كثيرا ما يكون في العاهة الخلقية ما يدفع الإنسان للبحث عن العوض من خلال تحقيق النجاح، في الجانب الإيجابي البناء والنافع، أو في الجانب السلبي التدميري والضار، ولهذا قالوا «كل ذي عاهة شيطان». وأحدهم يروي قصة طريفة عن شاب في قريته كان أحول شديد الحول، لكنه -رغم ذلك- كان يستطيع أن يتحكم بعينيه ويوازنهما حتى تبدوان وكأنهما في حالة طبيعية، وكانت المشكلة أنه حين يوازنهما لا يستفيد منهما إلا في الشكل، أما في النظر فلا يكاد يرى بهما -في هذا الحالة- شيئا. قال: وذات مرة، سمع هذا الشاب أن أحد المعسكرات فتح باب التجنيد، وقرر التقدم مع المتقدمين.. دخل الاختبارات الطبية وكانت المشكلة عند فحص العيون والنظر.. دخل إلى غرفة الطبيب فألقى الطبيب نظرة في عينيه، وكانتا في وضع طبيعي جدا.. ابتعد عنه إلى عند السبورة في أقصى الغرفة وبدأ يسأله: هذه الدائرة إلى أين مفتوحة؟ وهذه الدائرة إلى أين مفتوحة؟ هنا، لم يكن أمام الشاب إلا أن يفلت عينيه حتى يتمكن من الإجابة، وكان كلما سأله أفلتها قبل الإجابة لتذهب واحدة يمينا والأخرى يسارا.. لاحظ الدكتور أن الولد أحول، لكنه لم يستوعب ما يحدث. كرر السؤال، واتضح له الأمر أكثر، فاندفع مسرعا ليقترب من الشاب إلا أن عيون الشاب كانت أسرع للعودة إلى الوضع الطبيعي.. أبدى الشاب استغرابه من تصرف الضابط الدكتور وسأله: مالك يا دكتور، فيه حاجة؟ فأجابه وهو مذهول: لا، لا، مافيش حاجة. وعاد مجددا إلى حيث السبورة.. كرر التجربة، وإذا هو يلاحظ بالفعل أن الولد أحول، فانطلق إليه مسرعا كالمرة الأولى وكأنه يريد إلقاء القبض على عينيه متلبستين بجريمة الحول، لكن الحول المجرم كان متمرسا وأسرع منه بكثير.. كان الضابط الدكتور قد وصل إلى مرحلة القناعة، فانفجر في وجه الشاب وهو يسأله: أنت أحول، صح؟ وبكل برود يجيبه الشاب: شوف عيوني قدامك، يمكن أنت الأحول وأنت مش عارف!! كان الدكتور الضابط قد اقتنع بالفعل، لكنه أراد أن يكتشف السر، وظل يذهب ويجيء ويكرر الأسئلة، وأكثر من ربع ساعة ذهب هدرا بلا جدوى، وأخيرا: شعر الشاب بالملل والتعب، فقرر أن يصارح الدكتور بالأمر ويخبره بالصدق. وبالفعل أخبره، فتهلل وجه الرجل وكأن الشاب أسدى له معروفا جميلا، ولهذا قرر أن يمنحه الدرجة الكاملة، بل وتوسط له وتبنى تجنيده. والقصة تذكرتها وأنا أقرأ هذا التقرير الصحفي المتين.. قرأت سطرين أو ثلاثة فإذا البداية كلام كبير، وفجأة أجد الصحفي الكاتب يتحدث عن المؤتمر الشعبي العام ويصفه بين قوسين ب(الحزب الحاكم سابقا). بدأت أشعر بشيء من المشكلة وأن الزميل أحول.. أعود إلى الأسطر الأولى فأجدها ما أحسنها، وما إن أصل إلى عبارة: «المؤتمر الشعبي العام (الحزب الحاكم سابقا)..» حتى أراه أحول شديد الحول.. يا ألله، وبعدين معاك.. أيش يا زميل، أنت أحول، صح؟ طبعا أكيد أحول، ولديه موهبة التحكم بعيونه مثل ذلك الشاب. فإذا كان المؤتمر الشعبي هو الحزب الحاكم سابقا فما هو الحزب الحاكم الآن!؟ رئيس الجمهورية نائب رئيس المؤتمر الشعبي وأمينه العام، ونصف الحكومة مؤتمر شعبي فيما بقية النصف الآخر «حبوب مجذوب» بينهم الدخن وبينهم الذرة وبينهم الدجر، وثلاثة أثلاث مجلس النواب مؤتمر، وأربعة أرباع مجلس الشورى مؤتمر، واحسبوا والجميع يعرف حكاية مؤتمر علي صالح ومؤسسات الدولة.. وبعد هذا كله يوصف المؤتمر بأنه الحزب الحاكم «سابقا»..!؟ الفارق بين هذا المثقف وذاك العسكري المستجد أن ذاك كان يعرف نفسه وقرر المصارحة، بينما هذا لا يمكن أن يصارح القراء بأنه أحول، بل وربما لا يمكنه حتى أن يصارح نفسه!!