الاستحقاق المركزي الماثل أمام الحوار الوطني يبدأ بشكل الدولة القائمة ، وإلى الشكل المطلوب لهذه الدولة ينتهي.. ذلك أن الدولة هي القضية المركزية في كامل المعادلة الوطنية القائمة، فهي الضامن للجميع إن كانت دولة حقاً، وهي الوعاء الذي يتسع للمشاركة إن تحولت إلى نظام لا مركزي ناجز، وهي المدى القانوني الذي يسمح بتعظيم مكانة المواطنة ومعناها الجوهري إذا اقترنت هُوية المواطن بذاته القانونية لا قبيلته وعشيرته والأقربين المُتنفذين. أمام فكرة “الدولتية” البعيدة عنا بعد الأرض عن السحاب، تنتصب أسئلة جوهرية، على الحوار الوطني أن يجيب عليها بصدق وصراحة، ومن هذه الأسئلة الملحة: هل النظام الذي يتهاوى عملياً وبطريقة تلقائية هو نظام جمهوري أم أنه شكل من أشكال الأتوقراطية الأُسرية المتدثرة برداء الجمهورية باطلاً وزيفاً، كحال كل الأنظمة العربية التي تسمي نفسها أنظمة جمهورية؟ وهل التعددية السياسية التي كانت قبل الانتفاضة الشعبية لها صلة بالمعنى الدقيق للتعددية السياسية، بوصفها التعبير الأكثر تقطيراً عن المصالح المجتمعية المشروعة؟ وهل يمكننا حلحلة المشاكل العالقة في الجنوب وصعدة دونما إنصاف للمواطنين هناك، من خلال إعادة ما لهم من حقوق مشروعة؟ وكيف يمكننا إرضاء الشارع اليمني دونما تفعيل حاسم لقانون العدالة الإنتقالية، باعتباره الوجه المقابل للحصانة البرلمانية، والطريق السالك لترضية وجبر المتضررين من الانتفاضة الشعبية ؟ وهل يمكن للحوار الوطني إنجاز مرئياته في الوقت الذي تستمر فيه كل أشكال الاعتداءات على الدولة ونواميسها، وفي الوقت الذي يزداد فيه الفساد تغولاً، ورغماً عن الحلم الكبير للجماهير الغفيرة التي تاقت ليوم موعود، فإذا بها تغوص في أوحال البؤس الذي لم يتوقف حتى اللحظة؟ على المعنيين بالحوار الوطني الإجابة على مثل هذه الأسئلة من خلال عمل واقعي على الأرض، والمسؤولية الاستثنائية في هذا الباب تقع على ترويكا النظام الرائي للمستقبل بعين البحث عن مخارج عملية، والتعامل مع الزمن بوصفه سيفاً “إن لم تقطعه قطعك”. لقد فاض الكيل وبلغ السيل الزُّبَى بالجماهير المليونية التي تجابه يومياً محنة متجددة، وأحوالاً تزداد عسراً، يمنعها حتى من الحلم الافتراضي بالتغيير العملي الذي يتباعد كلما تراجعت المبادرة الخلاقة باتجاه التغيير. [email protected]