مرة أخرى تجدد إيران سياسة التحدي وتواصل استفزاز دول الجوار بعرض برامج عسكرتها. فمن يشاهد الاستعراضات العسكرية الإيرانية لا بد أن تزداد هواجسه ويتجه الى تسليح بلاده وعسكرتها أيضاً للمحافظة على المصالح والوجود. وبدل أن تهدئ قيادة المرشد اللعب مع العالم وتوقف استفزاز المنطقة، تعرض ما لديها من سلاح، وتحرص على عرض الجديد الى حد المبالغة. ومع أن معظم الأسلحة الإيرانية لا تعني شيئاً في موازين القوى مقارنة مع الجهد العسكري الغربي، فإنها تشكل مصدر تهديد جدي وخطير للدول العربية، خصوصاً في الخليج والعراق وصولاً الى البحر الأبيض المتوسط. ويعني ذلك أن نظام المرشد لا يتغير ذاتياً ولا بد من العمل على وقف التهديد بكل الطرق المشروعة المتاحة. تقنية متخلفة مهما عرض النظام وأخفى وتستر، فإنه يعاني من وقع العقوبات المفروضة عليه في المجالات التكنولوجية، وإلا أفلم يكن ممكناً اختيار عدد محدود من الطائرات المشاركة في العرض بما يمنع وقوع حوادث كما حصل بسقوط طائرة أثناء العرض؟ الشيء الواضح أن القوات الجوية وغيرها من الفروع التي تضم أسلحة التأثير الفعال في الحرب، تواجه معضلات جدية في مفاصل التطور التكنولوجي. فمن السهولة أن تعرض سلاحاً بشكل مثير للرهبة والإعجاب، لكن العبرة تكمن في قدرته الفعلية على تحقيق أرقام مهمة في جداول المجابهة المحتملة مع الأطراف التي تتصدى لمشاريع نظام المرشد التوسعية. لكن هذه القواعد لا تنطبق مقارنتها على كل من يناصبه النظام العداء، فالصاروخ الأعمى يؤثر على دول الجوار لأن وصوله الى الهدف العام ممكن. من بدأ الحرب؟ ملأ نظام الخميني ووريثه نظام المرشد العالم ضجيجاً عن حرب السنوات الثماني، المؤسفة والمؤلمة، متهماً النظام العراقي السابق ببدئها، فيما بقي العراقيون يرفضون ما يقوله الخمينيون. وبمرور الوقت فقدت الحجج الخمينية صدقيتها، من خلال ممارسة سياسة الاستفزاز والتعدي على مصالح الآخرين، مما يدفع العالم والمنطقة الى مزيد من التوتر، وكثير من التوتر ينتهي بحرب. الحقيقة التي لا لبس فيها أن أحقاد بعض أطراف نظام الخميني وأهدافها التوسعية وما يسمى بتصدير الثورة، بذرت نواة الحرب مع العراق، والشيء المؤكد أن القوات العراقيةوالإيرانية تراشقت بالنيران وتناوبت بهجمات مسلحة أو بنيران المدفعية عبر الحدود قبل عدة أشهر من الثاني والعشرين من سبتمبر الذي بدأت فيه الصفحة التي سميت عراقياً بالرد الواسع. وأعلنت إيران تعبئة أعطت دليلاً على النيات البعيدة والقريبة. رافق ذلك رفض إيراني تطبيق فقرات مهمة من اتفاقية الجزائر لعام 1975، وبدأ الخميني بتحريض العراقيين والجيش العراقي للتحرك ضد نظام الحكم وإسقاطه، مما شكل استفزازاً كبيرًا للقيادة العراقية آنذاك. وهكذا انزلقت المواقف الى حرب السنوات الثماني التي كان ممكناً تلافي وقوعها لولا الشد غير الطبيعي على الطرفين. لكن المدهش أن القيادة الإيرانية لم تتغير وبقيت توجهاتها كما هي، وإن الفارق بين اليوم والأمس هو فقط في غياب الحاكم المقابل لإيران الذي لديه الاستعداد للرد عسكرياً.