ها هو "حسن نصر" يعترف بعد ردح من الإنكار بتلقي حزب الله دعما ماليا من إيران، ويعتبر ذلك مصدرا للفخر لأن الدولة الإسلامية في إيران -كما يراها قادة حزب الله- تقاوم الاحتلال الإسرائيلي وتقف أمام الصلف والاستكبار العالمي ولذا لا مشاحة في قبول الدعم المادي واللوجستي منها. لكن "نصر الله" لم يضف بإعلان تلقي حزبه دعما إيرانيا شيئا جديدا فالأمر جلي وواضح ومجرد متابعة نشرة الأخبار في قناة المنار لمرة واحدة تقود أي مراقب لمعرفة مصادر التمويل. ليس هذا وحسب بل إن تباين مواقف حزب الله من الثورات العربية بصورة متطابقة مع موقف إيران يحدد الجهات الممولة، فالمراقبون والمهتمون بشئون الأحزاب والتيارات الدينية يمتلكون القدرة على قراءة اتجاهات تلك التيارات ويتنبئون بمصادر التمويل كانت ذاتية أو خارجية وهذا الأمر أصبح ميسورا في العلوم السياسية ومناهج التحليل والتنبوءات. فمثلا يتطابق موقف حزب الله من الثورة السورية مع موقف الحكومة الإيرانية من ذات القضية وبالمثل تتأثر مواقف الحزب من الثورة اليمنية بفهم تيار الحوثيين لذات القضية وطريقة تعامله مع أطرافها، وهذا الأمر ليس من قبيل التخرص والرجم بالغيب فقناة المنار اللبنانية تتناول الثورة اليمنية والثورة السورية بالطريقة ذاتها التي تعمل بها قناة العالم الإيرانية ووجهات النظر تكاد تتطابق، كما أن الكم الهائل من القنوات التي أطلقتها التيارات الدينية الشيعية تخرج من تحت عباءة واحدة وتتلقى المال من مصدر واحد. لقد تحولت المنطقة العربية إلى ساحة تجاذبات لقوى إقليمية ودولية وتجلت تأثير هذه التجاذبات على شكل انقسامات داخلية تمخض عنها نشوء تيارات جديدة وقوى تقليدية على حساب مؤسسات الدولة وفي الحالة اليمنية ارتبط ظهور الحركة الحوثية بإيران، فمؤسس الحركة حسين بدر الدين الحوثي لم يخف تأثره بالثورة الإسلامية الإيرانية بل شكلت محددا لخطابه التعبوي ومنطلقا لمنهجه الفكري فالشعار "الصرخة" الذي يطلقها أنصار الحوثي في صعدة هي ذات الصرخة التي أطلقتها الثورة الإيرانية. ومع مرور الوقت تتجلى أوجه العلاقة بين الحوثيين وإيران شأنهم في ذلك شأن العديد من التيارات الدينية والسياسية التي تتلقى الدعم الإيراني مثل حزب الله وحركة المقاومة الإسلامية حماس وغيرها من الحركات في عدد من البلدان العربية وتستهدف عمليات التبني والدعم التجمعات الشيعية المتواجدة في أغلب البلدان العربية على اعتبار أن إيران رأس حربة الحركة الشيعية في العالم ومن مصلحتها تقوية التيارات التي تتبنى نفس الأفكار والتوجهات في أي مكان في العالم، ولتحقيق ذلك شاركت إيران في تحريك الأوراق الطائفية في العراق لجعله منطقة قلقة على الحدود السعودية، لكن الثورة السورية خلطت أوراق النظام الإيراني وأجبرته على إعادة خارطة تحالفاته في المنطقة فمؤشرات سقوط النظام السوري باتت وشيكة وبالتالي ستفقد إيران أهم حليف في المنطقة العربية ولذا لجأت إلى تحريك أوراقها عبر الأقليات الشيعية في دول الخليج وصولا إلى اليمن الذي لم تكتف فيه بدعم الحوثيين بل فتحت الباب على مصراعيه مستقطبة تيارات محسوبة على الحراك الجنوبي وشخصيات سياسية وإعلامية. وخلال الأشهر الماضية استضافت بيروت ومن ثم طهران مئات الشخصيات اليمنية ومولت مؤتمرات وندوات متعلقة بالشأن اليمني، ولم تقتصر أوجه الدعم الذي تقدمه إيران على تقديم المال فقط بل تمويل إنشاء صحف وقنوات فضائية وتقديم الدعم العسكري من خلال تهريب زوارق وسفن محملة بالأسلحة للحوثيين والسفينة الإيرانية التي ضبطت في المياه اليمنية في 2009 ومعروضة للبيع هذه الأيام دليل مادي. وبخصوص الدور الإيراني المتفاقم في اليمن تشير الناطقة باسم الخارجية الأمريكية فيكترويا نولاند إلى أن بلدها كانت لديها مخاوف منذ زمن بعيد حول نوايا وتحركات إيران في اليمن التي تصب في زعزعة استقرار البلاد. مؤكدة أن ذلك أحد الأسباب الكثيرة التي دفعتهم للعمل بشكل وثيق مع اليمنيين في مجال التعاون المشترك لمكافحة الإرهاب. وأشار تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إلى أن إيران أبدت خلال الأشهر الماضية زيادة في تواصلها السياسي مع المتمردين اليمنيين ورموز سياسية هناك، إضافة لتزويدهم بالأسلحة في إطار ما وصفه مسؤولون عسكريون ومسؤولو استخبارات أمريكيون بأنه مسعى لتوسيع نطاق نفوذ إيران في الشرق الأوسط. وقال مسؤول أمريكي أن المهربين الإيرانيين الذين تدعمهم قوات القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني يستخدمون قوارب صغيرة لشحن بنادق من طراز أيه كي 47 وقذائف صاروخية وغيرها من الأسلحة لتحل محل تلك التي كان المتمردون اليمنيون يستخدمونها. ووفقا لما ذكره مسؤولان، أمريكي وهندي، فقد استولى خفر السواحل الأمريكيون واليمنيون والهنود على شحنات من الأسلحة بعد أن اعترضوا محادثات بالهواتف النقالة بين المهربين وعملاء في قوات القدس. وأضاف التقرير أنه من غير الواضح حجم التدخل الإيراني في اليمن. ويشكك بعض المسؤولين والمحللين في اليمن في الأثر الذي يمكن أن تحدثه أية شحنات من الأسلحة، مشيرين في هذا الصدد إلى تاريخ طويل من الإتهامات المشكوك في صحتها من قبل السعودية، عدو إيران في المنطقة، وحلفائها في اليمن. لكن المسؤولين الأمريكيين الذين ينفون مثل هذه الاتهامات ويصفونها بأنها ضرب من الدعاية قالوا أنه فيما يبدو أن هناك على الأقل دعما ماديا محدودا من إيران. ووفقا لما ذكره مسؤول أمني يمني للصحيفة فقد قامت إيران في مطلع هذا العام بإرسال مواد لليمن تستخدم في صناعة الأجهزة المتفجرة، وأنه قد تم شحنها من تركيا ومصر في بواخر رست في ميناء عدن. وقال هذا المسؤول أن الشحنة كانت في طريقها إلى رجال أعمال يمنيين منتسبين لتنظيم الحوثيين، لكن تم اعتراضها من قبل الحكومة. وقال مسؤولون أمريكيون أن الدعم الإيراني لليمن، ممثلا في الأسلحة والتدريب، يماثل ذلك الذي تقدمه إيران لنظام الرئيس السوري المحاصر بشار الأسد. وتخدم الأوضاع غير المستقرة في اليمن توسع نشاط الحركات المسلحة في الشمال والجنوب إذ يعمل تنظيم القاعدة على بسط نفوذه على مدن ومحافظات في الجنوب وبالمثل يحاول الحوثيون تكرار السيناريو في الشمال كما أن بعض فصائل الحراك المسلح دخلت على خط استخدام العنف بتمويل إيراني وإن بوتيرة أقل لكنها على الأقل نجحت في منع وصول صناديق الاقتراع إلى عدد من الدوائر الانتخابية في الانتخابات الرئاسية التي تمت الشهر الماضي. ولتعويض خسارة فقدان الحليف السوري تحاول إيران خلق منطقة قلقة شبيهة بالعراق في جنوب المملكة العربية السعودية خاصة وأن مناطق نفوذ حركة الحوثي الشيعية تقع على الحدود مع المملكة ولذا يصبح التحالف مع هذه الحركة مصلحة إيرانية لتعزيز أوراقها في المنطقة، وتظهر مؤشرات هذا التحالف من خلال النشاط المتزايد للحركة الحوثية على المستوى العسكري والسياسي والإعلامي، ولعل قادة الحركة الحوثية الذين ينكرون علاقتهم بإيران يقدرون حساسية مثل هذه العلاقة في التأثير على حضورهم الشعبي، فالمتحدث باسم الحوثيين يحيى الحوثي ينفي في تقرير نيويورك تايمز تلقي حركتهم لأية أسلحة أو أموال أو تدريب من إيران، مضيفا بأن تلك اتهامات قديمة من قبل أمريكا والسعودية. في المقابل قال سلطان السامعي: "ظللنا نتلقى معاملة غير عادلة من السعودية ولا نمانع في تلقي المساعدة من إيران التي ظلت تتعاطف مع قضيتنا". وقال السامعي للصحيفة الأمريكية أنه غادر إلى إيران الخريف الماضي لحضور مؤتمر تكفلت إيران بكافة نفقاته، وأن عشرات من المتظاهرين قد شاركوا معه في المؤتمر، لكنه نفى صحة تقارير أفادت بأنه تلقى أموالا من إيران. وفيما يبدو أن إيران تمارس أنشطتها في اليمن بذكاء، فبحسب السامعي وآخرين فهي توفر الدعم المالي والتعاطف، لكنها تصر على القول بأنها لا تضع شروطا مقابل ذلك. هذا تمييز هام في منطقة يسودها اعتقاد واسع النطاق بأن السعودية استخدمت المال للتأثير على التيارات السياسية والدينية في اليمن. وبحسب التقرير فإنه يبدو أن هناك أيضا نفوذا إيرانيا على الناشطين اليمنيين، خاصة في أوساط غير المنتسبين لحزب الإصلاح الإسلامي. هناك أيضا مزيد من النفوذ الإيراني حتى على حركة الانفصاليين الجنوبيين المعروفة باسم (الحراك). قال عاد قايد، الذي يؤيد (الحراك) والذي حضر مؤتمرا عقد في إيران في يناير: "نحن بحاجة لقوة جديدة قادرة على إحداث توازن، وباعتقادي أن تلك القوة هي إيران". وفي السياق ذاته فإن تغطية الإعلام الممول إيرانيا للشأن اليمني يعزز قناعة قطاعات واسعة في الشارع بوجود علاقة وطيدة بين الطرفين، وتتزايد مخاوف المواطنين من اندلاع حروب ومواجهات بالوكالة تديرها أطراف يمنية لمصلحة دول خارجية. وعلى افتراض وجود أطراف سياسية وتيارات دينية تتلقى دعما إيرانيا فإن جنوحها إلى العنف يظل أمرا غير مبررا إذ أن رفع السلاح كفيل بالقضاء على هذه المشاريع قبل غيرها وعليها معرفة أن طريق العنف تكتيك يخدم الممول على المدى القريب والمتوسط لكنه لن ينتج مشاريع وطنية على المدى الطويل فالمال غير المشروع يقود إلى التفكيك والخسارة أكثر من التجميع والربح خاصة مع انتفاء المبررات الواقعية لاستخدام العنف وغياب الخصم المفترض الممثل في السلطة التي تعد جذر كل الأزمات وبسبب ذلك ثار عليها اليمنيون. *الصورة :استبدال اسم شارع اليمن في طهران باسم حسين الحوثي