مرةً أخرى يتبنى الإعلام الرسمي اليمني هجوماً كاسحاً على من يظنهم خصومه، الذين يرصدون المعلومات الواردة من القصر الرئاسي، أو من يمتشقون أقلامهم لإبداء رأي عادي حول سياسة الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي. هي حقيقة واحدة لزمنيين مختلفين «مازال الإعلام الرسمي يمارس المهامات ذاتها التي كان يمارسها في عهد الرئيس السابق الذي اختزل الوطن بإضاءاته المتفرقة المفعمة بالقمع في رأس الصفحات الأولى للصحف الرسمية». في عهد صالح كانت الصحف الرسمية تكيل بالمديح الغزير لما تسميه بقائد المسيرة تارة، وتارةً أخرى تتحول إلى أدوات هجوم لاذع لكل من يقترب من انتقاد صاحب الشارب الضخم الذي احتل الجهة اليسرى من صدور الصفحات الأولى للصحف. بَيد أن هناك حقيقة مهمة، رُمِيَت في منافي التغافل، وهي أن ميزانية الإعلام الرسمي "المقروء والمرئي والمسموع" تُدفع من ظهر الشعب وباسمه، لكن وللأسف لم تقدم هذه الصحف شيئاً للشعب. في الآونة الأخيرة ارتفعت حدة النشاط للمصادر الرئاسية التي تقدح وتردح فيمن تشاء دون أن يُسائلها أحد، والغريب أن هذه المصادر لاتُفصح عن كنهها ولم يتم التوضيح من قبل المكتب الإعلامي للرئيس عن المخولين تحديداً بتسريب المعلومات. بالتزامن مع مخاطبة الرئيس هادي لحكومة الوفاق الوطني وأعضاء مجلس النواب يوم أمس الأربعاء حول ضرورة مراجعة كافة القوى لأدائها الإعلامي، كان الغرض من ذلك: الكف عن نقد الرئيس، أو بصيغة أخرى: عدم تسليط الكلمة على مايتخذه الرئيس، خصوصاً تلك الاجراءات المحسوبة لجهة شبه سياسية لها حسابات خاصة تم فرزها في التسعينيات. في تلك الأثناء التي كان يتحدث فيها هادي عن "مراجعة الأداء الإعلامي" كانت صحيفة 14 أكتوبر تهاجم صحيفة الأهالي بشدة، وباسم «المحرر السياسي»، علماً أن العرف في الصحافة الرسمية يُفيد أن افتتاحيات الصحف وكتابات المحرر السياسي تتم في أروقة القصر الجمهوري، أي دار الرئاسة. وكالعادة لم يخرج المحرر السياسي عن إطار المدح إلا إلى مربع الهجوم،« كانت اجراءات وقرارات الرئيس هادي تبدو قاسية لهذا الطرف أو ذاك من أطراف الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الأزمة العاصفة لم تكن وليدة احداث عام 2011م، بل نتاجاً لتراكم معقد من الممارسات الخاطئة والتشوهات البنيوية التي الحقت اضراراً بالغة بوحدة وامن واستقرار اليمن، وكادت ان تعطل طريق تطوره اللاحق». لغة تفوق تلون الحرباء، هي ذاتها التي عزفت على أوتار المديح لصالح تتحدث اليوم عن التراكمات التي ألحقت أضرارا بالغة بوحدة اليمن حسب تعبيرها. وفي مربع الهجوم تقول الصحيفة: «لعل اسوأ ما تعرض له الرئيس هادي من افتراءات وأكاذيب قيام صحيفة (الأهالي) ........، وما يترتب على هذه الحملات الإعلامية السوداء من تصعيد حالة الاحتقان في المحافظات الجنوبية التي تعرضت للظلم والتمييز والتهميش والممارسات الخاطئة من قبل ذات الاطراف التي لم تكتف بارتكاب جرائم ضد الوحدة ، بل انها تواصل اليوم من خلال الحملات الإعلامية الظالمة ضد الرئيس عبدربه منصور هادي إلى استهداف القيادات الجنوبية المشاركة في الدولة واجهزتها المدنية والعسكرية والأمنية، وتشويه صورتها، وهو الأمر الذي ينذر بعواقب خطيرة تهدد وحدة الوطن بالدرجة الأولى». في طيات الجمل الآنفة إلتفاف واضح على الحقيقة، ومحض اتهامات قائمة على الابتزاز باسم الوحدة، إذ كيف لصحيفة الأهالي أو موقعها الإلكتروني أن يهدد وحدة الوطن، بينما الصحيفة الرسمية التي تنشر بين الفينة والأخرى أخبار أنشطة بعض قوى الحراك لمجرد الابتزاز في عهد هادي، وهي التي مارست ضد الحراك أشكال التحريض في عهد صالح!. وهذا الهجوم على صحيفة الأهالي ليس الأول في مرحلة الثورة الشبابية باسم المحرر السياسي، إذ كانت صحيفة الجمهورية قبل نحو أسبوعين قد هاجمت وباسم المحرر السياسي أحد من نشروا أرائهم في الصحف، وابتدت كالعادة بالديباجة المعروفة "الأخ المشير". وحللت الرأي وفق تأويلها، حيث قالت: «ليس غريباً أن تتضرّر بعض القوى المستفيدة من إبقاء الأوضاع على ما هي عليه، حيث إن مثل هذه الخطوات الوطنية التي بدأ في اتخاذها الأخ رئيس الجمهورية سوف تكون – كذلك – بمثابة المسمار الأخير في نعش حالة الركون التي يستمرئها البعض من الانتهازيين الذين تسلّقوا المراحل - ولايزالون يحاولون - ولذلك ليس غريباً من بعض هذه الأصوات النشاز وهي تتباكى وتذرف دموع التماسيح في استجداء رخيص ومحاولة يائسة لطمس الحقائق». لقد برز مصطلح "الأصوات النشاز" كثيراً في عهد صالح، وهاهو يعود مرة أخرى في عهد هادي، إذ تتابع صحيفة الجمهورية: «عندما نشير إلى هذه الأصوات النشاز التي تحاول عرقلة وإعاقة مسيرة هذه التحوُّلات، فإننا نشير إلى أولئك الذين يتنطّعون في الصحف ويقدّمون أنفسهم في ثياب الرهبان كأصحاب تلك التناولات الموغلة في عدائيتها ونزوعها الأناني لرفض أي توجُّه يقود إلى تعميق مجرى التحوُّلات الحضارية التي تشهدها الساحة الوطنية». وتابعت الصحفية «أياً كانت أهداف هذه الأصوات، أو مهما كان من يقف وراءها؛ فإنها في - خاتمة المطاف - تظل أصواتاً معزولة في الحاضر كما كانت في الماضي بوقاً للأفكار المتشدّدة والتوجُّهات المتعصبة وغير المتزنة والتي أدّت في - أحايين كثيرة - إلى خداع قيادتها العسكرية وإقحامها في حروب مذهبية كلّفت الوطن الكثير من التبعات والخسائر، وعمّقت بين اليمنيين الفُرقة والشتات والاختلاف». وكان موقع سبتمبر نت لسان حال وزارة الدفاع اليمنية قد نشر بياناً أشبه ببيان حرب على مراسل صحيفة القدس العربي الزميل خالد الحمادي، حيث قال المصدر في تصريح ل 26 سبتمبرنت «لا نستغرب أن تطل علينا في هذه المرحلة الحساسة والدقيقة التي يمر بها الوطن، بعض الأصوات النشاز التي تحاول العزف خارج السياق الوطني،في سعي محموم للترويج للنزعات الجهوية والعنصرية». وتضيف «دأبت مثل هذه الأصوات أن تصطاد في أقذر أعمالها» مضيفةً :«نحن هنا نتساءل باستغراب: لماذا جعل هؤلاء من أنفسهم أدوات إعاقة لرجل اختاره الشعب ليقود سفينة الوطن ويعبر بها من اخطر المنعطفات..هذه السفينة التي تحمل الجميع وتعثرها لا سمح الله سيغرق الجميع». ماتزال المصطلحات ذاتها..الأصوات النشاز.. السفينة التي تحمل الجميع.. المحرر الرئاسي الذي سلط سيفه على رقاب الصحفيين في اليمن يبدو واحداً.