نت/بقلم الشيخ عوض سالم بن حمدين الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين أما بعد : يسأل بعض الشباب اليوم عن صحة صلاة من صلى الجمعة في الساحات العامة داخل البلد هل تصح ؟ علما بأن هناك من شكك من طلبة العلم في صحة من أدى صلاته في هذه الساحات ؟ نعم تصح إقامة الجمعة في الساحات العامة في البلد دون المساجد ولو لغير سبب عند الائمة الثلاثة ، إلا الإمام مالك رحمه الله ، وقال لابد من أن تقام الجمعة في المسجد، إلا أن جمهور العلماء قالوا بصحة إقامتها في الفضاء ومن يقول ببطلان صحتها من غير المالكية فعليه بالدليل ؟ وأما أدلة المجيزين فقياسهم على صلاة العيد، التي أقامها النبي صلى الله عليه وسلم في مصلى العيد ، خارج المسجد، وتبعه الخلفاء الراشدون، والصحابة رضوان الله عليهم، إذ من أهم غايات وأهداف هذه الشعيرة اجتماع الناس لسماع ذكر الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالجمعة هي المؤتمر الأسبوعي للمسلمين فإذا إجتمع أكبر تجمع في بلد ما فقد حققوا مقصد الشارع فإذا تحققت شروط وجوب الجمعة وشروط صحتها انعقدت الجمعة عند جمهور العلماء في المسجد أو خارج المسجد في الساحات أو مصلى العيد عند بعضهم مع مراعاة تحقيق أهداف الجمعة التي من أول أهدافها الاستماع لذكر الله الذي أمرنا الله بالسعي إليه فيقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خير لكم إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ). وأدلتهم في ذلك كثيرة منها : عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال كنت قائد أبي حين ذهب بصره فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان استغفر لأبي أمامة أسعد بن زرارة ودعا له فمكثت حينا أسمع ذلك منه ثم قلت في نفسي والله إن ذا لعجز إني أسمعه كلما سمع أذان الجمعة يستغفر لأبي أمامة ويصلي عليه ولا أسأله عن ذلك لم هو فخرجت به كما كنت أخرج به إلى الجمعة فلما سمع الأذان استغفر كما كان يفعل فقلت له يا أبتاه أرأيتك صلاتك على أسعد بن زرارة كلما سمعت النداء بالجمعة لم هو قال أي بني كان أول من صلى بنا صلاة الجمعة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم من مكة في نقيع الخضمات في هزم من حرة بني بياضة قلت كم كنتم يومئذ قال أربعين رجلا . حسنه الالباني رحمه الله وقيل إن الذي صلى بهم مصعب بن عمير وقد كان رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله قبل الهجرة الشريفة ليعلم أهل المدينة أحكام الإسلام، فصلى مصعب بالناس الذين جمعهم أسعد بن زرارة في العراء. وأول جمّعة للنبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه بعد هجرته للمدينة كانت في بني سالم بن عوف، في مكان اتخذوه للصلاة، وهو بطن واد أتخذ بعد ذلك مسجد . فمن خصوصيات هذه الأمة الكريمة أن جعلت لها الأرض مسجداً وطهورا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وجُعِلتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطهُوْرً) قال الإمام النووي في المنهاج : ( الثاني : أن تقام في خطة أبنية أوطان المجمعين ) ولم ينص على المسجد وقال الرملي في النهاية : ( أوطان المجمعين لتشديد الميم أي المصلين لها سواء أكانت مبنية لطين أو قصب أم سعف أم غيرها أم أسرابا وهي بيوت في الأرض لأنها لم تقم في عصره صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده إلا في دار الإقامة ولا يشترط لها مسجد ولو انهدمت أو أحرقت وأقام أهلها على عمارتها ولو في غير مظال لم يقدح في صحة الجمعة ولا تنعقد في غير بناء إلا في هذه وفارق ما لو نزلوا مكانا وأقاموا فيه ليعمروه قرية حيث لا تصح فيه قبل البناء باستصحاب الأصل في الحالين ودخل في قوله خطة وهي بكسر المعجمة أرض خط عليها أعلام للبناء فيها الفضاء المعدود من الأبنية المجتمعة بأن كان في محل لا تقصر فيه الصلاة … ) وقال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الكبرى (: …. فَإِنْ كان الْفَضَاءُ الذي خَرَجُوا إلَيْهِ مَعْدُودًا من خُطَّةِ الْبَلَدِ صَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ فيه وَإِلَّا فَلَا وَيَلْزَمُهُمْ فِعْلُهَا في خُطَّةِ الْبَلَدِ ) وهذا شرط الشافعية وقال أيضا في منهاج القويم : وأن تقام في خطة بلدة أو قرية مبنية ولو بنحو قصب للاتباع، فلا تصح إلا في أبنية مجتمعة في العرف وإن لم تكن في مسجد وإن انهدمت وأقاموا لعمارتها ولو في غير مظال لأنها وطنهم، وبه فارق ما لو نزلوا مكانًا ليعمروه قرية فإن جمعتهم لا تصح فيه قبل البناء وجاء في كاشفة السجا للجاوي : (أن تقام في خطة البلد) ولو بفضاء بأن كان بمحل لا تقصر فيه الصلاة وإن لم يتصل بأبنية البلد بخلاف غير المعدود منها وهو ما ينشأ منه سفر القصر، وسواء كان البلد من خشب أو قصب أو غيرهما، وسواء أقيمت الجمعة في المساجد أو غيرها وقال ابن مفلح الحنبلي : وتجوز إقامتها فيما قارب البنيان من الصحراء ، وأنه لا يُشترط لها البنيان ، لقول كعب بن مالك : إن أسعد بن زرارة أول من جمع بنا في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له نقيع الخضمات قال كم كنتم يومئذ قال أربعون رجلا رواه أبو داود والدارقطنى قال البيهقي حسن الإسناد صحيح قال الخطابي حرة بني بياضة على ميل من المدينة وقياسا على الجامع وظاهره وإن لم يكن عذر . اه . وهذا مارجّحه ابن قدامة في المغني ، وهو أنه لا يُشترط البنيان لإقامة صلاة الجمعة . فلو صَلّى أهل بلد في العراء جاز ، وصَحّت صلاتهم . وليس معناه أن يُصلِّي أهل البوادي وأهل البراري في الصحراء . ويظهر والله أعلم إنه ما هناك مانع شرعي يمنع إقامة صلاة الجمعة خارج المساجد وإذا أتفق أهل البلد وجمعوا أكبر جمع في البلد في مكان واحد ليصلوا الجمعة فيه داخل خطة البلد أحب من التفرق في الجوامع إذ لم يكونوا مخالفين لمقصد الشرع والله أعلم