أحاديث نبوية شريفة رويت في فضيلة شهر رمضان، وصومه كركن من أركان الإسلام التي تحمل إلى جوار خصائصها الدينية الأخروية، معاني اجتماعية وإنسانية سامية. ولو حاول المرء تقصي فوائد الصيام الصحية والاجتماعية، حسب الاكتشافات الحديثة لما استطاع إلى ذلك سبيلا. وفي معرض الصيام تتهادى معاني إنسانية غاية في النبل، وقيم روحية تغرس في المسلم فضيلة الصبر زائداً عليها رياضة روحية تتأتى من تكثيف عبادات أخرى من صلاة وزكاة، وأذكار، وقراءة للقرآن، وهي فوائد عظيمة من محطة إيمانية نراجع فيها أخطاءنا خلال العام، ونخرج فيها من ولع الدنيا، إلى رحاب الذكرى النافعة، والتذكير بالحياة الثانية الأبدية. ولا تقل عن رياضة الروح في هذا الشهر الفضيل، القيم الإنسانية في خوض المسلمين لتجربة الفقر والجوع وكبح الخضوع لشهوتي المعدة والفرج، وما يعطيه ذلك من إحساس بشريحة واسعة من إخوة الدين بعضهم يصارع فقط ليبقى على قيد الحياة من قلة الحيلة وفقر الحال. وفيما كان السلف الصالح رضوان الله عنهم يتأهبون قبله بأسابيع لتجسيد تلك القيم، نحرص نحن على تفريغها من معانيها وأهدافها. نحن نستبق رمضان باستعدادات وثيقة الصلة بالمعدة ونجد محلات المواد الغذائية شديدة الازدحام لحد يخيل للمرأ أن الناس لا يأكلون إلا في رمضان، وكأنه شهر تكشير الأنياب ونفخ البطون. من الجيد أن تبرر هذه الظاهرة بارتباطها بظاهرة أخرى ترتفع فيها وتيرة التكافل الاجتماعي في هذا الشهر انطلاقاً من فضائل تفطير الصائم، وزيادة الصدقات على المساكين، ولكن واقع الحال يؤكد امتلاء أكياس القمامة ببقايا الأطعمة، وبالأصح بكميات كبيرة من الطعام. هذا بالنسبة للمستهلك، أما بعض التجار فتأتي عليهم حالة هستيرية من الجشع، ولعلنا تابعنا أخباراً عن أطنان من التمور والأغذية الفاسدة التي ضبطت الأيام الماضية. ربما يعتقد هؤلاء - إن كانت لديهم ضمائر- أن الفتات الذي يوزعونه (صدقات وزكوات) يكفر عنهم سيئات الإضرار بالناس، ولهؤلاء نقول "لك الويل لا تزني ولا تتصدقي". بالمناسبة، لدينا في إحدى حارات عصر بصنعاء صاحب محل لبيع الغاز المنزلي، منذ سكنت الحارة قبل ثماني سنوات والرجل مغلق للمحل معظم الأحيان، ليبيع الغاز للمطاعم عند بوادر أي أزمة ولم يتحرك لا مجلس محلي، ولا شركة غاز، ولا عاقل حارة. ضجر الأهالي إلا أن الله فتح عليهم بمحل آخر لشخص مسكين "فئة وصاب" حاول الأول غلق محل الثاني فوقف ضده سكان الحارة ما اضطره إلى المنافسة بإبقاء محله مفتوحاً طوال اليوم واستعد لرمضان بمفاجأة الناس - على حين غفلة- بستة أفراد من قسم المعلمي، حبسوا الوصابي يومين وأغلقوا محله بحجة أن شركة الغاز طلبت ذلك. - عن صحيفة الناس