تناقلت الوسائل الإعلامية مؤخراً خبراً ليس جديداً من نوعه، لاسيما أن الخبر يتعلّق بفتاوي الشيخ يوسف القرضاوي، الذي يعتبر المرجع الروحي لجماعة الإخوان المسلمين ، فقد تعوّد الناس، على اختلاف انتماءاتهم السياسية والدينية على ما يصفونه بغرابة فتاوي القرضاوي المتحيّزة والتي دائماً ما تأخذ طابعاً سياسياً أكثر منه دينياً، وآخر فتاوي القرضاوي كانت "مقاطعة ما وصفها بالبلاد الفاجرة والعدوة، روسيا، الصينوإيران؛ معللاً سبب الفتوى بأن هذه الدول الثلاث تدعم نظام الأسد ، وقد اعتبر الشيخ القطري الجنسية، والمصري الاصل، في خطبته التي ألقاها من احد مساجد العاصمة القطرية، أن "على العالمين العربي والإسلامي الوقوف بوجه روسيا ومقاطعتها، فهي تقف في مجلس الأمن موقفاً مناصراً لسوريا لذلك يجب مقاتلتها" القرضاوي في خطبته : “يجب أخذ العلم أن الذي يقاتلنا، ليس النظام السوري وحده، بل يقاتل معه الصينيون والروس والإيرانيون الذين يقاتلون برجالهم وأسلحتهم وأموالهم ويقدمون الملايين للميزانية السورية" وتابع: “إيران أيضاً هي عدوتنا، عدوة العرب، الإيرانيون يقفون ضد العرب من أجل ان يقيموا إمبراطورية فارسية، كذلك عن طريق حزب الله الذي يرسل رجاله للقتال بسوريا ويعودون منه بالصناديق" هذا وكان القرضاوي قد طلب من الحجّاج، قبيل مغادرتهم إلى مكة لأداء فريضة الحجّ، بالدّعاء على الإيرانيين والروس والجيش السّوري النظامي. هذه الفتوى أحدثت جدلاً مغربياً لاسيما في الأوساط الاسلامية، التي ردت بردود خجولة العدد، وذلك حرصاً على ما أسمته "أبوية" القرضاوي على الحركة الإسلامية، أما من هذه الردود وتعليقاً على الفتوى ، اعتبر إدريس هاني، أحد أبناء الحركة الإسلامية المغربية، في مقابلة صحافية أجريت معه، أن " فتوى القرضاوي الأخيرة جاءت في سياق مشحون بالفتنة الطائفية"، لاسيما الشّق المتعلّق بالدعاء على إيران بموسم الحج، كما حمّله مسؤولية "تأجيج هذه الفتنة لأسباب سياسية". ومن فتاوي القرضاوي التي لاقت استهجاناً اقليمياً عربياً أيضاً، فتوى كان قد أفتاها مع بداية السنة ، تحرّم زيارة القدس الشريف والمسجد الأقصى، والتي وصفتها حركة فتح آنذاك ب"التساوق مع السياسة الإسرائيلية الهادفة لعزل المدينة المقدسة والمقدسيين عن محيطهم الفلسطيني والعربي والإسلامي". نهج المرجع يوسف القرضاوي الديني، يعتبره البعض نهجاً سياسياً بامتياز،ولايستند إلى الشريعة الاسلامية في إطلاق الفتاوي والخطب الدينية، خاصة تلك التي تحمل في نصوصها ما يساعد على اتساع الشرخ بين صفوف المسلمين والعرب، ويفرّق العالم بدلاً من أن يجمعه ويقرّب بينه بتلاحم، كما تنصّ الكتب السماوية والسّنن النبوية. الدكتور مصطفى بنحمزة، رئيس المجلس العلمي المحلي لمدينة وجدة المغربية، وفي مقابلة صحافية أجريت معه بالخصوص، أعرب عن "عدم اتفاقه كُليا مع دعوة القرضاوي حجاج بيت الله بالدعاء على إيران بالويل والثبور، باعتبار أن ذلك قد يُفضي إلى حالة من عدم الاطمئنان في صفوف الحُجاج"، مضيفاً "أن الناس قد يتخوفون من أداء هذه الفريضة العظيمة بسبب مثل هذا النوع من الدعوات" وقال بنحمزة " إن دعوة القرضاوي قد تثير النعرة الطائفية بين المسلمين، كما أنها جانبت الصواب والحكمة، لأن موسم الحج يقتضي توفر الأمن والوحدة بين المسلمين" لقد وجدت الأديان لرأب الصراعات والخلافات على أنواعها، ولتكون أيضاً دستور حياة ومحبة وأخلاق، لكن حين يتحوّل الدين وسيلة لنشر البغض والكراهية وتفريق جموع الناس، فهنا ضرورة فصل الدين عن القرارات السياسية أو معالجة وضع استغلاله في الاجندات السياسية المختلفة لأي طرف كانت، ومراقبة مضامين نصوص الفتاوي والدعوات على اختلافها ومن كل الجهات الصادرة عنها؛ توخياً لحقن دماء الناس، حفاظاً على قدسية الدين ورسالته، وحفاظاً على السلام العالمي.