تمكنت جماعة الاخوان المسلمين في هدوء من بسط نفوذها خارج حدود مصر طوال تاريخها الممتد 84 عاما لكن الثورات العربية فتحت آفاقا سياسية جديدة واسعة تأمل الجماعة أن تعكس رؤية مؤسسها حسن البنا للعالم العربي والإسلامي. وقال محمود غزلان وهو عضو في مكتب الارشاد بجماعة الاخوان "لا شك أن حسن البنا يؤمن بالوحدة الإسلامية مش الوحدة العربية فقط.. لكن الفكرة وما فيها نحن ننظر إلى الواقع وإلى الممكن". وخلال مقابلة في المقر الجديد للجماعة في القاهرة وصف هذه الوحدة بأنها هدف "بعيد المنال" لكنه كان مدركا فيما يبدو لاحتمالات طرحت مع موجة يقود فيها إسلاميون التيار السياسي العام في أنحاء منطقة شمال افريقيا وخارجها. وأضاف غزلان البالغ من العمر 64 عاما "هذه المنطقة في فترة تغيرات جذرية سوف تسفر عن أوضاع مختلفة غير الاوضاع التي كانت قبل قيام الثورات... ابتداء من تونس وانتهاء بسوريا.. تتغير طبيعة المنطقة وأيضا تتغير التحالفات". لم تكن جماعة الاخوان المسلمين التي كانت محظورة ومقموعة خلال حكم الرئيس السابق حسني مبارك هي التي فجرت الانتفاضة ضده لكن شأنها شأن أحزاب إسلامية في مناطق أخرى كانت الطرف المستفيد الرئيسي واستغلت الانتخابات الحرة في الوصول إلى عتبات السلطة. وأدى نجاح جماعة الاخوان في الانتخابات التشريعية المصرية إضافة إلى فوز إسلاميين في الانتخابات في كل من تونس والمغرب وظهور أطراف إسلامية قوية في المشهد السياسي في ليبيا وداخل المعارضة السورية إلى اجبار العالم على اعادة التفكير في الطريقة التي يمكنه التعامل بها مع الإسلام السياسي. وقال شادي حامد من مركز بروكينجز الدوحة في قطر "يمكن أن نبدأ الحديث عن تكتل إسلامي سني صاعد من شمال افريقيا وربما يصل إلى سوريا. أعتقد أن الاخوان هم الجزء الاهم في ذلك". وأضاف "إنهم جزء من حركة أوسع نطاقا وتلك الحركة هي التي ستعيد تشكيل خريطة المنطقة". وربما يتوقف مدى التحول على كيفية أداء الاسلاميين في المناصب التي يتولونها في الوقت الذي يواجهون فيه اقتصادا متداعيا وتوقعات مبالغا فيها لكن التغيير جار. ويساعد صعود جماعة الاخوان التي تلهم جماعات إسلامية في أنحاء المنطقة على اعادة رسم التحالفات السياسية في أنحاء الشرق الأوسط في تحول تاريخي يؤدي إلى تآكل نفوذ إيران الشيعية في العالم العربي. وبعد الانتفاضة التي تشهدها سوريا ضد الرئيس بشار الاسد ساعد صعود جماعة الاخوان المسلمين في خروج حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من فلك سوريا وإيران وحزب الله اللبناني مما أحدث انقساما في المحور الذي كان ملمحا أساسيا للسياسة والصراعات في المنطقة منذ أكثر من عشر سنوات. وقال حامد "كلما زادت قوة الإسلاميين السنة كلما كان ذلك ليس في صالح محور إيران-حزب الله." غير أن الدول الغربية التي لديها ريبة منذ زمن طويل تجاه النفوذ الإسلامي تلتقي باللاعبين الجدد. أما النظم الملكية المحافظة في الخليج التي يتوجس بعضها من أن تكون الاضطرابات في المنطقة معدية فتقيم بحذر تلك الاطراف الجديدة. وربما تنخرط أكثر تركيا التي ليست جزءا من العالم العربي لكنها جزء من العالم الاسلامي وبشكل مباشر. وحقق حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا ذو الجذور الإسلامية نموا اقتصاديا هائلا تتطلع الشعوب العربية إلى محاكاته. وقال السفير التركي في مصر حسين عوني "سيكون لتركيا قوة ناعمة أكثر مما كان لديها في الماضي وستمارس تركيا هذه القوة بطريقة ايجابية" مضيفا: أن مصر وتركيا من الممكن أن تصبحا "محور الاعتدال والحوار". وفي قلب هذا الحراك جماعة الاخوان في مصر التي أفرزت جماعات مشابهة في ليبيا وسوريا وفلسطين ومناطق أخرى وليس لها سيطرة رسمية عليها. لكن غزلان قال إن هذه الجماعات تعتبر بالفعل مصر "الدولة الام التي نشأت فيها الدعوة". ورفضت جماعة الاخوان بعض الجماعات المتشددة التي استلهمتها منها جماعات متشددة في مصر تبنت الجهاد على مستوى العالم بعد أن قضى مبارك على انتفاضتهم المسلحة في الثمانينات. وتواجه جماعة الاخوان تحديات جديدة من التيار السلفي المتشدد الذي يرغب أتباعه بشدة وبشكل فوري في تطبيق الشريعة والقضاء على النفوذ الغربي. وتتجه جماعة الاخوان إلى تولي السلطة في مصر كما هيمنت أيضا أحزاب تتبنى نفس الفكر على بعض الدول المجاورة. كانت هذه غنيمة كبرى بالنسبة للجماعة التي أسسها البنا عام 1928. ولد البنا عام 1906 وبينما كان في الاسماعيلية المطلة على قناة السويس التي كان يسيطر عليها الاستعمار البريطاني وحيث كان يعمل مدرسا كان يعبر عن استيائه البالغ من التدخل الاستعماري في شؤون بلاده. بدأت دعوته في المساجد والمقاهي وانتشرت رسالته في أرجاء مصر وبحلول وقت اغتياله عام 1949 كان للجماعة أتباع خارج حدود البلاد. وبحلول هذا الوقت أيضا بدأت السلطات المصرية تعتبر الجماعة تهديدا وبدأت حملة قمع وكان الوضع ذاته يحدث في دول أخرى. ومن بين الجماعات التي استلهمت جماعة الاخوان المسلمين حركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية (حماس) التي ظهرت في الثمانينات وتسيطر الآن على قطاع غزة المتاخم لمصر. وفرضت العزلة على حماس خلال حكم مبارك وكذلك من دول أخرى عربية ودول غربية وتبنتها ايران وحزب الله اللبناني وسوريا في تحالف بني على العداء لإسرائيل. لكن حماس السنية كانت تبدو دخيلة وسط هذا المحور الذي يغلب عليه الشيعة. وكان مقر قيادة الحركة في دمشق التي يحكمها نظام عائلة الاسد العلوية التي كانت تقمع منذ زمن طويل جماعة الاخون هناك. وبعد عام من اندلاع الانتفاضة ضد الاسد تحولت حماس علانية ضد مضيفيها السوريين وربما شجعها على ذلك المكاسب السياسية التي حققها الاخوان والتي تغير الآن شكل مصر. وفي مؤشر على التغيير عن عهد مبارك سمح لاسماعيل هنية رئيس الحكومة في غزة والقيادي في حماس بتأييد الانتفاضة السورية في كلمة ألقاها في فبراير شباط في الجامع الازهر بالقاهرة. وتريد حماس وجماعة الاخوان أن تفتح مصر حدودها بالكامل مع غزة لانهاء الحصار الذي فرضته إسرائيل على القطاع بالتعاون مع السلطات المصرية لكن محمود الزهار القيادي في حماس قال لرويترز أن من السابق لأوانه الحديث عن حلفاء جدد. فمحور تركيز جماعة الاخوان في الوقت الحالي بينما تجهز نفسها لحكم البلاد هو القضايا المحلية. وهي تحتاج لتحقيق الاستقرار في اقتصاد مصر المتداعي والحيلولة دون حدوث أزمة عملة. ولتحقيق هذا الغرض تحتاج للمساعدة الخارجية. وكانت دول الخليج وعدت مصر بتقديم ما بين 10 مليارات و15 مليار دولار من المساعدات والاستثمار. لكن المبلغ الذي وصل البلاد لا يتعدى المليار دولار. وقال حامد من معهد بروكينجز "يفهم الاخوان أن تحسين العلاقات مع دول الخليج ضرورة الان لأنها ستكون من بين الجهات المانحة الرئيسية لمصر". لكن كما يقول غزلان فان محاولة الجماعة للتقرب إلى دول الخليج كانت بدايتها غير مشجعة. وقال "نقول لهم تعالوا نتفاهم وإذا كنتم لن تأتوا إلينا أرسلوا الينا دعوات.. نحن نأتي اليكم ولكنهم لم يخوضوا هذه الخطوة". وأضاف أنهم في دول الخليج "يخشون من أن العدوى تنتقل ويحدث هناك مثل ما حدث في هذه المنطقة ونحن لا نتطلع لهذا". بل أن جماعة الأخوان أرجأت اجتماعا طلبه مبعوث ايران خشية إثارة غضب دول الخليج التي تعتبر طهران خصما يتدخل في شؤونها. ومضى يقول في اشارة إلى المبعوث الايراني "إذا أتى هو قبلهم سوف تزيد مخاوفهم". وتخشى دول الخليج التي كانت تعتبر مبارك في مصر والرئيس زين العابدين بن علي في تونس من الحلفاء المقربين من أن تسبب الاضطرابات التي تشهدها المنطقة في زعزعة استقرار الانظمة هناك. وتتوجس المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة على وجه الخصوص من جماعة الاخوان المسلمين. وقال مصدر سعودي "للاخوان أسلوب مختلف في السياسة وهذا ما يسبب القلق.. إذ يخلطون السياسة بالدين في حين أنهما قضيتان منفصلتان". وقال المحلل السعودي جمال خاشقجي أن بعض النخبة في السعودية قلقة من أن جماعة الاخوان قد تأخذها نشوة انتصار الجماعة في مصر والمغرب وتونس وربما تأمل أن تفعل الامر ذاته في السعودية. لكنه رفض تلك المخاوف قائلا أن النهج العملي الذي تنتهجه جماعة الاخوان لا يروق كثيرا للمجتمع السعودي على خلاف التيار السلفي. ويرى حامد من مركز بروكينز أن جماعة الاخوان لها جماعات منتمية لها في السعودية والامارات "ينظر لها على أنها تمثل تهديدا للنظام". وهناك خلاف بالفعل قام بين الامارات والجماعة حول طرد مجموعة من السوريين الذين نظموا احتجاجا هناك. واتهم ضاحي الخلفان قائد شرطة دبي جماعة الاخوان باذكاء الاضطرابات. وقال مسؤول من الامارات "هناك قيود وضعت على المصريين القادمين للامارات للعمل وحدث هذا بعد أن تولى الاخوان السلطة (في البرلمان المصري). هناك مخاوف من أن يثيروا الاضطرابات في المنطقة". وبدأت قطر التي تملك احتياطيات هائلة من الغاز التعامل مع إسلاميين في ليبيا لكن مسؤولا في وزارة الخارجية قال أنه ليس هناك محادثات "رسمية" بعد مع جماعة الاخوان في مصر. ويرى غزلان أن الخليج ليس لديه ما يدعوه للخوف من جماعة الاخوان. وأضاف "نحن نريد للخليج أن يستقر" لأنه منطقة حساسة للغاية وتوقع أن تتلاشى التوترات بمجرد تشكيل جماعة الاخوان حكومة ائتلافية. وأردف قائلا "أعتقد أن كل هذه الحواجز سوف تزول" مضيفا أن حكام السعودية ودول الخليج ستتعاون مع الجماعة وأن هذه الازمة سوف تزول. ربما كان حلم البنا هو الوحدة العربية والاسلامية لكن حركته -على الاقل في مصر- تتبنى منذ زمن طويل فكرة الاقدام على ما هو ممكن سياسيا فقط. غير أن جماعة الاخوان شأنها شأن حركات إسلامية أخرى في العالم العربي حيث أطاحت انتفاضات بأنظمة شمولية ترى أن الرياح ستأتي بما تشتهيه السفن.