مدمن أنا أقلعت عن تقبيل سجائري وتركت تعاطيها منذ وقت قصير ومنذ وقت قصير ايضاً وقعت في ادمان من نوع أخر ادمان قراءة الشعر إن الشعر الذي أدمنته وبدأت تعاطيه بشكل جنوني مخيف ليس كأي شعر تعرضه كيلوهات الورق المكدسة على رفوف مكتباتنا كما يعرض التاجر سلعه المستخدمة في سوق الحراج. لقد وقعت في إدمان أفخر أنواع الشعر وأعذبه وأعنفه تأثيراً على الإطلاق فصرت أتسلل كل مساء عبر أزقة الفيسبوك قاصداً حائط هذا المرج الماهر في تهريب النشوة إلى عروق المدمنين مثلي والمعروف باسم (عامر السعيدي ) أتسلل إلى حائطه- كما يتسلل قط حارتنا الأشعث المتشرد ليلاً إلى مطبخنا باحثاً عن مصدر رائحة الوزف الذي تخبئه أمي - أتسلل إلى حائطه لأحصل على جرعة إبداع كوكاينية أشبع بهت رغبة قلبي الجامحة في تعاطي الكلمات الفواحة. هنا ..وهنا فقط عند هذا الحائط المقدس أجد لشغفي أجود أنواع الإفيون الشعري وبمجرد أن يعرض (متصفح جوجل كروم) هذا الحائط أمامي اخرج من محفظة قلبي كل ما تحمله من أوراق إعجابي أسلمها لعامر مقابل الحصول على جرعتي المنشودة والتي أعلم أنها لن تكفي شره قلبي في تعاطي الجمال المتدفق من كتاباته فأنا أعلم تماماً أن شرهي هذا صار لا نهاية له مذ قرأت أول قصيدة له أصرخ وكل صوتي دهشة ياربااااه هذه قصيدة عامر الجديدة إنها أمامي مستلقية كحورية البحر الخرافية ماذا أفعل يا ربي؟! وبلا شعور اترك الماووس من يدي أتجاهل العزف على الكيبورد وأتوقف عن نقر الأزرار برأس أصابعي التى أصابتها الرعشة حين رأيت هذه الحورية الشعرية البحرية أفعل هذا لأستغل كل ثانية في ساعتي الأخيرة المتبقية من الليل لأبدا صلب عيوني على شاشة اللابتوب ثم انهمك في تعاطي كل الكلمات المنثورة كرذاذ الذهب المطحون أمامي أستنشقها كلمة كلمة حرفا حرفا نقطة نقطة أستنشقها وترتفع أنفاسي بشغف. كغواص أخرج رأسه من البحر بعد أن ظل تحته لدقائق أتنشقها بكل ما أوتيت من شغف وحب في محاولة مني لملئ رئة روحي بأكبر قدر ممكن من الأكسجين الذي تزفره رئة قلم السعيدي وبمجرد لمس أصابع عيني لأول حرف أبدأ رحلة الإعراج إلى أعلى قمم النشوة وأصعد إلى الأعلى إلى الأعلى أصعد كطلقة رصاص واأدرك أني لست أعرف كيفيه الهبوط والعودة إلى مكاني - لم أتصور يوما أني قد أعشق رؤية نزيف إنسان سواء كان كافرا بوذيا يهوديا مسلما أبيضا أسودا ولأي سبب كان لكني منذ وقت قصير بدأت أقع في عشق نزيف أحدهم نعم أعترف أني أعشق نزيف هذا الجميل حين ينزف عامر ينزف عطرا وموسيقى ينزف ليسكب دمه بلسما تندمل به جراحنا وهو لا يبكي إلا ليرسل أدمعه الملونة كسرب حمام تحمل المناديل إلينا عزيزي القارئ الباحث عن الإبداع البسيط الراقي إليك الخلاصة كاملة إذا وقفت في حضرة رجل يعجن الحرير بالزجاج والرخام كعجينة من الصلصال يشكل بطريقته الجميلة جسدا على هيئة أنثى فينفخ فيها من روحه ليخلق قصيدة فاعلم أنك في حضرة عامر إذا وجدت الجرح وقد تحول إلى قمرا أشقر و رأيت القصيدة وقد صارت أنثى نبية فاعلم أنك في حضرة عامر إذا أصبح السطر مشتل أزهار والحرف نجم مصلوب على الورق والورقة سماء من زجاج فاعلم أنك في حضرة عامر إذا وجدت في دفتر الشاعر وطنا في وطن لايجد فيه الشاعر دفتر فاعلم انك في حضرة عامر إذا شعرت أنك لا تقرأ القصيدة التي بين يديك وإنما هي من تقرأك فاعلم انك في حضرة عامر عندما يصبح للأبجدية وجهاً شفاف تراه بكل حواسك وأنه قد بدأت تتشكل للكلمة ملامح كملامح حسناء كردية أمامك فاعلم أنك في حضرة عامر إذا رأيت الرصاصة الحمقاء وهي تسقط في مواجهة قصاصة ورق بيضاء وشعرت أن خنجر الجلاد يئن في جرح العاشق الصلب فاعلم أنك في حضرة عامر اذا رأيت الامطار وهي تتصاعد من عين عاشق في اتجاه السماء لتسقي غيومها المصابة بالقحط والعطش فاعلم انك في حضرة عامر اذا وجدت أنك تعيش زمناً قد تحولت الكلمة فيه إلى صرخة ثائرة تؤرق مضاجع الخلفاء الشاردين وتهز كروش أمراء البترول إذا شعرت أن عشقك لرائحة الحبر أصبح أعظم من عشقك لرائحة النفط ورأيت جلدات العقال وهي تنكسر كقشرة بيض على ظهر القصيدة فاعلم انك في حضرة عامر اذا شاهدت روح العاشق وروح الثائر وروح الشاعر يتعانقن في جسد رجل واحد فاعلم انك في حضرة عامر إذا أصبحت المسافة بين جرح الشاعر وجرح القارئ صفر سنتي متر وتلاشت الحواجز السميكة بين إيقاع الحروف الموسيقية وطبلة الأذن الباحثة عن طرب في زمن الضجيج الصاخب فاعلم انك في حضرة عامر إذا سألت نفسك مرة وأنت واقف في حضرة القصيدة ترى هل هذه القصيدة روح الشاعر؟! أم أن روح هذا الشاعر قصيدة؟! فاعلم أنك في حضرة عامر عندما تصبح العبارة آية والفاصلة لؤلؤة والنقطة حبة قمح عندما تتحول الدمعة إلى منديل حرير بين أصابع جرحك وتمتد من أعماق أنينك يدا ناعمة لتربت على أكتاف وجعك فاعلم ياصديقي القارئ أنك في عصر النبي عامر