سأبدأ مداخلتي بجملة قد تشكل مدخلا للإجابة على العنوان الذي طولبت بالحديث عنه من قبل منظمي هذه الندوة. الجملة وهي إنتاج فكري ل(جين ا. كيرتلي، أُستاذة أخلاقيات وقوانين وسائل الإعلام في كلية الصحافة والإعلام العام، جامعة منيسوتا). مضمونها: "ليس من السهل العيش مع صحافة حرّة. فهي تعني أن يظل الإنسان عرضة للتحدي، والرعب، والتعطيل، والإزعاج، والإهانة". وهي مقولة –رغم إمكانية خصم 30% من دلالاتها قبل يمننتها، فإنها أقل من مقولة توماس جيفرسون، الأب القانوني للتشريع الدستوري الأميركي والذي أصبح الرئيس الثالث للولايات المتحدة، حيث قال: "لو خُيِّرت بين أن تكون هناك حكومة بدون صحافة، أو صحافة بدون حكومة، لاخترت الثانية". وهذا يكفي للتوقف عن الحديث عن خصوصية واقعنا. إن مقولة جين تتجاوز مصدر القلق من وعلى الصحافة، الذي يسببه كونها طرف في أي جملة للحديث عن السلطة، والذي تضفيه مقولة جيفرسون. الكفيلة باعتبار الصحافة –وفقا لأعراف دول العالم الثالث – قائد انقلاب يجب وأد قدراته في كل وقت وحين. وأقترح هنا التخفف من اعتبار أي حديث عن الصحافة، موجه للسلطة ذات النفوذ الصارم في مجتمعاتنا -مجتمعنا-، وهي السلطة التنفيذية. تماما كما التنبيه إلى أن نقد السلطات دربها كثيرا على التقدم، خلافا لكثير من البعيدين عن مراكز النقد، مشائخ أو حتى تجار أو مؤسسات رسمية عادية). ولنتحدث عن الصحافة في سياق الحديث عن فرصة أو مشكلة، تخص المواطن العادي مثله مثل صاحب القرار أو النفوذ أو المال، ومن مختلف التخصصات. ماذا تعني سلطة رابعة: تعني أن تقوم الصحافة بمهمتها (كمهنة تقوم على جمع وتحليل ونشر الأخبار والتحقق من مصداقيتها، وإفساح المجال للآراء) من منطلق الواجب عليها وليس مجرد أن لها الحق في ذلك. وأن الجميع (بمافيهم الواقعين تحت ضغط الرعب والإهانة، وعلى رأسهم القادرين على الرد بالمثل كأصحاب القرار أو المال أو القدرة على الإيذاء)، ملزمين أخلاقيا، أولا وقانونيا –ثانيا- بتسهيل قيامها بدورها الذي يحدده القانون الوطني أو قواعد العمل المتعارف عليها دوليا. وتجنب تعدي الحق في مكافحة عدوانيتها، إلى مبادلتها الإيذاء بالإيذاء، فضلا عن تحويلها إلى هدف للقرارات الجذرية. كما حدث مع صحيفة الوسط التي عالجت الحكومة ماتقول إنها مثالب عليها بمسحها من الوجود الاعتباري تحت حكم القانون. أو كما حدث من قبل مع رئيس تحريرها حيث خطف وعومل بطريقة مهينة لمهنة الصحافة برمتها. ومثله استسهال جرها إلى المحاكم، أو وتحويلها إلى هدف للتحريض العلني بحجج دينية أو وطنية أو غيرها، وكذلك حرمانها من فرص التمويل، فضلا عن عدم التفكير في تأهيلها وتطوير أدائها. إن الصحافة كمؤسسة وماتعنيه "في مجتمع ديمقراطي لا تضاهيها أهمية له وجود أي مؤسسات أخرى"، يتطلب "من أفراد الشعب، ومن المسئولين المنتخبين، ومن التنظيمات المدنية دعم الصدق والعدالة والتوازن في نشر التقارير الإعلامية، كما التشديد على وسائل الإعلام بوجوب احترام المبادئ التي منحتها إيّاها سلطتها.* إن الإجابة عن السؤال "كيف يمكن أن تكون الصحافة سلطة رابعة في واقعنا اليمني؟"، بحاجة إلى البحث عن احتياجها لتجعلنا جميعا "عرضة للتحدي، والرعب، والتعطيل، والإزعاج، والإهانة". وطالما كان العنوان يتجه مباشرة للسؤال "كيف تكون" سلطة رابعة فإنني سأتجاوز الجدل حول حاجتنا واستعدادنا لتكون صحافتنا سلطة رابعة لأتجه مباشرة للحديث عن ماتحتاجه الصحافة اليمنية لتكون كذلك، باعتبارها واحدة من أدوات الرأي العام في مكافحة بيروقراطية التشريع الذي يدير حقه في الإطلاع والمحاسبة، أولا، والإطلاع والمعرفة ثانيا، والذي قد يهدد هذا الحق بقواعد قانونية تلغيه. سلطة رابعة إذا كان مونتسكيو قسم السلطات إلى ثلاث (قضائية، وتشريعية، وتنفيذية) في محاولة إنسانية ناجحة لتجزئة ومن ثم إضعاف قدرة الحاكم الأول السيطرة على مصائر من يحصل على مكانته بوصفه راعيا لمصالحهم، فإن "الفيلسوف البريطاني إدموند بروك"، قد نبه السلطات الثلاث، إن منحها الصلاحيات الإدارية لن يحميها من الجمهور الذي لن تحميه الجدران من مراقبتهم عبر السلطة الأهم، وهي الصحافة حين قال: "ثلاث سلطات تجتمع هنا تحت سقف البرلمان، ولكن هناك في قاعة المراسلين تجلس السلطة الرابعة وهي أهم منكم جميعا". ولكن هذه المقولة تنطوي أيضا على تحذير لهذه السلطات بأنه مالم تقم علاقة إيجابية بالصحافة فإن الصحافة قادرة على إفساد كل شيء، ليس سلبا "بالنقد والتجريح والعبث"، بل وإيجابا عبر "المدح والردح، والاستخفاف بالرأي العام ومصالحه". سلطة مستقلة أفضل من رابعة يمكن للحكومة في كل بلد ومنها بلادنا أن ترى أن "سلطة رابعة" تعني، "رديف يكمل" السلطات الأخرى، وأرجو أن لاينظر لهذا المصطلح "رديف ومكمل" بإيجابية. ففي المجتمعات الأقل معرفية والأكثر عصبوية –واليمن منها- لايعني الأمر سوى أن تصبح الصحافة "تابعة لبرامج الحكومة"، تسير معها دوما في خط تراتبي مستقيم. تكون فيه الصحافة "كلب حراسة" ولكن لماقبلها من سلطة وليس لوظيفتها السامية. ويمكن للمعارضة أن ترى الصحافة، وسيلتها لإضعاف مشروعية السلطة، عبر قصر مهمتها على مد الرأي العام (فقط) بمايكشف سوء السلطة مطلقا وعدم أهليتها لحكمه. وهي طرق تشبه، مايريده كل طرف من رجال المال والأعمال في سياق إدارتهم لمساحات التناقض في مصالحهم، حيث يسعى كل طرف لاستخدام الصحافة لصالحه "مطلقا". ومع أن تمثيل الصحف لمصالح ما (سلطة أو معارضة، هذا التاجر أو الشيخ أو ذاك)، حق مشروع، وحق الصحف في عدم نشر أي رأي تراه يسيء لمصالحها مالم يكن ردا (قررت المحكمة العليا الأميركية إن حق التعبير يشمل حق صاحب الوسيلة الإعلامية في منع نشر أقوال الآخرين في وسيلته الإعلامية)، فإن الحديث يتجه لخطورة أن تخدم هذه المصالح على حساب مهنية الصحافة ذاتها. لذا لاحديث عن سلطة رابعة، مالم نتفق على إعلاء شأن قواعد المهنية حتى حين القيام بوظيفة "بوق"، التي كان يرددها على مسامعنا قهرمانات العمل الحزبي ونحن نعمل في صحفهم. لتذكيرنا بأنهم لايحترمون مهنتنا ولايقيمون لقواعدها وزنا. الاحتياجات مع الإقرار بإنه لايمكن الانشغال بوضع الصحافة ولا إصلاح وضعها بمعزل عن الدائرة الحاضنة وهي المجتمع، وعلاقات سلطه ببعض، فإننا نضع بين أيدي المستمعين مقترحات نحتاجها صحفيين –من وجهة نظري- لتكون مهنتنا سلطة رابعة حقيقية. الحكومة والمجتمع الصحافة وضع قوانين تحمي قدرة الصحافة على تغطية نشاطات الحكومة والأحزاب، والشخصيات وغيرها..* تجنب التشهير، والاستدراك، والتعامل مع الجميع بحد أدنى من معايير المساواة التزام بحق الصحفيين في الحصول على المعلومة. عدم استخدام المعلومات إلا لأهداف مهنية، ووفقا للقواعد المهنية. احترام، شروط المصداقية أثناء ذلك التحري حول الصحة، وتعديد المصادر حماية حق الصحفي في الخطأ، وتجنب المعالجة بأكثر ممايمكن تحقيق المعالجة به _حق الرد، الغرامة التأديبية معنويا... تجنب الانحياز العدواني. وإتاحة الفرصة للمعنيين الدفاع عن حقهم. تحقيق الاستقرار المالي والاستدامة، عبر: 1- دعم تطوير الأعمال التجارية للصحافة (الإعلانات، الدعم المعنوي، التسهيلات من منح القروض الميسرة إلى التخفيضات المختلفة، بغض النظر عن الموقف السياسي. (ضد الإعانات المخبئة والروشاى وشراء الذمم). - احترام قواعد بيئة العمل: ضد صحافة المقايل، والاتصالات، والفردية. نشر ثقافة وإنشاء مكاتب تدقيق ومحاسبة، وضبط عمليات التوزيع، والاعلانات مساندة التقارير الصحفية الانتقادية في مجالات أقل تهديداً (الصحة، الزراعة، البيئة... الخ) توسيع نطاق اهتمام الصفحات الأولى بدلا من الاستسلام لصفحة البيان السياسي. جعل وسائل الإعلام التابعة للدولة أكثر استقلالية، وأكثر احترافاً. واقل سياسية دعم دور الخبراء في التدريب والمراقبة، على حساب الخطاب السياسي. مكافحة "سوء النية"، سواء كان مصدرها مصلحي أو أيدلوجي، من قبل المسئول أو الصحفي. فأي موقف أو نشر أو قرار يستخدم الوقائع لتمرير نية مبيتة لايخدم أي من السلط الأربع. * الإطار النظري للتنظيم.. الاعتراف بالارتباك يعترف صاحب هذه المداخلة بفشله في تقرير أي الرأيين أهم، "منع التنظيم، كالتجربة الأميركية والألمانية، حيث الأولى منعت دستوريا "سن أي قانون يحد من حرية الصحافة"، والثانية –ككثير مثلها- "لاتملك أي أطر تنظيمية للإعلام إلا مايسنه أربابه لأنفسهم من مواثيق وقواعد"، أو حتى التجربة البريطانية التي عبر تجربة الBBC الفريدة والنوعية على مستوى التجربة الإنسانية برمتها، أو الرأي القائل بأن مثل هذه التجربة في اليمن ستفشل، بسبب أبوية الدولة، التي لاتنمو أي وظائف لاتحظى برعايتها. وأتحدث هنا عن وظائف الدولة في المجتمع العربي عموما وفقا لفلسفة الحكم التي أفرزتها ثقافة "الثورة" في هذه المجتمعات. لذا سأكتفي بالإشارة إلى أهمية حسم هذا الجدل، عبر الخوض فيه لنرى حاجة الصحافة اليمنية لتكون سلطة رابعة للأطر التشريعية والتنظيمية، (ومن ذلك حاجتها لقانون ينظمها، الزامية وواحدية الانتماء النقابي، فرض حصص في الحقوق السياسية والاقتصادية والمدنية لها لدى مؤسسات الدولة والقطاع الخاص (الإعفاءات، الإعلانات...)، تنظيم التراخيص والأنشطة المصاحبة.....الخ). *مداخلةندوة: حرية الصحافة في اليمن بين المسئولية والالتزام منظمة إرادة شعب صنعاء 3 – 4/5/2008م نيوز يمن