قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن بقوة السلاح.. ومواطنون يتصدون لحملة سطو مماثلة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    مأساة في ذمار .. انهيار منزل على رؤوس ساكنيه بسبب الأمطار ووفاة أم وطفليها    أول جهة تتبنى إسقاط طائرة أمريكية في سماء مارب    تهريب 73 مليون ريال سعودي عبر طيران اليمنية إلى مدينة جدة السعودية    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    شاب يمني يساعد على دعم عملية السلام في السودان    الليغا ... برشلونة يقترب من حسم الوصافة    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    "هل تصبح مصر وجهة صعبة المنال لليمنيين؟ ارتفاع أسعار موافقات الدخول"    "عبدالملك الحوثي هبة آلهية لليمن"..."الحوثيون يثيرون غضب الطلاب في جامعة إب"    شاهد.. أول ظهور للفنان الكويتي عبد الله الرويشد في ألمانيا بعد تماثله للشفاء    خلية حوثية إرهابية في قفص الاتهام في عدن.    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    مبابي عرض تمثاله الشمعي في باريس    عودة الثنائي الذهبي: كانتي ومبابي يقودان فرنسا لحصد لقب يورو 2024    لا صافرة بعد الأذان: أوامر ملكية سعودية تُنظم مباريات كرة القدم وفقاً لأوقات الصلاة    اللجنة العليا للاختبارات بوزارة التربية تناقش إجراءات الاعداد والتهيئة لاختبارات شهادة الثانوية العامة    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    لحج.. محكمة الحوطة الابتدائية تبدأ جلسات محاكمة المتهمين بقتل الشيخ محسن الرشيدي ورفاقه    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    انكماش اقتصاد اليابان في الربع الأول من العام الجاري 2024    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    تحذيرات أُممية من مخاطر الأعاصير في خليج عدن والبحر العربي خلال الأيام القادمة مميز    رئيس مجلس القيادة يدعو القادة العرب الى التصدي لمشروع استهداف الدولة الوطنية    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    تغاريد حرة.. عن الانتظار الذي يستنزف الروح    انطلاق أسبوع النزال لبطولة "أبوظبي إكستريم" (ADXC 4) في باريس    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    ترحيل أكثر من 16 ألف مغترب يمني من السعودية    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    البريمييرليغ: اليونايتد يتفوق على نيوكاسل    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعقيباً على التقرير الذي نشره "الأهالي نت" حول مسودة مشروع قانون العدالة الانتقالية
نشر في الأهالي نت يوم 14 - 07 - 2012


الإخوة الأعزاء الأهالي نت
المحترمون
بعد التحية
أطلعت على التحقيق الذي نشره موقعكم الأهالي نت بعنوان (العدالة الانتقالية القفص الذي لم يدخله أحد حتى الآن) للكاتب سلمان الحميدي ومع إن الكاتب قد بذل جهداً كبيراً يشكر عليه في استعراض المكونات الدولية لمفهوم العدالة الانتقالية إلا أنه للأسف وقع في خطاء جسيم تقع فيه الآن الكثير من الوسائل الإعلامية في اليمن عند استعراضها وتحليلها للإجراءات الحكومية وما صاحبها من أحداث والتي صاحبت إعداد مسودة مشروع قانون العدالة الانتقالية من قبل وزارة الشؤون القانونية.
إذ كنت منذ البداية وعبر عضويتي بالمركز اليمني للعدالة الانتقالية نتابع إعداد وضع هذه المسودة أولاً بأول حتى منذ قبل إصدارها كمسودة بهذا الشكل الذي هي عليه الآن وتقديمها للمناقشة والتفاكر في ورشة سريعة تمت بإشراف مساعد الأمين العام للأمم المتحدة بن عمر انعقدت في صنعاء ودعي لها مجموعة من المهتمين والباحثين كان المركز اليمني للعدالة الانتقالية في مقدمة الحضور.
إن الخطاء الجسيم الذي وقع فيه معد التحقيق هو تصويره أن المشروع تضمن ملاحقة قضائية للمسئولين المفترضين عن الانتهاكات المرتكبة في اليمن خلال فترة الحكم الفائتة، وأن هذا هو سبب الخلاف الذي يدور الآن بين مؤيدي المشروع ومعارضيه إذ أنه وبالاطلاع على مسودة مشروع قانون العدالة الانتقالية يجد المطلع إن المشروع استبعد تماماً عنصر الملاحقة القضائية واستبقى العناصر الأخرى للعدالة الانتقالية وهي:
1- تقصي الحقائق
2- الإصلاح المؤسسي
3- جبر الضرر (التعويض المادي)
4- إحياء الذكرى (التعويض المعنوي)
إذ خلت للأسف الشديد مسودة مشروع القانون من أهم معيار من المعايير الدولية للعدالة الانتقالية وهي الملاحقات القضائية أو ما عرف بمصطلح المسائلة وهو ما جعلنا في المركز اليمني للعدالة الانتقالية نطالب على عجل مقابلة الأخ وزير الشؤون القانونية وقدمنا اعتراضنا مكتوباً إليه فمسودة المشروع بهذا الشكل ليست إلا قانون حصانة جديد إذا أنها تلغي أي ملاحقات قضائية لأي متسبب ومسئول ارتكب انتهاكات خلال ما بعد ثورة سبتمبر حتى اليوم وهو ما يعني إن مشروع قانون العدالة الانتقالية لو صدر بهذا الشكل فإنه سيكون قانون حصانة جديد وأوسع من القانون السابق الذي منح رأس النظام المنفرط فقط الحصانة الكاملة من أي متابعات قضائي ..بينما هذا المشروع لو صدر سيعفي كل المسئولين المتسببين عن أعمال الانتهاكات في الماضي من أي ملاحقات قضائية ..فالمشروع هو أقرب ما يكون إلى كونه قانوناً للمصالحة يجبر الأهالي عن التنازل عن حقهم في متابعة المسئولين عن الانتهاكات قضائياً مقابل الاكتفاء بتعويضات مالية ومعنوية تدفع لهم و تتكفل بها الدولة عن طريق المخصصات الممنوحة من الدول الداعمة.
إنني أحذر كقانوني متخصص في العدالة الجنائية اطلعت وقرأت مسودة القانون أحذر من أن هذا المشروع سيعفي عن كل المسئولين المتسببين بإحداث انتهاكات من الملاحقة القضائية وبالتالي لن يقدم مسئول واحد ارتكب انتهاكات في الماضي الى العدالة وسيطمس مستقبلاً حق الأطراف المتضررة من اللجوء إلى العدالة وكذلك سيلغي فرضية المطاردة القضائية الدولية وهذا أخطر ما في المشروع وأحمل شخصياً وزير الشؤون القانونية وحكومة الوفاق ورئيس الجمهورية مسؤولية طمس العدالة وإلغاء حق المتضررين من الانتهاكات من اللجوء للقضاء.
ويشرفني أن أرفق لكم ورقة عمل تم تقديمها للبرنامج ألتشاوري التي أعدته وزارة الشؤون القانونية بشأن مسودة مشروع القانون استعرضت فيها أهم سلبيات المشروع وخطورته وهي لا تخرج عما ذكرته آنفاً بالجملة.
من المهم القول إن سبب خلاف أعضاء الحكومة حول مشروع القانون ليس معيار المساءلة القضائية للمتسببين بالانتهاكات كما صوره التحقيق المنشور في موقعكم وكما تصوره بعض الجهات الإعلامية فهذا المعيار قد اتفقت حكومة الوفاق على إلغائه تماماً من مسودة المشروع وبالشكل الذي وضحته لكم آنفاً إنما الخلاف عائد إلى كون المشروع يلزم بتشكيل لجنة لحصر هذه الانتهاكات ورصدها ومن ثم تعويض المتضررين منها تعويضاً معنوياً ومادياً تقوم الحكومة بتدبيره ودفعه للضحايا وأهاليهم ...فطرف في الحكومة لا يريد هذا الرصد والحصر وتشكيل هذه اللجنة وطرف أخر يصر عليها كما جاء في المشروع وهو خلاف ما أشبهه بخلاف من وجد أولاً البيضة أم الدجاجة لأن حتى لو تم رصد هذه الانتهاكات فإنه لن يتم تقديم المسئولين عن ارتكابها إلى العدالة فمشروع القانون استبعد هذا المعيار الدولي المهم للعدالة الانتقالية واستعاض ذلك بدفع تعويضات مالية ومعنوية حتى غدا هذا المشروع وكأنه قانون حصانة أوسع من قانون الحصانة الممنوح للرئيس السابق..
أرفق لكم ورقة عمل مقدمة حول مسودة المشروع تم تسليمها يداً بيد لوزير الشؤون القانونية وباللغتين الإنجليزية والعربية (بالغة الأهمية).
أتمنى توضيح هذا في موقعكم إخلاءاً للمسؤولية الأخلاقية أمام الأجيال القادمة وحتى يعرف ويدرك أهالي الضحايا خطورة هذا المشروع في حقوقهم التي كفلتها جميع التشريعات والاتفاقيات الدولية وهي محاسبة المسئولين المتسببين بالانتهاكات التي تعرضوا لها أو أقربائهم.
مدى توافر المعايير الدولية للعدالة الانتقالية بمشروع قانون العدالة الانتقالية باليمن
ورقة عمل مقدمة من المركز اليمني للعدالة الانتقالية لللقاء التشاوري الذي ترعاه وزارة الشؤون القانوني بشأن مشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية
يستعرضها/ خالد الجمرة
حتى شهر اغسطس من العام الفائت2011م لم تكن العدالة الانتقالية تكاد تذكر على المستويين الرسمي والشعبي في اليمن، كان المركز اليمني للعدالة الانتقالية تحت التأسيس وقتها؛ يجاهد على نشر هذا المفهوم وسط اهتمامات بالغة التعقيد كان المجتمع اليمني يغرق في إتونها، ويجذب معه إليها المجتمع الدولي بأسره...
لذلك فإن المركز اليمني للعدالة الانتقالية وهو يشارك في هذا الحوار بورقتي عمل؛ إنما هو يواصل حمل شعار العدالة الانتقالية، ولكنه هذه المرة يتسلح بالريادة، ويمسك بعزيمة مهنية صادقة قصب السبق في ذلك، وعندما عرضت وزارة الشؤون القانونية على المجتمع مشروع قانون العدالة الانتقالية تنفس المركز بكل اعضائه الصعداء، واستغرقوا وقتاً عميقاً لمناقشة هذا المشروع، واتفقنا جميعاً أن المركز اليمني للعدالة الانتقالية؛ ليس معنياً بالمطلق بالسياسات التي تنتهجها الحكومة، بقدر ماهو مُلزم أن يضع الجميع بكل تجرد أمام المفهوم والمعنى الحقيقي للعدالة الانتقالية دون انتقاء وبكل تجرد، لأجل هذا نضع بين أيديكم رأي المركز اليمني للعدالة الانتقالية في ورقة العمل هذه بمشروع ما أسمي بقانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية لأجل تقريب المفهوم الدولي العام والحقيقي للعدالة الانتقالية، وتأسيساً على هذا يجب أولاً أن نتوقف عند مسلمات يتفق عليها الجميع وكما يأتي:
1- يجب أن ندرك ونؤمن جميعاً أن العدالة الانتقالية لا تكتمل ولا تتحقق بمفهومها المتفق عليه، إلا بكمال معاييرها الدولية، فالعدالة الانتقالية ليست وليدة اليوم أو الأمس القريب، إنها عملية ترسخت بالوجدان العالمي عن تجارب سابقة تعود إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية أي إلى ما قبل سبعين عاماً.
2- العدالة الانتقالية كعملية مجموعة واحدة لا تقبل التجزئة ولا الانتقائية.
3- أي مشروع يعمل على العدالة الانتقالية يفتقد للمعايير الدولية يعتبر مشروعاً خاصاً، لا يمت بصلة للعدالة الانتقالية مطلقاً.
4- أن مشروع قانون العدالة الانتقالية المعروض أمامنا مشروعاً كما يحمل اسمه مشروعاً لقانون العدالة الانتقالية، وبالتالي يفترض أن نصوصه مُلتزمة بالمبادئ والمناهج الدولية لمفهوم العدالة الانتقالية.
5- أن استبعاد أي معيار من المعايير الدولية للعدالة الانتقالية من مشروع هذا القانون هو بالأصل انتقاءاً مرفوضاً لجزء من هذا المفهوم من كل لا يقبل التجزئة.
6- أن قانون العدالة الانتقالية قانوناً يهم جميع فئات المجتمع، وبالتالي يجب أن تسبق عملية تشريعه، حوار وطني مكثف مفتوح ومتخصص يشمل كل الفئات دون استثناء أو انتقاص بما فيهم النساء والأطفال والفئات المهمشة سياسياً أواجتماعياً حول اتجاهات هذا المشروع، وأهدافه ومدى تأثيره على مصالحهم.
هذه المسلمات لو اتفقنا عليها سنستطيع بيسر استيعاب المفهوم الحقيقي للعدالة الانتقالية وكشف مدى ملائمة هذا المشروع لهذا المفهوم من عدمه.
إذاً السؤوال المُلح الذي نبحث جميعاً عن إجابة صادقة له هل مشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية المعروض للنقاش بصيغته المنشورة تتوفر فيه مناهج العدالة الانتقالية؟
لأجل نحصل على إجابة شافية ومهنية وواقعية ومجردة لهذا التساؤل؛ يجب أولاً أن نستعرض مبادئ ومناهج العدالة الانتقالية المتفق عليها دولياً؛ إذ من المهم القول أن معايير العدالة الانتقالية معايير دولية لا يمكن تجاوزها، أو القفز عليها؛ فهدف العدالة الانتقالية هو كما يعلم الجميع؛ تحقيق العدالة الشاملة دون عنف بعيداً عن أعمال الثأر، والانتقام، ولهذا فإن للعدالة الانتقالية مناهج ومبادئ هي في مجملها تمثل معايير دولية لا يجوز مهنياً وأخلاقياً الحديث عن العدالة الانتقالية دونها....
مناهج العدالة الانتقالية:
للتذكير فإن مناهج العدالة الانتقالية تكمن في الآتي:
1- تقصي الحقائق.
2- رفع الدعاوي القضائية.
3- جبر الضرر.
4- الإصلاح المؤسسي.
5- إحياء الذكرى.
وهذه المناهج تصب لتحقق الأتي:
1- تصفية عادلة للحسابات بين الجاني والمجني عليه.
2- تحديد دقيق لحدود قاعدة عفى الله عما سلف.
3- الواجب الأخلاقي في مواجهة الحقيقة.
4- عدم تكرر الجرائم في المستقبل.
قد تختلف باختلاف اللغة، وبتأثير الترجمة، ووقع اللهجات المحلية، لكنها تبقى مبادئ دولية بمحل اتفاق دولي بكل اللغات، ومن المفيد الأن التذكير بالمسلمات التي ذكرناها بداية هذه الورقة، والتي ذكرنا أنها يجب أن تكون بمحل اتفاق كذلك، ولعل أهمها أن العدالة الانتقالية وحدة متكاملة لا تقبل التجزئة، ولا الانتقائية، لذلك فإنه يتوجب على المشرّع أياً كان عند تقنين العدالة الانتقائية الأخذ بمبادئها ومناهجها كاملة دون انتقائية، إذ أن منهج وآلية العدالة الانتقالية لا تعمل بصورة منفصلة عن بعضها البعض، ومن هذه النقطة يُمكن أن نقارن بين ما جاء بهِ المشروع وبين هذه المناهج المبادئ المتفق دولياً أن لا عدالة انتقالية بدونها.
لا خلاف أن هذا المشروع هو مشروع لقانون العدالة الانتقالية يؤكد هذا ما جاء في المادة(1) ونصها: ((يسمى هذا القانون بقانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية».))، ويلاحظ في النص أن مسمى القانون هو قانون العدالة الانتقالية، وتم إضافة فقرة إضافية من كلمتين وهي - المصالحة الوطنية- وهي إضافة الأصل أن لان لا مبرر لها؛ لاعتبار أن العدالة الانتقالية تتضمن ضمن آليتها المُصالحة كمنهج من مناهج العدالة الانتقالية لتصفية الحساب بين الجاني والمجني عليه، وبالتالي لم يكن ما يوجب حشر الفرع إلى جانب الأصل في مسمى القانون، هذا ما كان يفترض نعم... لكن لماذا تم إضافة مسمى المصالحة الوطنية بجانب العدالة الانتقالية عند تسمية هذا القانون.!!؟
من أعدّ المشروع ساعدوا بشكل عاجل على الحصول على إجابة سريعة لهذا التساؤل وذلك في نص المادة (2) مادة التعاريف حيث عرفت العدالة الانتقالية بإنها (العدالة التصالحية غير القضائية للكشف عن الحقيقة وجبر ضرر الضحايا وحفظ الذاكرة الوطنية ومنع تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في المستقبل.
إن النص يكشف بوضوح نوع العدالة الانتقالية التي يرغب بها مُعدوا المشروع أنها عدالة تصالحية فحسب!!!؟ كما يظهر هذا النص أيضاً مناهج العدالة الانتقالية فهي بحسب ترتيبها بالتعريف الوارد بالنص1- الكشف عن الحقيقية، 2- جبر الضرر3- حفظ الذاكرة الوطنية4- عدم تكرار الانتهاكات، وخلا تعريف العدالة الانتقالية في هذا النص من الإشارة إلى منهجين مهمين من مناهج العدالة الانتقالية وهما المنهج الأول المتعارف عليه منهج المحاكمات والتحقيق في الجرائم، والمنهج الرابع منهج الإصلاح المؤسسي.
1- منهج: المحاكمات والتحقيق في الجرائم:
إن إلغاء هذا المنهج الأساسي من مناهج العدالة الانتقالية في مشروع القانون دليل واضح أن هناك إرادة حكومية تتجه لجعل هذا القانون قانوناً توافقياً تصالحياً وسياسياً، وهذا انحياز خطير، تكمن خطورته في أن العدالة لا يجب أبداً أن تخضع للتوافق ومتى ما حدث ذلك فإن العدالة حينها تتحول للأسف الشديد إلى ما أشبه بالصلح القبلي!!!؟
إن هذا المشروع يتحدث عن عدالة تصالحية غير قضائية، ولفظ غير قضائية يعني بداهةً أن الانتهاكات المُرتكبة خلال الفترة السابقة يجب أن تسوى بالصلح وليس بالقانون، وهذا يشير صراحة إلى مجموعة من الاستنتاجات المنطقية والقانونية تتمثل في الأتي:
1- من المبادئ القانونية المعلومة بالضرورة أن أهم أركان الصلح هو الرضا الصحيح، في حين أن مشروع هذا القانون يلزم بالصلح كوسيلة وحيدة أمام أطراف تلك الانتهاكات سواء كانوا جناة أم مجني عليهم، وبالتالي يحرم المجني عليه من حقه في اللجوء إلى القضاء، وهذا تجسيد صريح لمعنى إنكار العدالة، وبالتالي يقضي من الوهلة الأولى على وظيفة العدالة الانتقالية وغايتها السامية القائمة بالأساس على تجاور حميمي بين المساءلة والعدالة هذا التجاور يظهر واضحاً في تعريف العدالة الانتقالية دولياً، حيث عرف العدالة الانتقالية الأمين العام للأمم المتحدة في العام 2004، بإنه مفهوم { يتضمن مجموعة كاملة من العمليات والأليات المرتبطة بمحاولة مجتمع ما معالجة إرث انتهاكات واسعة النطاق أقترفت في الماضي ، بغرض ضمان المحاسبة وإحلال العدالة وتحقيق المصالحة.} فمن التعريف يتضح أن المحاسبة والعدالة ومن ثم المصالحة هي صلب العدالة الانتقالية ويظهر من النص كيف سبقت المحاسبة المصالحة لأهميتها ودورها الكبير في ضمان عدم تكرار الانتهاكات.
2- إن تسمية القانون بهذه التسمية المحددة بالمادة (2) من نسخة المشروع بالمقارنة مع ما جاء في نصوصه يجعل من إطلاق مُسمى العدالة الانتقالية بالتحديد على القانون مجرّد اغواء قانوني ليس إلا، فالمسمى الأضبط للقانون بحسب ما تهدف إليه نصوصه هو العدالة التصالحية وليس الانتقالية، ما يؤكد هذا ما جاء في ديباجة المشروع وفيه ( ..وتأكيداً على ما التزمت به الأطراف السياسية من وقف لكل أشكال الانتقام والمتابعة والملاحقة ونبذ دعوات الثأر وإقرارها باتخاذ خطوات نحو المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية وضمان الامتثال بمعايير الحكم الرشيد وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان.)) وكذا ما جاء في نص المادة (14) والذي فيه: ( لأغراض حماية حقوق الإنسان مستقبلاً من أية . بدراسة المزيد من الخطوات من اجل المصالحة والعدالة الانتقالية...)، إذ يلاحظ في النصين تقديم كلمة المصالحة على العدالة الانتقالية، رغم أن العدالة الانتقالية وردت في تسمية مشروع القانون قبل لفظ المصالحة، مما يعمّد صحة اتجاه نية المشروع إلى تطبيق العدالة التصالحية لا إلى العدالة الانتقالية، وإنما تم إضافة مسمى العدالة الانتقالية كتحايل فقط على المجتمع الدولي وقراراته، وعلى ما تنص عليه آلية تنفيذ العملية الانتقالية بالعمل بالعدالة الانتقالية تمهيداً لإغلاق صفحة الماضي.
3- إن حقيقة هذا المشروع تظهر في انه مشروع رسمي مُكمّل ومتمم لقانون الحصانة سيئ الذكر، فإذا كان قانون الحصانة قد خص معاوني رئيس الجمهورية الأسبق بحصانة مُتعلقة بالأفعال المرتبطة بالأعمال السياسية واستثناهم من الحصانة المطلقة، فإن مشروع هذا القانون يمنح هؤلاء وكل المسؤولين عن الانتهاكات خلال الفترة السابقة الحصانة المطلقة، لأنه وضع المصالحة بما يترتب عليها من تعويض مادي ومعنوي حل وحيد للمجني عليه ومنعه من اللجوء للقضاء لملاحقة من انتهك حقوقة، مما يرفع كل التزام أو مسؤولية على الجناة والمسؤولين عن الانتهاكات. فحتى فاتورة التعويضات المقررة ألزم المشروع الحكومة بدفعها، بينما ترك الجاني يتمتع بما سطى عليه من حقوق الضحايا، وفي تجارب الأمم التي سبقتنا لا تقوم الحكومات بالتعويض إلا بعد أن يثبت لديها بالدليل القاطع عدم قدرة الجاني على التعويض بعد إدانته قضائيا وتقرير عدم القدرة من القضاء.
4- رغم أن المشروع نص في ديباجته على أنه صدر استناداً إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2014) ومعلوم أن هذا القرار ينص على وجوب ملاحقة المسؤولين عن الانتهاكات ملاحقة قانونية وقضائية تمهيداً لمحاسبتهم، إلا أن نصوص مشروع القانون رغم ذلك كانت بين كل فقرة وأخرى تشير صراحة وضمناً إلى أن العدالة عدالة تصالحية غير قضائية، وهذا تعارض وتناقض واضح بين قرار مجلس الأمن الذي يدعوا إلى مساءلة المسؤولين عن الانتهاكات وما يتجه إليه مشروع القانون من استبعاد الملاحقات القانونية والمتابعات القضائية، وهو ما نص عليه المشروع صراحة كذلك في ديباجة القرار.
5- عندما اعتمد هذا المشروع التعويض المادي والمعنوي كحل لمعالجة الانتهاكات التي حدثت خلال فترة اختصاص القانون ومنعاً لتكرارها؛ فإنه بهذا يجرّد الانتهاكات من التوصيف الجنائي، ويحولها فقط إلى مجرد أفعال مدنية تسببت بأضرار يستحق المتضررون مِنها تعويض مادي ومعنوي فحسب، كما أنه ورغم أن المشروع أعدّ لمعالجة نتائج الانتهاكات إلا أنه خلا تقريباً من لفظ المجني عليه أو المجني عليهم، واكتفى بألفاظ أخف حده من مثل من عانوا أو من تضرروا أو ضحايا وهكذا. بل أنه ذهب إلى ماهو أبعد من ذلك عندما أغفل دور الشهداء الذين قدّموا أرواحهم لمصلحة مستقبل الوطن وحقوق الإنسان واستبدل وصف تعريفهم بلفظ (من قضوا نحبهم) كما جاء بالمادة(7/ج)، والغريب جداً أن هؤلاء (الشهداء) أي من قضوا نحبهم بحسب وصف المشروع لن يتم تعويضهم معنوياً، كون التعويض المُقرر لحالتهم هو تعويض لورثتهم فحسب وفقاً لنص المادة آنفة الذكر.
6- ورد بديباجة القرار قواعد، وأسس، ومصادر، نصوص المشروع بينها قانون الحصانة، ومبادئ الحكم الرشيد، وقيم العفو والمصالحة، وقرارات مجلس الأمن، وحقوق الإنسان، بينما أغفل المشروع مصدر الشريعة الإسلامية الغراء كمصدر لهذا القانون رغم أنها وفق ما ينص عليه الدستور مصدر جميع التشريعات.
7- من المعيب أخلاقياً، ومهنياً، وإنسانياً، أن يتحدث مشروع قانون عن انتهاكات، وضحايا، وتعويض، وجبر ضرر، ولا يشير مجرد الإشارة إلى حق الضحايا والمجتمع في مساءلة الجُناة المسؤولين عن هذه الانتهاكات، إذ أنه من المعلوم أن العدالة والمساءلة خطين متوازيين لا يُمكن أن يتحقق أحدهما دون الأخر.
8- ينحصر دور العدالة الانتقالية في المشروع على فقط إلقاء الضوء على تصرفات الأطراف السياسية خلال الفترة المشمولة بأحكام هذا المشروع هذا وفق ما جاء في نص بالمادة (3/2).
2- لجان الحقيقة:
إن منهج المحاكمة والتحقيق باعتباره منهج من مناهج العدالة الانتقالية؛ يجب أن يتم وفقاً لنتائج مُسبقة يتم تحصيلها بآلية أخرى من مناهج العدالة الانتقالية وهي لجان الحقيقة، إن ما يجب مناقشته في هذا المنهج المهم من مناهج العدالة الانتقالية لا يخرج عن النقاط الأتية:
1- قد يتبادر إلى الذهن أن لجان الحقيقة هي لجان رسمية، مع أن حقيقة هذه اللجان ونشاطها هو عمل تطوعي تقوم به بالأساس منظمات المجتمع المدني ودُعاة حقوق الإنسان مثل المركز اليمني للعدالة الانتقالية وغيره من هذه المنظمات، تعمل على التحقق من التعديات والانتهاكات، وتتنوع لجان الحقيقة تأسيساً على نشاطها فهناك لجان للحقيقة تتحقق عن مصير المفقودين، ولجان تبحث في انتهاكات الاختطاف القسري، وأخرى تحقق في انتهاك الحريات، وهكذا، لكن هذا لا يعني أنه لا يجوز انشاء لجان رسمية تبحث في هذه النشاطات، وهو ما ذهبَ إليه المشروع؛ إذ استغرق جزء كبير من نصوصه في ترتيب إنشاء لجنة رسمية للحقيقة، لكنه غفِل عن ترتيب العلاقة بين هذه اللجنة ومنظمات المجتمع المدني، كما لم يوضح الاجراءات المناسبة للتعاطي مع التقارير المتعلقة بالانتهاكات التي حدثت خلال فترة اختصاصه والتي صدرت من منظمات المجتمع المدني خلال فترات سابقة أو تلك التي ستصدر لاحقاً.
2- نص المشروع على إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة الوطنية، ومن مسماها يلاحظ إصرار المشروع على الإغواء القانوني فهو بهذه التسمية يعتبر أن بالصلح والتعويض سيتم إنصاف كل الضحايا، في حين أن الإنصاف الحقيقي بداهةً لن يكتمل إلا بالمساءلة القضائية والقانونية لمرتكبي هذه الانتهاكات.
3- لم يبين المشروع تعريفاته لمصطلحات الإنصاف والمصالحة والتعويض الواردة في نصوصه التي تتحدث عن انشاء هيئة الإنصاف ولو تتبعنا بشكل مختصر بعض النصوص الواردة بالمنظومة القانونية لوجدنا أن لفظ الإنصاف لم تستغرقه البنية القانونية اليمنية بشكل كبير، وهو ما يدل على أن المشروع ربما كان وليداً لجهود عابرة للحدود، ويظهر من المادة (5/أ) ونصها: (( تنشأ بموجب هذا القانون هيئة مستقلة غير قضائية تسمى (هيئة الإنصاف والمصالحة الوطنية) تهدف إلى إجراء مصالحة وطنية بين أفراد المجتمع اليمني نتيجة ما خلفته الصراعات السياسية منذ عام 1994م وحتى الآن وإنصاف وتعويض وجبر ضرر من انتهكت حقوقهم أو عانوا من تلك الصراعات))، كيف حُشر مصطلح الإنصاف حشراً في سياق المادة، فلو نسخناه من النص لظل النص كما هو دون تغيير أو تبديل بمفهومه، مما يعني انه مصطلح فُضلة بقاؤه أو الغائه لا يغير في دلالة المفهوم والمعنى شيئ، وهو ما يؤكد هذا الاستنتاج ويدعمه.
4- لا يمكن فهم سبب جعل مهمة ترشيح أعضاء الهيئة من اختصاص لجنة التفسير المنشأة بآلية تنفيذ المبادرة الخليجية، كما جاء في المادة (7/ ب) فحتى هذه اللجنة وفق ما جاء في الآلية لا تعني وليس من اختصاصها اقتراح قوام هذه الهيئة، كما لم يرد نص أخر بالألية يتحدث عن مهام أخرى يُمكن تكليف لجنة التفسير بها في قوانين أخرى، مما يؤكد أن هذا النص بحد ذاته هو ما أشبهه بإضافة للألية أو لنقل تعديل لها، ولا يوجد ما يبرره سوى أن هذا تحايل سياسي على تشكيل الهيئة لضمان أن يكون هذا التشكيل تشكيلاً توافقياً بين أطراف الألية ومحصوراً داخل أعضاء الأحزاب المشكلة لحكومة الوفاق الوطني مما يفرغ هذه الهيئة من مهنيتها تماماً ويحولها إلى مؤسسة تتحاصصها أطراف سياسية يهمها كيف يجب أن تبقى بالسلطة.
5- لم يمنح المشروع سلطات رادعة قوية للهيئة تجاه المؤسسات التي تتلكاء أو ترفض التعاون معها، كما لم يبيّن المشروع كيفية استبدال أعضاء الهيئة حال فقد أحدهم القدرة على مباشرة مهامه لعجز أو وفاة أو ماشابه، مما ينتج عن هذا وقوع هذه الهيئة تحت تأثير سلطات رئيس الجمهورية الذي انشأها ويعيّن أعضائها بقرار منه، حيث كان يجب أن يستحدث نص في المشروع يؤكد عدم قابلية أعضاء الهيئة للعزل كأقل ضمانة تقدم لها.
6- لم يتم تحديد مرجعية عمل للهيئة، كما لم يقدم المشروع ضمانات وافية لعملها بنزاهة واستقلالية بحيث تضمن لها السير في عملها دون تأثير.
7- إن المشروع لم يوضح بتعمّد إن أهم دور تقوم به هذه الهيئة و اللجان التي ستنشئها يصب في صالح محاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان، وهو دور اتفقت عليه المعايير الدولية في مناهج العدالة الانتقالية.
3- الإصلاح المؤسسي:
إن أهمية الإصلاح المؤسسي تكمن في احتمالية مؤكدة لعوائق كثيرة قد تعرقل أوتمنع تطبيق العدالة الانتقالية بمناهجها الدولية كاملة، إلا أن أخطر هذه العوائق وأكبرها هي مؤسسات الدولة المُنهارة التي كانت طرفاً في النزاع، وشاغلي الوظائف العليا المتضررون من تطبيقها، فهذه المؤسسات؛ وهؤلاء الأفراد؛ لن يدّخروا الجُهد، والعزيمة، في إحباط تطبيق العدالة الانتقالية، لذلك؛ يلزم العمل الجاد والشجاع للمضي بثبات ومهنية في طريق الإصلاح المؤسسي لمنع تأثير هؤلاء على سير تطبيق العدالة الانتقالية.
بالغالب يصاحب تطبيق مناهج العدالة الانتقالية إصلاح مؤسسي واسع، تقتضي الحاجة أحياناً إلى أن تنهج العدالة الانتقالية هذا المنهج قبل المناهج الأخرى، مثل منهج المساءلة، وجبر الضرر، وأعمال التحقيق، كون تنفيذ هذه المناهج مرتبط اجرائياً بمؤسسات يفترض صلاحها حتى تعمل بمهنية، فعلى سبيل المثال المادة (12) بالمشروع رتبت موازنة لهيئة الإنصاف والمصالحة، كما ورد بالمشروع أن على الحكومة أن تقوم بدفع تعويضات للمتضررين من صندوق يموله المجتمع الدولي كما جاء بالمادة أيضاً(12) والمادة(10/ج) وهذا لا يمكن أن يتم بشكل جيد من مؤسسات موسومة بالفساد!!!؟ أيضاً المادة(7/أ) تطرقت إلى أن أجهزة الدولة تكفل توفير الحماية للشهود، ومن استُمِعَ إلى شكواهم وهذا لا يُمكن أن يتم من أجهزة كانت أدوات في الصراع، ولهذا يجب أولا المسارعة في إصلاح هذه المؤسسات الحكومية المعنية باجراءات تطبيق هذا القانون بعد إصداره لأجل تهيئتها لهذه المهام لتقوم بواجباتها بالشكل الذي يجعل منها مؤسسة تذلل الصعوبات، وتساعد على تطبيق العدالة الانتقالية بنجاح، فهل كان المشروع مُنصفاً لهذا المنهج المهم من مناهج العدالة الانتقالية!!!؟
إن الإصلاح المؤسسي وإن لم يرد في تعريف العدالة الانتقالية كما سبق بيانه وهو ما كان يجب على واضعي المشروع مراعاته عند صياغة التعريف؛ إلا أن المشروع لم يغفله نهائياً، فالمشروع انتظر حتى المادة (11) ليتطرق إلى الإصلاح المؤسسي حيث جاء في فقرتها الأخيرة (( التوصيات والمقترحات والإجراءات التي تدعم التحول الديمقراطي وتعززه وتساهم في بناء الدولة المدنية- دولة الحق والقانون والحكم الرشيد والمواطنة المتساوية والإصلاح المؤسسي بما يكفل عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان مستقبلاً.)) ويظهر في النص وظيفة هذا المنهج عند واضعي المشروع تتمثل في أن الإصلاح المؤسسي جزء من أدوات يتم استخدامها لمنع تكرار الانتهاكات فقط!!!؟ كما تم التطرق للإصلاح المؤسسي في المادة ( 13/ ه/ز) ففي الفقرة -ه- جاء نصها (النظر في الخطوات التي يمكن اتخاذها لتحسين أداء كل المؤسسات والمسئولين العموميين في مجال حقوق الإنسان وعلى الأخص القضاء والشرطة والأجهزة الأمنية والسجون والقوات المسلحة.) والفقرة- و- ونصها: (النظر في إمكانية إنشاء هيئة مستقلة للخدمة المدنية تعمل على الإصلاح المؤسسي لكافة مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية بما يحقق أهداف هذا القانون.)
بدراسة نص المادة (13) بأكمله ومعاينة نصوص المشروع الأخرى لتلمس منهج الإصلاح المؤسسي عند المشروع باعتباره أحد المناهج المهمة للعدالة الانتقالية سنقف على ملاحظات مهمة تتمثل في الآتي:
1- أن المادة (13) للأسف غير إلزامية بما فيها الفقرتين (ه / و) فمطلع الفقرة - ه - ينص على: (النظر في الخطوات التي يُمكن اتخاذها....) بينما الفقرة - و- تنص على: ( النظر في إمكانية انشاء هيئة مستقلة....) وضعوا خطين تحت كلمة ( النظر)... وكلمة (يمكن)، وكلمة (إمكانية)، كلها للأسف ألفاظ وكلمات غير ملزمة، فالفقرتين مجرد دعوة للنظر في إمكانية فعل شيئ معين يُمكن عدم فعله، وبالتالي فإن المضي في الإصلاح المؤسسي يبقى غير ملزم، ولا يترتب على عدم المضي فيه مخالفة للقانون بعد إقراره، هذا وفق مفهوم ودلالة النص، مما يعني تعطيل هذه الآلية المهمة من آليات العدالة الانتقالية، أو لنقل أنها ألية، ومنهج، ولدت بالمشروع ميتة، أو لنقل صراحة: أجهضها المشروع قبل أن يكتمل ميلادها.
2- لم يتم الإشارة صراحة أو ضمناً للجهة التي ستشكل الهيئة المُستقلة للخدمة المدنية التي تعمل على الإصلاح المؤسسي وفق ما جاء بالفقرة - و- من هذه المادة، فإذا كانت الحكومة أو الرئاسة ستقوم هيئاتها بتشكيل هذه الهيئة!!!؟ سيثور تساؤل عن كيف ستقوم الهيئة بإصلاح من أنشأها!!؟ على اعتبار أن هيئات ومصالح الحكومة وكذلك الرئاسة هي مؤسسات ينبغي بالضرورة إصلاحها على اعتبار أنها كانت جزء من أدوات الصراع، يجب إصلاحها أولاً.
3- بالتدقيق في الفقرة - ه - نجد أنها تنص على إمكانية النظر في (تحسين المؤسسات) وليس إصلاحها، وهذا سقطة حقيقية في مفهوم العدالة الانتقالية إن لم يكن تحايل مفضوح المراد منه فقط الترضية والإيهام أن القانون فعلاً قانون للعدالة الانتقالية، فمن المعلوم أن المؤسسات التي يفترض أنها تعمل على إنفاذ سيادة القانون كالقضاء، والشرطة، والجيش، هي مؤسسات ساهم بشكل أو بأخر ضعفها، وترهلها، إلى وصول الوطن إلى هذا المنعطف الخطير، ولترهل هذه المؤسسات وضعفها استخدمت كأدوات للصراع على مدار أكثر من أربعين عاماً، مما يستدعي معه إعادة النظر في فعالية هذه المؤسسات ومن ثم إصلاحها لتعمل بنزاهة، لا فقط كما جاء في النص المشار إليه مجرد تحسين لها.
4- لم يتطرق المشروع لإصلاح مهم من الإصلاحات المتعلقة بالعدالة الانتقالية والذي يدخل ضمن الإصلاح المؤسسي بل وهو المدخل الحقيقي المُمَهِد للإصلاح المؤسسي، وهو الإصلاح التشريعي، فالمنظومة التشريعية اليمنية زاخرة بنصوص سخرها أطراف الصراع إلى أدوات مارسوا باسمها وبها الانتهاكات، والفساد، ويكفي أن نضرب مثلاً؛ أن هشاشة البناء القانوني ساعدت على اجراء تعديلات، وتغييرات (مُستعجلة) في النشيد الوطني للجمهورية أكثر من مرة، والذي يفترض به الديمومية والثبات، هذه التعديلات للأسف مُررت سريعاً على الجميع دون أن يحرك أحد ساكناً، ليس لشيئ بل لأنه جاء من شخصية مقربة لعائلة رئيس الجمهورية الأسبق، كما أننا نعاصر الأن وننظر إلى مجلس النواب الحالي وهو يعيش فترته البرلمانية الرابعة دون انتخاب، فقط تم هذا بتعديلات قانونية مُررت في اجتماع بائس للمجلس، ثم تطور الأمر ليكون التمديد للبرلمان بمجرد اتفاق توقعه الأحزاب وينتهى الأمر، كل ذلك يتم دون العودة إلى إرادة الشعب الناخب الذي وجد نفسه فجأة أمام برلمان اختاره لأربعة أعوام فإذا به اختيار يتحول إلى 12 سنة قابلة للتمديد... الغريب أن مشروع القانون تطرق لإمكانية إعادة النظر في التشريعات الدولية كما جاء في المادة (14) من المشروع ولم يولي مراجعة التشريعات الداخلية أي اهتمام رغم حاجتها المُلحة للتبديل والتغيير ولكن بوسائل قانونية أكثر انضباطاً.
5- إن الإصلاح المؤسسي لا يتوقف عند إصلاح المؤسسات فحسب؛ بل إنه فضلاً على ذلك يجب أن يرافقه منع المسؤولين عن الانتهاكات المرتكبة من شغل مناصب رسمية خلال الفترة الانتقالية، وهذا الجانب من الإصلاح المؤسسي غفل عنه المشروع تماماً رغم أهميته باعتباره جزء مهم لا يتجزاء من الإصلاح المؤسسي، إذ اكتفى المشروع بما جاء بالمادة (13/ و) بالدعوة إلى (تحسين أداء المسؤولين) فقط، رغم أن كثير من شاغلي وظائف الدولة العليا كانوا رموز ظاهرة للصراع، وأدوات سافرة ساعدت على ارتكاب انتهاكات متعددة في أكثر من مكان.
4- منهج تعويض الضحايا وجبر الضرر:
مع أن المشروع أسرف في التأكيد على تعويض ضحايا الانتهاكات مادياً ومعنوياً، وأشار إلى دفع تعويضات مالية مناسبة تدفعها الحكومة من صندوق ينشاء لهذا الغرض ويموّل دولياً، إلا أنه تبقى هناك ملاحظات متعلقة بهذا المنهج المهم من مناهج العدالة الانتقالية، ملاحظات تبين هشاشة هذا المنهج في المشروع رغم أن نصوص المشروع ذكرته في أكثر من مناسبة، أهم الملاحظات حول هذا الجانب تتمثل في:
1- أنه لم يوضح الطريقة المناسبة التي سيتم بها تعويض هؤلاء الضحايا معنوياً ، إذ ترك تحديد آلية معيّنة لتقدير التعويضات المالية واجراءات دفعها إلى هيئة الإنصاف والمصالحة الوطنية، وهو فعل وإن كان اجرائياً إلا أنه في كل الأحوال لن يكون دقيقاً ومضموناً مالم يسبق هذا إصلاح مؤسسي كما تم الإشارة في محل سابق.
2- هذا الإسراف والتركيز على التعويض في هذا المشروع يؤكد صحة الاستنتاج السابق يإن القانون في حقيقته ما هو إلا قانون للمصالحة فحسب، ولهذا تتالت النصوص في هذا المشروع التي تتحدث عن التعويضات، إلا أن المشروع بداء نوعاً ما مرتبكاً وغير منظماً وهو يرتب أحكام التعويض وجبر الضرر ففي حين حمّل التعويض وحدة مهمة جبر الضرر كما جاء في الفقرة الأخيرة من المادة (8/ ه) ونصها: (إن يقدر التعويض وفقاً لما هو منصوص عليه في القوانين النافذة أو وفقاً لما تراه الهيئة شريطة أن يكون ملائماً لجبر الضرر.) إلا أنه في نص أخر أظهر أن التعويض شيئ و جبر الضرر شيئ أخر لا علاقة بينهما حيث جاء في المادة (7/ ج) (التعويض وجبر الضرر لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان....) وكذا المادة(5/ أ) جاء فيها (تنشأ بموجب هذا القانون..وحتى الآن وإنصاف وتعويض وجبر ضرر من انتهكت حقوقهم أو عانوا من تلك الصراعات.)
3- إن المشروع للأسف الشديد لم يراعِ حقيقة أن لا جبر حقيقي للضرر ولا مانع من تكرار الانتهاكات إلا بالمساءلة، واقتناع المجني عليه أن الجاني سيلقى جزاءه العادل، لذلك بالغت نصوص المشروع كثيراً في تأثير التعويض، واعتباره كفيلاً بجبر ضرر الضحايا، ويمنع تكرار الانتهاكات، وتناسى تماماً من أعدّ مسودة المشروع أن كثيراً من المسؤولين عن الانتهاكات؛ ما زالوا يظهرون بالإعلام الرسمي ويشغلون وظائف عليا في الدولة، ويمتلكون السلطة والأدوات نفسها التي استخدموها عند ارتكابهم للانتهاكات، بينما الضحايا وأسرهم يغرقون في ألأمهم وأوجاعهم، فلا يمكن لأي تعويض مهما بلغ قدره أن يجبر ضرر المجني عليه، بعيداً عن المساءلة العادلة للجاني.
4- جاء في المادة (3/2) (اتخاذ الإجراءات اللازمة نحو تطبيق العدالة الانتقالية بما يضمن.. وجبر الضرر المعنوي من اجل إنصافهم والمصالحة معهم.)، إذ لم يُبيّن المشروع ماهو القصد بجبر الضرر المعنوي الوارد بالنص، فمفهوم النص يعني أيضاً أن هناك جبر ضرر غير معنوي، لكن تفاصيل أو توضيح لهذا لم ترد بنص أخر بالمشروع، يُمكن الاسترشاد به.
5- إحياء الذاكرة الوطنية:
إن هذا المنهج الذي تنتهجه العدالة الانتقالية الغرض الأساس منه هو تذكير المجتمع بتضحيات بعض أفراده لأجل صالح الجماعة، كما أنه أيضاً تذكير للأمة بويلات الصراع ونتائج التغاضي عن المسببات الدنيا التي تكبر وتتحول فيما بعد إلى أدوات للصراع مثل الفساد، ولهذا نهجت العدالة الانتقالية هذا المنهج لتكريس مفهوم السلام والأمن من خلال استذكار الدروس والعظات من آثار الصراع، ولكن مشروع القانون وإن نص على مثل هذا المنهج إلا أن المشروع لم يبين كيفية حفظ الذاكرة الوطنية، إذ ترك هذا الجانب على مايبدوا لمؤتمر الحوار وفقاً لنص المادة (13/ ز) التي نصت على أن من مهام المؤتمر ((اتخاذ الإجراءات التي تعزز الفهم العام للماضي القريب، بما في ذلك، حفظ الذاكرة الجماعية بالحفاظ على ذكرى الضحايا واسترجاع الثقة بين أفراد المجتمع.)).
إلا أنه يلاحظ عدم اتساق نصوص مشروع القانون المتعلقة بهذا المنهج ففي حين يتحدث في المادة(2) عن الذاكرة الوطنية، نجده في نص المادة(13/ز) المشار إليها آنفاً يتحدث عن الذاكرة الجماعية.
نرجوا أن تصب مُلاحظات هذه الورقة لصالح قانون حقيقي للعدالة الانتقالية المتفق عليها دولياً، وأن نكون في المركز اليمني للعدالة الانتقالية قد بيّنا بوضوح مدى افتقاد مشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية المقدم من وزارة الشؤون القانونية للمناهج الحقيقية للعدالة الانتقالية التي تحقق العدالة الشاملة، وضرورة المضي في تعديلات هذا المشروع وفق المعايير الدولية للعدالة الانتقالية.. شاكرين ومقدرين الجهود المبذولة من وزارة الشؤون القانونية في هذا الطريق العسير، سائلين من الله سبحانه وتعالى أن ينصف جميع المظلومين في كل أنحاء العالم والله الموفق..
القانوني/ خالد الجمرة
عضو المركز اليمني للعدالة الانتقالية
وعضو المؤتمر الأفريقي العالمي للعدالة الجنائية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.