ما الذي يدفع وكيل مصلحة الجمارك لطف بركات إلى مخالفة توجيهات وزير المالية التي أصدرها خلال اجتماعه مع قيادة المصلحة بنهاية 2011م والقاضية بمنع تخفيض أي غرامات على مخالفات الشركات النفطية والمساواة في التعامل مع الشركات العاملة في قطاعي النفط والغاز في اليمن؟! وهل يعقل أن يتحدى الوكيل وزير المالية، ويخفض 50% من قيمة الغرامة المستحقة للدولة لدى شركة شلمبرجر العاملة في المجال النفطي والبالغة أكثر من 250 مليون ريال، بدون أن يحصل الوكيل على أي مقابل؟ يبدو الأمر مستبعدا، خاصة وأن بركات - بحسب الوثائق التي حصلت عليها صحيفة الناس- حاول أن يبرر هذه الخطوة بأكثر من شكل ولون حتى بعد أن أوقفها وزير المالية بمذكرة لرئيس مصلحة الجمارك بتاريخ 6 أكتوبر 2012م.. فبعد توجيهات الوزير رفع الوكيل بركات تقريرا لرئيس مصلحة الجمارك من تسع صفحات موقعة ومؤرخة بتاريخ 15 أكتوبر 2012م وكأنه غير آبه بتوجيهات وزير المالية ومصر على تمرير صفقته المشبوهة. وجاءت مبررات بركات - التي حاول أن يظهر نفسه فيها وكأنه يريد اصلاحا وبئسا للقوم الفاسدين- بعد أن تلقى صفعة قوية من الإدارة العامة للإعفاءات في مصلحة الجمارك التي رفضت تمرير توجيهاته المخالفة للقانون وتوجيهات وزير المالية صخر الوجية. ولعل أغرب ما ذكره الوكيل بركات في رسالته لرئيس المصلحة قوله "أدرك الجميع بأن مصلحة الجمارك ليس غايتها تحصيل أكبر غرامة ممكنة، وإنما هو تصفية البيانات المعلقة على الشركات والمستثمرين، وأن الغرامات المفروضة ما هي إلا وسيلة وليست غاية في حد ذاتها".. تقرير بركات الذي حاول أن يبرر فيه فعلته، في معظم ما ورد فيه بدا وكأنه وكيلا للشركة وليس وكيلا لمصلحة الجمارك وعليه تنفيذ القانون وتحصيل موارد الدولة بحسب القوانين النافذة وليس التفاني في استغلال ثغرات القانون وتسخيرها لصالح الشركات. كرم بركتنا بداية القصة حينما عقد وكيل مصلحة الجمارك اجتماعا مع ممثلي شركة شلمبرجر النفطية في 1 سبتمبر 2012م لمناقشة الغرامات المفروضة على الشركة والمستحقة للدولة خاصة وأن الشركة على وشك تصفية اعمالها في اليمن. وخرج الاجتماع بمحضر يعطي الشركة إعفاءً قدره 50% من الغرامات المفروضة على الشركة البالغة أكثر من 250 مليون ريال، بيد أن مكرمة الوكيل بركات لن تجني الدولة بعدها سوى النصف فقط اي 125 مليون ريال. تكمن خطورة هذه الخطوة التي حاول الإصرار عليها الوكيل بركات -لأسباب لا يعلمها إلا الله وبركاته في الجمارك- أنها ستحرم خزينة الدولة الملايين من شركة شلمبرجر فقط وإذا ما أخذ بعين الاعتبار بقية الشركات النفطية فإن خسارة الدولة ستكون بالمليارات بحسب ما ورد في إحدى المراسلات المتعلقة بالقضية. رفض إدارة الاعفاءات حينما أبلغت إدارات الإعفاءات في المصلحة بمحضر الاجتماع بين بركات وشلمبرجر، رفضت توجيهات الوكيل برسالة وجهتها له بتاريخ 15 سبتمبر 2012م شارحة الأسباب لكنه بدا وكأنه مصر على تمريرها بأي وسيلة. وهو ما دفع الإدارة العامة للإعفاءات في المصلحة إلى توجيه رسالة تعقيبيه إلى رئيس مصلحة الجمارك ووكيل المصلحة في تاريخ 6 أكتوبر2012م تبلغه مرة أخرى، أن نصوص القانون تؤكد على عدم قانونية ما ورد في محضر بركات والشركة وأنه مخالف للمواد (207، 210، 244) من قانون الجمارك. وبحسب المذكرة فإن المادة (207) نصت على أن لرئيس مصلحة الجمارك حق عقد التسوية في المخالفات وقضايا التهريب وأوجبت المادة مراعاة التقييدات التي تقضي بها النصوص النافذة وأن التسويات التي تزيد مبالغها عما يحدد، فإنها تخضع لموافقة وزير المالية.. لكن في حالة شركة شلمبرجر فإن مبالغها تزيد عن 250 مليون ريال ما يوجب على رئيس المصلحة والوكيل أخذ موافقة وزير المالية وهو ما حاول تجاوزه الدكتور بركات بإصرار شديد يثير علامات استفهام عدة. كما نبهت البرقية رئيس ووكيل المصلحة بأن وزير المالية قد أبلغهم سابقا بعدم منح أي تخفيضات لهذا النوع من المخالفات وفرض مبدأ المساواة بين جميع الشركات مما خلق الرضا بين جميع المتعاملين ورفع الإيرادات المحصلة في مجال النفط إلى أكثر من 232 مليون ريال خلا التسعة الأشهر الماضية من العام الجاري بزيادة 270% عن الفترة المقابلة من عام 2011م. وورد فيها أيضا "أنه تم رفض طلبات التخفيض المقدمة من بعض الشركات للأخ وزير المالية والتي تعد أكثر التزاما من شركة شلمبرجر المعنية الوحيدة بالتخفيض!! بل وتم رفض طلب التخفيض لجهات حكومية". وتنص الفقرة (أ) من المادة (244) على مخالفة التأخير في تسديد معلقات البيانات الجمركية إذا تجاوزت مدة التأخير أكثر من سنة.. وهنا يذكر مدير عام الإعفاءات في المصلحة مجاهد الطهيف أن مخالفات شركة شلمبرجر تجاوزت السنين وليس السنة. وأوضح أن الشركة تعمل باستمرار على إعاقة أعمال لجنة النزول الميداني المشكلة من المصلحة وهيئة استكشاف وإنتاج النفط وهو ما يعد (مخالفة إعاقة) بعد أن تم منح الشركة العديد من المهل وانتهت جميع المبررات والحجج التي يمكن للشركة أن تتقدم بها - بحسب الوثائق- رغم أن القاعدة الأساسية في عمل اللجان تقوم على عامل المفاجأة ولا مجال لقبول أي حجج للشركة لإعاقة أعمال لجنة النزول الميداني. كما كشفت الوثائق عن تمرد الشركة على القوانين في اليمن ورفضها لأي مستندات تطلبها الجمارك أو أي بيانات أو معلومات عن مدخلاتها وأن الشركة قد أساءت الاستخدام والتصرف لجميع معلقاتها على العقود التابعة لها تحت مظلة شركة كنديان نكسن المشغل السابق للقطاع النفطي 14 كمعالجة لعدم احترام الشركة والقوانين والتشريعات النافذة. واختتم الرسالة بالقول "نؤكد أنه لا يكفي قولكم شفويا علينا كمختصين التنفيذ وبأن المخالفة تقع تحت مسؤوليتكم في حين أن توجيهاتكم الخطية لا تحملكم أي مسئولية وإنما تلقي بكامل المسؤولية على عاتق المنفذ" في إشارة منه إلى أن قيادات المصلحة تعلم أن تلك الخطوة مخالفة للقوانين وبالتالي تعتمد على التوجيهات الشفهية والذي في حال اكتشاف الفضيحة بالإمكان الإنكار بكل سهولة مقارنة بالتوجيه الخطي الذي يكون دليلا دامغا على تورط المسؤول الصادر عنه. الوزير يتدخل حالة الشد والجذب التي أثيرت حول القضية والإصرار العجيب لوكيل المصلحة بركات على تمريرها، أوصلت الأمر إلى وزير المالية صخر الوجية. ورغم أن المصادر ذكرت لصحيفة الناس أن إبلاغه تم بطريقة سرية تجنبا لأي أذى يلحق بالمسؤول المبلغ -كما دأب عليه نافذو المصلحة في عقاب المتمردين عليهم- إلا أن توجيه الوزير إلى رئيس المصلحة يؤكد عكس ذلك. حيث جاء في توجيه الوزير بتاريخ 6 أكتوبر 2012م "الاخ رئيس مصلحة الجمارك.. بالإشارة إلى المذكرة المرفوعة من مدير عام الإعفاءات لوكيل المصلحة برقم 55 وبتاريخ 15 سبتمبر 2012م بشأن إيضاحاته حول محضر الاتفاق مع شركة شلمبرجر بتاريخ 1 سبتمبر 2012م والمنسوخة صورة منها لنا.. وعليه، نؤكد على قيام المصلحة بفرض الغرامة كاملة على الشركة مع أهمية دراسة مشروع القرار المشار إليه في آخر مذكرة مدير عام الإعفاءات بشأن أسس تنظيم احتساب الغرامات بما يتفق وأحكام القانون، وموافاتنا بما يتم بهذا الشأن". صخر يدعمم رغم أن خطوة الوكيل تخالف القوانين الجمركية وكذا توجيهات الوزير إلا أن الاخير اكتفى بالتوجيه بعدم خصم أي مبالغ مستحقة على الشركة، فيما يفترض أن يتخذ إجراءات قانونية بحق الوكيل بركات الطامح إلى رئاسة مصلحة الجمارك، كونه قد أقدم على فعل يخالف القوانين والتوجيهات الصادرة من وزارة المالية. وبحسب المختصين في الجمارك فإن هذه الخطوة التي كاد أن يمررها وكيل المصلحة، تحدث في أغلب الاوقات، وتهدر مئات الملايين من الريالات سنويا بفعل تواطؤ مسؤولي الجمارك بفعل العلاقة المشبوهة التي تربطهم بالشركات النفطية. يؤكد ذلك ما ورد في إحدى فقرات رسالة مدير عام الإعفاءات لرئيس المصلحة، والتي قال فيها "نتيجة لما كانت عليه المصلحة من تخبط وعشوائية في منح التخفيضات الممنوحة للشركات العاملة في مجال النفط والغاز والمشاريع الحكومية المخالفة للقانون والتشريعات النافذة فقد تم التوجيه من قبل وزير المالية بحضوركم بعدم تخفيض أي غرامات… الخ". المصدر: صحيفة الناس