لم يعد يفصلنا عن رمضان سوى أسبوع واحد وقد تعودنا أن يأتي رمضان بالخير الوفير ويخلق فينا جواً روحياً تشتاق إليه النفوس كل عام، غير أن رمضان هذا العام مختلف عما سبقه من الرمضانات، فلا حديث للناس إلا عن ارتفاع الدولار وانخفاضه وارتفاع الأسعار وعدم انخفاضها، الأمر الذي جعل معظم الناس ينصرفون عن استقبال الشهر الكريم أو الاستعداد له استعداداً يليق بشهر الصوم. ولعل السبب الحقيقي لهذا الاستقبال البارد هو الارتفاع الشديد في أسعار السلع الغذائية وكذا الغاز وكلها أشياء مترابطة تسهم في صناعة مكونات الغذاء. لقد دلت الإحصائيات أن العام الإسلامي يستهلك من الأغذية في شهر الصوم ثلاثة أضعاف ما يستهلكه في أي شهر من شهور السنة وهذا يعني أن معنى الصيام الحقيقي لم يصل إلى أفهام كثير من الناس بل غابت عنهم حكمة الصيام الحقيقية، وكان المفروض – لو أدركنا المعنى الحقيقي للصيام – أن نستهلك عُشر ما نستهلكه في غيره من الشهور، وأعرف بعض الإخوة من الأصدقاء من يشكو زيادة الوزن في رمضان وبالتالي زيادة النوم، ونتيجة لهذا المفهوم المغلوط عن الصيام فإن الاستهلاك يزيد والإنتاج يقل سواء أكان هذا الإنتاج على المستوى المعيشي الدنيوي أم على المستوى الأخروي، فالاتخام يمنع من القيام بأداء الفروض والنوافل وقراءة القرآن ويصيب الإنسان بتبلد الشعور تجاه فقر الفقراء وضعف الضعفاء ومرض المرضى وحاجة المحتاجين. هناك عادات سيئة تحولت إلى طقوس أفرغت الصيام من رسالته فالإقبال على أنواع الأغذية والإسراف في تناولها جعل من الصيام وليمة فاخرة أنست الميسورين آلام المعدمين، وزادت في عدد رواد المستشفيات بسبب التخمة، لأن الجوع لا يوصل إلى المستشفى بأي حال بل إلى المطبخ، فكثرت الأمراض في شهر العلاج من الأمراض الروحية والبدنية وللأسف. لقد ذكر طبيب أمريكي أنه عالج بعض مرضاه بالصيام وأن هذا العلاج أفادهم بل وشفاهم من بعض الأمراض الباطنية، والخلاصة أنه من حق المعدة – التي هي بيت الداء – أن تحصل على إجازتها السنوية شهراً كأي موظف أو عامل حتى تستطيع الاستمرار، وقد نظرت إلى أناس يصومون الاثنين والخميس وثلاثاً من كل شهر والأيام العشر الأولى من ذي الحجة وستاً من شوال فوجدتهم أفضل الناس صحة نفسياً وبدنياً. وهناك فوائد أخروية فهو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار ومن حُرم أجره فهو المحروم.. جاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله صلى لله عليه وسلم فقال له: يا محمد تعس وخاب من أدرك أبويه أو أحدهما ولم يدخلاه الجنة قل آمين، فقال رسول الله صلى لله عليه وسلم: آمين، قال جبريل (عليه السلام): تعس وخاب من أدرك رمضان ولم يُغفر له قل آمين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آمين، قال جبريل: تعس وخاب وأبعده الله من ذكرت عنده ولم يصل عليك فقال صلى الله عليه وسلم: آمين، فرمضان كما جاء في الحديث موسم من مواسم الخير ولا يضيّع هذا الموسم إلا شقي، وأشقى الناس من أذى الناس في رمضان وتحول إلى شيطان من شياطين الأنس الذين ينوبون عن شياطين الجن المصفدين في رمضان وما أكثر ما تمتلئ بهم الأسواق خاصة قبل الفطور فترى مشاجرة هنا وأخرى هناك أبطالها بعض ممن لا يخافون الله ولا يستحيون من الناس ثم إذا نصحته تعذر بالصيام وكأن الصيام أصبح موجب الغضب والإيذاء. إن معاني الصيام قد غابت عن مفاهيم الكثير من الناس وهناك حاجة ماسة لتوعية الناس بأهمية الصيام ورسالته حتى ندرك أن من الصيام ما أدركه السلف الصالح رضي الله عنهم.. وصوماً مقبولاً وذنباً مغفوراً وكل عام وأنتم بخير.