المتتبع لسير الأحداث في اليمن يجد فكرة وجود تحالف مؤتمري حوثي طريقاً لها حتى أصبحت من المسلمات عند البعض، بينما يحاول المؤتمريون نفي "التهمة" الإخوانية ربما بقدر محاولة التجمع اليمني للإصلاح نفي تهمة أنهم فرع الإخوان المسلمين في اليمن.. فما الذي يجعل الإخوان المسلمين يجزمون بوجود هذا التحالف وما الذي يجعل المؤتمريين ينفون الفكرة من أساسها وبالشدة نفسها. أضلاع مثلث إن طبيعة الروابط المجتمعية اليمنية ولعل أهمها الرابط القبلي والعلاقات المتشابكة المعقدة التي تتسم بها القوى السياسية في اليمن تزيد من ضبابية علاقات القوى بعضها بعضاً، وتجعل من الصعوبة بمكان إثبات وجود تحالفات غير معلنة من عدمها ومن المهم التعريج على العلاقات بين مثلث القوى الفاعلة على الأرض (المؤتمر الإخوان والحوثيين) بعضها بعضاً إذا أردنا الخوض في ماهية العلاقة بين المؤتمر والحوثيين والتي يحبذ الإخوان تسميتها تحالفاً. فمن جهة، اضطر حزب المؤتمر الشعبي العام للانحناء -ولا يزال- لعاصفة الربيع التي اجتاحت بلادنا ، والتي تخف شدتها مع مرور الوقت، واستطاع امتصاص قوة الصدمة التي أصابته بانشقاق عدد من قياداته، ووقوف كثير من حلفائه إلى صفوف أعدائه، مستفيدين من محفزات إقليمية اعتقدت أن سقوط نظام يقوده المؤتمر لن يكون أصعب من سقوط نظام الحكم في مصر. ومن جهة ثانية، لم يدر في خلد الإخوان أن أنصار الله (الحوثيين) الذين وقف الإخوان إلى جوارهم طوال حروبه الست مع الجيش بالترويج لفكرة أنهم جماعة مضطهدة يقوم الجيش بمهاجمة عناصره ظلماً وعدواناً، والذين شاركوهم الخيام في ميادين التغيير يهتفون إلى جوارهم: (الشعب يريد إسقاط النظام).. إن هؤلاء في أقل من عام واحد سيكونون الحصان الأسود في مضمار عملية سياسية لم تخلُ من فواصل اضطرابات ومعارك عسكرية بين الجانبين (الإخوان والحوثيين) توزعت على مناطق شاسعة من شمال الشمال مروراً بالشمال والشرق والوسط. ومن جهة ثالثة، خطأ كارثي ارتكبه الإخوان (الإصلاح) ولم يترك لهم مجالاً لمراجعة حسابات قد يأتِ بها المستقبل، تمثل في مغالاتهم في عداء المؤتمر الشعبي وقيادته حد محاولة تصفيتهم، بحسب اتهامات مؤتمرية مبنية على التحقيقات الأولية لجريمة مسجد دار الرئاسة الإرهابية، بل وصل الفجور في العداء إلى المجاهرة بفرحتهم بارتكاب الجريمة فذبحت الذبائح وأطلقت الألعاب النارية. ووصل الفجور في العداء أيضاً حد مطالبة قيادات إخوانية عبر وسائل إعلام عربية باجتثاث المؤتمر الشعبي العام أسوة بالأحزاب الحاكمة في العراق ومصر وتونس. فما الذي كان ينتظره الإخوان من المؤتمريين بعد ذلك؟!
أصل المشكلة وبالنظر إلى تاريخ تحالفات المؤتمر مع القوى السياسية، لا توجد إشكالية في التقارب مع أي قوة سياسية فقد ائتلف مع الاشتراكيين بعد الوحدة، ثم تحالف مع الإخوان في 1994م ويتحالف الآن مع بعثيين وناصريين؛ ما يعني أن المؤتمر يستطيع التعايش مع القوى السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، بل إنه استطاع احتواء الآلاف من الكوادر المؤدلجة منذ تأسيسه والتي كان لها دور واضح في الذود عن الحزب عام 2011م. في المقابل هنالك مشكلة عويصة تتعلق بجماعة الحوثي تتمثل في التأطر سياسياً وتكوين حزب سياسي ما يعني تسليم سلاح الجماعة للدولة وحل ّالمليشيات والاكتفاء بالعمل السياسي.فعدم وجود نسق سياسي للحوثيين، ويبدو أن ذلك لن يكون قريباً، يحول دون وجود تقارب حوثي مؤتمري في المستقبل القريب (إذا افترضنا جزافاً وجود نوايا للتقارب) ناظرين بعين الاعتبار لدعوات صريحة أطلقتها قيادات حوثية لقادتهم للتشارك مع (عقلاء المؤتمر الشعبي والمعتدلين من الاشتراكيين) في مجابهة الإخوان المسلمين. وحتى حلّ المشكلة التنظيمية للحوثيين لن يجازف حزب سياسي مثل المؤتمر الشعبي العام في بناء علاقة سياسية مع مكوّن، لا نملك توصيفا له بناء على نشاطه على الأرض سوى (جماعة مسلحة) وإن ادعى قادتها توصيفات أخرى كقولهم إنها (حركة فكرية) فالراجح أنها منذ تصدرها نشرات الأخبار منتصف العقد الماضي والعنف المسلح أحد ملازماتها. لقد تعامل المؤتمر الشعبي العام بدهاء مع ملف الصراع الحوثي الإخواني دون أن يكون طرفاً في ذلك الصراع، وقد أعلن في أكثر من مناسبة أنه لا علاقة له بأي صراع مسلح على الأرض، مشيرا إلى أنه صراع إقليمي بأيادٍ يمنية، ولن يقحم نفسه في هذا الصراع. الإخوان من جانبهم بعد الهزيمة النكراء التي مُنيوا بها وجناحهم القبلي في معارك حاشد، حاولوا بشتى الطرق تعليق الهزيمة على شماعة (خيانة مؤتمرية) وبالتوقف ملياً أمام توصيف الإخوان السابق نستشف منه (غض الطرف) من جانب المؤتمريين باعتبار أن تلك المعارك لا تعنيهم في شيء، ولا تهم أحداً سوى طرفي الاقتتال. من اللافت أيضاً أن منظومة الإعلام المؤتمري فتحت أبوابها لجميع القوى التي لا تجد لها منبراً للتعبير عن آرائها ومواقفها السياسية، ومن بينهم الحوثيون أخبارهم وتصريحاتهم كان لها نصيب من تلك المساحة، ما أتاح لهم الظهور على مساحة أوسع من الوطن، والرد على كثير من الإشاعات التي كان يروج لها الإخوان بوتيرة عالية. لكن في مقابل ذلك، أظهر المؤتمر موقفه الحازم مما يجري عندما وصل التمدد الحوثي إلى ضواحي قريبة من العاصمة واضعا النقاط على الحروف ، ببيان صريح اعتبر الصراع الدائر بين الإخوان والحوثيين صراعاً بين قطر وإيران داخل الأراضي اليمنية، مشيراً إلى أن المؤتمر الشعبي ليس طرفاً في هذه الحروب داعيا الطرفين إلى التهدئة ، ولعل هذا البيان المهم يأتي ترجمة لبيان المؤتمر الذي سبقه المرحب بخطوة دول السعودية والإمارات والبحرين بسحب سفرائها من قطر، والترحيب بموقف المملكة العربية السعودية التي اعتبرت الإخوان المسلمين جماعات إرهابية وإن كان صدى البيان أقل حدة فيما يتعلق بالحوثيين.