم ، حيجي لهم يوم..))
.
*أدرك الدوك أن المكوث أكثر مع بسام أصبح مرهق جدا بالنسبة لي .
وَدَعَ بسام .. لا أذكر ماذا قال
سبقني بخطواتٍ ، ليفتح لي الباب .. خرجت وأنا أحمل وردي بيدي . أَغلقَ باب الغرفة وتحاشى النظر أو الحديث إلي . وقفت على نافذة باب الغرفة أراقب بسام وهو يمسح كبرياء دموعه
.
- دوك ... شوف الثورة ، شابة قوية طموحة مشرقة خرجت بكل جرأة تسابق الواقع أصيبت في بداية البدايات وعادت جريحة مُقعدة كل ما يمكنها القيام به الحديث ، البكاء ، والابتسام بغصة .
في 26 _10_2010 أحمد علي اشترى بيتنا وجاب لنا مهملة ثلاثة أشهر نفرغ بها البيت ، هَدِه للأرض عشان يعمل مكانه موقف سيارات لجمعية الصالح اللي بناها في حوش منزلنا الخلفي .. طبعا بعد ما بعنا الارضية بوقت سابق ، كان أقدم وأجمل بيت في حدة . الشبابيك ايطالية ، الأبواب من شجرة الجوز من تركيا، صمم المنزل مهندس معماري مصري درس وعاش في المانيا حتى أن بودرة الجرانيت المرشوشة بين الطوب الأحمر جابها بابا من ألمانيا ببراميل
.
* كان الدوك يسمعني مستغرباً من جدوى هذا الحديث الآن وما سبب إثارته . لم أكترث وتابعت الحديث بحرقة وعيناي تمتلئان بماء القهر
.
_ كان في مجنون بالحارة اسمه " محسن " كل يوم كان يطلع فوق سطح جمعية الصالح ويصيح .. (( الله عيزيل عرشهم من عنده ... عيهووده !! الله عيهد ملكهم . ما دامتش لحد والله ما تدوم لهم )) ويجلس يلقي العديد من الأيات القرآنية اللي تتكلم على فرعون وزوال الحكم .. محد كان مهتم له ولا لصياحه ... مجنون
في بداية يناير دخل بيتنا وأنا واقفة في الصالون أراقب العمال وهم يفكوا الستائر
_قال لي : غاثية
_ بتململٍ شديد : أيوه
_ لا تغثيش ولا شي ، ابسري هذي الستائر الله عيديلكم بدلها حرير حرير انتي عتبسري .. وهذه الحدايد عيوقع لكم بدلها حدايد ذهب ...
.
كان يكلمني وهو يلبس " روب نسائي " مش عارفة من أي جارة سرقه و يتنقل من نافذة الى أخرى ويقفز محاولا لمس حدائد الستائر .. لم أرد ولم اهتم كنت فقط ألعن الأقدار التي جعلت من مجنون يدخل بيتنا ليسرح ويمرح ويتقفز كيفما يشاء
.
بعد حوالي نص شهر في منتصف يناير كنت في الشارع مع مجموعة من الشابات والشبان نهد عرش من هد منزلنا . طبعاً ما كانش هذا هو السبب الرئيسي لخروجي لكن كان الأمر مثل تحقيق نبؤة المجنون محسن
(( الله عيهد من هد بيتكم وعيجي لهم يوم ))
حاجة تشبة تحقق المثل الشَّعبي: "السّرُّ المكنون تحت رأس الطِّفل والمجنون"
.
*أستمر بالتحديق من نافذة باب غرفة بسام فتسقط أول دمعة من عيني وأنا أقول للدوك :
_ كنا مثل مجموعة من الأطفال خرجوا في صباح رمضان يلعبوا زراقيف . آباؤهم راقدين وأمهاتهم فوق السجادات يفكرين كيف بايقسمين الطماطة الباقية على السلطة والسحاوق ويبقى منها شويه للطبيخ ؟ ..
جمعنا كل الزراقيف على شكل حلقة دائرية متجانسة وضرب كل واحد مننا ضربته ..
ضربنا ..
فرقنا الزراقيف ..
فكننا الكتلة ..
وبس .
مثل ما قال البردوني :
والأباة الذين بالأمس ثاروا ***أيقظوا حولنا الذئاب وناموا
حين قلنا قاموا بثورة شعب *** قعدوا قبل أن يروا كيف قاموا
ربما أحسنوا البدايات لكن... ***هل يحسون كيف ساء الختام؟
.
*أُدير وجهي أخيرا للدوك وهو يقف بجانبي كمسمارٍ دُق على الأرض .. تسقط الدمعة الثانية واغرق في عينيه وأواصل حديثي :
_ كانت أمي دائما تحكيلي عن عمها القاضي " محمد أحمد صبرة " الذي ناضل ضد الإمام يحيى وأسس حركة " الدستوريين " طبعا الإمام سجنه وأَمَر بقتله وأرسل له مجموعة من الجنود أخرجوه من بيته وهو لابس " الزَنَة " بعد ما قيدوه .. اتخيل الناس وقفت على جانبي الشارع تلاعنه _ يا دستوري ، يا كافر ، يا فاجر ، يا عميل _
ويهتفوا " أقتلوه هذا كافر يشتي يزوج القرآن على الدستور " ... بصقوا وتبول البعض بكل إيمان .
.
وأنا أمشي في الايام الأخيرة بصنعاء وأسمع شتم الناس وسخطهم شعرت بما شعر به صبرة .. مات صبرة دستوري كافر بنظر أهل زمانة وعاش بطل ومناضل بنظرنا ونظر التاريخ .
هذولا اللي جالسين يشتمونا بسبب حال البلد الآن سيكبر أحفادهم و يلوموهم ويقولوا لهم على الأقل هذولاك حاولوا يعملوا شي كويس للبلد . انتو ايش عملتوا جلستوا تلعنوهم وتتفرجوا عليهم وهم يتلقوا الضربات من كل الاطراف . حيستشهدوا بمواقفنا وينسخوا منشوراتنا ... وهم حيجي لهم يوم صح ؟
.
- يمسح الدوك عيناه ويرد : صح .
- أُنقذُ عينايَ من الغرقِ ، أصرفهما عن عيناه إلى نهاية الممر: خلاص أنا أشتي أروح وصِّلني لمحطة الباص .أنا جالسة أهرب من نفسي لنفسي . أنا حقيبة سلم الطائرة ..
- حقيبة أيش ؟
- ولا شي
.
واصلنا المشي حتى المحطة وكلانا يحدق بالأرض دون أي كلمة . عند الحافلة أعطيته وردة وقلت له وأنا مبتسمه
_ شكلي كنت عارفة لما أشريت الورد إنه لي .. كلنا جرحى يادوك بطريقة أو بأخرى
أَبتسمَ الدوك .
أدَرتُ أنا ظهري .
صعدتُ الحافلة .
عدتُ لغرفتي .
حجزتُ على أولِ رحلةٍ وعدتُ الى اليمن .
.
17_5_2014


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.