لا يمكن إحصاء التصريحات والتقارير والمقالات الخارجية التي أبدت مخاوف هذه الأطراف من صعود الإصلاح إلى الحكم في اليمن، ولا يساويها في الكثرة إلا التصريحات والتقارير والمقالات الداخلية المماثلة. المبادرة الخليجية التي يتهم الإصلاح أنه فرط -من خلالها- بدماء شهداء الثورة، إنما كانت تستهدف الإصلاح، وما تزال تستهدفه وإن كان هو أحد الأطراف التي اضطرت للتوقيع عليها. كثير من حلفاء الإصلاح، وآخرون من وسط الصف الثوري انقلبوا حلفاء لعائلة صالح وتحولوا إلى حراب موجهة إلى صدر الإصلاح حتى لا يصل الإصلاح إلى السلطة، ولا يبالي أي منهم أن تكون النتيجة ضياع مشروع التغيير الذي حملته الثورة. وتتوالى القرارات الرئاسية المعلنة وغير المعلنة قاضية بتعيين أشخاص وقف أكثرهم في وجه الثورة ولا يزالون يقفون في وجهها، وهذه القرارات التي تذهب بأعلى المناصب في الدولة وأخطرها تنزل بردا وسلاما على قلوب أولئك الخائفين –كما يقولون- من الإصلاح، ودأبهم أنهم يتلقونها بصدر رحب، بل لا يكلفون أنفسهم ولو مجرد الاحتجاج إعلاميا، فيما تثور ثائرتهم وتضج الدنيا بعويلهم إذا صدر قرار يقضي بتعيين شخص إصلاحي بدرجة مدير عام. لقد وقف الجميع سويّا في طوابير الاقتراع يوم 21 فبراير 2011م، وتدافع الجميع على انتخاب الرئيس هادي، وكان إسقاط صالح وإخراجه من الرئاسة منجزاً تاريخياً بكل المقاييس، إلا أن ما حدث بعد هذا التاريخ -وما يزال مستمرا- هو الكارثة التي تتنزل بالتقسيط المريح، وها هو يأتي الثورة السلمية ينقصها من أطرافها، ويوشك أن يبلغ وسطها ويقضي عليها وعلى مشروعها. الإصلاح حزب سياسي وفكر وممارسة سياسية وأشخاص في منطقة القيادة وفي مناطق القواعد، ومن حق كل شخص أن يختلف معه بشأن أي من هذه التفاصيل أو يتفق، ولكل إنسان الحق في أن يحترم الفكر والأشخاص والممارسات أو العكس، لكن ما أظنه محل اتفاق هو أن معظم الجهود الخارجية والداخلية المماثلة التي تستهدف الثورة إنما تهدف لذلك من خلال ضرب الإصلاح، أو إضعافه على الأقل والحد من قوته التأثيرية، وإن من خلال صناعة أطراف تحمل مشروعا مناهضا لمشروعه، والنتيجة –إن نجحوا- هي ضرب مشروع الثورة الشعبية وليس الإصلاح، وإن اختلف منطقهم الإعلامي في سبيل تحقيق هذه الغاية. ومن المفارقات العجيبة أنه عند الحديث عن توقيع المبادرة الخليجية ينبري أولئك الذين انقلبوا عن الثورة ليحملوا الإصلاح وحده مسؤولية التوقيع على المبادرة رغم أن جميع قيادات المشترك كانت حاضرة وقاموا واحدا واحدا بالتوقيع على المبادرة.. وعند الحديث عن انتخاب عبدربه منصور رئسا للجمهورية ينبري الجمع مجددا ليلقي باللائمة على الإصلاح، ولذات السبب وبذات المبرر.. وهكذا دواليك وحجتهم -في كل انتقاد مماثل- أن الإصلاح هو أكبر أحزاب المشترك، وأكبر الأحزاب حضورا في الشارع. ولكن –وهذه من المفارقات العجيبة- أن هؤلاء جميعا لا يعترفون للإصلاح بهذا الحجم وأنه أكبر الأحزاب والأكثر جماهير عندما يتعلق الأمر بقرارات التعيين!! وإن كان هناك شيء يلام عليه الإصلاح فعلا فهو فائض عقلانيته وتنازلاته للرئيس هادي وآخرين تحت لافتة الشراكة أو تحت لافتة تقديم المصلحة الوطنية، أو غيرها من اللافتات. وبهذه الطريقة في التفكير والسلوك السياسي المتناسي للفعل الثوري، أو الذي لم يقدر الفعل الثوري حق قدره، غدا الإصلاح -ومنذ انتخابات الرئاسة- عونا للأطراف الداخلية والخارجية على نفسه ومشروعه ومشروع الثورة، ولا يزال!! ولا أختزل الثورة -في هذه الأسطر- بالإصلاح، وفي ذات الوقت: لا أنقض هذا إذا قلت وخلصت في هذه المقالة للقول إن أي إجراء أو جهد ينال من الثورة ومشروعها ويحول دون أهدافها، إنما يستهدف الإصلاح، وكل جهد يستهدف الإصلاح –بالمقابل- إنما يستهدف في الحقيقة مشروع الثورة. أما أولئك الذين لا يكفون عن اتهام الإصلاح بالتفريط في الثورة، فضلا عن بيعها كما يقولون، فيجدر بهم أن يبحثوا لمواقفهم عن غطاء إعلامي آخر. لقد دفع الإصلاح ثمنا باهظا في الثورة ومعه كل من خرج في الثورة، ويدفع ثمنا آخر وإن كان غير منظور خلاصته أن هناك واقعا سياسيا كان يؤمل وينتظر كنتيجة حتمية للثورة ويكون فيه الإصلاح هو المعبر عنه، إلا أن هذا الأمل يتلاشى يوما بعد آخر!! *الأهالي نت [email protected]