من المؤكد أن حكومة الوفاق هي في حالة اختبار عملي، ومع كل يوم يمر يجب أن يشعر المواطنون أن هناك تقدما ملموسا في جانب تلبية احتياجاتهم الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وأن يتحول المسار السياسي إلى عامل داعم لتلبية تلك الاحتياجات وتحقيق مستويات متقدمة من الاطمئنان النفسي ومشاعر التفاؤل العام. وفي هذا السياق فإن انعقاد مؤتمر المانحين في الرياض (4 سبتمبر 2012م) والإعلان عن المبالغ التي تم رصدها لدعم اليمن تمثل بداية مهمة في مشوار التعامل الجديد مع الجهات المانحة، ولكن النجاح الحقيقي هو في قدرة حكومة الوفاق على ترجمة مخرجات هذا المؤتمر إلى واقع ملموس وبصورة عاجلة. وبالطبع إذا كانت حكومة النظام السابق قد فشلت في استثمار مخرجات مؤتمر لندن للمانحين (نوفمبر 2006م) بسبب تفشي الفساد ورفضها القيام بإصلاحات اقتصادية وإدارية وسياسية حقيقية، فإن حكومة الوفاق معنية اليوم بإثبات جدارتها في مكافحة الفساد وإنعاش الاقتصاد اليمني، وإجراء إصلاحات عميقة في مختلف الميادين السياسية والإدارية والاجتماعية وترسيخ حكم القانون، كمقدمة أساسية ورئيسية لبناء الدولة المدنية المنشودة. ولاشك أن تجاوز أخطاء من سبق مرتبط بجدية التوجه وسلامة الخطوات واعتماد مبدأ الشفافية في التعامل سواء مع الداخل أو مع الخارج، فالجميع عايش وشاهد حجم الخسارة التي دفعتها اليمن بسبب تلكؤ الحكومة السابقة في إعداد الآليات المطلوبة لتنفيذ المشاريع والتعهدات المرصودة من قبل المانحين. ومسئولية حكومة الوفاق اليوم تتركز في أحد جوانبها بإعادة الثقة ليس مع المانحين والمجتمع الدولي فقط، ولكن بشكل أساسي مع أبناء الوطن اليمني الذين لم يعودوا قادرين على تحمل مرحلة جديدة من المراوغة والتضليل والوعود الفارغة. وفي هذا الإطار فإن ما يجب التنبه إليه هو ما بعد التزام المانحين في مؤتمر الرياض، حيث تم إقرار (الإطار المشترك للمسئوليات المتبادلة) والذي ستقوم الحكومة اليمنية أولاًَ بالمصادقة عليه، والمصادقة تعني هنا الموافقة وتحمل المسئوليات الكاملة. وقد كان البيان الصادر عن مؤتمر المانحين واضحاً بهذا الشأن عندما نص أن ذلك الإطار «يأتي متوافقاً مع مبادئ بوسان التي تدعم أهمية الوفاء بالتعهدات للمساعدات المالية، كما يتضمن الإطار إصلاحات سياسية رئيسية والتزامات بالتنفيذ من قبل الحكومة اليمنية. وكذا التزام المانحين بتعزيز قدرات الحكومة على إدارة الدعم الخارجي بفاعلية». والبيان بهذه الصيغة رمى الكرة إلى ملعب اليمنيين، وكأنه يقول: «وقد أعذر من أنذر». وبذلك الإعذار والإنذار أصبحت حكومة الوفاق أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن تعمل بجدية ومصداقية للانتقال بهذا المنجز المرحلي نحو النجاح بصورة شاملة ومتكاملة. وإما أن تكرر أخطاء من سبقوها وتقدم بذلك تأكيدات حقيقية أنها ليست سوى نسخة ثانية للفساد والظلم واللامسئولية.