في تقرير لها الأسبوع الماضي نقلت صحيفة "القدس العربي" عن مصادر سياسية متعددة انزعاجها من السياسة التي يتبعها الرئيس الانتقالي عبدربه منصور في تعيين القادة العسكريين في الجيش والأمن "التي حصرها في منطقته القبلية بمحافظة أبين منذ توليه السلطة مطلع العام الماضي". ووفقا لمصادر الصحيفة فإن سياسة هادي في التعيينات تعطي انطباعا قويا بعودة "حكم العائلة لليمن، وإن اختلفت شخوصها.. ويخشى اليمنيون أن يكونوا استبدلوا حكم عائلة بعائلة أخرى. الصحيفة نقلت عن مصدر عسكري (لم تسمه) قوله إن هادي عيّن من أقاربه ومن منطقته القبلية خلال 10 أشهر فقط نحو 182 قائدا عسكريا في مختلف المستويات القيادية، بينهم أكثر من 25 قائدا عسكريا من المستويات القيادية العليا في الجيش، بشكل تجاوز فيه سياسة صالح في ذلك، حيث كان صالح عيّن خلال فترة حكمه الذي يمتد لثلاثة وثلاثين عاما نحو 250 قائدا عسكريا فقط من أقاربه ومن منطقته القبلية. وتحدثت الصحيفة عن ممارسة أبناء هادي سلطات سيادية، بدون أي سلطة قانونية سوى أنهم أبناء الرئيس هادي، حيث أن ناصر هادي يعتبر المسئول الأول عن قوات الحماية الرئاسية، رغم وجود قائد صوري لها، ويعتبر المسئول الأول عن جميع المنافذ البرية والجوية والبحرية في البلاد عبر العديد من الدوائر الخاصة التي يشرف عليها في جهاز الأمن القومي. وذكرت أن جلال هادي، وهو النجل الأكبر لهادي، أصبح يمارس صلاحيات والده الرئاسية في إطار الجهاز الحكومي، وكأنه الرئيس التنفيذي للبلاد. ما تحدثت عن الصحيفة لم يكن جديدا إذ سبق وتحدثت صحيفة "الأهالي" منذ وقت مبكر عن المعايير الجغرافية والفئوية التي يتبعها هادي في التعيينات التي لا تخرج عن إطار "الزمرة" ودائرة المعاريف؛ وتحدثت أيضا عن لعب جلال هادي دور أحمد علي، وكشفت عن تولي ناصر هادي الذي يحمل رتبة "مقدم" قيادة قوات الحماية الرئاسية التي سبق تشكيلها لتأمين الرئاسة. الجديد في الأمر هو تدشين هادي لسياسة "عصا الإعلام"، وهي السياسة التي استخدمها صالح كثيرا ضد خصومه وأصدقائه حال الحاجة، وهي مرحلة جديدة رديفة للاستحواذ على مناصب الجيش والأمن. هي المرة الأولى التي يلجأ فيها هادي إلى استخدام تلك العصا الضاربة بحق أطراف محسوبة على الثورة وعلى التسوية أيضا. مجددا.. الإعلام في قبضة الرئيس عادت بعض وسائل الإعلام الرسمية القائمة على أموال الشعب مجددا إلى الارتماء في حضن الشخص الرئيس عبر بوابة "المحرر السياسي" مقابل نجاح الرئاسة في شراء أو استمالة بعض الصحف المستقلة. ما يفعله هادي يوحي بقناعته باكتمال تهيئة الملعب لمشروعه الذاتي وامتلاكه القوة والمقومات الكافية كي يبدأ اللعب على الحبال الأخرى. الرئاسة نفت من جهتها ما ورد في الصحيفة واعتبرت أنباء تعيين أقارب هادي "مجرد شائعات تهدف إلى تعطيل الحوار الوطني الشامل"، وهو النفي الذي سبق تمريره عبر صحيفة مستقلة. وادعى مصدر مسئول في مكتب رئاسة الجمهورية أن "القيادة الحالية جاءت منفذة لتطلعات وآمال الشعب وثورته الشبابية السلمية وملبّية للآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية ومنفذة لبنودها". وقال إن السياسة الحالية لهيكلة الجيش تتجه نحو "تغليب الجوانب المهنية والعلمية والوطنية على الاعتبارات القبلية والمناطقية التي كانت سائدة في الفترات الماضية، وأن ما يجري حاليا هو تصحيح وإعادة للروح الوطنية للجيش اليمني، وجميع القادة الذين تم تعيينهم ينتمون لمختلف المحافظات بما في ذلك قادة ألوية الحماية الرئاسية والأمن المركزي". المصدر الرئاسي رمى بالتهمة وراء تلك "الشائعات" جهة صالح، وهي ذات اللغة الابتزازية التي عرفت عن صالح.. ولم يفت المصدر الإدعاء بأن تلك الخطوات تأتي في طريق "بناء جيش وطني تكون مهمته الأولى هو حماية السيادة وليس سلطة الفرد أو القبيلة أو الحزب". انفصالية وزارة الدفاع تقرير القدس العربي أثار حفيظة قيادة وزارة الدفاع التي ردت على الصحيفة عبر توجيه التهم والتهديدات لمراسلها الزميل خالد الحمادي. ونشر موقع "26 سبتمبر نت" المتحدث باسم وزارة الدفاع تصريحا "هجوميا" لمصدر عسكري "مسئول" استنكر فيه ما وصفه بالتقليل "من أهمية الجهد الجبار" الذي يبذله هادي، واصفا تلك القرارات بالوطنية وقال إنها تأتي في إطار "إعادة هيكلة القوات المسلحة والأمن وإعادة ترتيب أوضاع هذه المؤسسة الوطنية الدفاعية والأمنية". واعتبر المصدر قرارات هادي "إجراءات آنية تهدف إلى تجنيب البلاد ويلات الحرب والدمار"، لكنه قال إن الهيكلة الحقيقية القائمة على أسس وطنية وحديثة "في واقع الأمر لم تبدأ بعد.. وستبدأ قريباً حتماً". وذهب المصدر إلى الحديث عن إشهار أطراف –لم يسمها- الأسلحة في وجه أبناء المحافظات الجنوبية "في حين يدرك الجميع أن الجنوبيين من القادة العسكريين والأمنيين الذين مثلوا نصف دولة الوحدة لازالوا مقصيين ويستلمون رواتبهم وهم في بيوتهم بعد أن استبعدوا من وظائفهم وأعمالهم حتى اليوم..!؟". وقال إن تحقيق مضامين العدالة الاجتماعية لن تتم بالفعل إلا "بإعادة القيادات العسكرية والأمنية الجنوبية إلى مواقعهم ومناصبهم سواء أولئك الذين يستلمون مرتباتهم وهم في البيوت أو أولئك الذين دفعتهم حرب 94م المشؤومة إلى مغادرة الوطن في غياهب الاغتراب والشتات حتى اليوم". وذهب المصدر العسكري المسئول إلى استنكار "مهاجمة" هادي الذي قال بأنه "لم يتمكن بعد من تحديد مكان إقامته لإدارة الدولة"، وتحدث بإسهاب عن محافظة أبين "الباسلة والجريحة والمدمرة التي عانت من مختلف الحروب وآخرها حرب 94م.. أبين الوحدوية التي وقف أبناؤها دفاعاً عن الوحدة اليمنية على أمل إعادة إصلاح مسارها وتنقيتها من الاعوجاج والشوائب والإخفاقات". التصريح كان بمثابة إعلان الوزارة الحرب على مواطن وحمل دلالات سيئة عن استخدام المؤسسة العسكرية في قمع الحريات وتكميم الأفواه.