معركة أسعار النفط سوف تحدد مستقبل الشرق الأوسط ودول الخليج العربية مهددة بالعودة لحياة الصحراء والخيام ومهددة بالاضطرابات السياسية. حروب النفط تهاوت أسعار النفط في النصف الثاني من العام 2014 بنسبةٍ تزيد على 50% ومع تبادل الاتهامات بين الدول المنتجة بعضها البعض بالمسؤولية عن ذلك والتعلّل بدخول منتجين طفيليين هامشيين إلى الأسواق أو إنتاج أنواعٍ جديدةٍ من النفط مثل النفط الصخري ودخول الولاياتالمتحدة التي كانت أكبر مستوردٍ للنفط في العالم على خط الإنتاج والتصدير، تهاوت في المقابل أحلام وآمال كبيرة وميزانيات دولٍ على رأسها الدول المنتجة، لكن مراقبين يقولون إنّ ما يجري الآن ليس سوى نوعاً جديداً من الحرب يمكن أن يُطلق عليها حرب النفط، أول المتضررين من ورائها الذين أعلنوها وهي الدول المنتجة التي تأمل أن تقوم في النهاية بهزيمة المنافسين حتى لو وصل سعر النفط إلى 20 دولاراً حسب تصريحات وزير النفط السعودي، وقد دفعت هذه الأوضاع صحيفة الFinancial Times البريطانية أن تقول بشكلٍ مباشر: إنّ معركة أسعار النفط سوف تحدد مستقبل الشرق الأوسط. مستشار البنك الدولي لشؤون النفط والطاقة، البروفيسور الدكتور ممدوح سلامة، قال إن الأسباب الظاهرة وراء انهيار أسعار النفط هي التخمة الموجودة في سوق النفط العالمي وبعض التباطؤ الاقتصادي خصوصاً في الصين دول حوض المحيط الباسيفيكي والاتحاد الأوروبي، لكن ما أدى إلى هذه التخمة وإلى التباطؤ الاقتصادي هو قرار أوبك "الخاطئ" بعدم تخفيض إنتاجها بما يزيد عن مليوني برميل لأنه لو فعلت منظمة أوبك ذلك لانضمّت إليها روسيا وخفّضت إنتاجها بما يقرب من نصف مليون برميل، والمكسيك بنسبة 300 ألف برميل ما مجموعه 2.8 مليون برميل قادرة على استيعاب التخمة كلياً ووقف الانحدار في أسعار النفط. مضيفا أن من الممكن جداً أن تهبط الأسعار تحت ال50 دولار وربما يصل إلى ال45 دولار إذا استمرت أوبك في رفضها لتخفيض الإنتاج، مشيرا أن أوبك لها مسؤولية عالمية اقتصادية ومعنوية هي تمثل 40% من إنتاج النفط في العالم، ومن مصلحتها أن تحافظ على مصالح أعضائها والمحافظة على مصالح أعضائها بالمحافظة على سعرٍ مقبولٍ للنفط لتشجيعهم على الاستثمار ولإعطائهم دخل كافي لموازنة ميزانياتهم. وأُسّست منظمة أوبك في العام 1960 وكان تحديد الأسعار قبلها يعود إلى الشركات السبع الكبرى أو ما يسمى بالأخوات السبع الكبرى: أيكسون شيفرون غيرها من الشركات الأساسية، وأصبحت أوبك بعد ذلك هي التي تلعب دوراً أساسياً في تحديد الأسعار، صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية نقلت عن وزير النفط السعودي علي النعيمي الذي يرأس أوبك الآن قوله إنّ بلاده هدفها من تخفيض الأسعار إخراج المنتجين الهامشيين الذين أغرقوا الأسواق بالنفط واستفادوا من ارتفاع الأسعار وأنّ بلاده سوف تظل تنتج حصتها حتى لو وصل سعر النفط إلى 20 دولاراً. ما قاله الوزير السعودي قال ممدوح سلامة إنه لا يعتمد على منطقٍ اقتصادي سليم "لأنه بقوله هذا يعني أنه يرفض خفض الأسعار حتى لو وصل إلى 20 دولار للبرميل، سيكون هناك عجز كبير في الميزانية السعودية وميزانيات دول الخليج المنتجة للنفط". ممدوح سلامة الذي كان يتحدث لبرنامج "بلا حدود" الذي تبثه قناة الجزيرة، قال إن السعودية تقول أنها تصدر 7 مليون برميل في اليوم، لو صدرت 7 مليون بسعر 60 دولار دخلها في اليوم 420 مليون دولار، لكن لو خفّضت أسعارها كان بإمكانها إذا ارتفعت الأسعار أقل تعديل إلى 75 دولار بإمكانها في ذلك الوقت أن تصدر 6 مليون مضروبة ب75 يعطيك 450 مليون، معناه أنها طولت عمر الاحتياطي الموجود لديها وأخذت دخلاً أكبر دون الاقتراض. متسائلا: إذاً لماذا تُضيع الاحتياطي المالي الموجود عندك؟ ولماذا تقترض من البنوك عندما تكون أنت صاحب القرار وقادر على منع حصول العجز؟ وقال إن الولاياتالمتحدة لا تتقيد بما تقوم به أوبك ولكن روسيا وهي الدولة الأولى في إنتاج النفط في العالم قالت أنها تستطيع أن تنسق مع منظمة أوبك لتخفيض إنتاجها دعماً للأسعار. وروسيا ليست عضو في أوبك ووفقا لممدوح فأن أوبك لو قررت خفض الإنتاج لأعلن الرئيس الروسي بوتين أنه سيخفض إنتاج روسياوالمكسيك كانت مستعدة للتخفيض، مضيفا أن روسيا لم ترفض التخفيض لكنها ترى أنّ عدم تخفيض أوبك لا يعطيها حافزاً للتخفيض وبالتالي بدأت تشعر بالقلق. وأشار بوتين إلى أن عدم التخفيض وإغراق السوق بالنفط موجهٌ في المقام الأول والأخير ربما ضد بلاده. وتبلغ كلفة إنتاج النفط السعودية 5 دولارات فقط للبرميل. والأمر ذاته ينطبق على دول الخليج باستثناء العراق، العراق إلى ما قبل الغزو الأميركي للعراق كان إنتاج البرميل يُكلّف نصف دولار وهو أقل نسبة في العالم وأقل عمقاً في العالم، وفي الولاياتالمتحدة إنتاج البرميل من النفط الصخري يتراوح ما بين 70 دولاراً إلى 85 دولار ما يسمى(break even) 70 إلى 85 دولار. يشير ممدوح أن دول الخليج والسعودية بالذات تحتاج إلى سعرٍ يتراوح إلى 100 دولار فما فوق لموازنة ميزانياتها. مضيفا: كلفة الإنتاج كما قلنا 5 دولار للبرميل لكن بسبب التزايد السكاني والاستهلاك هم يحتاجون إلى سعرٍ يساوي 100 دولار فما فوق، إيران تحتاج إلى سعر يساوي 125 دولار للبرميل لموازنة ميزانياتها رغم أنّ إيران سعت في السنوات الماضية بسبب العقوبات إلى تنويع مصادر دخلها، روسيا تحتاج إلى سعر 90 دولار للبرميل وفنزويلا تحتاج إلى 135 دولار للبرميل. وأشار إلى أن السعودية في حال وصل السعر إلى 20 دولار فأنها ستحتاج لتمويل العجز بنسبة 80%. وانخفضت الكميات التي تستوردها الولاياتالمتحدة من النفط الخليجي والعربي بنسبة أكثر من 30%. السعودية التي كانت الدولة المصدرة الأولى للولايات المتحدة قبل 10 سنوات الآن هي رقم 3 أو رقم 4 بعد المكسيك وبعد كندا وربما فنزويلا. وقال سلامة أنه حتى لو توقف استيراد الولاياتالمتحدة كليا من منطقة الشرق الأوسط لن تتخلى عن منطقة الشرق الأوسط كما قال ديك تشيني النائب السابق للرئيس الأميركي قال طالما أن الشرق الأوسط يملك أكبر احتياطي للنفط في العالم مصالح الولاياتالمتحدة هنا في الشرق الأوسط لأنه من يملك هذه الكميات من النفط يسيطر على اقتصاد العالم لهذا نحن موجودون هناك.. ستبقى بالشرق الأوسط حماية لإسرائيل وحماية لمصالحها أنت تعلم أن الصين تعتمد وهي أكبر مستورد للنفط السعودي في العالم وثاني أكبر مستورد للنفط الإيراني وهي أكبر مستثمر في ميدان النفط في العراق.. بوادر حرب اقتصادية حول السيناريو الأصعب الذي يمكن أو يواجه الدول المنتجة حال استمرار انهيار الأسعار وهبوطها قال ممدوح سلامة إن جميع المنتجين سيكونون خاسرين بالنسبة لدول الخليج. خسارة مالية تتمثل في عجز مالي ضخم وعدم قدرة خفض الإنفاق وعدم القدرة على الإنفاق على مشاريع اجتماعية أو مشاريع تنموية في بلادها، وربما إذا وصلت الأمور إلى الأسوأ أن تحدث اضطرابات سياسية كذلك في تلك البلاد خصوصا وأن دول الخليج تدعم المياه التي يشربها الناس وتدعم مشتقات النفط وتدعم الكهرباء وتدعم المواد الغذائية. وتدعم كل شيء بحيث أن الدعم عام 2012 وصل إلى أكثر من 500 مليار دولار ليس فقط لدول الخليج في العالم الدعم المادي ولكن دول الخليج تمثل 90% منه، ما يعني تقريبا 400 مليار دولار كدعم للشعب سواء دعم غذائي أو دعم للبنزين أو دعم للمياه وغيرها. مضيفا أنه إذا وصل التخفيض بشكل كبير قد يؤدي إلى اضطرابات سياسية، مثل هذه الاضطرابات قد حدثت قبل مجيء بوتين للحكم في روسيا وقد تحدث في الخليج حدثت في ليبيا حدثت في العراق حدثت في أماكن مختلفة. وقال ممدوح إن دول الخليج منذ اكتشاف وتصدير النفط حتى الآن لم تستطع أن تنوع مصادر دخلها وميزانياتها ما زالت تعتمد حتى الآن 85 إلى 90% على دخل النفط. مشيرا أن قيمة الصادرات الأمريكية لدول الخليج من المواد الغذائية تبلغ أكثر من 50 مليار دولار في العام، وأن السعودية تستورد أكثر من 30 مليار من أمريكا. وحول اعتماد 90% من ميزانيات دول الخليج على النفط واحتمالات عودة الخليجيين إلى حياة الصحراء والخيام رغم ما فعلته من بناء الأبراج والجزر في البحار في حال انهارت الأسعار، قال ممدوح أن ذلك سوف يحصل حتى دون انهيار لأن حجم الاحتياطي الموجود سينضب أو إلى حدٍ ما لو بقي جزء كبير منه في الأرض العالم سيتحول نحو صناعاتٍ لا تعتمد على النفط، 90% من النفط المستخدم في العالم هو في حقل المواصلات. وتستهلك دول مجلس التعاون الخليجي ما يقرب من 6 مليون برميل في اليوم الواحد. ما تقديره 30% مما تنتج. وتسبب النفط في 11 حرباً خلال القرن الماضي، لكن حرب النفط القادمة أو القائمة في الشرق الأوسط، لا زالت حربٌ دون دماء. معركة عض الأصابع يرجع محللون سبب هذا الانهيار لأسعار النفط إلى الصراع المحتدم بين الدول المنتجة للنفط. وحذر وزير الطاقة الإماراتي، سهيل بن محمد المزروعي، من أزمة «وفرة المعروض» التي هوت بأسعار النفط وسط توقعات قوية بالهبوط بصورة أكبر خلال الفترة المقبلة، بسبب تخمة متزايدة في المعروض، قد تستمر لسنوات. وقال الخبير في الطاقة، الدكتور علي علق، إن السبب الرئيسي وراء هبوط الأسعار بهذا الشكل، هو حرب الأسعار بين الدول المنتجة، مضيفا: "الجميع صار يضخ بكميات كبيرة وهناك نفط لا يجد من يشتريه، ولهذا الأسعار ستنخفض بشكل أكبر". ولم تصدر أي مؤشرات من السعودية تفيد بأنها ستدرس تخفيض إنتاجها النفطي لدفع الأسعار للارتفاع، إذ قال الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز في كلمة ألقيت نيابة عنه في افتتاح مجلس الشورى، إن الرياض ستتعامل مع تحدي انخفاض أسعار النفط "بإرادة صلبة". لكن القيادة السعودية لم تشر إلى أنها تدرس تغيير سياسة الإبقاء على مستويات الإنتاج الحالية في مواجهة تنامي إمدادات النفط الصخري الأميركي. وزير النفط السعودي علي النعيمي قال في تصريحات سابقة إن السعودية (أكبر مصدر للنفط بالعالم) على استعداد لزيادة إنتاج النفط، والاستحواذ على حصة في السوق أكبر لتلبية الطلب من عملاء جدد. وأضاف النعيمي أن العالم قد لا يشهد سعر مائة دولار للبرميل مجددا. وأشار إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي بإمكانها تحمل أسعار منخفضة للنفط لعامين أو ثلاثة. ويلاحظ من خلال قراءة هذه التصريحات السابقة أن السعودية على راس قائمة الدول التي ستنجو من خسائر انخفاض اسعار النفط وتملك في زمامها مفتاح الحل ومعالجة هذا التراجع، في حين يرى خبراء أن دول مثل إيرانوروسيا سيشكل هذا التراجع في أسعار النفط خسائر اقتصادية كبيرة كما أنه سيربك حسابتهما السياسية. أما إيران وبحسب محللون فان هذا الانخفاض الهائل قد أفزعها وأربك حسبتها السياسية التي كانت تراهن على استثمار تفاهماتها الأخيرة مع الغرب بشأن برنامجها النووي لتقليص خسائرها جراء العقوبات عبر زيادة إنتاجها وصادراتها من النفط، فقد أطاح تدني الأسعار بهذا المستوى غير المسبوق بأحلام الإيرانيين الذين تراجعت صادراتهم النفطية تحت وطأة العقوبات من أربعة ملايين برميل يوميا إلى مليونين ومائة ألف بسعر تجاوز مائة دولار للبرميل، ثم إلى مليون فقط بسعر 66 دولارا للبرميل الواحد حاليا. وهذا ما يفسر التحرك السريع من قبل إيران للحد من خسائرها الكبيرة وتأميلها من السعودية التدخل لمواجهة الأزمة التي ستعصف بالشرق الأوسط وإيران على وجه الخصوص. حيث تحدثت وكالات أنباء إيرانية عن زيارة مرتقبة قد يقوم بها رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني آية الله علي أكبر هاشمي رفسنجاني إلى السعودية للتباحث حول أسعار النفط. ويقول خبراء أن من شأن استمرار التراجع في أسعار النفط أن يجبر الحكومة الإيرانية على اتخاذ قرارات مثيرة كرفع أسعار السلع والخدمات الأساسية على نحو قد يعرضها لعواصف من الاحتجاج الشعبي بسبب عجز شريحة واسعة من الشعب الإيراني عن توفير تكلفة المعيشة اليومية.