"تخلّطت وتجلّطت وطلع خزها فوق ماها ... ليس هناك ربما أكثر دلالة من هذا المثل الشعبي الجزائري للتعبير عن التطور الأمني الخطير في الجزائر، بعد الهجوم الإرهابي في عين أمناس وتدخل الجيش الجزائري هناك بتكاليفه الباهظة في الأرواح وعلى صورة البلاد. هذا التطور الخطير الذي يثير الجدل والتساؤلات والمخاوف، جعل الجزائر تتصدر هذا الأسبوع عناوين وسائل الإعلام العالمية ولأبشع الأسباب وأكثرها سلبية .. كنت أتابع بأسى وحزن اسم الجزائر يتردّد مرتبطا مرة أخرى ب "الإرهاب والموت" والأخطر من هذا بتشبيهات مخيفة تربط "منطقيا" ما حدث في عين أمناس بالتدخل الفرنسي في مالي.. تشبيهات بين الوضع في الجزائر وجارتها الجنوبية مالي، وبين الوضع في باكستان وجارتها أفغانستان. قد تبدو هذه المقارنات "مفزعة" ولكن للأسف قد تصبح غير بعيدة كثيرا عن الواقع خاصة مع التطورات التي تعرفها المنطقة والتي زادت "تخلطا" و"تجلطا" منذ التدخل الفرنسي في مالي، والتي كان انعكاساها على الجزائر سريعا، وخلال بضعة أيام بذلك الهجوم الإرهابي في عين أمناس.. هذه التطورات الخطيرة التي ترسمُ سيناريو "مرعباً" في المنطقة اسمه "ماليستان" من "جزائرستان"!. الهجوم الإرهابي في عين أمناس، والذي يتردّد أن من يقف وراءه المدعو مختار بلمختار "الأعور" أو "أبومارلبور" قائد ما يسمى بكتيبة "الموقعون بالدماء"، والذي لفت انتباهي أن الصحف البريطانية مثلا أفردت له مساحات معتبرة، وأجمعت على وصفه ب "مستر مارلبورو" لارتباطه بتهريب سجائر "المارلبورو"، من بينها صحيفة "التايمز" اللندينة، والتي عنونت بروفايلها عنه ب"مستر مارلبورو .. اللص (أوقاطع الطريق) الأعور ذو العين الواحدة الذي تحوّل إلى خاطف للرهائن"!، يثير أسئلة كثيرة مثلما يثيرها التدخل الفرنسي في مالي، ولعل أبرز هذه الأسئلة: هل بدأ "عش الدبابير" الذي حرّكته فرنسا بتدخلها العسكري في مالي .. تفريخَ سمومهِ في الجزائر؟! تدخلٌ عسكريٌ فرنسي مازال يثيرُ جدلاً واسعا في الجزائر خاصة بعد إعلان باريس عن سماح المسؤولين الجزائريين وبدون تردّد بمرور الطائرات الفرنسية عبر الجزائر للقيام بعملها العسكري في مالي. اللافت أن التدخل العسكري الفرنسي، الذي بدأ في 11 جانفي 2013، أي عشية السنة الأمازيغية الجديدة 2963، وهو تقويم أمازيغي وإن يؤكد شيئا فإنه يؤكد على عراقة 4 مناطق ضاربة في عمق التاريخ بتقويم سبق ميلاد المسيح بأكثر من تسعة قرون..عام أمازيغي جديد بدأ في الجزائر والمنطقة بتحديات ومخاوف من تداعيات التدخل العسكري الفرنسي في الساحة الخلفية الجنوبية للجزائر، أي في شمال مالي.. شمال مالي، الذي ربما يفوت البعض أيضا أن ما يجمع بينه وبين الجزائر ليس الجغرافيا فقط، إنما التاريخ والدين وحتى التقويم الأمازيغي نفسه. قد يكون عنوانُ مبرر التدخل الفرنسي هو مواجهة الجماعات الإسلامية المسلحة، التي سيطرت على المنطقة، لكن خلفَ هذا العنوان الكثير من التفاصيل والحسابات والمصالح في منطقة، الأزمة فيها ليست جديدة إنما تعود إلى ستينات القرن الماضي عندما ألحقت فرنسا الاستعمارية سكانها وغالبيتهم من التوارڤ الأزاواد بدولةِ مالي.. منطقة الأزواد، التي من المفروض أن الجزائر تعرف فِخاخهَا وقنابلها الموقوتة، حتى قبل استقلالها، أوليس الاسم الثوري لرئيس الجزائر الحالي عبد العزيز بوتفليقة أثناء الثورة التحريرية هو "عبد القادر المالي"، لكن هذه "المعرفة الجزائرية" يبدو أنها أصبحت تَطرح أسئلة أكثر مما تقدم إجابات!. "معرفة جزائرية" غابت في مالي، ولكنها تبقى حاضرة بقوة في "التخلاط السياسي" في الداخل، وفي هذا السياق أليس غريبا أنه فيما كان دخان النيران الفرنسية في مالي بدأ التحليق في سماء الجزائر فإن البعض كان يريد تغطية دخان هذه النار ببالونات اختبار تطلعُ من تسريبات صحافية عن الترتيبات المتعلقة بالانتخابات الرئاسية المقبلة.. وبالون اختبار جديد يتراقص على نغمة جديدة عنوانها ليس العهدة الرئاسية الرابعة.. إنما العهدة الثالثة والنصف! ( على وزن الوحدة ونص!).