بعباءاتهن السوداء التقليدية تدفقت شابات سعوديات على قاعة للمؤتمرات بواحد من فنادق الرياض الكبرى لحضور مؤتمر ومعرض للتوظيف. وبينما اختفت أوجه بعضهن خلف غطاء أسود، بدا ظاهرا للجميع رغبتهن القوية في مستقبل واعد في سوق العمل يختلف عن نمط حياة المرأة السعودية قبل عقود. وربما يكون حضور مؤتمر ومعرض للتوظيف أمرا عاديا للنساء في العالم، لكنه ليس حدثا تشهده كل يوم في السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم، حيث طالما فرضت الطبيعة المحافظة للمجتمع قيودا كبيرة على عمل المرأة. بيد أن الجهود تتسارع الآن للتحرر من هذه القيود. ففي عام 2011 أمر العاهل السعودي الملك عبدالله بتأنيث المحال النسائية، وقصر العمل في هذه المتاجر على المرأة السعودية. كما منح المرأة الحق في التصويت والترشح في الانتخابات والمشاركة في مجلس الشورى، في علامة بارزة على توجهات القيادة نحو توسيع مشاركة المرأة في التنمية. وتحت عنوان "خطوة للأمام" نظمت مؤسسة غلو وورك (Glow Work)وهي وكالة متخصصة في توفير الفرص الوظيفية للنساء لتمكين المرأة من مستقبلها المهني ورفع التنوع في سوق العمل السعودي ملتقى للتوظيف جمعت فيه أفضل 300 طالبة من مختلف جامعات المملكة. وأتاح الملتقى لطالبات العمل الفرصة لكي يتحاورن ويستمعن لنصائح عدد من المسؤولين الحكوميين ومسؤولي القطاع الخاص استعدادا لتحديات أصبحن على بعد خطوات من مواجهتها في سوق العمل. وظهر دعم الدولة لدور المرأة في الحياة العملية جليا في المؤتمر، إذ قال إبراهيم المعيقل رئيس صندوق تنمية الموارد البشرية التابع لوزارة العمل في كلمة ألقاها بالنيابة عن وزير العمل "المرأة شريك لا غنى عنه في مسيرة التنمية الشاملة التي تتبناها الدولة." واضاف المعيقل أن وزارة العمل "تولي أهمية كبيرة لتهيئة بيئة العمل الآمنة التي تساعد على المشاركة الفعالة للمرأة في تنمية بلادها وتحقيق التوازن بين واجباتها الأسرية ومسؤوليتها الوطنية." وأوضح المعيقل أنه في عامين فقط منذ صدور الأوامر الملكية جرى توظيف 160 ألف امرأة سعودية في القطاع الخاص، مقارنة بما لا يتجاوز 70 ألفا جرى توظيفهن في الثلاثين عاما التي سبقت صدور تلك القرارات. وقال خالد الخضير، مؤسس غلو وورك ورئيسها التنفيذي، إن هناك فجوة بين قطاع التعليم وبين سوق العمل تتمثل في افتقار الباحثين عن العمل الوعي بمتطلبات السوق ولاسيما القطاع الخاص. ووفقا لبيانات حديثة بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2012 بالأسعار الجارية 93417 ريالا سعوديا (24911 دولارا). لكن رغم العيش في أحد أكثر بلدان العالم ثراء يجد الشباب صعوبة في الحصول على وظائف، اذ أن نظام التعليم قبل الجامعي المتقادم الذي يركز على علوم الدين واللغة العربية يفرز خريجين يواجهون صعوبة في الحصول على وظائف في الشركات الخاصة. وتظهر الإحصاءات أن الحاصلات على مؤهل جامعي سجلن أعلى نسبة من الباحثات عن العمل في السعودية. وتشير الدراسات إلى أن عدد الخريجات بلغ 500 ألف مقابل 300 ألف خريج من الرجال على مدى السنوات العشر الماضية ورغم ذلك كثيرا ما وجدت النساء صعوبة في العمل بالقطاع الخاص في ظل ضرورة الفصل بين الجنسين، لكن تلك التحديات آخذة في التغير الآن. يقول المعيقل "نعتقد أن النساء أصبحن اليوم يحصلن على فرصة متساوية لكي يقنعن الشركات بأنهن جيدات إن لم يكن أفضل من زملائهن من الرجال." وأضاف الخضير "أصبح هناك الكثير من الشركات التي ترغب في توظيف النساء. تم التغلب على القيود الماضية والآن اصبح لدى السيدات بيئة عمل أكثر مرونة." ونصح المعيقل النساء بالتعامل مع أول وظائف تتاح لهن بجدية والارتقاء منها خلال رحلة الحياة قائلا "أنا تخرجت بمرتبة شرف وكانت وظيفتي الاولى سكرتير. أمضيت 13 شهرا بهذه الوظيفة حتى حصلت على منحة دراسية." وأضاف خلال مقابلة مع رويترز على هامش الملتقى "كل منا له نقطة بداية ويجب ألا نقلل من شأن أي نقطة بداية. التغيير يأتي خلال رحلة الحياة...احيانا لا تأتي الفرص في طريقك بل يجب أن تسعى أنت لاقتناصها." فيما قال الخضير إن مشكلة الباحثين عن العمل تكمن في التوقعات الكبيرة، مضيفا "تربينا على مدى عشرين عاما أن نكون مدراء. نصدر أوامرنا للخادمة والسائق ثم يطلب منا بعد ذلك أن نكون موظفين عندما نتخرج." وعلى الرغم من انخفاض معدل البطالة بين الرجال إلى أدنى مستوى في 13 عاما (عند ستة بالمئة العام الماضي حسب الاحصاءات الحكومية) زاد معدل البطالة بين النساء إلى 35.7 بالمئة منذ 1999. لكن منذ ذلك الحين بدأت الكثير من النساء في البحث بجدية عن العمل بدافع من السياسات الحكومية المشجعة والضرورات الاقتصادية. تقول منى أبو سليمان الإعلامية السعودية وخبيرة التنمية البشرية "هناك كثير من المبادرات لدخول المرأة السعودية في سوق العمل. حدثت أخطاء لكن يجري تصليحها على الفور سواء من جانب الوزارة أم صندوق الموارد البشرية لكي يروا ما هي الاحتياجات التي يمكن ان توفي بها المرأة السعودية." ووفقا لبيانات عام 2009 - وهي أحدث بيانات متوافرة على الموقع الإلكتروني لمصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات - هناك سعودية واحدة بين كل 13 مواطنا سعوديا يعمل في القطاع الخاص بالمملكة. وترى منى أبو سليمان أن هناك عدد من المعوقات أمام عمل المرأة أهمها النظرة إلى عملها بأنه أمر ليس مهما مشيرة إلى أن ذلك بدأ في التغير. وأضافت أن وسائل النقل عائق آخر إذ لا تتوافر أمام كل سيدة الوسيلة المناسبة التي تجعلها ملتزمة بمواعيد العمل إلى جانب عدم توافر الفرص الكافية للعمل الجزئي الذي يناسب النساء المتزوجات والأمهات. ولا يوجد بالسعودية سوى عدد محدود من وسائل النقل العام. وتعاني شوارع الرياض من الاختناق والتكدس المروري معظم ساعات النهار وحتى وقت متأخر من الليل. وفي لقاء مع رويترز قالت آلاء وهي إحدى الطالبات المشاركات في الملتقى "أرى أن عمل المرأة ضروري جدا. في الفترة الأخيرة أصبح هناك غلاء في المعيشة والمرأة تحتاج أن يكون لديها دخل خاص بها من خلاله تساهم في دخل العائلة أو تكون مشروعاتها التي تحقق أفكارها واحتياجاتها الذاتية دون الحاجة لأحد." وفي بلد لا تزال فيه صناعة السينما حديثة النشأة بدا واضحا أن طموح السعوديات لا سقف له إذ تتطلع ندى وهي طالبة تدرس الجرافيك ووسائل الإعلام الرقمية إلى اقتحام مجال الإخراج. وتقول "بحكم تخصصي لدي ميول خاصة بالميديا والإخراج...اتمنى أن تتوافر في سوق العمل فرص أن تعمل النساء في مجال الإخراج لكي يعبرن عن الواقع كما يرونه بأعينهن."
مؤسس اول وكالة توظيف للنساء: دفعني لذلك فشل اختي في العثور على وظيفة بدون واسطة
تخرج خالد الخضير من إحدى جامعات كندا وعاد لبلاده تحدوه آمال عريضة بتحقيق أحلامه عقب حصوله على وظيفة تخيل أنها ستكون سهلة المنال. لكن بعد ما لمس تحديات سوق العمل في أكبر مصدر قرر أن يمد يد العون لمن هن في أشد الحاجة لذلك وهن السعوديات الباحثات عن العمل. وفي 2011 أسس الخضير الذي لا يتجاوز 29 عاما موقعا إلكترونيا للتوظيف أسماه "غلو وورك" وخصصه للسعوديات الباحثات عن العمل. وبمرور الوقت طور الموقع ليصبح أول وكالة توظيف سعودية متخصصة في توظيف السعوديات على حد قوله. وخلال مقابلة مع رويترز قال الخضير "بدأت حياتي المهنية في 2006 في شركة استشارية عن طريق الواسطة. كان الامر صعبا أن اتخرج من جامعة في كندا وأرجع لبلادي لأحصل على وظيفة عن طريق الواسطة." وتابع انه عندما تخرجت اخته من جامعة كندية ايضا ورجعت إلى المملكة "قلت لها دعيني أجد لك وظيفة، فقالت انا افتخر بشهادتي ولا احتاج للواسطة. لكن المسكينة حاولت نحو سبعة أشهر في إيجاد عمل لان عندنا عوائق تمنع دخول المرأة اقسام الموارد البشرية بالشركات كما لا يوجد توجه واضح لبعض الشركات عن كيفية التقدم لها. ومن هنا جاءت فكرة غلو وورك...من اللي أنا شفته لأهلي." وقال الخضير أن شركته وفرت حتى الآن حوالي 11 الف وظيفة لامرأة سعودية وهناك نحو ألف وظيفة على موقعها الإلكتروني تتغير كل شهر. واضاف الخضير أن غلو وورك - التي نالت جائرة أفضل ابتكار عالمي في مجال خلق الوظائف من الأممالمتحدة - توفر الوظائف بصورة رئيسية للمرشحات المدرجات على قائمة برنامج حافز. وبرنامج حافز أحد المبادرات التي أطلقتها وزارة العمل وبدأ تطبيقه في أواخر 2011 وبموجبه يحصل العاطلون عن العمل على إعانات شهرية بقيمة 2000 ريال (533 دولارا) لمدة عام. وقال الخضير "النساء يمثلن 86 بالمئة من الباحثين عن العمل ضمن برنامج حافز وهو ما يعادل 1.2 مليون امرأة." وتابع "هناك فجوة بين قطاع التعليم وبين القطاع الخاص وسوق العمل بشكل عام لكن الأمور بدأت تتحسن كثيرا لاسيما فيما يتعلق ببيئة العمل". واضاف "عندما بدأت المرأة في العمل بوظيفة كاشير (صراف) قبل عدة سنوات لم يلق الأمر رد فعل (ايجابيا) من المجتمع لكن الان بدأت الناس تفهم ان هذا شيء اساسي وضروري للعيش ونشهد الان الكثير من السيدات العاملات في مختلف أسواق الرياض." ونتيجة لعقود من النمو السكاني لم تعد السعودية قادرة على الحد من البطالة من خلال توفير وظائف في القطاع العام وتتبنى وزارة العمل عددا من البرامج التي تهدف لزيادة توظيف المواطنين في القطاع الخاص. ويرى الخضير ان اسباب ارتفاع البطالة بين النساء خاصة يرجع لارتفاع عدد الخريجات مقارنة بالخريجين وعدم درايتهن بسبل البحث عن الوظائف. يقول" هناك فرص أكثر بكثير من الفترات الماضية لكن في المقابل هناك أعداد أكبر من الخريجات لا يعرفن إلى من يتوجهن. هناك 500 ألف خريجة سعودية مقارنة مع 300 ألف خريج على مدى السنوات العشر الماضية." ولفت إلى أن البعض يدرسن لتحقيق رغبة العائلة في وظائف معنية في مجالات مثل الهندسة والطب بينما تتوافر فرص أخرى بسوق العمل في مجالات مثل الصحافة والإعلام والتجميل. وأضاف "العثور على التخصصات أمر صعب للغاية...أحيانا يكون العثور على امرأة لديها خبرة في مجال مثل التجميل على سبيل المثال أمرا ليس يسيرا... يرجع هذا لأسباب من بينها أن السعوديات لا يعملن أثناء دراستهن بخلاف الحال في الدول الأخرى." ومن بين المبادرات التي تعتزم وزارة العمل إطلاقها في المرحلة المقبلة إتاحة العمل الجزئي للمواطنين ويتوقع خبراء بسوق العمل ان يساعد ذلك في صقل خبرات الباحثين عن العمل وزيادة وعيهن بمتطلبات السوق. وحول توقعاته لمستقبل المرأة السعودية في سوق العمل قال الخضير "المرحلة المقبلة للمرأة السعودية ستكون تصدر الشركات المساهمة لتكون على منصب الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة." واضاف "المرأة السعودية قادرة على فعل اي شيء وبإمكانها الحصول على المناصب القيادية. هذا أمر لم يكن متوقعا قبل 20 عاما لكن السنوات المقبلة ستشهد المزيد من التقدم للمرأة."