أحاديث خرجت من مكونات السلطة الانتقالية تنتقد الأداء الإعلامي للوسائل الرسمية والحزبية والمستقلة، في تعاطيها مع ظروف اليمن الراهنة. وتصدر رئيس الجمهورية انتقاد الإعلام المنفلت، وأفرد خبر اجتماع مجلس الوزراء الأسبوع الماضي مساحة للتناولات الإعلامية التي اعتبرتها الحكومة مسيئة لها. الأوضاع الاستثنائية التي تشهدها البلد تحتاج لتكاتف جهود كل اليمنيين وبمختلف أطيافهم للخروج من عنق الزجاجة، حتى لا يبقى الجميع حبيس الظرف الردئ، وبالفعل فإن المرحلة الحالية تستدعي تضافر كل الفعاليات والهيئات لدعم سلطة الرئيس هادي وحكومة باسندوة كيفما كان الأداء، المحكوم بالإمكانيات الشحيحة، وتداعيات الأزمة، غير أن الالتفاف حول السلطة وحكومتها لا يجب أن يعني أن تسير الفعاليات الشعبية بما فيها الإعلام، على طريق التطبيل وحمل المباخر. بل على العكس فإن الإعلام – خصوصاً- تحول في ظل ثورة الإتصالات العالمية إلى سلطة رابعة بحق، حتى في ما كان يسمى بدول العالم الثالث. وصار الإعلام واحداً من أهم أدوات التغيير في المجتمعات، باضطلاعه بدور صناعة الرأي العام عبر تبصيره بجوانب القصور والاختلالات الموجودة في أجهزة المجتمع وعلى رأسها مكونات السلطة والحكومة. وكيف لنا أن نتصور مجتمعاً ديمقراطياً بدون إعلام وصحافة حرة تمكن أفراد الشعب من المشاركة المبنية على آراء رِشيدة تتبلور من معلومات يتلقاها المجتمع من وسائل الإعلام. هذه الوظيفة لوسائل الإعلام تلقي عليها مسؤولية تحري صحة المعلومات التي تصلها من المصادر وتعيد ضخها للناس، وكذلك التنبه لعدم الانجرار إلى معارك السياسيين بعيداً عن الحقائق التي هي المعني رقم واحد في البحث عنها وكشفها للجمهور. ويزيد من إمكانية انحراف وسائل الإعلام أن معظمها تتوزع مابين رسمية وحزبية فيما تقل الوسائل المستقلة غير الموالية للأحزاب والحكومة. بالإضافة إلى ظهور الصحافة الإلكترونية وانتشارها في اليمن العقد الماضي، وهي نوع من الصحافة قليل التكاليف، ومنفلت من قوانين تنظمها – كمؤسسات لا كحريات - وذلك ما جعل الانخراط في مجال الصحافة متاحاً لكل من أراد بصرف النظر عن تجربته أو مؤهله كعاملين يعطيان الممارس للمهنة ضوابط ذاتية، وخلفيات معرفية في استقبال المعلومات ومعالجتها وبثها. وما يؤسف له أن الأحزاب – أكثر من غيرها- شجعت على إنشاء صحف - بالأخص إلكترونية – بصحفيين، وصفهم وزير الإعلام بالكذابين، يديرون لها إعلامياً مكايداتها السياسية، ما سحب نفسه على تعامل هذه الصحف- الحزبية والموالية والحكومية- مع الحكومة ليس كحكومة وفاقية، وإنما كأشخاص يمثلون أحزابهم، ويستحقون لهذا السبب الهجوم، بالحق والباطل، من صحف تخالفهم حزبياً. الحكومة والصحافة يتقاسمان جريرة العلاقة السيئة بينهما، فثقافة إخفاء المعلومة السائدة لدى الحكومة كهيئة ومسئولين أفراد تجعل الصحفي يتلقف ما يحصل أو يتسرب إليه من معلومات ويتسرع في النشر دون تثبت، لكسب سبق صحفي بات هاجساً مع وجود الصحافة الإلكترونية التي تعمل على مدار الساعة. الصحافة هي الأخرى لم تعد معنية عندنا باستقطاب صحفيين من ذوي الخبرة والكفاءة والمؤهل يعملون وفق أخلاقيات متعارف عليها في التعامل مع المعلومات، ولم تعد الحقيقة واستشعار قداستها ذات بال لدى صحافتنا. الحكومة شكت من التناولات الإعلامية التي تعترضها، ووزير الإعلام تحدث عن ضرورة التزام وسائل الإعلام بثوابت المجتمع. وهي أمور مشروعه ومنطقية فلا يوجد في العالم صحافة مطلقة الحرية وتعمل خارج مسؤولياتها كوظيفة اجتماعية. وعلى أية حال، حرية الإعلام في بلدنا أفضل من تطويقه بتشريعات وإجراءات يصنعها المهوسون بالاحتياطات الأمنية. ونحن على يقين أن نمو الحس النقدي لدى جمهور وسائل الإعلام سيجبرها مع مرور الوقت على احترام عقول الجمهور، الذين سيستبعدون الوسائل الرديئة من حساباتهم كمصدر للمعلومات، وستبقى في نهاية المطاف الصحافة المحترمة، الحرة والمسؤولة والمقيدة بكوابح ذاتية قبل ضوابط التشريعات. صحيفة الناس..