الزُبيدي: لا سلام في اليمن دون حل قضية الجنوب والقضاء على الحوثيين    - وزيرخارجية صنعاء ينتقدالمانحين: يجففون مشاريع التنمية ويعاقبون الشعب جماعيًا سياسيا    إيرواني: مفتشو الوكالة لا يمكنهم دخول المنشآت النووية الإيرانية    بداية تفكيك النخبة الحضرمية بدأت مع تغيير البحسني كمحافظ    رفض مواجهة إسرائيل.. الأردن ينسحب من مباراته في مونديال الشباب    حجة.. ندوات وفعاليات بذكرى الهجرة واستشهاد الإمام الحسين    مجلس الأمن يناقش غدا الأوضاع في الشرق الأوسط    ملايين الدولارات إعاشات للمرتزقة وارتفاع جنوني للصرف والغذاء    اتحاد كرة القدم يرشح نادي تضامن حضرموت للمشاركة في بطولة الخليج للأندية للموسم المقبل    وزير العدل يوجه بسرعة استكمال أعمال فريق الإصلاحات ويزور السجن المركزي    بن بريك يعلن خطة مزمنة لإعادة تشغيل مصافي عدن    هل طوفان الأقصى ورطة ؟    اشتباكات مسلحة بين جنود المرتزقة في شبوة بسبب الجبايات    جيش العدو الصهيوني يقرّ بمصرع أحد جنوده في معارك شمال قطاع غزة    تدشين الامتحانات العامة بمدارس تعليم القران الكريم في المحافظات المحررة    رحيل موجع بطعم الألم    توقعات بهطول أمطار على المرتفعات الجبلية والمناطق الساحلية    لقاء موسّع بصنعاء لتدشين فعاليات ذكرى عاشوراء    تنفيذية النازحين تنفي وجود تهجير قسري في مخيم العرق بمأرب    عاصفة رعدية تؤخر سفر بايرن ميونخ إلى ميامي لملاقاة فلامنغو في مونديال الأندية    فؤاد الحميري.. يمن لا تغيب عنه شمس الحرية    عدم استكمال البنية التحتية لمجاري مدينة شبام التأريخية تعتبر ثلمة    مركز اقتصادي يحذر من التداعيات الإنسانية لتقليص الدعم الدولي للشعب اليمني    مصر تخصص ميزانية غير مسبوقة لتحقيق حلمها الاقتصادي    أبين.. تشكيلات تابعة للانتقالي تمنع مرور مقطورات الغاز إلى عدن بعد رفض السائقين دفع جباية مالية    بعد ثلاثة أيام من احتجازه.. مقتل مواطن بظروف غامضة داخل سجن للانتقالي في لحج    المخدرات.. عدو الحياة    أمجد خالد.. "مهندس التفجيرات" من معاقل الإخوان إلى أحضان الحوثي    من يومياتي في أمريكا .. مع عمدة مدينة نيويورك    احتجاجًا على بدء العام الدراسي في قلب الصيف: نمتُ 18 ساعة!    تصفية دكتور داخل سجن أمني في لحج    سريع: نفذنا عملية عسكرية في منطقة بئر السبع    عدد الخطوات اليومية اللازمة لتقليل خطر الإصابة بالسرطان؟    المكسيك تنهي المغامرة السعودية في الكأس الذهبية    استكمال التحقيقات مع قاتل الفتاة في الفليحي    خصائص علاجية مذهلة للعسل    في مباراة ال 4 ساعات.. تشيلسي يتأهل برباعية بنفيكا    ب 65 مليونا.. تشيلسي يحسم صفقة جيتنز    15 أكتوبر.. انطلاق موسم رابطة الهواة بالسعودية    تقدم مفاوضات وقف النار في غزة وسط تفاؤل أمريكي وتصعيد اسرائيلي في الضفة الغربية    قرار أحمق وسط هجير يونيو    تقرير أممي: نسبة الفقر متعددة الابعاد في اليمن مرتفعة وشدته ثابتة منذ عقد من الزمن    مساعي اعادة فتح طريق رئيسي وسط اليمن تصل إلى طريق مسدود    قاضي يطالب النيابة العامة بتحريك الدعوى الجزائية ضد الجهات المعنية ومزارعي الخضروات المروية بالمجاري في صنعاء    انتصروا على الاوضاع والظروف القاهرة    - اليمنية عزيزة المسوري تتحرر من اللباس الإسلامي في لبنان بهدوء، بينما هديل تواجه العاصفة في اليمن!     فؤاد الحميري السيل الهادر والشاعر الثائر    فوضى أئمة المساجد والمعاهد الدينية تؤسس لإقتتال جنوبي - جنوبي    هل يجب على مرضى السكري تناول البيض؟ وما الكمية المسموح بها؟    خطأ شائع في طهي المعكرونة قد يرفع سكر الدم بسرعة    عام على الرحيل... وعبق السيرة لا يزول في ذكرى عميد الادارة الشيخ طالب محمد مهدي السليماني    دراسة حديثة.. الصوم قبل العمليات عديم الفائدة    لامين يامال سيخلف فاتي بإرتداء القميص رقم 10    من يومياتي في أمريكا .. أطرش في زفة    ليس للمجرم حرمة ولو تعلق بأستار الكعبة    روسيا.. استخراج كهرمان بداخله صرصور عمره حوالي 40 مليون سنة    حقيقة "صادمة" وراء تحطم تماثيل أشهر ملكة فرعونية    عن الهجرة العظيمة ومعانيها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سلفية اليمن المعاصرة... الصِّدام مع الزَّيدية..دراسة بحثية
نشر في العين أون لاين يوم 27 - 08 - 2012

شهدت ساحة العمل الإسلامي خلال العقود الأخيرة في اليمن مخاض نشأة "الجماعة السلفية" إلى أن أضحت تزاحم الجماعات الإسلامية الأخرى.
وقد ارتأيت أن أجمل معالم التَّكون والصَّيرورة للسَّلفية المُعاصرة في اليَمن في هذه الدِّراسة المختصرة، وأن ألمّ شتيت المتفرق مما توافر لنا من الوثائق والمعلومات، فضلاً عن المتابعة والمشاهدة الشخصية للجماعات السلفية، ولما هو متعلق وذي صلة بالفكر الديني عموماً من مطلع التسعينيات، ومن العام 1993 على وجه التحديد إلى يومنا.
إن السلفية "هي نسق فكري يختزن الماضي في دلالاته ويرى أن الماضي هو الأفضل، ولهذا سميت القرون الإسلامية الأولى بالقرون المفضلة". يظهر هذا المعنى والتصور مما تستبطنه مفردة "السلفية" المشتقة من "السلف"، فالزمن في وعي السلفيين: "يتشكل على صيغة لحظة نورانية طاهرة ظهرت في عتمة التاريخ بعد أن كان كالحاً، لكن هذا النور التقوي "من التقوى" الذي أضاء التاريخ، لم يلبث لدى السلفية أن تحول إلى لحظة معرفية شاملة كل الكمال، ومن ثم فإن الزمن يسير نحو التناقص، والتاريخ -باستمرار- متقدم نحو الأسوأ، بحيث يجعل كل الفهوم والتصورات المعرفية موجودة هناك عند لحظة والاكتمال.
كان اليمن ينقسم إلى شمالي وجنوبي، وأهالي المناطق السفلى والغربية من القسم الشمالي - كلواء الحديدة وتعز وإب - انتشر المذهب الشافعي الممتزج بالعقيدة الصوفية، لذا انتشر عندهم عدد من المقامات على الأضرحة في مختلف المناطق، ومن أكبرها مقام العارف بالله أحمد بن علوان في تعز. أما أهالي اليمن الأعلى، الذي يبدأ من نقيل سمارة إلى حدود السعودية، كل هذه المناطق اتخذت طريقة التشيع، ويغلب عليهم المذهب الزيدي الممتزح بالروح المعتزلية، وفي هذه المناطق انتشرت عدد من القباب على الأضرحة ومن أهمها قبة جامع الإمام الهادي في صعدة.
كانت دعوة الإخوان قد سبقت الدعوة السلفية بمدة زمنية، وحسب تقدير الشيخ عائض مسمار: لا تقل عن عشر سنوات فأكثر وكانت الدعوتان شيئاً واحداً، وقد أسندت إلى الشيخ مقبل إدارة أحد المعاهد، الذي سبق الإخوان في إنشائه في صعدة، واستمر على ذلك فترة، إلى أن شعر الإخوان أنه من الطينة القاسية التي لا تتشكل، وحسب تعبير الشيخ عائض مسمار: "شعروا أنه على غير ما يريدون، فبدأوا ينظمون الطلاب على عادتهم سراً، وجعلوا على المعهد مديراً دون أن يدري الشيخ مقبل، ثم ما لبث هذا السر الإ فترة ثم انكشف، فلما عرف الشيخ غضب غضباً شديداً وطرد ذلك المدير، وبدأت بيننا وبين الإخوان الحساسية، فأخرج الشيخ -رحمه الله- كتاب "المخرج من الفتنة""، وكان هذا مبتدأ الانفصال التدريجي عن جماعة الإخوان.
إن من أولويات الدعوة السلفية في العمل الإسلامي "التصفية" و" التربية"، بمعنى: "التصفية الشاملة في العقيدة وفي المناهج العلمية والعملية، وفي الخطب والمواعظ، في الكتب والمؤلفات، وفي الصفوف، وغير ذلك، والتربية على الإسلام المصفى مما ألحق به الجاهلون أو الحاقدون". ويرى أحد الباحثين أن مراد السلفيين بالتصفية هو: "فصل الأحاديث الضعيفة عن الصحيحة"، وهي رؤية –كما هو ظاهر- قَصَرَت العملية على أحد أجزائها.
كان صدى الدعوة في الوسط اليمني في مبتداه بسيطاً، ومدى الحراك غير منتشر، فمنذ الانطلاقة الأولى من دماج في صعدة، إلى سفر الشيخ إلى مصر وإلقائه هناك عدداً من الدروس والمحاضرات هناك، ثم عودته مواصلاً الدعوة وإلقاء الدروس، مركزاً على علم الحديث، بدأت الدعوة بالإنتشار عبر الأشرطة السمعية إلى كافة البلاد اليمنية، وإلى خارج البلاد. وكانت أول رحلة موسعة ومنظمة لنشر الدعوة في أرجاء اليمن، جرت في عام 1402ه/1982م أيام الزلزال الذي وقع بذمار.
كانت المواجهة بين السلفية والشيعة الزيدية محتدمة وشديدة نظراً للتماس المكاني، فدماج مركز السلفية في صعدة، التي هي مركز الشيعة الزيدية، وشيعة صعدة كما جاء على لسان القاضي "علي السمان": "متشددون فهم يكفرون علماء صنعاء"، ويضاف إلى ذلك عامل المنشأ الزيدي لشيخ السلفية، ومعرفته المسبقة بالمذهب واحتكاكاته به في فترة الانتقال للمذهب السلفي. وقد حدثت ردود أفعال مختلفة الأشكال مابين المصادمات المباشرة العنيفة، أو الردود العلمية، أو الخطابات والخطب التحذيرية "وتم كتابة بعض العبارات على الجدران وممارسة التحذير في جميع المساجد"، وفي إحدى الحوادث يذكر الشيخ مقبل في ترجمته: "مضاربة شديدة في "جامع الهادي" -معقل الزيدية -بعد كلامه في حضرة علماء الشيعة وعوامهم"، فحدثت ضجة كبيرة في الجامع، وأطلق أحد الناس الرصاص لتفريق الناس من تلك الضجة والأصوات –كما ذكر ذلك الشيخ عائض مسمار- وعبر الشيخ مقبل عن العملية في ترجمته لنفسه: بصده عن الدعوة في الجامع، وسجن بسبب ذلك أحد عشر يوماً في شهر رمضان.
ومن ردود الأفعال العنيفة حادثة مسجد جُميدة، وهو أول مسجد في لواء صعدة اعتنق السلفية، وفارق المذهب الزيدي، وأدى ذلك إلى وضع عدد من المواد المتفجرة في جدران المسجد لنسفه أثناء قدوم وفود سلفية لافتتاحه -بتوسعته الجديدة- من مناطق ذمار والحدأ وعنس، ولم تنفجر الإ في مواضع قليلة، وسَلِم المسجد ولم يسقط، وفي أعقاب الحادثة بأيام أقيمت أول صلاة جمعة سلفية في الجامع، وأعيد حفل الافتتاح برئاسة الشيخ مقبل الوادعي. وفي إثر التراكمات الحادثة والمشاكل الناجمة جراء هذا الإحتكاك، أُرسل القاضي يحيى الفسيل لحل القضايا بين السلفية وبين الشيعة الزيدية، فحصل بينهما صلح، واتفاق على أن يسكت كل فريق عن الآخر.
وكان من ردود الأفعال كتابات وأبحاث منها: محاضرة للشيخ مقبل نشرت صوتياً، ثم طبعت ضمن إحدى كتبه بعنوان: "المذهب الزيدي مبني على هيام"، وقد رد علماء الزيدية بعدد من الكتيبات والرسائل، منها كتاب ضخم للمرجع الزيدي السيد مجد الدين المؤيدي "ت 1428ه/2007" - وهو أحد مشايخ الشيخ مقبل، وممن تتلمذ عليه زمن الطلب- بعنوان: "فصل الخطاب في الرد على المفتري الكذاب"، وقد قال عنه الشيخ مقبل: "ورافضة صعدة ألفوا كتاباً بعنوان "فصل الخطاب في الرد على المفتري الكذاب"، فجاء بعض الإخوة وقالوا: نريد منك أن ترد على الكتاب، فقلت: أمثلي يرد على هذا؟ وأنا يعجبني الهجوم وليس المرافعة، ثم بلي الكتاب وضاع والحمد لله".
من جانب آخر تأرجح الموقف السنّي من الدعوة السلفية في هذه المرحلة، بين ثلاثية الترحيب والرفض والتوقف، فهناك من رحب وانطلق مستجيباً وملبياً، كما حصل لآل جُميدة في صعدة، وبعض أقارب الشيخ في دماج، وأقارب الشيخ عائض مسمار في خمر، وممن كان متبن للسلفية مختف في المجتمع، أو تَدَيَّن بالتقية خشية ردة الفعل، كما رحبت بها جماعة الإخوان، على أنهما كانتا شيئاً واحداً ثم افترقتا تدريجياً. وهناك من رفض الدعوة السلفية، واعتبرها امتداداً للوهابية، كالصوفية بطرقها المختلفة، سواء في الحديدة وزبيد أم في عدن وجبلة أم في البيضاء وتريم. وبين من توقف منتظراً ما تسفر عنه الأيام، وحتى ينجلي الغموض، وتتضح أهداف الدعوة بكامل أبعادها وبصورة مكتملة.
بقدوم العام 1990، برزت العديد من الإشكالات الحاسمة، والتي أثرت بشكل مباشر على الساحة الإسلامية بشكل عام في مختلف الأصقاع والبلاد، وأبرزت المواقف المتباينة والمختلفة، وأعادت فرز مواقف السلطات من الجماعات والعكس، وموقف الجماعات مع بعضها، إما بحدوث انشقاق واختلاف أو بإتمام انفصال معلّق.
المقال خلاصة من بحث محمد عبد الصَّمد الهَجَري'السلفية المعاصرة في اليمن' ضمن كتاب 19 'الإسلامية اليمنية' "يوليو 2008" الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.