"القسام" تعلن عن عمليات "نوعية" ضد قوات العدو جنوب قطاع غزة    شركة النفط: الوضع التمويني مستقر    الدكتور عبدالله العليمي يعزي العميد عبده فرحان في استشهاد نجله بجبهات تعز    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة الدكتور عبدالله محمد المجاهد    نصيحة لبن بريك سالم: لا تقترب من ملف الكهرباء ولا نصوص الدستور    مفتي عُمان يبارك "الانجاز الكبير" لليمن بضرب مطار بن غوريون    تحالف (أوبك+) يوافق على زيادة الإنتاج في يونيو القادم    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 52535 شهيدا و118491 مصابا    قيادي حوثي يفتتح صيدلية خاصة داخل حرم مستشفى العدين بإب    وزير الدفاع الإسرائيلي: من يضربنا سنضربه سبعة أضعاف    عدن: تحت وقع الظلام والظلم    ريال مدريد يتغلب على سيلتا فيغو في الدوري الاسباني    «كاك بنك» يدشن خدمة التحصيل والسداد الإلكتروني للإيرادات الضريبية عبر تطبيق "كاك بنكي"    هيئة رئاسة مجلس الشورى تشيد بوقفات قبائل اليمن واستعدادها مواجهة العدوان الأمريكي    بن بريك اعتمد رواتب لكل النازحين اليمنيين في عدن    أعضاء من مجلس الشورى يتفقدون أنشطة الدورات الصيفية في مديرية معين    وفاة طفلتين غرقا بعد أن جرفتهما سيول الأمطار في صنعاء    شركات طيران أوروبية تعلق رحلاتها إلى إسرائيل بعد استهداف مطار بن غوريون بصاروخ يمني    الدكتور أحمد المغربي .. من غزة إلى بلجيكا.. طبيب تشكّل وعيه في الانتفاضة، يروي قصة الحرب والمنفى    الخبجي : لا وحدة بالقوة.. ومشروعنا الوطني الجنوبي ماضٍ بثبات ولا تراجع عنه    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الأحد 4 مايو/آيار2025    الوزير البكري يهنئ سالم بن بريك بمناسبة تعيينه رئيسًا للحكومة    أبو عبيدة:التصعيد اليمني على الكيان يتجاوز المنظومات الأكثر تطوراً بالعالم    وجّه ضربة إنتقامية: بن مبارك وضع الرئاسي أمام "أزمة دستورية"    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    92 ألف طالب وطالبة يتقدمون لاختبارات الثانوية العامة في المحافظات المحررة    بن بريك والملفات العاجلة    يفتقد لكل المرافق الخدمية ..السعودية تتعمد اذلال اليمنيين في الوديعة    هدف قاتل من لايبزيغ يؤجل احتفالات البايرن بلقب "البوندسليغا"    ترحيل 1343 مهاجرا أفريقيا من صعدة    لاعب في الدوري الإنجليزي يوقف المباراة بسبب إصابة الحكم    السعودية تستضيف كأس آسيا تحت 17 عاماً للنسخ الثلاث المقبلة 2026، 2027 و2028.    الأهلي السعودي يتوج بطلاً لكأس النخبة الآسيوية الأولى    التركيبة الخاطئة للرئاسي    وادي حضرموت على نار هادئة.. قريبا انفجاره    أين أنت يا أردوغان..؟؟    مع المعبقي وبن بريك.. عظم الله اجرك يا وطن    المعهد الثقافي الفرنسي في القاهرة حاضنة للإبداع    العدوان الأمريكي يشن 18 غارة على محافظات مأرب وصعدة والحديدة    اعتبرني مرتزق    رسائل حملتها استقالة ابن مبارك من رئاسة الحكومة    نقابة الصحفيين اليمنيين تطلق تقرير حول وضع الحريات الصحفية وتكشف حجم انتهاكات السلطات خلال 10 سنوات    - حكومة صنعاء تحذير من شراء الأراضي بمناطق معينة وإجراءات صارمة بحق المخالفين! اقرا ماهي المناطق ؟    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    "ألغام غرفة الأخبار".. كتاب إعلامي "مثير" للصحفي آلجي حسين    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    الحقيقة لا غير    مصر.. اكتشافات أثرية في سيناء تظهر أسرار حصون الشرق العسكرية    اليمن حاضرة في معرض مسقط للكتاب والبروفيسور الترب يؤكد: هيبة السلاح الأمريكي أصبحت من الماضي    القاعدة الأساسية للأكل الصحي    أسوأ الأطعمة لوجبة الفطور    الفرعون الصهيوأمريكي والفيتو على القرآن    مانشستر سيتي يقترب من حسم التأهل لدوري أبطال أوروبا    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    من يصلح فساد الملح!    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مساع لإعادة تركيب المؤتمر الشعبي للدخول به في الحوار الوطني
نشر في الأهالي نت يوم 04 - 07 - 2012

على امتداد الأشهر الماضية والمؤسسة العسكرية تتصدر للموقف في الحرب على القاعدة وأنصار الشريعة في محافظة أبين، فيما كان عمل المؤسسة الأمنية عملاً رديفا. وبالنتائج المتحققة من تلك الحملة العسكرية واستعادة الدولة سيطرتها على تلك المناطق انداحت عناصر القاعدة وأنصار الشريعة في عدد من المحافظات الشرقية والصحراوية. ما يعني أن هذه العناصر ستغير استراتيجيتها في المواجهة وستعود -خلال الفترة القادمة- إلى تنفيذ عملياتها النوعية وفق المنهج المعروف للقاعدة، إذ لم يكن العمل العسكري الذي شاهدناه لهذا التنظيم في أبين إلا طارئا ساعدت عليه الظروف التي عاشتها البلاد خلال فترة تسليم صالح للسلطة.
واعتباره عملا طارئا هو الذي دعا القاعدة لاستيعاب تلك المجاميع والدفع بها إلى المعركة تحت اسم «أنصار الشريعة»، ولم تكن القاعدة بحاجة إلى اسم رديف لو كان جميع أولئك من عناصرها الأصليين.
وتغير استراتيجية القاعدة يستدعي -بالمقابل- استراتيجية جديدة من قبل السلطة تتمثل في تخفيف الاتكاء على المؤسسة العسكرية مع تركيز الاعتماد -بالمقابل- على المؤسسة الأمنية.
وهو ما يفسر صدور تلك القرارات الرئاسية والحكومية التي قضت الأربعاء الماضي بتغيير عدد من مدراء الأمن في كل من حضرموت الساحل وحضرموت الوادي والصحراء، ومأرب، والجوف، وشبوة، فضلا عن عدد من التعيينات على مستوى ديوان وزارة الداخلية.
والواضح أن الحمل الثقيل قد ألقي الآن -ولفترة تطول أو تقصر- على كاهل وزارة الداخلية، إذ لم يصدر شيء مماثل من هذه القرارات باتجاه أجهزة الاستخبارات (جهاز الأمن القومي، وجهاز الأمن السياسي).
والمعطيات السابقة تفيد أن تلك القرارات الرئاسية والحكومية قد جاءت بمقتضى تغي�'ر استراتيجية المواجهة مع القاعدة وأنصار الشريعة، وليست ضمن عملية التغيير السياسي الشامل التي يفترض أنها جارية على قدم وساق وفي اتجاه كل المحافظات، وبصورة شاملة لكل المستويات والمجالات الإدارية لا -فقط- الأمنية وفي بعض محافظات دون أخرى.
وبغض النظر عن إيجابية هذه القرارات من عدمها، فإن صدورها -الأربعاء الماضي- خلق مناسبة مثلى لإصدار قرارات أخرى تتضمن تعيينات في وزارة التخطيط وتعيين مستشار في وزارة النقل، وقرار آخر قضى بتعيين العميد الدكتور أحمد بن علي المقدشي مديراً لأمن محافظة تعز بدلا عن العميد علي محمد السعيدي الذي تعين -بدوره- وكيلاً لمصلحة الهجرة والجوازات والجنسية.
وكأنه يراد من هذه القرارات أن تكون -بالنسبة لتلك القرارات في المؤسسة الأمنية- بمثابة غطاء يصورها كما لو أنها جاءت ضمن عملية التغيير الشامل ويصبغ عليها صبغة غير صبغتها الحقيقية.
ذلك أن الذين صدرت بحقهم قرارات في وزارة التخطيط كان أغلبهم يمارس عمله في هذا الموقع منذ أشهر، وقد تأخرت قراراتهم كثيرا. وأما تعيين المستشارين هنا وهناك فالغالب فيها الاسترضاء والمصالحة بحسب ما جرت عليه العادة. وأما ما يتعلق بمدير أمن تعز السعيدي فإنما جاء تغييره تبعا لعدم الوفاق بينه وبين المحافظ. وكان المحافظ قد أصدر -سابقا- قرارا بتوقيفه، إلا أن هذا القرار تزامن حينها مع قرار للمحافظ باعتماد فصل (16) طالبة على خلفية مواقفهن من الثورة، وهو ما جعل الرأي العام يخلط بين الأمرين، ونتج عن ذلك تصوير المحافظ كما لو أنه أحد أفراد عائلة صالح، وأخذت القضية أبعادا أكثر من أبعادها..
والخلط بين كل تلك القرارات المشار إليها في الأسطر السابقة واعتبارها جميعا ضمن عملية التغيير السياسي في البلاد، هو أشبه ما يكون بالخلط بين المشكلة التي كانت بين محافظ تعز شوقي هائل ومدير الأمن السعيدي. أي إن لهذه القرارات المتعلقة بالتخطيط وإدارة أمن تعز خصوصية تجعلها مستقلة عن بقية القرارات الصادرة بالتزامن والتي اقتضاها تغيير استراتيجية مواجهة القاعدة -كما سبق الإشارة- لا عملية التغيير الشامل.
وهذا على أن في تلك القرارات بعضا مما يمكن اعتباره بعيدا عن موضوع القاعدة كقرار تعيين سالم البعسي رئيساً لمجلس إدارة مؤسسة موانئ البحر العربي اليمنية وأسامة علي سالم نائباً له، والعقيد فؤاد العطاب مديراً لأمن إب.
مساع لإعادة تركيب أجزاء المؤتمر الشعبي للدخول به في الحوار الوطني
مع الفارق الطبيعي بين أواخر السبعينات ومطلع الثمانينات حين تولى صالح الرئاسة، وبين الوقت الراهن، يبدو أن صالح لم يسلم السلطة إلا بعد أن نفذ وعيده وأعاد اليمن كما كانت عليه يوم استلم السلطة في شمال الوطن.
والحوار الوطني الذي تجري الترتيبات له الآن باعتباره الطريق الوحيد للخروج من عنق الزجاجة، هو ذاته الحوار الوطني الذي أجري في الفترة الأولى من تولي صالح للرئاسة مع اختلاف الأسماء، حيث عقد في تلك المرحلة تحت اسم «المؤتمر الشعبي العام» (1982م)، ويُرتب لعقده حاليا تحت اسم «الحوار الوطني».
وهناك فرق آخر طفيف لكنه بالغ الأهمية، ويتمثل في أن الموقف الإقليمي الذي يعتبر عاملا مؤثرا في الواقع اليمني -بشكل كبير- كان في أواخر السبعينات ومطلع الثمانينات يدفع نحو صياغة نظام جديد بدل عن نظام الشهيد الحمدي من خلال تحالف النظام برئاسة صالح مع القوى الشعبية والسياسية المختلفة باستثناء التيار اليساري الذي كان -يومها- مواليا للحمدي أو للنظام الحاكم في الجنوب والذي كان يمثل أقلية مقارنة بالأطراف الأخرى التي انخرطت في ذلك الحوار. بينما يدفع الموقف الإقليمي اليوم باتجاه إعادة إنتاج ذات النظام مع امتصاص نشاط مختلف القوى الفاعلة في البلد من خلال إشراكها في شيء من الوظيفة الحكومية بما يحقق شيئا من تنفيس الاحتقان الذي اندلعت جراءه ثورة شعبية لا تزال مستمرة ويخفف حدة ما تشعر به من الإقصاء.
والبدايات الطبيعية لحكم الرئيس هادي -وإن كانت فترته كلها محددة بسنتين- يفترض أنها أشبه ببدايات علي صالح من حيث العمل الجاد لصياغة نظام جديد بديل عن النظام السابق، بغض النظر عن أفضلية نظام صالح أو النظام السابق له، وبما يأتي -مثلما حدث مطلع الثمانينات- نتاجا لحوار وطني حقيقي يستوعب أكبر قدر من القوى الفاعلة في البلد إن لم يكن جميعها، وينهي شعور كل مواطن يمني بمرارة الإقصاء والتهميش.
لكن بدايات هادي ظهرت أشبه بنهايات صالح لا ببداياته، فلم يظهر حتى الآن ما يشير إلى جدية في تحقيق الهدف المتمثل بصياغة نظام جديد.
وطالما لا تتوفر الجدية في السعي نحو تحقيق الهدف، فمن الطبيعي أن لا يكون هناك جدية في الأخذ بالوسيلة الموصلة لهذا الهدف، وهي وسيلة الحوار الوطني.
والمؤتمر الشعبي -من جانبه- لا يبدو جاهزا للحوار الوطني، ولديه مشكلات جوهرية أبرزها أنه أصبح اليوم محل تنازع من قبل تيار صالح وتيار هادي، ولا يمكنه الدخول في الحوار الوطني في ظل هذا الانقسام والتنازع.
وتلوح نقطة لقاء مؤقت بين الطرفين تتمثل في كون تيار صالح يجعل من إعاقة الحوار الوطني هدفا استراتيجيا بالنسبة له، أي لإفشاله بشكل تام، فيما تيار هادي يريد إعاقة الحوار لتأخير خطواته فقط لا لإفشاله.
ويمكن هنا الوقوف على حوار صحفي يختزل كثيرا من الشواهد على ذلك، وهو حوار وزير الاتصالات أحمد بن دغر الذي نشرته صحيفة (26 سبتمبر) قبل أسبوعين.
وبالنظر إلى تضافر عدد من المعطيات يلاحظ أن الوزير أحمد بن دغر تعمد إيصال رسائل سلبية إلى القيادات الجنوبية في الخارج بغرض إفشال لقائها بلجنة الاتصال في القاهرة يوم الأحد (24 يونيو)، وتتمثل هذه المعطيات في أن بن دغر صاحب هذه الرسائل السياسية أحد أبرز المقربين من هادي، وجاءت رسائله عبر صحيفة (26 سبتمبر) المقربة من هادي أيضا، وكذا التوقيت الحساس للنشر في يوم الخميس (21 يونيو)، أي قبل انعقاد اجتماع القاهرة بيومين فقط.
وكذا يلاحظ اعتماد بن دغر -في هذا الحوار- على لغة مختلفة عما هو معتاد من لغة السياسيين في مثل هذه القضايا، إذ هاجم علي ناصر محمد وحيدر العطاس بأسمائهم وبشكل صريح، وهاجمهم بلغة حادة قائلا: «وعلى هذا النحو ففيدرالية علي ناصر والعطاس لن تحظى بالقبول من جانبنا... لا أدري إن كانا قد طورا رؤيتهما أم لا، لكن العيب الوطني، والقصور السياسي قائم في تفكيرهما، وهما معاً لم يتخلصا من أثر الخصومة السياسية مع علي عبد الله صالح».
وتعد هاتان الشخصيتان أبرز القيادات الجنوبية التي كان من المقرر حضورها اجتماع القاهرة، وقد حضرت فعلا إلا أن الاجتماع لم يخرج بنتيجة إيجابية سوى إيجابية الاجتماع ذاته، وهي النقطة الإيجابية الوحيدة التي لا تخرج هذه اللقاءات بسواها منذ الاجتماعات التي جرت خلال نشاط اللجنة التحضيرية للحوار الوطني على امتداد العام (2010م).
ويمكن القول -بناء على هذا- إن هناك دفعا من قبل مستويات عليا في السلطة باتجاه تأخير خطوات الحوار، وذلك إما لخلق أسباب تمديد الفترة الانتقالية، وإما لأن هذا الطرف غير جاهز للحوار حاليا ويحتاج لبعض من الوقت يجري خلاله ترتيب أوراقه.
وربما أن من أهم هذه الترتيبات أن هذا الطرف لا يملك لافتة يدخل بها إلى الحوار الوطني سوى المؤتمر الشعبي العام الذي يشهد انقساما حادا بين تيار صالح المتمسك بالنظام القديم ورموز عائلة صالح، وبين تيار هادي المنخرط في عملية التغيير السياسي وفق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.
وكما أن هناك إجماعا أو شبه إجماع لدى الجنوبيين على ضرورة الدخول في حوارات جنوبية جنوبية قبل الدخول في الحوار الوطني الشامل، فكأن هناك حاجة مماثلة لدى المؤتمر الشعبي العام، أي ضرورة إجراء حوارات مؤتمرية مؤتمرية قبل الدخول في الحوار الوطني الشامل.
هنا، وعلى افتراض صحة ما سبق، لا يستبعد أن يمضي تيار هادي نحو التعامل مع تيار صالح، مفضلا هذه المجازفة على المجازفة باتجاه دخول الحوار الوطني من غير لافتة سياسية، أو من غير كيان سياسي يضمن له كسب ود وتأييد الرعاة الخارجيين لهذا التوجه، وحصد المكاسب الانتخابية وتحقيق النتائج التي يطمح للحصول عليها على المستوى المحلي.
وكأن الرئيس هادي قد غلبه الظن، أو ربما هناك من أقنعه بأن تيار صالح لم يعد مصدر قلق وخطر -بالنسبة له- بعد قراراته التي أزاحت عددا من أبرز رموزه. ما يجعله يعلق الحوار الوطني أمام هذا التيار كجزرة يقوده بها ويفتح بها أمامهم باب الأمنيات بطول البقاء. وهو عرض قد يراه تيار صالح مغريا ويطيل أمام من تبقى منه أمل البقاء، بل ويفتح أمام أفراد عائلة صالح إمكانية استعادة جزء كبير من النفوذ، إذ سيرونه يتيح لهم استعادة «الملك» من خلال لعب دور المماليك في دولة الأيوبيين في مصر، خاصة وأنه لا يزال هناك نفوذ لهذا التيار في تلك المرافق التي سحبتها قرارات الرئيس هادي من خلال تغييرات اقتصرت على كبار القادة ولم تتجاوزهم إلى القيادات التالية.. وصحيح أن هذه القيادات التي نجت من قرارات الرئيس لم تعد -الآن- في موقع القرار الأول بتلك المؤسسات العسكرية والمدنية، لكنها -بحكم مواقعها وخبرتها وتشبيكها- لا تزال هي من يصنع القرار، ولا فرق بين أن تكون هي من يتخذ القرار، أو تكون هي من يحدد القرار ليتخذه غيرها، فالنتيجة واحدة.
وبما أن المصالح المختلفة وعلى رأسها المصلحة المالية المباشرة هي المرتكز الذي تقوم عليه الرابطة الحزبية المؤتمرية، فإن مخطط إنعاش هذا الحزب قد اصطدم بوزير المالية الذي يتعرض لحملة شرسة من قبل رعاة ذاك التوجه، ولا يتضح -بالمقابل- ما هو المطلوب في هذا الشأن من وزير الإعلام الذي يتعرض لحملة مماثلة؟. وقال بن دغر في ذات الحوار المشار إليه سابقا: «لا زلنا نعول على حكمة الرجلين الرئيس ورئيس الوزراء ولم نفقد الأمل بعد في موضوعية أخينا وزير الإعلام».
ويقول (المتحدث -غير الرسمي- باسم نظام الرئيس هادي وتياره المؤتمري) عن الثورة بأنها «حالة من حالات التحول الاجتماعي وعدم الرضا بالواقع من قبل البعض من السكان، يقابله العكس من قبل آخرين». ويرى أن ما حدث لا يرقى إلى أن يسمى ثورة لعدم توفر «الشروط الموضوعية والذاتية للثورة»، وأن الحديث عن الثورة بهذا الوصف ليس إلا «من باب المجاملة لأصحاب المشروع».
وهو ما يُفهم منه أن نظام الرئيس هادي وتياره المؤتمري لا يرى نفسه معنيا بشيء من التغيير والاستجابة لمطالب الثورة إلا بالقدر الذي تعنيه كلمة «من باب المجاملة لأصحاب المشروع».
وبعبارته التي يشكو فيها من الإقصاء الذي تتعرض له «كوادرنا المؤتمرية»، يظهر كما لو أنه يوجه رسائل استمالة ومغازلة للمحسوبين على «تيار صالح».
وهذا يعني أننا قد لا نسمع -خلال الفترة القادمة- عن قرارات من قبيل القرارات التي اتخذها الرئيس هادي سابقاً بحق عائلة صالح.
وهنا تجدر الإشارة مجددا إلى أن قرارات الأسبوع الماضي التي جاءت -رغم دخول هذا التوجه حيز التنفيذ- إنما جاءت بمقتضى تغير استراتيجية الحرب مع القاعدة لا في سياق عملية التغيير السياسي.
مخطط مثالي ولكن: على الورق!!
التوجه نحو إعادة إنتاج ذات المؤتمر الشعبي كمقدمة لإعادة إنتاج ذات النظام بعد المرحلة الانتقالية وبشكل شرعي والذي يبدو أنه دخل حيز التنفيذ، كأنه يأتي بعد بحث مضن عن رافعة سياسية للنظام الجديد تحفظ له ديمومته ضمن إطار التعددية السياسية المعمول بها كوسيلة للتداول السلمي بالسلطة، أو الاستئثار السلمي بها.
وسبب آخر وهو الأهم من بين الأسباب الدافعة لذلك وفي هذا التوقيت بالذات، يتمثل في حاجة هذا الطرف للدخول في الحوار الوطني تحت لافتة طرف سياسي يمكنه -من خلاله- تحقيق القدر الأكبر من المكاسب والأفضل من النتائج.
وسيترشح الهدف التالي من هذا الإنعاش للمؤتمر الشعبي بعد عملية الحوار الوطني، وهو إعادة إنتاج ذات النظام من خلال الدخول بالمؤتمر الشعبي في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية التي ستعطيه الحق وبشرعية الثورة والديمقراطية للعودة للسلطة بشكل تام وعلى النحو الذي كان عليه الأمر قبل الثورة، وإن بصور وأسماء جديدة، وذلك على نحو ما كان يراد تحقيقه في مصر.
وعلى أن الأطراف الإقليمية والدولية الراعية لهذا المخطط فشلت في مصر فشلا ذريعاً رغم الإمكانيات التي بذلت في هذا الشأن وفي مختلف المجالات، إلا أن حصول الفريق أحمد شفيق على (48) بالمئة من الأصوات -أيا كانت طريقة الحصول عليها- يعتبر بحد ذاته نجاحا كبيرا تمكنت هذه الأطراف من تحقيقه.
وإذا كان هذا في مصر حيث مؤسسات الدولة والقضاء الذي يشهد له، وعدد من العوامل الأخرى، فكيف باليمن، خاصة وأن أمامهم حتى موعد الانتخابات ما يزيد عن سنة ونصف!؟
وكان اجتماع اللجنة الدائمة الذي عقد برئاسة الدكتور عبدالكريم الإرياني قبل أكثر من شهر قد خرج ببيان يشن فيه هجوما عنيفا على رئيس الوزراء محمد سالم باسندوة وحكومته، وبدا البيان كما لو أنه غير متوقع ومفاجئا للأطراف المحسوبة على الثورة، بل والمتابعين والمهتمين بالشأن العام على العموم.
ولعل هذا البيان كان بمثابة تدشين للتوجه المؤتمري الذي هو موضوع هذه الأسطر.
وتلا ذلك تصريح لرئيس الوزراء قال فيه إنه هو والرئيس هادي لا يمكن إقالتهما، باعتبار أن الرئيس هادي جاء بشرعية انتخابية توافقية تمت برعاية إقليمية ودولية وأممية، وكذلك الحال بالنسبة له إذ ترشح لمنصب رئيس الوزراء بناء على ذات المبادرة.
ويفهم من تصريحه أنه يتضمن ردا مبطنا على طرفٍ ما كان يريد إقالته.
وما دام الرئيس هادي مصرا على الاستمرار في حزب المؤتمر الشعبي العام، غير راغب في التحول إلى راع للحوار الوطني وإلى المربع الذي يقف فيه على مسافة واحدة من مختلف الأطراف، فضلا عن أن ينحاز للشعب ومطالب ثورته، فإنه أمام خيارين: إما المضي بالمؤتمر الشعبي الجديد -بعد تطهيره من بقايا عائلة صالح- نحو التحالف أو على الأقل التقارب مع قوى الثورة، وذلك على أساس أن هذا هو الطريق الذي يوصل البلاد إلى شاطئ الأمان. وإما استمالة عائلة صالح وأنصارها إلى المؤتمر الجديد، ليجد نفسه -هنا- أمام حزب ارتبط ارتباطا وثيقا مع الفساد المالي والإداري الذي أوصل البلد إلى حافة الهاوية. الأمر الذي سيتطلب منه -أي الرئيس هادي- أن يعمل على فك الارتباط بين حزبه وبين تلك السمعة وآلية العمل حتى يعود قادرا على المنافسة بأدوات المنافسة الجماهيرية باعتباره حزب الرئيس هادي، لا على المنافسة بأدوات الدولة التي كان يعتمد عليها سابقا أيام كان حزب علي صالح.
وبين أن ينشئ الرئيس لنفسه كيانا مستحدثا، وإن كان هذا الكيان هو المؤتمر الشعبي بنسخته الجديدة والمفترضة، وبين أن يعيد صياغة المؤتمر الشعبي ذاته والمضي به مع ضرورة فك الارتباط بينه وبين الفساد.. بين الأمرين تكمن الصعوبة، ويضع الرئيس نفسه على المحك.
وربما أن السنوات التي قضاها الرئيس هادي وتجربته الطويلة تجعله ينظر إلى الموقف الخارجي باعتباره صانع القرار الأول والأخير في اليمن، إذ أن هذا ما ألفه خلال عقود خدمته من بعد قيام ثورتي الستينات، وهي الفترة التي غاب فيها الشارع اليمني بشكل تام. ومن هنا، قد يصب كل اهتمامه نحو الاستجابة للتوجه الخارجي ويقتصر على التعامل معه غير محتفل بالشارع اليمني.
وإن صح شيء من هذا فما أسرع أن نسي الرئيس هادي أن القرار الخارجي الذي أتاح له الصعود إلى الرئاسة ثم الصمود خلال هذه الفترة، إنما جاء استجابة لثورة الشارع اليمني لا موقفا خارجيا خالصا، ولم يكن ليتحقق على أرض الواقع لولا قبول الشارع اليمني به وإعلانه مساندته فضلا عن الرضا به.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.