الرأسان يتقنان، والى ابعد مدى، ثقافة الصفقة، الاول تحت عباءة الايديولوجيا، حتى ان سمير امين كان يسأل ما اذا كان حسن البنا هو من انشأ «الاخوان المسلمين» ام نيكولو مكيافيلي، و الثاني على متن الدبابة التي لم تعد تستعمل، وفي الدولة العربية المركزية، الا في الميادين والازقة... من سنوات وسنوات، يحكى في مصر عن الغناء الهابط، وحيث تحل روبي محل ام كلثوم، وعن السينما الهابطة، وحيث التهريج يحل محل الابداع، وعن السياسة الهابطة، وحيث يتم ايفاد موظفة من الدرجة الثالثة في وزارة الخارجية الاميركية( كاترين هيوز) لتهنئة رئيس الجمهورية بمناسبة انتخابه للمرة الخامسة.. الآن، يحكى عن السيناريو السياسي الهابط. من لا يعرف ان الاعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية قد ارجىء من اجل اعطاء الوقت الكافي، والضاغط بطبيعة الحال، للتفاهم، او بالاحرى، للتواطؤ بين العسكر و«الاخوان». اي «اخوان مسلمين» حين يقبلون بانتخابات رئاسية دون ان يكون هناك دستور يحدد صلاحيات الرئيس؟ واي «اخوان مسلمين» حين يقبلون بانتخابات رئاسية في ظل ذلك الاعلان الدستوري المكمل الذي هو الوجه الآخر للبلاغ رقم واحد؟ واي «اخوان مسلمين» حين يقبلون بانتخابات رئاسية على وقع احكام المحكمة الدستورية المعينة في عهد مبارك، الذي لا يزال ساري المفعول على كل حال، والتي وضعت صلاحيات التشريع والنقض بين يدي الجنرالات الذين ولد معظمهم في قرون غابرة( تأملوا في وجوههم)؟ واي «اخوان مسلمين» يجهدون لوضع ايديهم على كل شيء ويساومون على كل شيء؟ هم الذين دمروا الثورة والثوار. هكذا تفعل السلطة بمن يرفعون شعار « الاسلام هو الحل»، ومتى كان الاسلام يقول بالانتهازية، وبالاستئثار، وبالزبائنية، وباستجرار الاموال من هذا البلاط او ذاك؟ احدهم، ولاحظوا بلاهة الفتاوى التي تستشري في هذه الايام، اعتبر ان المساعدات الاميركية التي تمنح الى مصر انما هي بمثابة جزية، اي ان محمد مرسي، في حال تتويجه خليفة في مصر، سيقبض الجزية من باراك اوباما، باعتبار ان الرئيس الاميركي من اهل الذمة. و المثير انه حتى الآن لم يتهمه احد بالردة ويقيم عليه الحد باعتباره كان مسلما واعتنق ديانة اخرى. لا فتوى حتى الآن...بالنطع! الثورة بدت في ايامها الاولى، وفي اسابيعها الاولى، نبيلة، براقة، واعدة. الوجوه، الدماء، الصرخات، كان لها شكلها الآخر. شكل الثورة فعلا، الى ان بدأ «الاخوان المسلمون» في اللعب بكل الخيوط، ودون ان نتهم الجميع بذلك النوع الرديء من الانتهازية، فثمة من لزموا المنازل، او المساجد، احتجاجاً على لعبة العباءة و الخنجر، فقد كان واضحا من البداية ان الجنرالات( السلاطين) فعلوا ما فعلوه للالتفاف حول الثورة او لتفريغها من الناس ومن القضايا، ولا نقول تفريغها من الاحلام... « الاخوان المسلمون» كانوا يدركون ذلك، بل ان بعضهم حذر علناً من الوقوع في المصيدة. هذا لم يحل دون الانزلاق، حتى ان بعض القادة كانوا، ومازالوا، يعتبرون ان العلمانيين والليبراليين واليساريين، اشد خطرا من العسكر، وينبغي اقصاؤهم بأي ثمن، فهل قرأ هؤلاء الناس حقا كتب حسن البنا، وكلامه عن الاخلاق في الاسلام؟ الارقام اظهرت كيف ان الثورة وئدت في المهد. 50 مليون مصري وضعوا، وعبر سيناريو اعد باتقان، بين محمد مرسي واحمد شفيق، والاثنان لا يمتان بصلة لا لمفهوم الثورة ولا لمفهوم الحداثة التي هي احدى الديناميات الفلسفية للثورة. احدهم قال ان الطوابير التي اصطفت امام مراكز الاقتراع انما وجدت هناك لتشييع الثورة. نصف المصريين لم يقترعوا احتجاجا او قنوطا، بل ان الكثيرين اعلنوا رفضهم المشاركة في «حفل التواطؤ». هل تعلمون لماذا عقد احمد شفيق مؤتمره الصحافي ( الهابط) مساء الخميس؟ لاحظتم نظرته العسكرية، ونبرته العسكرية، وثقته العسكرية بالفوز. ولو اعلن فوزه فعلا،الم يكن ذلك بفعل انتهازية «الاخوان المسلمين» الذين باعوا الثورة، ومنذ الايام الاولى، من اجل السلطة. وحتى لو اعلن فوز مرسي، وقد يكون المؤتمر الصحافي لشفيق ورقة الضغط الاخيرة و القاتلة، فإن «الاخوان» ليسوا كل مصر بل ربع مصر في افضل الاحيان... الاثنان تقاسما عدد الناخبين، والخبراء يقولون ان ما بين 10 و 15 في المئة من الناخبين اقترعوا لمرسي خشية عودة «العهد البائد»، حتى اذا ما جرت انتخابات مجلس الشعب، اثر ابطاله من المحكمة الدستورية، فستكون النتائج مثيرة، الا اذا كانت الصفقة، وما بعد الصفقة، اي ذلك الكوندومينيوم بين الدبابة و القرآن. لا العسكر وضعوا الدبابة في مكانها الصحيح، ولا « الاخوان» وضعوا القرآن في مكانه الصحيح... مصر الآن في المكان، و الزمان، الخطأ!