من العناوين والمضامين الصحفية التي كانت ملفتة خلال الأيام الماضية تلك التي تشيد بعبدالقادر هلال وتثبيته لعمال النظافة. لقد كانت تلك الصحف تحاول أن تتقرب -خلال الفترة الماضية- لرئيس الجمهورية، لكن الحملة التي حظي بها هلال أثبتت أن الرئيس هادي ما يزال لدى هذه الصحف أملا مستقبليا، أو أملا محققا ولكن في المرتبة الثانية بعد هلال. أمر آخر كشفته هذه الحملة وهو التناقض العجيب لدى بعض منفذي ومقاولي الحملة، إذ ظلوا طيلة الأسابيع الماضية يوظفون معاناة عمال النظافة ضد رئيس الوزراء، وكان الطبيعي أن ينسبوا حل مشكلتهم لرئيس الوزراء أيضا. لكن الذي حدث هو أن توظيف معاناة هؤلاء المساكين كان ضد رئيس الوزراء، فيما جاء توظيف حل قضيتهم لصالح أمين العاصمة!! بما أن أمين العاصمة هو الذي حل هذه الإشكالية كما قالت هذه الصحف، فهذا يعني أن سبب معاناتهم سابقا كان أمين العاصمة السابق. لكن أمين العاصمة السابق لم يكن يذكره أحد من هؤلاء والشقداف كله تحملته الحكومة، وعندما حُلّت المشكلة كالوا المديح لأمين العاصمة الحالي!! شكل هذه الحملة الإعلامية الصحفية يكشف أن هلال والمحسوبين عليه في المرتبة الأولى في العلاقة مع الصحافة والإعلام، ويأتي الرئيس هادي في المرتبة الثانية، أما باسندوة وعبدالرحمن الأكوع فهم خارج الخط تماما..!! سيداتي آنساتي سادتي.. أعزائي المذيعين: تلت التلاتة كااااام!؟ عبارة تتكرر على ألسن كثير من المذيعين ومقدمي البرامج الإذاعية والتلفزيونية، وهي تلك التحية التي يروق لهؤلاء أن يلقوها على الناس بعد الساعة الثانية عشرة ليلا، في جوف الليل، وتأتي -في الغالب- بعد المقدمة التقليدية: السيدات والسادة، أعزائي المشاهدين، صباح الخير.. وأتساءل: هل معقول يطلع مذيع الساعة (12) بالليل ويقول للناس: صباح الخير!؟ هل يعقل أن مذيعا يقول لمشاهديه في جوف الليل: أسعد الله صباحكم بالخير!؟ وفلسفتهم وتفسيرهم العلمي لهذا العجب مفاده أن الساعة اثنا عشر هي آخر الأربع والعشرين ساعة، أي نهاية اليوم، والدقائق والساعات التي بعدها هي بداية اليوم الجديد. وبالتأكيد، نوافقهم أننا بعد الساعة اثنا عشر نكون في أول ساعات اليوم الجديد وفق تقسيم الأربعة والعشرين ساعة، لكن من قال إن هذه الساعة الأولى من الأربعة والعشرين ساعة هي من وقت الصباح!! وبتعبير أبسط: الساعة التي تبدأ من 12 ليلا إلى الساعة الواحدة تعتبر أول ساعة في اليوم الجديد، لكنها من ساعات الليل وليست من ساعات الصباح. وهناك تقسيم آخر معروف لليوم الليلة، وهو أن اليوم ينتهي عند المغرب، وتبدأ بعده ليلة اليوم التالي. وهذا التقسيم متفق عليه عند أصحاب اللغة، ومتفق عليه في الشرع، ووفق هذا التقسيم يحسب رمضان، وليلة القدر، والليالي العشر، وليلة العيد. ومتفق عليه عند المحامين والمهندسين والرعية والمزارعين والباعة المتجولين. ومتفق عليه بين كل الناس باختصار، ووفق هذا التقسيم تحسب ليلة الحناء، وليلة الشعبانية.. وكل الليالي والأيام. وإذن: الساعة التي بعد المغرب هي الساعة الأولى من ليلة اليوم التالي، ولا يعني هذا أنها صباح، لأنها -ببساطة- ساعة المغرب. صح والا أنا غلطان!؟ أتخيل أحدا من هؤلاء المذيعين يسافر من صنعاء للبلاد، ويصل بعد المغرب، يدخل بيته يتوضأ ويخرج بالفانوس لصلاة العشاء وإذا الناس الذين عند باب المسجد يستغربون: متى روّح؟ متى وصل؟ روّح بسيارته والا طيران؟ شكله -هذي المرة- ارتاح.. وأول ما يصل إليهم حضرة المرتاح يطرح الفانوس من إيده ويقول لهم: «صباح الخير»!! طيب، ولما هو عندك صباح، أخذت الفانوس معك ليش يا مرتاح!؟ تخيلوا أيش ممكن يقولوا عن هذا المذيع المثقف الذين يحيّيهم وقت صلاة العشاء ب»صباح الخير»!؟ ولمدة كم سيظل هذا المذيع حديث المقايل والحواوي!؟ وإذا كان مش مزوج، فهل تتوقعوا أن أي شخص في القرية ممكن يرضى يزوّجه!؟ تخيلوه يروح يخطب، ويذهب إلى بيت عمه بعد صلاة العشاء.. يصل ومعه أبوه بالزنة والجنبية والمشدة فوق رأسه ذراع، وإخوته وأولاد عمه حوله من أيسر وأيمن، وافتحوا الباب الثاني للنسوان، وصيحوا للجهال يتحملوا من فوق السيارة، وانتبهوا القات لا يضمر والا يفتحس، وأول ما يدخل الديوان لا عند أبو البنت يتحسس في جيبه البطاقة الحمراء حق نقابة الاتحاد الدولي للصحفيين ويرفعها شوية عشان يشوفها عمه، ويقول له -والدنيا ليل وعشاء أسود: صباح الخير يا عم!! شفتم البلية والخيبة!؟ صباح أيش وعاد عمتك فوق السجادة تصلي عشاء!؟ الله لا صبّحك ولا مسّاك!! الفرق بين الليل والنهار!! أكرر -ابتداء- وباختصار: كون ساعة المغرب هي الساعة الأولى من اليوم التالي، فهذا لا يعني أنها صباح. وإذا كان هناك من يريد دليلا، فيمكنه أن يرفع رأسه نحو السماء ويشوف: لما يكون فيه بالسماء قمر، فهذا يعني أن الوقت ليل. وعندما يكون في السماء شمس، فهذا يعني أن الوقت نهار.. صح والا أنا غلطان!؟ وطبعا، هذا ليس دليلا قاطعا، ففي بعض الأحيان تحصل لخبطة في الموضوع، فترى أن السماء فيها شمس لكن الوقت يكون ليل، أو يكون فيها قمر ونجوم لكن الوقت نهار. بس هذي تحصل أحيانا، وعشان لا يقع أي مذيع في هذا الإشكال، فيستحسن -قبل أن يدخل الاستوديو- أن يسأل أحد سكان المنطقة الأصليين!! وعودة إلى الموضوع، وقياسا على الدليل السابق: الساعة التي بعد الثانية عشرة ليلا هي أول ساعات اليوم الجديد وفق الحساب الذي يقسم اليوم والليلة إلى (24) ساعة، لكن هذا لا يعني أنها من ساعات الصباح. يا إخوة، يا أصحاب، يا حبايب.. قديما قال الشاعر: وليس يصح في الأذهان شيءٌ إذا احتاج النهار إلى دليل ولاحظوا أن الذي قال هذا هو أبو العلاء المعري، والمعري كان شخص أعمى، والدنيا عنده كلها ليل، فماذا لو أنه حي بيننا ويسمع أنه فيه واحد مفتح ومعه ثنتين عيون ومثقف ومذيع ويطلع على التلفزيون في نص الليل ويقول للناس: صباح الخير!! لا وأيش، يروح اليوم الثاني يقيّل بين الناس، وهات يا شغلة للمخزنين: يا فلان شفت البرنامج أمس العشي؟ يا فلان سمعت النشرة أمس العشي؟ يا فلان تابعتني أمس العشي!! طيب، ولما هو كله عندك «عشي»، فهل هناك عاقل يقول للناس بالعشي: صباح الخير!؟ والمشكلة أنه إذا تفاجأ أنه ليس هناك أحد تابع برنامجه الذي قدمه الساعة اثنا عشر ونصف صباحا عند منتصف الليل، وتحديدا أمس العشي بعد صلاة الظهر.. إذا تفاجأ أنه لم يتابعه أحد، راح يندب حال هذه الأمة لعدم صلتها بمنافذ الثقافة.. يا أخي، والله قد الناس -ساعتها- رقود أحسن لهم من ثقافة تلخبط لهم الليل والصباح!! كم ثلث الثلاثة..!؟ شيء آخر و»الحديث ذو شجون»- أن الليل -مثل كل شيء- يقسم نصفين: نصفا أولا، ونصفا ثانيا. ويقسم -كذلك- ثلاثة أثلاث، فيقال الثلث الأول من الليل، والثلث الثاني، والثلث الثالث. والتقسيمان كلاهما وارد في القرآن وفي آية واحدة (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلتي الليل ونصف وثلثه.. الآية).. وعلى هذا الأساس، فالمذيعون الذين يعتبرون أن الساعة الواحدة والساعة الثانية بالليل من ساعات الصباح، كيف يمكن أن يقسموا الليل نصفين؟ وكيف سيقسموا الليل ثلاثة أثلاث؟ والثلث -على حسابهم- كم ممكن يحسب بالساعة؟ عجائب عقد الأيديولوجيا هناك مذيعون يساريون أو ليبراليون أو من هذا الاتجاه أو ذاك ممن لدى بعضهم مشكلة مع تحية «السلام عليكم»، إذ يعتبرونها «دقة» قديمة لا تناسب الشاشة الفضية!! وهناك مذيعون إسلاميون، أو محافظون إن صح التعبير، لكنهم يعتقدون أن تحية «السلام عليكم» تخدش عصريتهم ولا تظهرهم منفتحين بالقدر الكافي!! وهناك مذيعون رأس مالهم الوسامة، ويعتقدون أن تحية السلام مش من التحايا اللي تعجب سيداتي آنساتي سادتي.. وهناك، وهناك.. وأنا ليس عندي مشكلة من هذا كله، ولست بصدد حل المشاكل النفسية وعقد الصحفيين، فالمعقدون من الصحفيين والإعلاميين لا يحل عقدهم إلا الله الذي هو -وحده- يفعل المعجزات، وهو -وحده- على كل شيء قدير!! ولهذا، أتفهم كل تبريراتهم، وإنما -فقط- أطرح عليهم مقترحاً: أن يحيّوا المشاهدين مثلا ب»أسعد الله أوقاتكم»، و»»طيب الله أوقاتكم».. أيش رأيكم بهذا المقترح؟ اجعلوها هكذا عامة، وخلوا الناس كل واحد يقسم حقه الليل والنهار على قدر معرفته!! المهم: بطلوا «صباح الخير» في نص الليل، ولو تبطلوها كمان في الصبح، وتبطلوا معها «مساء الخير» يكون أحسن. على الأقل اعملوا حساب وقت ال»إعادة»، فكثير من برامج الليل تعاد في نهارا في أحد الأيام التالية، وقد يجد الإنسان نفسه جالس في النهار يتفرج على حلقة «إعادة» من حق العشي، ويستمر في المتابعة حتى نهاية الحلقة، لكن أول ما يسمع المذيع يقول «مساء الخير» يتعكر مزاجه ويقلب القناة رغم أنه كان يعرف أن الحلقة «إعادة». وكثير من برامج الصباح -خاصة أيام الفطر- تعاد بالعشي، ومش معقول واحد يتفرج برنامج بالعشي -ولو كان إعادة- ثم يسمع المذيع يقول: «صباح الخير»!! السلام.. ليست تحية شعبية!! أيام زمان، كنت مغرما بإذاعة ال(بي بي سي) اللي كانت مكسّرة الدنيا وفيها أفضل المذيعين، وكان يلفت انتباهي استخدامهم لتحية السلام عليكم دون غيرها.. وما أريده -هنا- هو الإشارة إلى أن هناك مذيعين من الخارج يحيون الناس بالسلام، ويشوفوا هذي التحية حلوة وموسيقية ومعها جمهور كبير يحبوها وما هيش تعبير بلدي ولا تحية شعبية، وليس لها علاقة بموضوع الوسامة أبدا أبدا، ولا تقلل من المستوى الثقافي لصاحبها خالص خالص..!! طبعا، بعض المذيعين لن يعجبهم هذا، وسيعتقدوا أن كل هذي اللفة عشان نقنعهم ب»السلام عليكم»، وأن هذا نوع من الخطاب الديني الراديكالي، وستخرج كل العقد الدفينة، وإذن، فلنقطع الكلام، ونقول: خلاص، لا تقولوا للمشاهدين «السلام عليكم» ولا يقولوا لكم «وعليكم السلام». اعملوا بالمقترح السابق وقولوا لهم فقط: أسعد الله أوقاتكم. أو قولوا: تحية الثورة، تحية الجمهورية.. أي حاجة، المهم: بطلوا كلمة «صباح الخير» في نص الليل!! خلوا الناس يصوموا..!! أخيرا.. سيداتي آنساتي سادتي، أعزائي المذيعين: نحن على عتبات رمضان، والناس يتعبوا في الصوم ويشتوا يحافظوا على صومهم وحسناتهم، وكم من شخص مشاهد للتلفزيون تجلبوا له الضيق وتخلوه -في دقيقة واحدة- يجرح صوم سنة..!!