يظل الحوار هو الركيزة الأساسية التي من خلالها يمكن العبور إلى مرحلة بناء الدولة اليمنية بصيغتها المدنية الحديثة. فمن خلال الحوار سيتم معالجة المشكلات القائمة وتحديد الحلول الناجعة لها. ومن خلال الحوار سيتحدد شكل نظام الحكم الذي يرتضيه اليمنيون جميعاً. كما أن من أهم مخرجات الحوار ستكون عملية صياغة الدستور الجديد وقانون الانتخابات الجديد في ضوء النظام الانتخابي المتفق عليه، وبالإضافة إلى ذلك هناك الكثير من العناوين الأخرى التي لا يمكن تجاوزها أو إهمالها، وبالذات تلك المرتبطة بحياة الناس المعيشية والأمنية والاجتماعية...الخ. ولاشك أننا ونحن نعول على الحوار الآمال العريضة، لابد من التأكيد أن هذا الحوار لا يمكن له أن يجري بصورة صحيحة وسليمة دون تهيئة الأجواء السياسية والأمنية، وإزالة كل العراقيل وتفكيك أدوات الاستقواء التي ظل النظام السابق يستخدمها في وجه خصومه السياسيين ويعمل على فرض مشاريعه وسياساته كأمر واقع. كما أن هذا الحوار لا يمكن له أن يجري بصورة صحيحة وسليمة دون الإعداد والاستعداد المسبق من قبل أطراف الحوار بما في ذلك تحديد القضايا التي يُراد طرحها على طاولة البحث والتعاطي مع مجريات الحوار بشفافية ووضوح واستعداد لتقبل ما يتوصل إليه الإجماع الوطني من نتائج وقرارات. ولا شك أن تهيئة الأجواء السياسية والأمنية وإزالة كل أشكال العراقيل الإجرائية هي في الأساس مهمة الرئيس هادي وحكومة الوفاق الوطني، وما لم تتحقق هذه التهيئة فسيكون من الصعب انعقاد مؤتمر الحوار والتئام أطرافه بشكل مفتوح زماناً ومكاناً، وبقاء الأوضاع العسكرية والأمنية على ما هي عليه الآن سيجعل الحوار يتم في غرف مغلقة، وسيحرم أطراف الحوار من التنقل المريح عبر المناطق الرئيسية وعقد اللقاءات مع مختلف المكونات الاجتماعية، وبسبب عدم تهيئة الأجواء قد تتم بعض اللقاءات خارج اليمن وهو ما يفقد مؤتمر الحوار الوطني زخمه الشعبي، وفي هذه الحالة سيحاول البعض التعاطي مع هذا الحوار بنفس أساليب التعطيل السابقة، الأمر الذي يجعل الرئيس هادي وحكومة الوفاق أمام تحدٍ يجب أن يتجاوزوه ويثبتوا للشعب اليمني أنهم قادرون على إنجاز مهام المرحلة الانتقالية بالمواعيد المحددة، وبدون تراخ أو تساهل يفتح باب الترحيل للقضايا، ذلك أن عملية الترحيل ستعمل على تكثيف التراكم ومضاعفة التعقيدات. وفي هذا السياق يبرز موضوع هيكلة الجيش والأمن وتوحيد قطاعاتهما كأولوية ملحة وذلك بالنظر إلى طبيعة التأثيرات التي يمكن أن تحدثها هذه المؤسسات. أما الإعداد والاستعداد المسبق فيما يخص تحديد القضايا التي يُراد طرحها والآليات المتعلقة بإدارة الحوار والعمل على إنجاحه، فهي مهمة كل طرف من أطراف العملية الحوارية. وهنا يأتي دور المشترك والمؤتمر والحوثيين وجماعة الحراك الجنوبي السلمي، بالإضافة إلى شباب الثورة في الساحات ومنظمات المجتمع المدني وكل من سيشارك في عملية الحوار القادمة. إذ المطلوب من جميع الأطراف أن تبدأ من الآن في بلورة القضايا التي ترى ضرورة معالجتها في إطار أسس بناء الدولة المدنية الحديثة القائمة على العدل وحكم القانون والمواطنة المتساوية. وبالتأكيد فإن قيام كل طرف بإجراء حوارات أولية على مستوى تكويناته للخروج برؤية واضحة ومحددة، ثم الإعلان عن تلك الرؤية سيساهم في بلورة قضايا الحوار الكلية، وسيعمل على خلق رأي عام وطني مشارك وداعم لمسيرة الحوار في مختلف مراحلها، وهو ما سيجعل النتائج التي يتوصل إليها المتحاورون تحظى بالقبول الشعبي الضامن الرئيسي للتنفيذ والحامل الأساسي للتطبيق الحقيقي على أرض الواقع.