يبدو ان ما بنته الجزيرة خلال السنوات الماضية بصبر وجهد ودأب من شعبية ومصداقية معرض للتآكل والإنهيار ، وتأثيرها الكاسح في طريقه الى التلاشي والإضمحلال أمام ما يبدو خروجاً فاضحاً عن النهج الذي عرفت به في عدم الإنحياز في القضايا العربية الداخلية ، اذ أصبح واضحا اليوم ان الجزيرة قد تخلت تدريجياً وتحديداً منذ وصول الإخوان الى الحكم في مصر عن حياديتها وبدت اكثر انحيازا للإخوان وحكمهم ، ثم تحولت الى الإنحياز الكامل بعد قيام الجيش بحركتة التي ازاح بها الرئيس الإخواني مرسي عن سدة الرئاسة ، ثم تحولت الى وسيله اعلامية إخوانية بالكامل بعد قيام الجيش المصري بفض اعتصامات الإخوان في ميداني النهضة ، ورابعة العدوية . لم يعد احد يصدق ماتنقله الجزيره باستثناء المنتمين الى الخط الإخواني او من يناصرونهم وهم لا يمثلون الا شريحة محدوده من المجتمع ، ليس لأن ما تنقله غير صحيح ، فبعضه او جزء كبير منه قد يكون صحيحا ، لكن ظهور القناة بمظهر المنحاز بشكل كامل لطرف معين وتغييب شبه كامل للرأي الآخر في صراع سياسي داخلي القى بظلال قوية من الشك على اداءها ورسالتها . هل هو تأثير الطابور الخامس الإخواني داخل الجزيرة ؟ لا يخفى على العامة الإنتماءات الإخوانية لبعض مقدمي البرامج في القناة ، لكن لأنه كانت هناك سياسية اعلامية واضحة ومحايدة فإن الإستنتاج المنطقي ان قدرة هؤلاء المقدمين كانت محدودة على تحويل برامجهم الى منابر دعائية للأجندة السياسية التي ينتمون اليها ... فما الذي حدث ؟ هل اصبح المخططون وراسمي السياسات في القناة من المحسوبين على هذا التيار السياسي؟ وقرروا الدخول بالقناة على خط المواجهة مع الغالبية العظمى لنصرة هذا التيار على ما عداهم من تيارات وقوى سياسية . كنا نتمنى ان لا ينظر القائمون الجدد على الجزيرة الى المتلقي العربي بانه صاحب عقل فارغ، وان بإمكان الجزيرة بقوة تأثيرها ورصيد مصداقيتها ان تحشوه بما يتوافق مع رؤية القائمين على القناة ثم تقوده الى حيث تشاء حتى لو لم ينسجم هذا الحشو مع حقائق الأمور ، ان مثل هذه النظرة سوف تكلف القناة شعبيتها وشارعها وما تبقى من رصيد مصداقيتها ، فالمتلقي العربي الذي اعطى الجزيره كل هذا التاييد والإلتفاف فعل ذلك لأن الجزيرة قدمت له الحقيقة التي كان يبحث عنها والتي كان النظام الرسمي العربي يحرص على إخفائها وتغييبها ، بالإضافة الى حرص القناة على الظهور بمظهر الوسيلة المحايده التي تتيح الفرصة لكل طرف ان يقدم براهينه وحججه ، ثم تترك للمشاهد استخلاص النتائج واصدار الأحكام ، وهذا هو بالضبط ما تفتقده الجزيرة اليوم . ان ما فقدته الجزيرة من مصداقيتها خلال شهور يعادل ما بنته من هذه المصداقية خلال سنوات واتوقع انها اذا استمرت بالسيرعلى هذا النهج ان تأتي على البقية الباقية من هذه المصداقية والشعبية ، ونكون بهذا قد فقدنا مبكرا وقبل الأوان اهم واشهر وسيلة اعلامية عربية ظهرت في تاريخ الإعلام العربي خلال القرن العشرين .