*ترجمة- أمين عبدالله كل هذا لا يهدد الأمن الداخلي فقط وإنما سيؤدي إلى إشعال فتيل الصراع وتدخل القوى الخارجية في المنطقة. وهكذا سيكون اليمن ساحة حرب أخرى.. يبدو أن العالم لا يزال قلقا بشأن اليمن. الواقع يتحدث عن ذلك خصوصا بعد بروز عدد من التطورات في الفترة الأخيرة، إنها تطورات قضية التهريب إلى قبالة السواحل اليمنية. وفي مطالعة سريعة للصحافة العالمية والدولية بهذا الخصوص لا يتوقف فقط تزاوج مفردة «تهريب» مع المفردات الأخرى في حده المعجمي والإنساني المعقول، بل يتجاوز ذلك في لحظة تفقدك التوازن: تهريب الأرواح البشرية، تهريب الأسلحة، تهريب الممنوعات، تهريب الهوية.. لا بأس بعد ذلك من ترجمة ما أوردته مجلة الفورين بوليسي الأمريكية بشأن قضايا التهريب إلى السواحل اليمنية وما تنتجه من كوارث وسلبيات على الواقع الداخلي في اليمن من خلال زيادة تأجيج الصراع، وتفاقم الوضع الاقتصادي والإنساني، وما يعكسه ذلك على مستقبل النزاعات والتطورات الإقليمية والدولية. وحيث أن النظام العالمي الجديد -كما تقول المجلة- قد بات فاقدا للقوة وفي بعض الحالات فاقدا أهميته في التدخل ودعم اليمن بمنظومة أمنية ساحلية تحد من مثل هذه الممارسات يكون النظام في اليمن فاقدا للقوة والأهمية أيضا. وقالت المجلة إن النظام العالمي «والدولة أيضا» يواجه التحدي الآتي من الأعلى من قبل التحالفات والمنظمات الإقليمية والدولية، وتبسط الأمر للغاية عندما أفادت ضمنا أن النظام/ الدولة يواجه التحدي الآتي من الأسفل من قبل المليشيات المتمردة والجماعات الإرهابية، والقراصنة والمهربين، أي أن القوة اليوم أصبحت موجودة بين أيدي عديدة وفي أماكن عديدة، وهكذا تبدو الصورة -كما تفيد المجلة- واضحة تنقلها المتطورات في الآونة الأخيرة تقول إن عالم اليوم هو عالم ذو قوة موزعة أكثر مما هي مركزة بشكل متزايد في يد نظام بعينه، أو حتى في يد دولة عظمى كالولاياتالمتحدة. ولقد وضحت أحداث «المدمرة كول» في السواحل اليمنية، وأحداث ال11 من سبتمبر كيف أن استثمارا صغيرا من إرهابيين، يمكن أن يسبب مستويات غير عادية من الدمار المادي والإنساني، فالكثير من الأسلحة ووسائل التكنولوجيا الحربية والأمنية ليست مفيدة خاصة في الصراعات الحديثة. التهريب.. أبعاد مختلفة ومع تزايد أنشطة تهريب الأسلحة والممنوعات، وتهريب الأرواح البشرية من الأفارقة إلى السواحل اليمنية بواسطة قوارب صيد أو سفن صغيرة قادمة من دول القرن الأفريقي -الصومال وأرتيريا وأثيوبيا وجيبوتي- سواء عبر سواحل البحر العربي وخليج عدن أو سواحل البحر الأحمر، تظل الصورة غامضة عن الأطراف المستفيدة من هذه الأنشطة في محاولة لزج المنطقة في أتون صراع داخلي وإقليمي لا يتوقف. اليمن.. إشكالية أمنية تتوالى أخبار وأحداث اللاجئين الأفارقة القادمين إلى السواحل اليمنية عبر قوارب التهريب الصغيرة، وليس ببعيد خبر إنقاذ حياة عدد 69 شخص من الصوماليين الأفارقة المهربين عبر البحر، حيث انقلب بهم قارب الصيد الصغير الذي حمل أكبر من طاقته، قبل أن يصل إلى منطقة ساحل «بير علي» في محافظة شبوة، وفي تعليق على الخبر، قال أحد المسئولين في قوات خفر السواحل اليمنية إن خطورة تهريب الأفارقة إلى اليمن تتمثل في قيام المهربين بشحنهم على قوارب صيد صغيرة، ويتكرر هذا المشهد على قبالة السواحل اليمنية بين حين وآخر. إن ارتفاع موجات التهريب إلى السواحل اليمنية سواء كانت تهريب الأرواح أو الأسلحة أو المواد الممنوعة، تسوق بنتائجها السلبية على الوضع الداخلي في اليمن وما يشهده من حالة اقتصادية حرجة، كما أنها تؤجج الصراعات في هذه المنطقة الجغرافية المهمة في العالم. وفي أسوأ تعليق للأمم المتحدة عن الأوضاع في اليمن قالت: أن ما يقارب 7 ملايين في اليمن يعانون من سوء التغذية ويتفقدون إلى الأمن الغذائي -أي أن هذا العدد المفجع من البشر يعودون إلى أسرهم جوعى لا يعلمون من أين ستأتي وجبتهم القادمة. كما علق مسئول كبير في المنظمة قائلا: «في أي وقت، وفي أي مكان تقتحمك أخبار وإشكاليات اليمن، يجب أن تسمح لمخيلتك أن تحدثك قبل أن تدع مجالا ليحدثك الآخرون: أن إشكالية اليمن هي إشكالية أمنية في كل جوانبها». بالنسبة للغة الأرقام والإحصائيات القادمة عبر التقارير الدولية فأقل ما تقوله أن اليمن يضم ويسكن فيه أكثر من نصف مليون متشرد داخلي عصفت بهم الصراعات الداخلية الأخيرة، كما أن هنالك أكثر من 2 مليون و20 ألف لاجئ وخمسمائة ألف مهاجر، أغلبهم من الأفارقة. دائرة الصراع يتمتع اليمن بموقع استراتيجي عالمي هام على طريق الملاحة الدولية، فهو يطل على البحر الأحمر ويتحكم ببوابة الدخول إلى الجزء الجنوبي منه -مضيق باب المندب- كما يطل من الجانب الآخر على خليج عدن والبحر العربي ويشرف على المحيط الهندي. وما يزيد من أهمية موقع اليمن الاستراتيجي أنه يمثل جسرا يربط بين قارة آسيا وإفريقيا، ويمتلك في المحيط الهندي أكبر وأهم الجزر -سقطرى- كما يمتلك اليمن أيضا أهم جزيرة في البحر الأحمر، هي جزيرة «بريم» أو «ميون» وهي جزيرة في قلب مضيق باب المندب، وتقسمه إلى نصفين، الأول باتجاه أفريقيا ومن خلاله يمر الطريق الملاحي الدولي والآخر باتجاه اليمن، إلى ذلك يعتبر ميناء عدن حسب التصنيفات الملاحية الدولية من أهم الموانئ العالمية ويأتي في درجة التصنيف الثاني بعد ميناء «نيويورك» وهو ميناء طبيعي ترصد فيه السفن وتقوم بعملية التموين والشحن. أهداف مختلفة يمثل اليمن في منطقة الإقليم نقطة المركز في الحرب ضد الجماعات والتنظيمات والعصابات سواء كانت إرهابية، أو عصابات تهريب أسلحة، وممنوعات أو تهريب بشري، حيث تضع كل هذه التنظيمات والجماعات والعصابات المختلفة عينها على اليمن وسواحله البحرية، كبؤرة مركزية تستطيع من خلالها ممارسة أنشطتها وإقلاق الأمن الإقليمي والدولي، ولذلك يحرص المجتمع الدولي دائما على ضمان الاستقرار في هذه المنطقة ودوام الأمن معتبرا أن مزاولة أي نوع من الأنشطة السالفة الذكر يعد تهديدا دوليا لا يمكن السكوت عنه. فيما يتعلق بالأوضاع في اليمن ومنطقة القرن الأفريقي وعلى الأخص أنشطة «التهريب» كتب كريستوفر بويسك أوراق بحثية خص بها وقفية «كارينجي» للسلام الدولي قال فيها: «إن فقدان الأجهزة الأمنية وخفر السواحل في اليمن لأدنى متطلبات حماية السواحل يزيد من تفاقم مشاكل الإرهاب والقرصنة، وتهريب الأسلحة، والذي سينعكس بآثاره السلبية على عموم المنطقة. كما إن إمكانية حدوث مثل هذه الأنشطة يجعل القوى والأطراف المتصارعة في الأجزاء المتفرقة من اليمن تحول استراتيجية على إثارة وتدوير الصراعات الطفيفة. أضاف كريستوفر على ذلك: إن تطور مثل هذه الصراعات القادمة من اليمن سيتم استقبالها على نسقين سلبي، أو إيجابي فيما يخص الدولة المطلة على الخليج العربي وأهمها إيران، في الوقت الذي تتفاقم فيه خطورة الأوضاع في تلك المساحات المنفلتة من القرن الأفريقي والتي عجزت الحكومات في إدارتها ويجعل الوضع أكثر سوءا في البحر الأحمر. ويضيف كريستوفر: خلال السنوات الثلاثة الماضية كان عدد من دول الإقليم مرغمين على الإنهماك في الصراعات التي شهدتها اليمن. أهم هذه الصراعات المعارك التي خاضتها قوات الجيش اليمني ضد عناصر القاعدة، وصراع النظام مع المتمردين الحوثيين في الشمال وبينما كانت صنعاء -الكلام لكريستوفر- تتهم أطرافا إقليمية دولية في تأجيج مثل هذه الصراعات عن طريق تقديم الدعم والمعنويات بواسطة قوارب وسفن بحرية مشحونة بالأسلحة والمؤمن يتم تهريبها عبر السواحل اليمنية، فقد بدا أن ذلك الصراع هو صراع إقليمي تتجاذبه عدد من القوى في المنطقة، ويقع عليه مصالح عدد من الأطراف الإقليمية والدولية في ظل المتغيرات الجديدة التي طرأت على المشهد فيما يعرف بثورات «الربيع العربي». على نفس الإطار وفيما يتعلق بالإشكالية ذاتها كتب بينديتابيرل في ذي ناشيونال إنترست: فيما يخص الجانب المتعلق بالحرب ضد القاعدة، فأكثر ما يخشاه المجتمع الدولي وعلى رأسه الولاياتالمتحدةالأمريكية، أن تقوم عناصر هذا التنظيم الخطير بتغيير استراتيجية عملياتها الهجومية ومسودة الأنشطة، بعد أن تم دحرها على الأرض -البر- وتقوم بنقل هذه العمليات وهذه الحرب إلى البحر من خلال مزاولة عناصرها بعض الأنشطة مثل القرصنة، والتهريب وإقلاق الأمن والملاحة البحرية وإغراق اليمن والمنطقة في فوضى النزاعات، والهدف من ذلك أن تتمكن مجددا من العودة إلى البر وتثبيت جذورها في اليمن والجزيرة العربية. يضيف بيرل: بالنسبة لما يتعلق مع الجانب الآخر من الصراع في المنطقة، فمنذ موجة المطالب والثورة الشعبية في اليمن سعى المتمردون في الشمال في استغلال فراغ السلطة وغياب الدولة من خلال القيام بالتوسع وضم مناطق أخرى لتصحب تحت نفوذهم. عمليا فهؤلاء اليوم يسيطرون سيطرة كاملة على محافظة صعدة كما يسيطرون على مناطق وأجزاء عديدة تقع على خط الحدود السعودية اليمنية. إن أهم أهدافهم في اليمن يتمثل في حصولهم على بطاقة مرورية تمكنهم من السيطرة على البحر الأحمر بغية تأمين خط الإمداد البحري الذي يضمن لهم وصول الأسلحة والمؤمن العسكرية القادمة من إيران. كل هذا لا يهدد الأمن الداخلي فقط وإنما سيؤدي إلى إشعال فتيل الصراع وتدخل القوى الخارجية في المنطقة. وهكذا سيكون اليمن ساحة حرب أخرى ومنطقة صراع طائفية ودولية تضاف إلى المناطق الأخرى كما هو حاصل اليوم في سوريا. البعد الاستراتيجي في المنطقة يواصل بينديتابيرل فيما يخص هذا الموضوع: تتداخل أحداث سوريا مع مجريات الأحداث والصراعات في اليمن, وكلما اشتدت الوتيرة على النظام في سوريا زادت حدة الصراعات والمواجهات في المنطقة، والسبب أن إمكانية سقوط نظام الأسد، يؤدي إلى تصاعد التدخلات والأنشطة المختلفة لإيران في اليمن من أجل كسب وتعويض المعادلة. ما يدعو إلى الخوف أكثر أن مثل هذه الصراعات ربما ستؤدي إلى انفجار الأوضاع داخل أكبر مساحة جيواستراتيجية وسياسية يناصفها محوران: الأول إيران، والثاني السعودية.