يتصاعد الصراع بين الرئيس التوافقي عبدربه منصور هادي وعلي صالح حول منصب رئيس المؤتمر الشعبي العام مع استمرار أعمال مؤتمر الحوار الوطني ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقرر أن تجري في فبراير 2014م وتنتهي فيها المرحلة الانتقالية المحددة بعامين وفقا لما نصت عليه المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية. ويسعى النائب الأول لرئيس المؤتمر الشعبي وأمينه العام عبدربه منصور إلى محاولة سحب الرمال من تحت أقدام صالح للاستحواذ على رئاسة حزب المؤتمر الشعبي العام، فيما يستميت الأخير في التشبث والاستمرار في موقعه الذي احتفظ به منذ تأسيسس الحزب عام 82م. يخطط صالح للعودة إلى الحكم عبر تقديم نجله أحمد علي أو أحد المقربين منه كمرشح للمؤتمر في رئاسية 2014 ويجري ترتيبات متسارعة للتحضير لها، وتمكنت لجنة تبرعات شكلها صالح من جمع ما يزيد عن 3 مليار ريال لدعم الحملة الانتخابية. في وقت تشير التوقعات إلى إعادة ترشيح هادي من قبل الأطراف الموقعة على المبادرة للانتخابات القادمة رغم التأكيدات المتكررة التي يعلنها هادي بأنه سيغادر السلطة في فبراير القادم وأنه لن يقبل بالتمديد لفترة رئاسية قادمة. ويستند صالح إلى بقاء قوات الحرس الجمهوري بيد نجله واستمرار كثير من رموز نظامه والمحسوبين عليه في مواقع قيادية عسكرية ومدنية، ويمتلك إرثا طويلا من الولاءات والدراية بخفايا التحكم بالقرارات وخبرة ثلاثة عقود من الإدارة والحكم وشبكة واسعة من المصالح المتشابكة مع الأطراف والقوى الشريكة في حصص الثروة. الخميس الماضي احتفل صالح بالذكرى ال65 لميلاده وإلى جواره جلس خمسة وزراء في حكومة الوفاق. تنبيهات الإرياني أطلق النائب الثاني لرئيس المؤتمر الدكتور عبدالكريم الإرياني الأسبوع الماضي عبر قناة "العربية" تنبيهات خطيرة لحزبه ودعا لإنهاء ما وصفها بالثنائية في قيادته وطالب هادي وصالح إنهاء تلك الثنائية التي وصفها بغير المستحبة وقال إنه ينزعج منها، منوهاً بأن الانتخابات قادمة بعد تسعة أشهر "وما لم يصلح المؤتمر حاله يا ويله". وقال إن بقاء الحزب برأسين ليس في صالحه. وتداولت وسائل إعلامية الأسبوع الماضي أخباراً عن مطالبة هادي من سفراء أمريكا وبريطانيا وفرنسا ترحيل صالح إلى خارج البلاد وأنه طلب منهم ممارسة ضغوط على صالح وعلى المؤتمر لتنصيبه رئيساً للحزب. ووفقا لتك المصادر فقد عرض السفير الأمريكي على هادي شق الحزب إلا أن الأخير رفض معللاً بأن جناحه سيكون الأضعف وأن جناح صالح سيكون الأقوى. الصراع حول مرشح المؤتمر يسعى هادي إلى إنهاء ملف الصراع حول رئاسة المؤتمر وإزاحة صالح قبل اقتراب موعد الانتخابات القادمة خشية أن يتمكن الأخير من عرقلة اختيار الأول مرشحاً للحزب للانتخابات القادمة. ووفقا للنظام الداخلي للحزب فأن صلاحية "إنتخاب مرشح المؤتمر للانتخابات الرئاسية والمصادقة على برنامجه الانتخابي وتزكية من يختار الرئيس نائباً له" قد منحت للجنة الدائمة التي تعتبر قيادة الحزب ويتم انتخابها من المؤتمر العام وتعقد اجتماعاتها الدورية كل سته أشهر وتعقد دورات استثنائية بدعوة من رئيس المؤتمر أو من الأمين العام أو بناءً على اقتراح من ثلث أعضائها. ويمكن أن يتم اختيار هادي مرشحاً للحزب في ظل بقاء صالح رئيساً للمؤتمر، كما يمكن كذلك أن ينجح صالح في فرض مرشح للمؤتمر منافس لهادي، وقد ينجح صالح في لي ذراع هادي لقبول بقائه على رئاسة الحزب مقابل ترشيح هادي في الانتخابات. تحديات النظام الداخلي واللائحة ينص النظام الداخلي لحزب المؤتمر الشعبي العام واللائحة الداخلية للحزب على أن رئيس الجمهورية هو رئيس المؤتمر، وهو النص الذي ورد في نظام الحزب المقر في أول مؤتمر للحزب عقد في أغسطس (24-29 أغسطس 1982م) وأكد أن رئيس الجمهورية هو الأمين العام للحزب ورئيس اللجنة الدائمة التي تمثل قيادة الحزب، قبل أن يتم تعديل النص في المؤتمر العام الخامس للحزب (25 يونيو-2 يوليو 1995م) إلى أن رئيس المؤتمر هو رئيس الجمهورية، واستحداث منصب نائب رئيس المؤتمر الذي نص التعديل على أن يكون شاغل المنصب هو نائب رئيس الجمهورية. ومقابل احتفاظ صالح برئاسة الحزب منذ تأسيسه وبناء على ذلك التعديل في نظام الحزب فقد شغل الرئيس هادي منصب نائب رئيس الحزب بحكم منصبه كنائب لرئيس الجمهورية (آنذاك)، قبل أن يتم تعديل ذات النص في (ديسمبر2005) واستحداث منصب نائب ثاني لرئيس الحزب الذي شغله الدكتور الإرياني، فيما تم انتخاب رئيس الحكومة الأسبق عبد القادر باجمال أميناً عاماً للحزب قبل أن يتم تكليف هادي بشغل منصب الأمين العام إضافة إلى منصبه كنائب لرئيس الحزب. وبسقوط رئيس المؤتمر الشعبي العام علي صالح تحت ضغط الثورة الشعبية وتوقيعه المبادرة الخليجية في نوفمبر 2011م التي قضت بتنحيه عن السلطة وأفضت إلى انتخابات رئاسية مبكرة (12 فبراير 2012م) وتنصيب النائب الأول لرئيس المؤتمر وأمينه العام عبدربه منصور هادي رئيساً توافقياً للبلاد، أصبح حزب المؤتمر برأسين في ظل تمسك صالح برئاسته وتطلع هادي إلى الحصول على رئاسة الحزب الذي لا يزال يتحكم بمفاصل السلطة ويمتلك أموالاً ضخمة ويشارك في حكومة الوفاق بالمناصفة مع بقية الأحزاب والقوى. وشهد الحزب أكبر حالة انهيار لأبرز قياداته الذين انضموا للثورة الشعبية إبان مجزرة "جمعة الكرامة" في (18 مارس 2011م) كادت أن تقضي على الحزب لولا تدارك أحزاب في المشترك وتدخل دول أجنبية لإنقاذه من مصير نظيره المصري (الحزب الوطني) التي أطاحت به الثورة المصرية بعد سقوط مبارك، ومن حسن حظ الحزب تقاطع رغبة بعض قوى المشترك في الحفاظ على الحزب، وكذا ضغط المجتمع الدولي للمحافظة على النظام السابق وإعادة إنتاجه بعد الثورة. وأفضت عملية التسوية إلى إحداث انقسام داخل القيادات الباقية في الحزب بعد انخراط القيادات المستقيلة في أحزاب وتنظيمات أخرى، وبرز تياران أحدهما تابع للرئيس هادي المستفيد من التسوية وتيار علي صالح المحارب للتسوية، ويخوض الطرفان صراعاً حاداً ومعركة استقطاب لم تحسم بعد. ويسعى هادي إلى إزاحة صالح من رئاسة الحزب وإنهاء حالة "رئيس الرئيس" التي يفرضها النص الداخلي للحزب، ويعتبر استمرار الوضع "منقصة" في موقعه كرئيس للبلاد ويفوت عليه فرصة اكمال الإمساك بحلقات الحكم فيما يعتبر صالح أن مصيره مربوط بالمنصب الذي يتيح له ممارسة العمل السياسي والتأثير في مجريات الحكم. تشبث صالح واستماتة هادي يسعى صالح إلى بقاء الوضع على حاله ويدرك أن سقوط المنصب المصيري من يده يعني خروجه النهائي من اللعبة والقضاء على نزعته الجامحة في المشاركة بالحياة السياسية وأحلامه في العودة إلى الحكم. فيما يبدو الرئيس هادي مستميتاً في رئاسة الحزب، الأمر الذي قد يطيل أمد الأزمة بين القطبين مع تعثر تمكن أحدهما من الانتصار على الآخر، ولعل الأيام القادمة ستكون فاصلة وستشهد تصعيداً ينتهي بحسم المعركة. ينفق الرجلان أموالاً ضخمة لشراء الولاءات والحفاظ عليها من أرصدة الحزب الهائلة في البنوك المحلية أو الحسابات الخاصة ومن خزينة الدولة، في وقت تشير المعلومات إلى توقيع هادي -بصفته أمين عام الحزب- على شيكات يقوم صالح بصرفها أو يوجه بصرفها فضلاً عن بعض أرصدة الحزب لا تزال بيده وتحت تصرفه. ذلك الإنفاق الكبير الذي يقدمه الرجلان أتاح للقيادات المراوغة الحصول على مصالح مختلفة من الطرفين ما يعني أنها ترى في إستمرار الصراع مصلحة لها وبالتالي لا يمكنها حسم المعركة لمصلحة أي طرف. لعلهما قد يتفقان على الإبقاء على الوضع لفترة تطول وتقصر. هذا الوقع حال دون تمكن أي من الرجلين من حسم المعركة داخل البيت المؤتمري استناداً إلى النظام الداخلي للحزب الذي منح حق انتخاب رئيس الحزب إلى المؤتمر العام باعتباره أعلى هيئة في الحزب وكذلك تعديل أي مادة في أنظمة ولوائح الحزب، كما أعطى للجنة الدائمة حق اختيار مرشح الحزب. وسبق وعرقل صالح تحضيرات للمؤتمر العام الثامن للحزب خشية أن يفضي المؤتمر إلى تنصيب هادي رئيساً للحزب، ولا يستبعد أن يكون هادي هو من عرقل انعقاد المؤتمر لعدم ضمانه الفوز بالأصوات وخشية أن يتم التمديد لصالح أو تعديل المادة التي تنص على أن رئيس الجمهورية رئيس المؤتمر وقطع الطريق على وصوله إلى المنصب. وكانت قد طرحت مقترحات لتنصيب الإرياني وهو النائب الثاني لرئيس المؤتمر رئيساً للحزب كحل وسط بين هادي وصالح، على أن يتم ذلك في المؤتمر العام للحزب الذي تعثر انعقاده، واتفق الطرفان على تكليف الإرياني بأعمال الأمين العام وتم تكليفه آنذاك برئاسة اجتماعات الأمانة العامة إلا أن صالح عاد لرئاسة اجتماعاتها.. ولا تزال اللجنة حتى اليوم تتنقل بين دعوات هادي وصالح لعقد الاجتماعات. وقيعة الثورة والمشترك من سوء حظ الثورة ارتهانها لذلك الصراع وانحشار مصلحة قواها في إزاحة صالح من رئاسة الحزب كأحد مفردات أهداف الثورة، وهي المصلحة التي تتلاقى مع سعي لقوى خارجية لإعادة إنتاج النظام السابق والبحث عن استمرار التوازن. لتجد تلك القوى أنها تخوض معركة بالوكالة عن مصالح أجنبية وبالنيابة عن هادي المستميت في الاستحواذ على الحزب ما مكن هادي من إتقان اللعب على تلك الورقة والاستفادة منها في تحقيق مآربه، مع التأكيد أن قوى في المشترك صارت هي المطالبة بتنصيب هادي على رأس الحزب الذي قد يتمكن من العودة مجداً كحزب حاكم للبلاد. منذ اندلاع الشرارة الأولى للثورة وقوى في المشترك تنادي ببقاء المؤتمر، وهو الموقف المستمر رغم مغادرة القيادات الوطنية للحزب ورفضهم العودة إليه. وأسهم قبول المعارضة (سابقاً) بمشاركة بقايا المؤتمر التي وقفت مع صالح حتى الرمق الأخير وناطحت معه لقتل الشباب ولم تدخر جهداً في محاولة قمع الثورة في الحكومة، لتتيح بذلك لصالح فرصة التأثير في عمل الحكومة عبر أدواته في حقائبها التي لاتزال تأتمر بأوامره. كان يمكن لقوى الثورة والمحسوبة عليها مساعدة القيادات الوطنية المستقيلة من الحزب على شق الحزب واستقطاب قواعده والإبقاء على تيار صالح للبحث عن حزب آخر أو تأسيس حزب جديد وهو ما كان قد بدأ صالح بالتحضير له خلال الفترة الماضية بدفعه أفراد من عائلته لتأسيس أحزاباً جديدة كان يمكنها عزله ومناصريه المعادين للعملية الانتقالية عن الحياة السياسية وتحوله إلى معارضة وفرتها له الحصانة التي ضمنت عدم عزله من الحياة السياسية. كما كان يمكن تحقيق المصالح المتقاطعة بين قوى المشترك والثورة والمجتمع الدولي عبر تأسيس تكتلات وتحالفات جامعة تضم كل القوى الوطنية المؤيدة للعملية الانتقالية بما يعيد تشكيل الملعب السياسي لمواجهة أعداء التسوية ويؤسس لشراكة وطنية متماسكة ودائمة. ويمكن أيضاً تشجيع الرئيس هادي على التخلص من عباءة الحزب وتقديم استقالته ليبقى رئيساً لكل اليمنيين وتحرير الثورة من المربع المخملي الذي تقف فيه. [email protected]