لا زالت تداعيات قرار السلطة الفلسطينية بإرجاء البحث في تقرير "جولدستون" الذي يدين إسرائيل بارتكاب جرائم حرب خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة، تلقي بظلالها على الشارع الفلسطيني خاصة أهالي شهداء محرقة غزة الذين طالبوا ومعهم مؤسسات حقوقية تنشط في الأراضي الفلسطينية بملاحقة الرئيس الفلسطيني محمود عباس وكل المسؤولين عن هذا القرار. واتهمت أسر الشهداء السلطة الفلسطينية بالخضوع للضغوط الأميركية والإسرائيلية التي تعرضت لها من أجل التقدم بطلب عبر باكستان، لتأجيل مناقشة تقرير ريتشارد جولدستون الذي يتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في غزة، ستة أشهر في مجلس الأمن. وأثار موقف السلطة الفلسطينية بشأن طلب سحب التقرير ردود فعل دولية وفلسطينية سياسية وأهلية غاضبة، وذلك في الوقت الذي حملت مصادر فلسطينية رئيس حكومة تصريف الأعمال سلام فياض المسؤولية المباشرة عن سحب السلطة الفلسطينية دعمها لمشروع جولدستون. في هذه الأثناء، قالت مصادر فلسطينية لجريدة "الوطن" السورية إن "سلام فياض تحول من رئيس حكومة لفلسطين إلى محامٍ مدافع عن حق إسرائيل في قتل الأطفال والنساء والشيوخ في قطاع غزة على مدى ثلاثة وعشرين يوماً". واعتبرت المصادر أن "فياض باع أشلاء أطفال غزة المحترقة بالفوسفور الأبيض المحرم دولياً، بثمن بخس في سوق الضغوط الأميركية والإسرائيلية التي سرعان ما خضع أمامها"، موضحة أن فياض "تخلى عن أرواح أمهات غزة اللواتي سقطن في جحيم الطائرات العدوانية، من أجل فتات المشاريع الاقتصادية الموعود بها". وشددت المصادر أن "رئيس كتلة ما تعرف بالنائب الواحد في المجلس التشريعي الفلسطيني، لم يكترث بالضحايا المدنيين في غزة الذين لم ترحمهم الصواريخ الإسرائيلية، فتم بفضله سحب دعم الحكومة الفلسطينية في رام الله لمشروع قرار مناقشة تقرير جولدستون". وقالت المصادر التي رفضت الكشف عن هويتها أمس السبت إن فياض تلقى اتصالات من واشنطن وتل أبيب "وصلت إلى حد التهديد بقطع كل المساعدات"، وإنه عقب الاتصالات، قام بممارسة ضغوطات على السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس لسحب القرار لأن ذلك سيشكل عقبة كبيرة أمام المشاريع الاقتصادية في الضفة مما ينعكس سلبا على أداء حكومته. وأسفر تراجع السلطة الفلسطينية، إلى جانب الضغوطات الأميركية والإسرائيلية، عن تأجيل الأممالمتحدة يوم الجمعة اتخاذ أي خطوات بشأن التقرير. وجاء ذلك بعد تهديد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الخميس الماضي بأن تبني الأممالمتحدة للتقرير سيشكل ضربة لعملية السلام في المنطقة. دعوات لملاحقة مسئولي السلطة
ضحايا المجازر الاسرائيلية في غضون لك، قالت مؤسسات حقوقية في مؤتمر صحفي عقدته السبت في مدينة غزة السبت، "أن التبريرات التي قدمتها القيادة الفلسطينية فيما يتعلق بقرار تأجيل التصويت غير ملائمة، وأن الادعاء بعدم توفر الإجماع لصالح القرار لا يمكن قبوله بأي حال من الأحوال، إذ أن الإجماع ليس متطلباً لصدور القرار عن مجلس حقوق الإنسان، حيث تعمل مؤسسات الأممالمتحدة وفق مبدأ الأغلبية". وأضافت أنه ومنذ أن احتلت "إسرائيل" الأرض الفلسطينية في العام 1967 فإن القرارات ذات الصلة الصادرة عن مختلف أجسام الأممالمتحدة لم تصدر بالإجماع إلا فيما ندر, موضحة أن الأممالمتحدة أنشِئت لتمثل إرادة شعوب العالم ومن المحتم أن يكون هناك عدم توافق أو اعتراض من قبل هذا الطرف أو ذاك، ولأجل ذلك تؤخذ القرارات بالأغلبية. واعربت عن ادانتها الشديدة لقرار القيادة الفلسطينية بتأجيل التصويت على اقتراح بتبني كافة توصيات بعثة تقصي الحقائق، والضغط الذي مارسته بعض أطراف المجتمع الدولي، فهذا الضغط يتناقض مع الالتزامات الدولية للدول، ويشكل إهانة للشعب الفلسطيني, مؤكدة أن انتهاكات القانون الدولي تتواصل إلى يومنا هذا من خلال الحصار الإسرائيلي الجائر المفروض على غزة، إلى جانب أمور أخرى. وحسبما ذكر موقع "عرب48" الالكتروني، أوضحت تلك المنظمات أن الظلم الذي يقع على الفلسطينيين الآن هو ظلم لكل إنسان في هذا العالم، "حيث لا يخضع القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي للتمييز، ولا يعتمدان على القومية أو الديانة أو الانتماء السياسي، بل إنهما ينطبقان على كافة البشر في أرجاء العالم". وقالت "إن الغرض من سيادة القانون هو حماية الضحايا، وإذا لم يتم احترام القانون فإن من غير الممكن إنفاذه، وقد أثبت التاريخ العالمي والاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية بأن الحصانة طالما بقيت، فإن الانتهاكات للقانون ستتواصل، وتتواصل معها معاناة المدنيين من عواقبها الوخيمة". ولفتت إلى أن المدنيون الأبرياء هم من يعانون من تلك العواقب الوخيمة، مؤكدةً أن الوقت حان الوقت للسعي نحو تحقيق العدالة، وسلام مبني على أساس حقوق الإنسان، والكرامة، وسيادة القانون. والمؤسسات الدولية التي صدر عنها هذا البيان هي" مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان،مؤسسة الضمير لرعاية المعتقلين وحقوق الإنسان، مؤسسة الحق، مركز الميزان لحقوق الإنسان،منظمة الدفاع عن الأطفال – فرع فلسطين عدالة – المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في "إسرائيل"، الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، مركز رام الله لحقوق الإنسان، مركز المرأة للمساعدة والاستشارات القانونية، المؤسسة العربية لحقوق الإنسان، اتجاه – اتحاد المنظمات الأهلية العربية في الداخل، الجمعية الوطنية للديمقراطية والقانون ومن جهتها عبرت شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية عن صدمتها واستنكارها لموقف السلطة الفلسطينية بطلب تأجيل تصويت مجلس حقوق الإنسان في جنيف على تقرير القاضي ريتشارد غولدستون حول التحقيق في جرائم الاحتلال الإسرائيلي خلال الحرب على قطاع غزة. واعتبرت الشبكة في تصريح صحفي أن طلب السلطة الوطنية بالتأجيل يقدم خدمة مجانية لمجرمي الحرب الإسرائيليين ويساعدهم في محاولاتهم الإفلات من تبعات جرائمهم، لا سيما في ظل عدوان إسرائيل المتكرر وتصعيد سياستها الاستيطانية والتوسعية في القدس وباقي الأراضي الفلسطينية. الفضيحة وكشف المستور
وكان مجلس حقوق الانسان قرر الجمعة تاجيل التصويت على قرار بشان تقرير المحقق الجنوب افريقي ريتشارد غولدستون والذي يتهم اسرائيل بارتكاب "جرائم حرب" خلال العدوان على غزة في كانون الاول/ديسمبر وكانون الثاني/يناير الماضيين، الى جلسته المقبلة في اذار/مارس 2010. واعترضت الولاياتالمتحدة التي حصلت مؤخرا على مقعد في هذا المجلس الذي كانت تقاطعه، خلال النقاشات على مشروع القرار هذا الذي يؤكد ويتبنى توصيات غولدستون بعد تحقيقاته حول الهجوم على قطاع غزة نهاية 2008. كما ابدى الاتحاد الاوروبي التحفظات نفسها على مشروع القرار الذي قدمته حركة عدم الانحياز ومنظمة المؤتمر الاسلامي والمجموعة العربية. وكان المندوب الفلسطيني لدى الأممالمتحدة في جنيف، إبراهيم خريشة، قال إن الفلسطينيين ليس لديهم الحق من الأساس بطلب سحب القرار، مفسرا ما جرى بأنه كان نتيجة اتفاق دول إفريقية وعربية وإسلامية على تأجيل النظر في القرار لدورة المجلس المقبلة. وأفاد بأن دولا كثيرة أكدت حاجتها لمزيد من الوقت لدراسة التقرير، المكون من 600 صفحة ويضم عشرات التوصيات والاستخلاصات. وأضاف خريشة إن الفلسطينيين "يفضلون أن يحصل القرار على إجماع المجلس، حتى تنبثق عنه قرارات مهمة تنصف حق الفلسطينيين، ولذلك، فضلوا منح المزيد من الوقت للدول لدراسة التقرير، ومناقشته في مارس". ولكن الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو فضح المستور وأكد أن الولاياتالمتحدة والسلطة الفلسطينية اتفقتا سويا على قرار الأممالمتحدة بتأجيل التصويت على تقرير جولدستون الخاص بالحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة. واضاف أوغلو، إن التأجيل جاء بناء على اتفاق أميركي مع السلطة الفلسطينية قبلت به منظمة المؤتمر الإسلامي. من جانبه، نفى أمين سر المجلس التشريعي الفلسطيني محمود الرمحي أن تكون الدول العربية طلبت التأجيل، مؤكدا أن من طلب تأجيل التصويت هو السلطة الفلسطينية. وقال إن محاولة التبرير بأن الدول العربية هي من أراد ذلك أمر "غير صحيح"، واعتبر طلب السلطة تأجيل إصدار القرار "طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني وتنكرا لدماء وجرحى غزة. أسرار تنازل عباس
الرئيس الفلسطينى محمود عباس في غضون ذلك، أعرب مصدر بمنظمة سياسية دولية موجودة فى غزة والأراضى الفلسطينية عن الانزعاج الشديد من تنازل الرئيس الفلسطينى محمود عباس "عن السعى لإدانة إسرائيل على الأقل لما ارتكبته بحق مواطنيه" من الفلسطينيين فى غزة خلال الحرب الأخيرة نهاية العام الماضى وبداية العام الجارى. وقال لجريدة "الشروق" المصرية الاحد "إن قرار (عباس) خاطئ وستكون هناك تبعات مضرة له ولحركة فتح وللتوازن السياسى الفلسطينى الداخلى". وحسب المصدر نفسه الذى تحدث مشترطا عدم ذكر اسمه أن هناك أسبابا معقدة وراء قرار عباس مطالبة مجلس حقوق الإنسان الدولى فى جنيف أمس الأول إرجاء مناقشة تقرير القاضى ريتشارد جولدستون الذى انتقد الانتهاكات الإنسانية بحق المدنيين الفلسطينيين خلال حربها الأخيرة على قطاع غزة المحاصر والتى وصف التقرير بعضها بأنها تصل إلى جرائم حرب مباشرة ومتعمدة. وقال المصدر إن "الأمر ليس سرا" لأن أبناء شخصيات قيادية فى السلطة الفلسطينية لديهم مصالح اقتصادية هائلة يمكن لإسرائيل عرقلتها، كما أن إسرائيل لديها ما يثبت قيام جهاز الأمن التابع للسلطة الفلسطينية بتوفير معلومات لإسرائيل فى إطار التعاون الأمنى الموثق بين الجانبين حول نشاطات المقاومة الفلسطينية فى غزة. وأضاف أن تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بوقف التعاون مع المنظمات الإغاثية الدولية و«تجميد» التجاوب مع الجهود الأمريكية الهادفة لاستئناف التفاوض دفعت بعباس لاتخاذ هذا القرار. وحسب المصدر نفسه، فإن هذا القرار "سيتسبب فى كارثة إن لم يكن الآن فسيكون فيما بعد" لأن كوادر حماس لن تقبل بمثل هذا الأمر وستلجأ لاحقا إلى "الانتقام" من كوادر فتح لدماء الفلسطينيين من أهل غزة التى تديرها حماس منذ أكثر من عامين. وتسبب القرار "بصدمة وإحباط شديدين" للوفود العربية والإسلامية والأفريقية التى كانت تعمل بجد لجمع أصوات مؤيدة لتحويل التقرير الحقوقى لمجلس الأمن الدولى لمحاولة استصدار إدانة دولية لارتكاب إسرائيل جرائم حرب بحق الشعب الفلسطينى الأعزل والمحاصر فى غزة. وقال مصدر ل "الشروق" من جنيف شريطة عدم ذكر اسمه "إن ما قام به عباس فضيحة سياسية وأخلاقية كبرى.. لقد نزل قراره ك«دش بارد، وأصابنا بالوجوم".