في عصر الفضاء وعولمة الكذب : الإعلام العربي بين تمجيد الذات والإفتقار الى الحيادية أستطاعت قناة «الجزيرة» قطرية المنشأ إستقطاب إعداد كبيرة من المشاهدين خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان في ظل أتباعها لسياسة الحيادية في التغطية الخبرية والتحليلية وغير ذلك من القواعد المهنية التي تجعل المشاهد في قلب الحدث وهذه السياسة الناجحة جعلت هذه القناة بغض النظر عن أختلافنا معها فيما يتعلق بعرضها للخريطة الفلسطينية مذيلاً عليها أسم إسرائيل لأن مثل ذلك يعتبر من باب الاعتراف الواضح بحق هذا الكيان الغاصب في أرض فلسطين منذ نكبة 48م إلا أننا نعتبر ذلك وجهة نظر خاصة بسياسة القناة وليس قراراً ملزماً لنا ولغيرنا لأننا في نهاية الأمر عندما نتحدث عن النجاح المهني لقناة فضائية أو وسيلة إعلامية فنحن نتحدث من زاوية المهنة بإعتبار المهنية هي المقياس الحقيقي لأي وسيلة إعلامية وقناة مثل الجزيرة رغم حداثة عمرها إلا أنها إستطاعت أن تشق طريقها في غمار المنافسة القوية والشديدة لتصبح في مقدمة القنوات العربية جميعها بل ربما القناة الأولى على مستوى المنطقة ومع أن هناك قنوات أخرى تبحث عن بصيص أمل أو خرم إبرة كما هو حال قناة «العربية» »إلا أن هذه القناة تبين من إنطلاقتها الأولى أنها غير محايدة ولا تنقل المعلومات والأخبار والتحاليل بأسلوب مهني خالي من «الدس» والأضافة والحذف والقص فعندما كان الناس يتابعون أخبار غزو العراق بقلق وخوف بالغ كانت هذه القناة أي «العربية» تبالغ في إنتصارات القوات الأمريكية كما هو الحال نفسه في تغطية العدو الإسرائيلي على لبنان حيث وصلت هذه القناة إلى نهر الليطاني قبل وصول القوات الإسرائيلية وعندما كنا نعود بالرموت الى قناة الجزيرة وقناة «المنار» التابعة لحزب الله نتأكد أن ذلك الوصول للقوات الإسرائيلية لم يتم وأنها ما تزال تقاتل في أطراف قرية «عيتاالشعب» ومارون الراس وبنت جبيل وهي قرى محاذية للحدود مع هذه الدولة المغتصبة للأرض العربية. وبناء على هذه السياسية التي تتبعها قناة العربية تكون قد خسرت ثقة أعداد لابأس بها من المشاهدين التي إستقطبتهم خلال الفترة الماضية.ممايعني خلاصة أن السير على أهواء الدول والأنظمة وإتباع مواقفها المتحركة لا يساعد أي قناة أو وسيلة على النمو والأنطلاق ولا يمكنها من التقرب إلى قلوب الجمهور الكادح والغفير على أمتداد الخارطة وهو الأمر الذي أدركته قيادة قناة الجزيرة وبناء عليه رسمت سياسة جديدة ومحايدة وغير مألوفة لدى المشاهد العربي الذي يرزح تحت إعلام حكومي وذو طابع رسمي ممل يجد ويجتهد في ملاحقة مسؤولي الدولة والحكومة «موطن القناة» ويقوم بتغطية أنشطتهم اليومية مع محاولة صبغها بطابع من هالة الأنجاز والمعجزة وهو الأمر الذي جعل ويجعل معظم المشاهدين يهجرون هذه القنوات لعدم قدرتها على تلبية ما يحتاجونه من أخبار ومعلومات وتحاليل ومواد ثقافية وسياسية هم في أمس الحاجة إليها لمعرفة ما يدور حولهم وبدلاً عن ذلك تلعب معظم القنوات الخاصة بالدول العربية أدوار مضادة لرغبة جماهيرها وتفرض عليهم جواً من الرتابة الإستخفاف بالعقول وكأنهم فقط القائمون على هذه الوسيلة الذين يملكون ذرة ذكاء وما عداهم لا يفقهون شيئاً.وعلى هذا الأساس تواصل هذه الوسائل إخفاقاتها على صعيد الرسالة الإعلامية وتصبح أقرب الى الأعباء على ميزانية دولها والجهات التي تمولها وهذا يوضح أن صناعة الإعلام الناجح يخضع الى معايير أهمها المصداقية والحيادية وإعطاء الرآي الأخر مساحة كافية للظهور بهدف إستقطاب المشاهد الآخر، والحرص على تسليط الضوء على الحياة الاجتماعية والثقافية من زوايا عدة وليس بالضرورة حصر الكلام على الجوانب المشرقة لأن إتباع مثل هذا النهج يمكنه أن يخبئ جوانب كثيرة ينخرها الأخفاق والفساد والعبث وقد لا تصلها يد الأصلاح والرقابة الحكومية والشعبية المتمثلة في المجالس والبرلمانات المنتخبة وعلى العموم الحديث عن الرسالة الاعلامية ذو شجون ويحتاج الى مساحات أكبر للشرح والنقاش غير أنني أوضح أنه لايمكن صناعة وسيلة اعلامية ناجحة بعيداً عن المعايير والقواعد المهنية التي تجد طريقها الى قلب المشاهد بدون أي أذن ولكن عبرة وعظة من قنوات عرفت طعم النجاح لإتباعها الأسس والقواعد الصحيحة للرسالة الاعلامية العصرية ومنها قناة الجزيرة وغيرها من الوسائل والقنوات الناجحة.وتزيد على ذلك من الناحية المادية أن الإعلام العربي هو الإعلام الأكبر كلفة من غيره لكنه في المقابل أقل تأثيراً بين جمهوره فما بالكم بالجمهور المضاد وأقصد بذلك الشعوب الغربية. وما حدث من رسوم مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم من قبل صحيفة دنماركية يعتبر دليل قاطع على قصور الإعلام العربي وعدم معرفة هؤلاء أي حقيقة عن أن ديننا الأسلامي دين التسامح ودين السلام والمحبة بين الشعوب والأمم هذا من جانب ومن جانب أخر فأن الإعلام العربي يستخدم كأداة لتصفية الحسابات بين الأنظمة والحكام اكثر مما يستخدم في مخاطبة الآخر وعلى هذا الأساس يكون الفشل على صعيدين داخلياً مع جمهوره وخارجياً مع المتلقي البعيد الذي لايجد ما يلفت نظره الى هذه الوسيلة اوتلك. كاتب عربي