خلال فترة عيد الفطر المبارك انتشرت القطاعات على الطرق الرئيسية وبين المحافظات لتمثل أبرز ملامح الانفلات الأمني. صعوبات الانتقال بين المحافظات وبين المدن عطلّت مصالح مالكي سيارات الأجرة وعرقلت تنقل المسافرين وكبدت المواطن خسائر غير قليلة وعكّرت أجواء العيد وحرمت أناس من زيارة أهليهم وقضاء العيد مع أسرهم التي انتظرت وصولهم طويلا. حدث ويحدث ذلك على مرأى ومسمع الأجهزة المعنية وغياب أجهزة الأمن. نقاطا متعددة نصبها مسلحون قبليون بمبررات مختلفة تصب في مجملها في إقلاق السكينة العامة وتخويف الآمنين. انتشار تلك القطاعات أخرج تلك المناطق عن سيطرة الدولة، باتت المناطق مثل المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة. محافظة ذمار كان لها النصيب الأكبر، فقد احتجز قطاعا قبليا في منطقة "ضاف" بقاع جهران عشرات من ناقلات النفط ومركبات المواطنين، القطاع حدث قبل أيام العيد وبعده على طريق صنعاء- تعز، الذي يمثل شريان حركة السير ويربط عددا من المحافظات بالعاصمة. طريق صنعاء- ذمار- الحديدة هو الآخر كادت الحركة فيه أن تتعطل مع استمرار القطاعات القبلية منذ أشهر مع غياب للأجهزة المعنية. تعرقل القطاعات حركة السير وتسبب تأخير المسافرين ويتم احتجاز عدد من السيارات والمركبات للحصول على مطالب أو لاسترداد أخرى من جهات حكومية أو مناطق وقبائل أخرى. يلجأ المسلحون إلى قطع الطرق كأقصر الطرق للحصول على حقوقهم التي يعجزون عن الوصول إليها عبر الطرق المشروعة القانونية، وبعض آخر يعتبرها فرصة لابتزاز المسافرين، وقطاعات أخرى قد تكون ممولة ومدفوعة من نافذين أو قوى هدّامة. ينصب المتقطعون أنفسهم مكان أجهزة الأمن ويخضعون المارة لإجراءات أمنية وبحثية والاجراءات المرورية أيضا، السماح بالمرور يتم عبر الهويات الشخصية ووثائق السيارات ورخص القيادة. قطاعات على أبواب العاصمة المدخل الجنوبي للعاصمة صنعاء لم يسلم من تلك القطاعات المسلحة. نصب مسلحون قبليون خلال أيام ما بعد يوم العيد عدة نقاط في منطقة بلاد الروس، على بعد أمتار من نقطتي يسلح وقحازة، تلك القطاعات وصلت إلى منطقة حزيز على أطراف العاصمة. طرق الموت الطريق الذي يربط محافظة ذمار بمحافظتي ريمة والحديدة تحول إلى طريق الموت والخوف مع استمرار القطاعات القبلية وأعمال النهب والسلب والاعتداءات ومصادرة الممتلكات واحتجاز السيارات والناقلات. في منطقة بني سلامة على طريق معبر- مدينة الشرق، الطريق الحيوي، تحضر القطاعات وتغيب الدولة منذ أشهر وربما سنوات. الطريق الآخر الذي يمر عبر حمام علي لا يختلف كثيرا. تلك الطريق تعطلت فيهما حركة السير خصوصا خلال أيام العيد، لا تزال القطاعات المتبادلة بين محافظة ريمة ومنطقة آنس تمنع حركة السير على خلفية مقتل طفلتين من أبناء ريمة في مدينة الشرق على يد مسلحين من أبناء آنس. تم احتجاز عدد من الناقلات والمركبات. بات السفر عبر نقيل بني سلامة وجبل الشرق أشبه بمغامرة أو زيارة للموت. المشكلة الأمنية اللصيقة بهذا النطاق الجغرافي التابع إدارياً لمديرية المنار ومركزها حمام علي الشهير بمياهه المعدنية الطبيعية ليست وليدة الأحداث الأخيرة وإنما تمتد جذورها لسنين عدة. يغيب عن المنطقة التواجد الأمني لتأمين الطريق. صعوبة الوصول يشير أحد أبناء ريمة المقيمين في العاصمة إلى أنه حين فكر بالسفر لقضاء إجازة العيد في بلاده أجرى اتصالات مكثفة بأصدقاء وسائقي أجرة ممن يعرفهم ليتسنى له التأكد من إمكانية الوصول إلى البلاد، معتبرا أن الوضع أضحى صعباً للغاية مع استمرار التقطعات. "اعتقدنا أن الأمر سيتم تجاوزه مع تجاوز البلاد أحداث العام 2011م، وانتخاب رئيس توافقي وانتهاءً بمخرجات الحوار الوطني ولكن لا يبدو أن هناك أملاً قريباً، وكلما حلمنا بتحسن الوضع تعود القطاعات على الطريق من جديد، وعلى أتفه قضية وتجد نفسك ضحية فيها ولا علاقة لك بالطرفين وبالأصح لا تعرفهما أساساً". يقول الرجل. ويضيف: أعيش خلال أربع ساعات المدة الزمنية لقطع المسافة بين العاصمة صنعاء ومدينة الشرق ذمار في حالة توتر شديد من أن يفاجئني قطاع من أي نوع، لقد تحول الأمر إلى معاناة شديدة خاصة وأنا أضطر إلى السفر كل شهرين وأحياناً في الأعياد لزيارة عائلتي حقيقة الوضع صعب والصبر قد بلغ بالكثيرين مداه". يقول آخر إنه اضطر للسفر عبر الطريق الطويلة عبر مناخه مروراً بمدينة باجل وصولاً إلى ريمة، وصل بعد مشقة وعناء. مطالبا وزارة الداخلية بتوجيه أمن ذمار بالقبض على المسلحين الذين يقطعون الطريق وإحلال بديل لهم بعسكر الأمن، مستغربا تجاهل أمن ذمار لتلك الجماعات المسلحة. ويتسائل: كيف لي أن أستطيع العودة إلى العاصمة حيث أعمل. سائقو الأجرة من أبناء ريمة خسروا موسم العيد لعدم تمكنهم من المرور عبر تلك الخطوط لنقل المسافرين من العاصمة، يقولون أن الوصول إلى العاصمة يحتاج المرور عبر تلك الطرق الواقعة جغرافيا في منطقة آنس وبني سلامة، يخشون احتجاز سياراتهم في تلك النقاط. يقول السائقون أن الموسم ذهب في مصلحة أبناء آنس وجبل الشرق وغيرهم الذين يعملون على سيارات الأجرة لنقل المسافرين. واجه المسافرون صعوبات في التنقل، فوتت عليهم القطاعات فرصة الوصول إلى قراهم ومناطقهم عبر السيارات التي تنقلهم مباشرة من العاصمة. مشكلة تتفاقم يقول أحد السائقين أن القطاعات تمثل مشكلة كبيرة "ومن لديه خلاف شخصي مع آخر من منطقة أخرى يلجأ إلى قطع الطريق وحجز سيارات المواطنين لإرغام الطرف الآخر على الخنوع له، والطرف الآخر يفعل نفس الفعل، وهكذا تتضخم المشكلة وتتوقف أرزاق الكثير من الأسر ممن يعتمدون في رزقهم على الطريق". سائق يعمل منذ سنوات على باص أجرة اشتراه بعد أن أفنى جل عمره في العمل سائقاً أجيراً على سيارات الغير، يبدو أحرص على باصه من أن يقع في أيدي آخرين ممن يقومون بأعمال التقطع. يقول: أنت تحرص على سيارتك وتعتني بها لكن المتقطع ليس حريصاً والكثيرون استعادوا سياراتهم معطلة وبعضهم فقدوا قطعاً من داخل سياراتهم دون أن يجدوا من ينصفهم". يضيف: كثيراً ما تقع خلافات بينه وزبائنه بسبب تغييره لوجهة سيره واستخدامه طريقاً فرعياً في سفره لتفادي الوقوع في شرك قِطاع أقيم على الطريق بشكل مفاجئ، فطوال الطريق يمسك بيده بهاتفه المحمول ليتواصل به مع سائقين آخرين أصبحوا يشكلون فيما بينهم شبكة تواصل فإذا وقع أحدهم في قطاع مثلاً أو عرف به أبلغ الآخرين ليتمكنوا من تجاوزه أو الاحتياط منه". يقول أن القطاعات على طريق صنعاء- ذمار وصلت إلى أكثر من عشرة قطاعات، وكل قطاع يستهدف منطقة بعينها وقد لا يبعد بعضها عن نقطة عسكرية أو أمنية. نموذج من الضحايا يصف أحد السائقين ممن تعرض لنهب سيارته بعد وقوعه في شرك قطاع على الطريق بأنها لحظات صعبة تتطلب قدراً من التحمل. يقول: ما أقسى أن تؤخذ منك سيارتك أمام عينيك وأن تقوم بتسليم مفتاحها وتصبح أعزلا، صعب أن تجد مجموعة مدججة بالسلاح يوقفونك على الطريق ويقومون بإنزالك من على سيارتك وأنت لا تعرفهم ويجبرونك تحت القوة بتسليم سيارتك، إنه أمر بالغ الصعوبة.. وكثير من القطاعات ارتكبت خلالها جرائم قتل". يضيف: لا أريد تذكر تلك اللحظات فقد كانت صعبة للغاية؛ والحمد لله أن منحني قدراً كبيراً من الصبر حتى لا تتطور الأمور إلى ما هو أسوأ". يشير إلى أنه استعاد سيارته بعد مرور ما يقرب شهرين بعد حل القضية موضع الخلاف بين منطقته ومنطقة أخرى. عبدالسلام الكردي احتجزت سيارته لما يقارب نصف عام في قطاع على ذات الطريق وفشلت كل الوساطات حسب إفادته في إرجاع سيارته إليه، ناهيك عن تكبده خسائر مالية كبيرة نتيجة تعطله عن العمل ومبالغ أخرى في المتابعة بغية استعادتها.