منذ أشهر وعمال النظافة يحتجون للمطالبة بتسوية أوضاعهم وتحسين مستوى دخولهم، ووصل الأمر حد الإضراب الشامل في العاصمة صنعاء ومدن أخرى. ومع كل مرة يبدأ العمال إضرابهم ترتفع الأصوات المحذرة من مواجهة العاصمة صنعاء والمدن الأخرى كارثة بيئية مع تكدس أكياس القمامة في الشوارع والأحياء، وتنصرف الأنظار بعيدا عن حقوق أولئك العمال وأوضاعهم المأساوية، ويصبح الأمر وكأن إضراب العمال سبب في نزول كوارث بيئية بالمدن. وفي كل مرة يعاود العمال إضرابهم تعلن الحكومة وعود زائفة للأسف، تقتصر تلك الوعود على توجيهات بتثبيت عدد من العمال المتعاقدين. ومنذ بدء الاحتجاجات العمالية ظلت منظمات المجتمع المدني متخاذلة وصامتة، ومثلها الأحزاب السياسية وشباب الثورة، كما لو أن أولئك العمال ليسوا بيمنيين لهم الحق في الحياة الكريمة وحقوق يتوجب أن تكون ملائمة لحجم وأهمية الواجبات الملقاة على عاتقهم. وبقي اهتمام وسائل الاعلام محدودا جدا ولم يعطي الأمر أهميته الواجبة. وفيما لم يصدر بيانا واحدا عن الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني يؤيد مطالب العمال المحتجين، لا تزال قضيتهم رهن التهميش الرسمي والشعبي. شباب الثورة هم الآخرون لم يصدر عنهم أي مقف إيجابي، فضلا عن أنه كان عليهم تأييد تلك الاحتجاجات والخروج في مسيرات ووقفات احتجاجية تأييدية لمطالب العمال المشروعة. وإذا كان شباب الثورة يرفعون في الساحات شعار (النظافة تبدأ من هنا) كان عليهم تعميم الشعار خارج الساحات وعلى مستوى الوطن. وبقي موقف القوى الثورية تخاذليا إزاء تلك الاحتجاجات، في وقت تتكرر بياناتها المنددة والمؤيدة لكل شاردة وواردة تتعلق ببعض القوى القبلية أو العسكرية أو السياسية، وما أن يلمع صوت "طماشة" في منطقة الحصبة مثلا أيا كان مصدرها وهدفها إلا وتتساقط البيانات والتصريحات من كل حدب وصوب وتتسابق بعض القنوات الفضائية على نشر الأخبار العاجلة ومثلها الصحف التي تكرر المانشيتات الحمراء. وطوال تلك الفترة الطويلة من الاحتجاجات استمر ولا يزال التعاطي الاعلامي معها سلبيا لدرجة جعلت من القضية مجرد أخبار عارضة عن تكدس القمامة في الشوارع. وفيما تنشغل جميع القوى السياسية والشعبية بالقضايا العارضة في بعضها، تستغرق اللجنة التنظيمية للثورة ساعات طويلة بل وليالي لاختراع مسميات للجمع الثورية ولم يسعفها الغرق في عبث المحاولات والتجارب أن تقترح –ولو مجرد اقتراح- أن تكون واحدة من تلك الجمع الكثيرة تحت مسمى جمعة (التضامن مع إخواننا عمال النظافة) مثلا. ورغم أن قضية عمال النظافة طرحت أمام حكومة الوفاق في غير مرة إلا أنها تخرج من أطناب مجلس الوزراء كما دخلته، لتبقى القضية رهن التسويف والامتهان المخزي، ما يشير إلى أن الحكومة عاجزة عن حل تلك المشكلة المحصورة في عشرة أو عشرين أو ثلاثين ألف عامل، فكيف لها بالتالي أن تنجح في حل مشاكل ملايين اليمنيين؟! وقد كانت الحكومة أعلنت تثبيت أكثر من (60) ألف موظفا هذا العام إلا أنها تبدو عاجزة أو متخاذلة عن حل مشكلة ما لا يزيد عن (30) ألف عامل. مع أن حل تلك المشكلة لا تعني الاكتفاء بمجرد تثبيت عدد قليل من المتعاقدين الذين يستهلكون يومهم كاملا في تنظيف الشوارع مقابل مبلغ مالي حقير وتافه لا لايتعدى ال 25.000 ريال، إنما يتوجب اعتماد رواتب مجزية تحقق لهم الحياة الكريمة بما لا يقل شأنا عن سائر الموظفين الحكوميين ولا يقل عن ما يتقاضاه مدير إدارة معينة يتخذ منها مطية للكسب غير الحلال ولا يقل شأنا عن المبلغ الذي يتقاضاه متحصل الضرائب أو فواتير المياه والكهرباء. وفيما كان عمال النظافة الأسبوع الجاري يواصلون إضرابهم وكانت الشوارع تكتظ بأكوام القمامة كانت بعض القوى السياسية مشغولة بالدفاع عن السكرتير الاعلامي للرئيس هادي وجعلت منها رأيا عاما وقضية سياسية على خلفية انتقادات وجهت للرئيس هادي بسبب بعثه برقية تهنئة لبشار الأسد الذي يرتكب جرائم أكثر من نازية بحق الشعب السوري المطالب بحقوقه وحرياته. وكانت الحكومة دشنت الأسبوع الماضي حملة نظافة لم تتجاوز حدودها مواضع التقاط الصور والصنع أمام عدسات وسائل الاعلام. ولا ينتظر المواطنون من محمد سالم باسندوه أن يخرج حاملا المكنسة لتنظيف الشوارع بل يحتاجون إلى تلبية مطالب عمال النظاف وبما لا يقل عن أمثالهم من الموظفين الحكوميين. وليس من اللائق أو المقبول من باسندوه إدارة شئون الحكم الانتقالي بالعواطف الجياشة التي ستفقد ثقة اليمنيين به وبحكومته طال زمن ذلك أم قصر. إذ كان على باسندوه وحكومته تجاوز الامتحان بدل التستر على العجز واللجوء إلى الالهاء المتعمد للاهتمام المحدود بالعمال. وإذا كان باسندوه عاجزا بالفعل عن فعل ذلك فأن عليه تقديم استقالته وحكومته. الأسبوع الفائت أقر مجلس النواب إعادة اعتماد موازنة مدرجة شئون القبائل بعد أن قامت الأرض ولم تقعد بعد توجه الحكومة لاستقطاعها، فيما لن تلقى قضية عمال النظافة أي اهتمام داخل المجلس فضلا أنه يفترض على البرلمان أن يستدعي الحكومة لمسائلتها في قضية أولئك العمال. ومن جانب آخر يحرم أولئك العمال من حقهم في الترقيات الوظيفية والتأمين الصحي والتعليمي والحوافز فيما يعبث القائمون على إدارة المصلحة بملايين الريالات. * الصورة لأعتصام عمال النظافة أمام الإدارة العامة للنظافة- صنعاء